باب : ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى . حفظ
القارئ : باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم، هذا الكتاب اختتم المؤلف رحمه الله به الجامع الصحيح، كما ابتدأه بالوحي، لأن الوحي من الابتداء، والتعميل به الغاية، لهذا من مات وكان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة، والتوحيد من مصدر وحد يوحد أي جعل الشيء واحدا، هذا في اللغة، ولا يتم التوحيد إلا إذا تضمن شيئين : النفي والإثبات، لأن النفي وحده تعطيل، وإخلاء، والإثبات وحده لا يمنع المشاركة، فلا توحيد إلا بإثبات ونفي، وطرق النفي والإثبات كثيرة، مثل (( إنما إلهكم الله )) لا إله إلا الله، وإلهكم إله واحد، المهم أن طرق التوحيد أو طرق الإثبات والنفي كثيرة، لكن التوحيد لا يتم إلا بأمرين هما : النفي والإثبات، لماذا لأن النفي وحده تعطيل وإخلاء، والإثبات وحده لا يمنع المشاركة، ويتضح هذا بالمثال فإذا قلت : لا قائم في البيت، هذا نفي، معناه انتفى القيام عمن في البيت، وإذا قلت : زيد قائم، هذا إثبات، ولا يمنع أن يكون غيره قائما أيضا، وإذا قلت لا قائم في البيت إلا زيد، هذا نفي واثبات يتضمن قيام زيد وعدم مشاركة غيره له في ذلك، هذا في اللغة العربية، المثال مرة ثانية لا قائم في البيت زيد قائم في البيت لا قائم في البيت إلا زيد أيها التوحيد الأخير ولهذا لا بد فيه من ركنين النفي والإثبات كما سمعتم أن طرق النفي والإثبات كثيرة لا تختص بصيغة معينة هذا في اللغة في العربية أما في الشرع : فتوحيد الله سبحانه وتعالى : إفراد الله بما يختص به علما وعقيدة ، سواء كان ذلك بما يتعلق بأسمائه وصفاته أو أفعاله أو عبادته، فالذي يختص بالله يجب إفراد الله به، ولا يجوز أن يشرك به معه غيره، وقد قسم العلماء رحمهم الله التوحيد إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الألوهية ويقال توحيد العبادة . أما توحيد الربوبية : فهو إفراد الله سبحانه وتعالى بالخلق والملك والتدبير، بأن تؤمن بأنه لا خالق إلا الله، ولا مالك إلا الله، ولا مدبر إلا الله، فإن قال قائل :كيف الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم في المصورين : ( يقال لهم أحيوا ما خلقتم ) وقوله تعالى: (( فتبارك الله أحسن الخالقين )) ؟ قلنا :الخلق الثابت لله غير الخلق الثابت للمخلوق، الخلق الثابت لله هو إيجاد من عدم وهذا لا يملكه أحد، والخلق الثابت للمخلوق، تغيير وتحويل، يحول الشيء من شيء إلى آخر. أو يغيره وليس إيجادا . مثال ذلك هذا الباب الذي أمامنا الآن، من الذي خلقه إيجادا ؟ الله خلقه من الشجر ولا يملك أحد أن يخلق شجرا حتى يكون منها هذا الباب، لكن خلق النجار لهذا الباب يعتبر تحويلا وتغييرا، أي حول الخشبة التي أنبتها الله عز وجل إلى صورة معينة، فليس بخلق ثم إن خلق النجار لها كان بقدرته أي بقدرة النجار وعلمه وإرادته، ومن الذي أودعه العلم والإرادة والقدرة ؟ الله عز وجل، فكان خلق الإنسان أو خلق النجار لهذا الباب فرعا عن خلق الله سبحانه وتعالى ، لأن هذا من صفات النجار وصفاته وأخلاقه والإنسان مخلوق لله عز وجل بذاته وصفاته وأفعاله فتبين الآن أن كل الخلق يدور على من؟ على الله عز وجل، كذلك الملك، الملك الثابت لله غير الملك الثابت للإنسان، فالإنسان يملك كما قال تعالى: (( أو ما ملكتم مفاتحه )) (( أو ما ملكت أيمانكم )) لكن ملك الإنسان للشيء، ليس كملك الله للشيء، ملك الله للشيء ملك مطلق، شامل، عام، يفعل في ملكه ما يشاء، وملك الإنسان للشيء ملك مقيد، ليس تاما ولا شاملا، فالإنسان مثلا يملك كتابه لكنه لا يملك كتاب غيره، والله عز وجل يملك كل ما في السماوات والأرض، الإنسان يملك الكتاب، ولكنه لا يتصرف في الكتاب كما شاء، بل تصرفه في الكتاب تصرف مقيد بحدود شرعية . ولهذا لو أراد أن يحرق هذا الكتاب بغير سبب شرعي يمنع منه، ولو كان ملكه تاما لكان يفعل ما يشاء، الإنسان يملك البعير فهو يركبها ، وينتفع بها ، وينحرها ، ويأكل لحمها، ولكن لا يملك أن يعذبها، لو أراد أن يحفر في ظهرها جرحا لم يمكن من ذلك، والله عز وجل يملك هذا أو لا ؟ يملك هذا ، يخرج غدة في ظهر البعير تنجرح وتتألم البعير منها وربما تموت ، إذن تبين أن الملك الثابت للخالق ليس كالملك الثابت للمخلوق، كذلك في التدبير، الإنسان له تدبير، يدبر، يقول لولده افعل كذا ولولده الآخر افعل كذا ويوجه ، لكن التدبير المطلق لله وحده، فالله عز وجل يدبر كما يشاء على ما تقتضيه حكمته لا معقب لحكمه، بخلاف الإنسان وبهذا تبين انفراد الله عز وجل بالخلق، والثاني الملك، والثالث التدبير. توحيد الأسماء والصفات من تمام توحيد الربوبية في الحقيقة، لكن نص العلماء عليه لوجود الخلاف فيه بين أهل القبلة من أهل القبلة ؟ أي : المسلمين. فلذلك جعلوه قسما مستقلا ، وإلا فإنه يتعلق بذات الرب، فهو من تمام الربوبية، لكن نظرا إلى أن أهل الملة، أعني الأمة التي تستقبل القبلة الواحدة، اختلفوا فيه، جعلوه قسما مستقلا بذاته، ما هو توحيد الأسماء والصفات؟ إفراد الله عز وجل بأسمائه وصفاته بحيث نثبتها له إثباتا بلا تمثيل ، وتنزيها بلا تعطيل ، أي نثبتها لله على وجه لا يماثل ما للمخلوقين من ذلك، مثال اليد لله عز وجل يد، وللمخلوق يد، لكن يجب أن نوحد الله بيده، بحيث نثبت له يدا لا تماثل أيدي المخلوقين، لأنك لو جعلت يد المخلوق كيد الله، أو يد الله كيد المخلوق، كنت بذلك مشركا، فتوحيد الأسماء والصفات إثبات أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، من غير تمثيل لها بما للمخلوق من ذلك، وقد يسمى الإنسان العزيز، كما قال تعالى : (( وقالت امرأة العزيز )) والله تعالى أيضا سمى نفسه بالعزيز، لكن هل العزيز الذي سمي به البشر كالعزيز الذي سمي به الله ؟ الجواب لا، يختلف اختلافا كبيرا، فالمخلوق قد يسمى بالعزيز ولا عزة له، أما الخالق فإنه سمي بالعزيز لكمال عزته، وقد يسمى المخلوق بصالح وليس فيه صلاح، ويسمى خالدا وهو يموت، لكن أسماء الله مشتملة على معانيها التامة، فبذلك حصل الفرق بين ما يثبت لله من الأسماء وما يثبت للمخلوق، وكذلك نقول بالصفات هذا توحيد الله تعالى بأسمائه وصفاته.
القسم الثالث :توحيد الله عز وجل بالعبادة ، بأن لا يعبد غير الله، أيا كان ذلك المعبود سواء كان ملكا أو رسول، أو وليا ، أو صالحا، أو سلطانا ، أو أما ، أو أبا ، أو غير ذلك، لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له.
وذكر العلماء ذلك قسما برأسه لأنه وقع الخلاف بين المسلمين وبين المشركين، توحيد الربوبية لم يقع فيه خلاف بين المسلمين وبين المشركين، توحيد الألوهية أو العبادة وقع فيه الخلاف بين المسلمين والمشركين، توحيد الأسماء والصفات وقع الخلاف فيه بين المسلمين، فصارت هذه الأقسام ثلاثة أقسام من حيث اتفاق الناس عليها، ولا ترد على هذا التقسيم أن من الناس من أنكر وجود الخالق، لأن من أنكر وجود الخالق فقد عطل تعطيلا نهائيا والكلام مع من أثبت الخالق، أما من أنكره فلا كلام معه لأنه لا يثبته الرب ولا غير الرب مثل الشيوعية الدهرية غيرهم كثيرون، طيب إذا هل وقع خلاف بين المسلمين والمشركين في توحيد الربوبية ؟ الجواب :لا، لأن الله صرح في آيات كثيرة أنهم مقرون بتوحيد الربوبية: (( قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون الله ))، (( قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله )) ، (( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله )) . فهم يقروا تماما بتوحيد الربوبية لكن توحيد الألوهية هل يتفق المسلمون والمشركون عليه ؟ لا لأن المشركين يشركون في الله في توحيد الألوهية يعبدون مع الله غيره، اللات، العزى، مناة، هبل، غيرها من الأصنام الكثيرة المعينة بعينها أو غير المعينة، يعني المشركون لهم أصنام معينة بعينها كاللات والعزى وما أشبهها لهم أصنام غير معينة: من سفههم أن الإنسان إذا نزل أرضا أخذ أربعة أحجار ثلاثة منها يجعلها للقِدر والأحسن منها جعله إلها يعبده سفه سفه عجيب.
طيب الأسماء والصفات النزاع بين من ؟ المسلمين وقع الذين يستقبلون قبلة واحدة هذه أقسام التوحيد التي ذكر أهل العلم. قد يقول قائل: ما هو الدليل على هذا التقسيم ؟ قلت : هو التتبع والاستقراء. أي أن العلماء رحمهم الله تتبعوا واستقرؤوا ما حصل من أنواع الشرك فوجدوه على هذه الأقسام.
فيه نسخة والرد على الجهمية أتباع الجهم بن صفوان، والجهم بن صفوان ليس هو رأس الأمر في التعطيل، بل رأس الأمر في التعطيل شيخه الجعد بن درهم ،لكن الجهم كان فصيحا بليغا نشيطا ، فحرك هذه الدعوة دعوة التعطيل ونشرها وناظر عليها وجادل فيها ، فنسب المذهب إليه وان كان المذهب في الأصل من الجعد بن درهم .
وأول هذا المبدأ الخبيث مبني على شيئين:
إنكار المحبة، وإنكار الكلام لله.
قالوا : الله لا يحب، ولا يتكلم وهذا هدم للدين كله، إذا كان لا يحب صار المؤمن والكافر عند الله سواء، إذا كان لا يتكلم صارت الشرائع والخلق سواء، أي أن حكمه الكوني وحكمه الشرعي سواء .وهذا تعطيل واضح، وعلى هذا فنقول : الجعد بن درهم زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما، قال إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا قال هذا إنكار تأويل لا إنكار جحد، لأنه لو كان يريد إنكار جحد لأعلن على نفسه بالكفر، إذ أن من أنكر حرفا واحدا من القرآن فهو كافر ، لكنه أنكره إنكار تأويل فقال: إن الله يتكلم ، وإن الله اتخذ إبراهيم خليلا ، لكن ليس على المعنى الذي تريدون اتخذه خليلا من الخِلة بالكسر وهي الاحتياج والفقر، وليست من الخُلة التي هي المحبة أو أعلى أنواع المحبة، ولم يكلم موسى تكليما ، بمعنى الكلام الذي يسمع ، لكن كلمه أي جرّحه بمخالب الحكمة، ما هذا الكلام؟! لأن الكلم في اللغة الجرح ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( وما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يثعب دما، اللون لون الدم والريح ريم المسك ) فمعنى كلّم :أي جرّح ، وهذا على سبيل الاستعارة على كلامه، كأن الحكمة وحش لها أظفار جرّح الله بها موسى ، ولا شك أن هذا الكلام منكر عظيم لكن من طبع الله على قلبه لا يرى الباطل باطلا والعياذ بالله.
ويقال إنه لما خرج خالد بن عبد الله القسري ذات عيد من أعياد الأضحى وكان قد حبس الجعد بن درهم، خرج به موثوقا وخطب الناس : أيها الناس ! ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما، ثم نزل من المنبر فذبحه، ونسأل عقيل هل تجزئ هذه الأضحية أو لا تجزئ ؟ تجزئ عن كم ؟ يقول ابن القيم رحمه الله :
ولأجل ذا ضحى بالجعد خالد القسري،
يوم ذبائح القربان.
إذ قال إبراهيم ليس خليله
كلا ولا موسى كليم الداني
شكر الضحية كل صاحب سنة
لله درك من أخي قربان
ونحن نشكره أن ضحى بهذا الرجل الذي هو رأس البدعة ، هذه البدعة العظيمة.
فالبخاري رحمه الله قال : التوحيد والرد على الجهمية. ويفهم من هذا الكلام أن الجهمية في رأي البخاري رحمه الله ليسوا من أهل التوحيد، إذ قال: التوحيد والرد على الجهمية .
وقد صرح كثير من العلماء بكفر الجهمية ، وأنهم كفار وبعضهم فصل وقال : المجتهد كافر والمقلد العامي ليس بكافر، وبعضهم زاد قيدا في المجتهد، وقال المجتهد الداعية إلى بدعته كافر ، وغير الداعية الذي يكون بدعته على نفسه ليس بكافر ، وهذه مسألة أعني تكفير الجهمية والمعتزلة والخوارج والرافضة ونحوهم تحتاج إلى نظر عميق وفي كل قضية بعينها لأن الإطلاق إطلاق الكفر قد يدخل فيه من ليس بكافر، ونفي الكفر قد يخرج منه من هو كافر، والكفر حكم من أحكام الله لا يجوز لنا أن نطلقه على أحد إلا علمنا أنه يستحق هذا الوصف .كما أن التحليل والتحريم من أحكام الله ، فلا يجوز أن نطلق على شيء أنه حرام أو حلال إلا وعندنا فيه من الله برهان، بل الكفر أعظم ، لأن الكفر فوق الحرام فوق الكبائر.
ثم قال : باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى .الظاهر أن (أل) في النبي للعهد الذهني ، وليست للعموم ، بدليل سياق الأحاديث ويصح أن نجعلها للعموم أي دعاء كل نبي أمته إلى توحيد الله، وإذا جعلناها للعموم فإن دليل ذلك كقوله تعالى: (( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ))، وقال تعالى: (( وما (( أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون )) ، فكل الرسل جاؤوا لتحقيق هذا التوحيد نسأل الله لنا ولكم.
تحقيق التوحيد مهم جدا عبادة الله وحده ، وإخلاص العبادة له أمر عظيم جدا وليس بالسهل وليس اليسير ، ولهذا قال بعض السلف: " ما جاهدت نفسي على شيء مجاهدتها على الإخلاص "، النفس تحتاج إلى جهاد في تحقيق هذا التوحيد الذي جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب بل من أجله خلق الجن والإنس، قال تعالى: (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )) فجميع الرسل دعوا أممهم إلى التوحيد كل الرسل وعلى رأسهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم فقد دعا إلى التوحيد في مكة وفي المدينة بالقول وبالفعل. فمن ذلك ما قال البخاري اقرأ.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم، هذا الكتاب اختتم المؤلف رحمه الله به الجامع الصحيح، كما ابتدأه بالوحي، لأن الوحي من الابتداء، والتعميل به الغاية، لهذا من مات وكان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة، والتوحيد من مصدر وحد يوحد أي جعل الشيء واحدا، هذا في اللغة، ولا يتم التوحيد إلا إذا تضمن شيئين : النفي والإثبات، لأن النفي وحده تعطيل، وإخلاء، والإثبات وحده لا يمنع المشاركة، فلا توحيد إلا بإثبات ونفي، وطرق النفي والإثبات كثيرة، مثل (( إنما إلهكم الله )) لا إله إلا الله، وإلهكم إله واحد، المهم أن طرق التوحيد أو طرق الإثبات والنفي كثيرة، لكن التوحيد لا يتم إلا بأمرين هما : النفي والإثبات، لماذا لأن النفي وحده تعطيل وإخلاء، والإثبات وحده لا يمنع المشاركة، ويتضح هذا بالمثال فإذا قلت : لا قائم في البيت، هذا نفي، معناه انتفى القيام عمن في البيت، وإذا قلت : زيد قائم، هذا إثبات، ولا يمنع أن يكون غيره قائما أيضا، وإذا قلت لا قائم في البيت إلا زيد، هذا نفي واثبات يتضمن قيام زيد وعدم مشاركة غيره له في ذلك، هذا في اللغة العربية، المثال مرة ثانية لا قائم في البيت زيد قائم في البيت لا قائم في البيت إلا زيد أيها التوحيد الأخير ولهذا لا بد فيه من ركنين النفي والإثبات كما سمعتم أن طرق النفي والإثبات كثيرة لا تختص بصيغة معينة هذا في اللغة في العربية أما في الشرع : فتوحيد الله سبحانه وتعالى : إفراد الله بما يختص به علما وعقيدة ، سواء كان ذلك بما يتعلق بأسمائه وصفاته أو أفعاله أو عبادته، فالذي يختص بالله يجب إفراد الله به، ولا يجوز أن يشرك به معه غيره، وقد قسم العلماء رحمهم الله التوحيد إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الألوهية ويقال توحيد العبادة . أما توحيد الربوبية : فهو إفراد الله سبحانه وتعالى بالخلق والملك والتدبير، بأن تؤمن بأنه لا خالق إلا الله، ولا مالك إلا الله، ولا مدبر إلا الله، فإن قال قائل :كيف الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم في المصورين : ( يقال لهم أحيوا ما خلقتم ) وقوله تعالى: (( فتبارك الله أحسن الخالقين )) ؟ قلنا :الخلق الثابت لله غير الخلق الثابت للمخلوق، الخلق الثابت لله هو إيجاد من عدم وهذا لا يملكه أحد، والخلق الثابت للمخلوق، تغيير وتحويل، يحول الشيء من شيء إلى آخر. أو يغيره وليس إيجادا . مثال ذلك هذا الباب الذي أمامنا الآن، من الذي خلقه إيجادا ؟ الله خلقه من الشجر ولا يملك أحد أن يخلق شجرا حتى يكون منها هذا الباب، لكن خلق النجار لهذا الباب يعتبر تحويلا وتغييرا، أي حول الخشبة التي أنبتها الله عز وجل إلى صورة معينة، فليس بخلق ثم إن خلق النجار لها كان بقدرته أي بقدرة النجار وعلمه وإرادته، ومن الذي أودعه العلم والإرادة والقدرة ؟ الله عز وجل، فكان خلق الإنسان أو خلق النجار لهذا الباب فرعا عن خلق الله سبحانه وتعالى ، لأن هذا من صفات النجار وصفاته وأخلاقه والإنسان مخلوق لله عز وجل بذاته وصفاته وأفعاله فتبين الآن أن كل الخلق يدور على من؟ على الله عز وجل، كذلك الملك، الملك الثابت لله غير الملك الثابت للإنسان، فالإنسان يملك كما قال تعالى: (( أو ما ملكتم مفاتحه )) (( أو ما ملكت أيمانكم )) لكن ملك الإنسان للشيء، ليس كملك الله للشيء، ملك الله للشيء ملك مطلق، شامل، عام، يفعل في ملكه ما يشاء، وملك الإنسان للشيء ملك مقيد، ليس تاما ولا شاملا، فالإنسان مثلا يملك كتابه لكنه لا يملك كتاب غيره، والله عز وجل يملك كل ما في السماوات والأرض، الإنسان يملك الكتاب، ولكنه لا يتصرف في الكتاب كما شاء، بل تصرفه في الكتاب تصرف مقيد بحدود شرعية . ولهذا لو أراد أن يحرق هذا الكتاب بغير سبب شرعي يمنع منه، ولو كان ملكه تاما لكان يفعل ما يشاء، الإنسان يملك البعير فهو يركبها ، وينتفع بها ، وينحرها ، ويأكل لحمها، ولكن لا يملك أن يعذبها، لو أراد أن يحفر في ظهرها جرحا لم يمكن من ذلك، والله عز وجل يملك هذا أو لا ؟ يملك هذا ، يخرج غدة في ظهر البعير تنجرح وتتألم البعير منها وربما تموت ، إذن تبين أن الملك الثابت للخالق ليس كالملك الثابت للمخلوق، كذلك في التدبير، الإنسان له تدبير، يدبر، يقول لولده افعل كذا ولولده الآخر افعل كذا ويوجه ، لكن التدبير المطلق لله وحده، فالله عز وجل يدبر كما يشاء على ما تقتضيه حكمته لا معقب لحكمه، بخلاف الإنسان وبهذا تبين انفراد الله عز وجل بالخلق، والثاني الملك، والثالث التدبير. توحيد الأسماء والصفات من تمام توحيد الربوبية في الحقيقة، لكن نص العلماء عليه لوجود الخلاف فيه بين أهل القبلة من أهل القبلة ؟ أي : المسلمين. فلذلك جعلوه قسما مستقلا ، وإلا فإنه يتعلق بذات الرب، فهو من تمام الربوبية، لكن نظرا إلى أن أهل الملة، أعني الأمة التي تستقبل القبلة الواحدة، اختلفوا فيه، جعلوه قسما مستقلا بذاته، ما هو توحيد الأسماء والصفات؟ إفراد الله عز وجل بأسمائه وصفاته بحيث نثبتها له إثباتا بلا تمثيل ، وتنزيها بلا تعطيل ، أي نثبتها لله على وجه لا يماثل ما للمخلوقين من ذلك، مثال اليد لله عز وجل يد، وللمخلوق يد، لكن يجب أن نوحد الله بيده، بحيث نثبت له يدا لا تماثل أيدي المخلوقين، لأنك لو جعلت يد المخلوق كيد الله، أو يد الله كيد المخلوق، كنت بذلك مشركا، فتوحيد الأسماء والصفات إثبات أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، من غير تمثيل لها بما للمخلوق من ذلك، وقد يسمى الإنسان العزيز، كما قال تعالى : (( وقالت امرأة العزيز )) والله تعالى أيضا سمى نفسه بالعزيز، لكن هل العزيز الذي سمي به البشر كالعزيز الذي سمي به الله ؟ الجواب لا، يختلف اختلافا كبيرا، فالمخلوق قد يسمى بالعزيز ولا عزة له، أما الخالق فإنه سمي بالعزيز لكمال عزته، وقد يسمى المخلوق بصالح وليس فيه صلاح، ويسمى خالدا وهو يموت، لكن أسماء الله مشتملة على معانيها التامة، فبذلك حصل الفرق بين ما يثبت لله من الأسماء وما يثبت للمخلوق، وكذلك نقول بالصفات هذا توحيد الله تعالى بأسمائه وصفاته.
القسم الثالث :توحيد الله عز وجل بالعبادة ، بأن لا يعبد غير الله، أيا كان ذلك المعبود سواء كان ملكا أو رسول، أو وليا ، أو صالحا، أو سلطانا ، أو أما ، أو أبا ، أو غير ذلك، لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له.
وذكر العلماء ذلك قسما برأسه لأنه وقع الخلاف بين المسلمين وبين المشركين، توحيد الربوبية لم يقع فيه خلاف بين المسلمين وبين المشركين، توحيد الألوهية أو العبادة وقع فيه الخلاف بين المسلمين والمشركين، توحيد الأسماء والصفات وقع الخلاف فيه بين المسلمين، فصارت هذه الأقسام ثلاثة أقسام من حيث اتفاق الناس عليها، ولا ترد على هذا التقسيم أن من الناس من أنكر وجود الخالق، لأن من أنكر وجود الخالق فقد عطل تعطيلا نهائيا والكلام مع من أثبت الخالق، أما من أنكره فلا كلام معه لأنه لا يثبته الرب ولا غير الرب مثل الشيوعية الدهرية غيرهم كثيرون، طيب إذا هل وقع خلاف بين المسلمين والمشركين في توحيد الربوبية ؟ الجواب :لا، لأن الله صرح في آيات كثيرة أنهم مقرون بتوحيد الربوبية: (( قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون الله ))، (( قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله )) ، (( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله )) . فهم يقروا تماما بتوحيد الربوبية لكن توحيد الألوهية هل يتفق المسلمون والمشركون عليه ؟ لا لأن المشركين يشركون في الله في توحيد الألوهية يعبدون مع الله غيره، اللات، العزى، مناة، هبل، غيرها من الأصنام الكثيرة المعينة بعينها أو غير المعينة، يعني المشركون لهم أصنام معينة بعينها كاللات والعزى وما أشبهها لهم أصنام غير معينة: من سفههم أن الإنسان إذا نزل أرضا أخذ أربعة أحجار ثلاثة منها يجعلها للقِدر والأحسن منها جعله إلها يعبده سفه سفه عجيب.
طيب الأسماء والصفات النزاع بين من ؟ المسلمين وقع الذين يستقبلون قبلة واحدة هذه أقسام التوحيد التي ذكر أهل العلم. قد يقول قائل: ما هو الدليل على هذا التقسيم ؟ قلت : هو التتبع والاستقراء. أي أن العلماء رحمهم الله تتبعوا واستقرؤوا ما حصل من أنواع الشرك فوجدوه على هذه الأقسام.
فيه نسخة والرد على الجهمية أتباع الجهم بن صفوان، والجهم بن صفوان ليس هو رأس الأمر في التعطيل، بل رأس الأمر في التعطيل شيخه الجعد بن درهم ،لكن الجهم كان فصيحا بليغا نشيطا ، فحرك هذه الدعوة دعوة التعطيل ونشرها وناظر عليها وجادل فيها ، فنسب المذهب إليه وان كان المذهب في الأصل من الجعد بن درهم .
وأول هذا المبدأ الخبيث مبني على شيئين:
إنكار المحبة، وإنكار الكلام لله.
قالوا : الله لا يحب، ولا يتكلم وهذا هدم للدين كله، إذا كان لا يحب صار المؤمن والكافر عند الله سواء، إذا كان لا يتكلم صارت الشرائع والخلق سواء، أي أن حكمه الكوني وحكمه الشرعي سواء .وهذا تعطيل واضح، وعلى هذا فنقول : الجعد بن درهم زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما، قال إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا قال هذا إنكار تأويل لا إنكار جحد، لأنه لو كان يريد إنكار جحد لأعلن على نفسه بالكفر، إذ أن من أنكر حرفا واحدا من القرآن فهو كافر ، لكنه أنكره إنكار تأويل فقال: إن الله يتكلم ، وإن الله اتخذ إبراهيم خليلا ، لكن ليس على المعنى الذي تريدون اتخذه خليلا من الخِلة بالكسر وهي الاحتياج والفقر، وليست من الخُلة التي هي المحبة أو أعلى أنواع المحبة، ولم يكلم موسى تكليما ، بمعنى الكلام الذي يسمع ، لكن كلمه أي جرّحه بمخالب الحكمة، ما هذا الكلام؟! لأن الكلم في اللغة الجرح ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( وما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يثعب دما، اللون لون الدم والريح ريم المسك ) فمعنى كلّم :أي جرّح ، وهذا على سبيل الاستعارة على كلامه، كأن الحكمة وحش لها أظفار جرّح الله بها موسى ، ولا شك أن هذا الكلام منكر عظيم لكن من طبع الله على قلبه لا يرى الباطل باطلا والعياذ بالله.
ويقال إنه لما خرج خالد بن عبد الله القسري ذات عيد من أعياد الأضحى وكان قد حبس الجعد بن درهم، خرج به موثوقا وخطب الناس : أيها الناس ! ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما، ثم نزل من المنبر فذبحه، ونسأل عقيل هل تجزئ هذه الأضحية أو لا تجزئ ؟ تجزئ عن كم ؟ يقول ابن القيم رحمه الله :
ولأجل ذا ضحى بالجعد خالد القسري،
يوم ذبائح القربان.
إذ قال إبراهيم ليس خليله
كلا ولا موسى كليم الداني
شكر الضحية كل صاحب سنة
لله درك من أخي قربان
ونحن نشكره أن ضحى بهذا الرجل الذي هو رأس البدعة ، هذه البدعة العظيمة.
فالبخاري رحمه الله قال : التوحيد والرد على الجهمية. ويفهم من هذا الكلام أن الجهمية في رأي البخاري رحمه الله ليسوا من أهل التوحيد، إذ قال: التوحيد والرد على الجهمية .
وقد صرح كثير من العلماء بكفر الجهمية ، وأنهم كفار وبعضهم فصل وقال : المجتهد كافر والمقلد العامي ليس بكافر، وبعضهم زاد قيدا في المجتهد، وقال المجتهد الداعية إلى بدعته كافر ، وغير الداعية الذي يكون بدعته على نفسه ليس بكافر ، وهذه مسألة أعني تكفير الجهمية والمعتزلة والخوارج والرافضة ونحوهم تحتاج إلى نظر عميق وفي كل قضية بعينها لأن الإطلاق إطلاق الكفر قد يدخل فيه من ليس بكافر، ونفي الكفر قد يخرج منه من هو كافر، والكفر حكم من أحكام الله لا يجوز لنا أن نطلقه على أحد إلا علمنا أنه يستحق هذا الوصف .كما أن التحليل والتحريم من أحكام الله ، فلا يجوز أن نطلق على شيء أنه حرام أو حلال إلا وعندنا فيه من الله برهان، بل الكفر أعظم ، لأن الكفر فوق الحرام فوق الكبائر.
ثم قال : باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى .الظاهر أن (أل) في النبي للعهد الذهني ، وليست للعموم ، بدليل سياق الأحاديث ويصح أن نجعلها للعموم أي دعاء كل نبي أمته إلى توحيد الله، وإذا جعلناها للعموم فإن دليل ذلك كقوله تعالى: (( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ))، وقال تعالى: (( وما (( أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون )) ، فكل الرسل جاؤوا لتحقيق هذا التوحيد نسأل الله لنا ولكم.
تحقيق التوحيد مهم جدا عبادة الله وحده ، وإخلاص العبادة له أمر عظيم جدا وليس بالسهل وليس اليسير ، ولهذا قال بعض السلف: " ما جاهدت نفسي على شيء مجاهدتها على الإخلاص "، النفس تحتاج إلى جهاد في تحقيق هذا التوحيد الذي جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب بل من أجله خلق الجن والإنس، قال تعالى: (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )) فجميع الرسل دعوا أممهم إلى التوحيد كل الرسل وعلى رأسهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم فقد دعا إلى التوحيد في مكة وفي المدينة بالقول وبالفعل. فمن ذلك ما قال البخاري اقرأ.