باب : ما جاء في اجتهاد القضاة بما أنزل الله تعالى . لقوله تعالى : (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون )) . ومدح النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الحكمة حين يقضي بها ويعلمها . ولا يتكلف من قبله ، ومشاورة الخلفاء وسؤالهم أهل العلم . حفظ
القارئ : باب : ما جاء في اجتهاد القضاة بما أنزل الله تعالى لقوله تعالى : (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون )) ومدح النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الحكمة حين يقضي بها ويعلمها ولا يتكلف من قبله، ومشاورة الخلفاء وسؤالهم أهل العلم .
حدثنا شهاب بن عباس .
الشيخ : هذا باب يشتمل على مسائل أولا : اجتهاد القضاة بما أنزل الله وهذا واجب عليه والقضاة هنا يشمل بالمعنى الأول الحكام بين الناس، والمعنى الثاني : المفتين بالناس ، فإن المفتي لا شك أنه حاكم ، وكال منهم يلزمه الإجتهاد فيما أنزل الله ، والإجتهاد يستلزم القياس ، يعني المجتهد سوف يجتهد في النصوص والجمع بينها ويجتهد أيضا بالمسائل التي تشبه المنصوصة عليها ، ثم قال : لقوله تعالى : (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون )) ومن لم يجتهد بما أنزل الله فلم يحكم بما أنزل الله ، وهذا أحد الأوصاف الثلاثة ، التي ذكرها الله عز وجل في سورة المائدة ، فيمن لم يحكم فيما أنزل الله ، الظالمون ، والفاسقون ، والكافرون ، وقد اختلف العلماء في تخريج هذه الأوصاف الثلاثة ، فقال بعضهم إنها أوصاف لموصوف واحد ، وأن من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر ، والكافر يطلق عليه الفاسق ، الكافر يطلق عليه اسم الفاسق ، قال تعالى : (( وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها )) ويطلق عليه الظالم ، لقوله تعالى : (( والكافرون هم الظالمون )) وعلى هذا فمن لم يحكم بما أنزل الله فهو إيش ، فاسق ، ظالم ، كافر ، وقيل إن هذه الأوصاف الثلاثة تتنزل على الأحوال ، بسبب الحامل للشخص على الحكم بغير ما أنزل الله ، فمن لم يحكم بما أنزل الله معتقدا أن غيره أنفع للخلق ، وأولى أن يقتدى به ، فهذا كافر ، ومن حكم بعير ما أنزل الله عدوانا وظلما على المحكوم له ، على المحكوم عليه ، وهو يعتقد أن الحكم الصحيح هو حكم الله ، فهذا ظالم ، ومن حكم بهوى في نفسه لا عدوان على المحكوم عليه فهو فاسق ، هذا أولى ، وهذا أولى لأن حمل اللفظ على معنى جديد غير الأول أولى من حمله على الأول ، ولهذا يحمل اللفظ على التأسيس دون التوكيد ، (...) على اختلاف الحالات صار كل آية تدل على معنى مستقل غير المعنى الذي دلت عليه الآيات الأخرى ، وربما يظهر ذلك في سياق الكلام ، في السورة ، قال الله تعالى : (( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشوني ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )) فإن سياق الآية يدل على أن ذلك فيمن ترك بما استحفظ عليه من كتاب الله ولم يحكم به ، والآيات الثانية في القصاص ، : (( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ... ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون )) وعدم القصاص أو رفع الحكم به يظهر فيه الظلم أكثر مما يظهر في غيره ، وأما الآية الثالثة ، ففيها ذكر الإنجيل ، وأنه أنزل على عيسى عليه الصلاة والسلام ولكن اليهود لم يقبلوه أو بدلوه أو غيروه فناسب أن يوصف بالفسق ، لأنه اتبعوا هوى أنفسهم ، وقوله : ومدح النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الحكمة حين يقضي بها ويعلمها ، وهذا في حديث ( لا حسد إلا في اثنتين، رجل أتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها ، ورجل أتاه الله من مال ينفقه في سبيل الله ) قال لا يتكلف من قبله ومشاورة الخلفاء وسؤالهم أهل العلم هذا معطوف على قوله اجتهاد القضاة ، يعني ومشاور الخلفاء وسؤالهم أهل العلم وهذا واجب ، على الخلفاء سواء كان الخلفاء كبارا أو خلفاء مستخلفين على قرية أو مدينة كالأمراء واجبا عليهم أن يسألوا أهل العلم إذا نزلت فيهم آية ، فإذا نزلت فيهم حادثة تحتاج إلى التفقه بها ، فإنه كما أن الخلفاء يشاورون من له خبرة بالسلاح وبالزراعة والعلوم الأخرى فيجب عليهم أيضا أن يشاوروا أهل العلم ويصدروا عن رأيهم ، نعم .