فوائد حول إثبات الصفات لله عزوجل خصوصا صفة المحبة. حفظ
الشيخ : وفي هذا الحديث إثبات الصفة لله كما جرى على ذلك علماء السلف، أن لله أسماء وصفات. وأنكر ابن حزم الظاهري ذكر الصفة، وقال إن ذكر الصفة مما أحدثه المتكلمون، ولكن قوله مردود بالقرآن وبالسنة، أما القرآن فقد قال الله سبحانه وتعالى : (( سبحان ربك رب العزة عما يصفون )) فنفى ما وصفه به المشركون عن نفسه ، أو تنزيه نفسه عما وصفه المشركون، يدل على ثبوت صفة الكمال له، وهو كذلك، وأما الحديث : فظاهر ( صفة الرحمن ) فأثبت للرحمن صفة، ومن المعلوم أن ابن حزم لم يحتج بقول إلا أن الصفة لا تقوم إلا بجسم، والجسم ممتنع عن الله، ونحن نتكلم عن الجسم الآن ، والخير والجهة وما أِشبه ذلك من العبارات التي توصل أهل التعطيل بها، أي بنفيها، إلى نفي الصفات عن الله فقالوا لا نصف الله بصفة ، لأن هذا يقتضي أن يكون لله جسما ، والجسم محدث والله عز وجل الأول الذي ليس مثله شيء ، فنقول لهم : إن كان يلزم من إثبات الصفة أن يكون لله جسما ، فهذا لازم من كتاب الله وسنة رسوله وكتاب الله وسنة رسوله حق، واللازم من الحق حق، وإن كان لا يلزم فقد حصل الانفكاك عما ألزمنا به، ثم نقول له : ما هو الجسم.؟ نقول له ولغيره حتى الأشاعرة ينكرون الصفات بناء على هذا ، نقول : ما هو الجسم الذي تريدون أن تنفوه عن الله ؟ هل مرادكم بذلك الجسم المركب الذي يفتقر بعضه إلى بعض ويتجزأ ؟ أم مرادكم بذلك الشيء القائم بنفسه المتصف بالصفات الفاعل لما يريده الذي يجيء ويأتي ويأخذ ويقبض ويبسط ؟ إن أردتم الأول : فنحن نوافقكم على أن الله لا يوصف بالجسم بهذا المعنى ، وإن أردتم الثاني :فنحن نصف الله به وسموه ما شئتم، سموه جسما أو غير جسم، فنحن نصف بأن الله عز وجل قائم بنفسه، متصف بالصفات التي تليق به، يجيء، وينزل، ويستوي، ويأخذ، ويقبض ويبسط، ويتكلم، نقول بذلك، ولا يمكن أن ننكر هذا لأن إنكار هذا هو التعطيل المحض، ثم نقول لهم أنتم تقولون أن الصفات لا تصف إلا بالجسم ، فهذا خطأ مخالف للواقع ، فإنه يوصف بالصفات ما ليس بجسم، فاللغة العربية مملوءة من وصف الأزمان بالصفات فيقال مثلا : هذا ليل طويل، وهذا نهار قصير، وهل الليل والنهار أجسام؟ أجيبوا لا، ويقال حر شديد، وبرد شديد، والحر والبرد ليس بجسم. فدعواكم أن الصفات لا تقوم إلا بجسم دعوى باطلة ، تكذبها اللغة ويكذبها الحس، وبناء على ذلك، يتبين أن نفي الجسمية عن الله خطأ وأن إثباتها كذلك خطأ، هذا من حيث اللفظ أما من حيث المعنى : وإن أريد بها معنى لا يليق بالله فوجب نفيها، وإن أريد بها معنى يليق بالله فهي حق ، لكن لا تطلق لفظا على الله، لا تطلق إثباتا ولا نفيا، لأنه لم يرد إثباتها ولا نفيها والعجب أن هؤلاء القوم اعتمدوا في نفي الصفات عن الله ، على نفي الجسمية قالوا : إن الله لا يحزن ، لأنه لو حزن لكان جسما. لأن الحزن صفة والصفة لا تقوم إلا بجسم ، فانظر كيف أدى بهم هذا الخطأ إلى هذا الخطأ الفادح. أيهما أعظم أن نصف الله بالحزن ، والعجز ، والتعب ، وما أِشبهه ذلك ، أو نصفه بأنه جسم ؟ الأول. فذهبوا ينفون الأوضح في الفساد بناء على ما هو أخفى، فعكسوا القضية لأن القضية أن يستدل بالأوضح على الأخفى ، أما هؤلاء استدلوا بما هو أخفى على ما هو أوضح، فنقول لهم : هذا الكلام من أبطل ما يكون ، أنتم إذا قلتم أننا لو أثبتنا الحزن لله يجب أن يكون جسما لمن أثبت الحزن أن يقول : أنا أثبت الحزن ولا أثبت أن يكون له جسما ،كما قال السلف :نحن نثبت القدرة ولا نقول أنه جسم يمكن أن نقول هكذا، ثم نقول :كلامكم هذا يؤدي إلى أن يكون الرد على السلف والرد على المعطلة بطريق واحد وهو إثبات الجسمية إن ثبت الحزن أو إثبات الجسمية إن ثبت القدرة عرفتم ، على كل حال هذه وجهة نظر ابن حزم في إنكار الصفة حيث قال: إن الله ليس له صفة، ولا يجوز أن يكون له صفة، لأن ذلك يستلزم أن يكون ذلك جسما، إذ أن الصفات أعراض ، والأعراض لا تقوم إلا بأجسام ، ولا يخفى علينا أن هذا استعمال للقياس وهو ينكر القياس في الأحكام العملية، ويأتي به في الأحكام العقدية، سبحان الله.
طيب إذن يستفاد من هذا الحديث : إثبات الصفة لله عز وجل، ومما يتعلق بهذا الحديث في مسألة التوحيد أو العقيدة إثبات المحبة لله، لقوله : ( أخبروه أن الله يحبه ) وهذه المحبة حقيقة، يجب أن نؤمن بأن الله يحب، لأن القرآن مملوء بذلك، (( إن الله يحب المتقين )) ، (( إن الله يحب المحسنين ))، (( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا ))، (( والله يحب التوابين ويجب المتطهرين )) ، (( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه )) القرآن مملوء بهذا. وذكر محبة الله لمن علقت محبة الله به أكثر من ذكر محبتنا لله، في القرآن ذكر إضافة المحبة لله عز وجل أكثر من إضافتها للمخلوق، ومع ذلك أنكرها أهل التعطيل. من الأشاعرة وغيرهم قال : إن الله ما يحب ولا يجوز أن نثبت أن الله يحب. لماذا ؟ قالوا : لأن المحبة لا تكون إلا بين شيئين متجانسين، والخالق لا يماثل المخلوق.
فالجواب على هذا : وهو قولهم أن المحبة لا تكون إلا بين شيئين متجانسين غلط وخطأ وليس بصواب، المحبة تكون بين شيئين متجانسين كمحبة الرجل لامرأته مثلا هذا واضح كما قال تعالى: (( وجعل بينكم مودة ورحمة )) وتكون أيضا بين الجماد والإنسان أليس كذلك ؟ في الحديث الصحيح : ( أحد جبل يحبنا ونحبه )، وأنت بنفسك تحب بعض مالك أكثر من بعض، لك قلم ريشته سهلة لينة لا تشقق الورق ، وقلم آخر ريشته صعبة تشقق الورق مرة تكون الكتابة غليظة ومرة تكون دقيقة . أيهما أحب إليك ؟ الأول تحبه وهو جماد. ساعتك كل يوم تخبط عليك ، وتؤذيك ، وتغرك بالوقت تقدم ومرة تؤخر، وساعة أخرى مضبوطة ولم تر منها شيئا أيهما أحب إليك ؟ الثانية حتى البهائم.