فائدة في بيان حكم التصوير بأنواعه وضوابطه. حفظ
الشيخ : وهنا يحسن أن نتكلم عن التصوير وحكمه، التصوير المجسم إذا كان لحيوان إنسي أو بهيمة فإنه حرام وأظن ذلك متفق عليه يحرم يعني لا يجوز للإنسان أن يصور شيئاً شاخصاً على صورة إنسان أو بهيمة وهذا بالاتفاق وسواء صورها بيده أو صنع آلة تكون مجوفة ومخططة بحيث إذا وضع فيها عجين أو شبهه انطبع حتى يكون صورة فإنه هذا كله حرام ولا يجوز أما إذا كان التصوير بالتلوين يعني ليس جسماً يلمس وإنما هو لون فقد اختلف العلماء فيه قديماً وحديثاً حتى وإن صور باليد فمن العلماء من أجاز ذلك وقال إن الحديث الذي رواه البخاري في تحريم التصوير قال فيه: ( إلا رقماً في ثوب ) والأصل أن الاستثناء متصل فيكون قوله: ( إلا رقماً في ثوب ) مستثنى من الصور المحرمة فيكون التصوير بالتلوين لا بأس به والكلام الآن على التصوير باليد ما وصلنا إلى التصوير بالآلة فيكون حلالاً وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم من السلف والخلف.
وقال بعض العلماء إن التصوير المحرم هو التصوير الذي يقصد به أو يخاف منه التوصل إلى عبادة الصورة وأن ما لا يخشى منه ذلك فليس به بأس، واستدلوا لذلك بقصة الرجال الذين كانوا صالحين من قوم نوح ثم صنع لهم صور ثم عبدوا لكن الصحيح أن هذه علة لا شك لكن التي نص عليها الحديث: ( ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي ) تدل على أن من صور سواء كان لهذا الغرض أو لغيره فإن ذلك حرام إذن ما كان له جسم فهو حرام ما لم يكن له جسم فمحل خلاف بين العلماء، ولكن الجمهور على خلافه وحملوا قوله: ( إلا رقماً في ثوب )على أنه استثناء منقطع وأن المراد بالرقم في الثوب ما لم يكن صورة ذي روح، واستدل الذين قالوا بذلك وهو الجمهور بحديث ( علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين بعث أبا الهياج الأسدي فقال له أبعثك على بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سويته ) قال صورة ( إلا طمستها ) وفي لفظ: ( تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته ) ومعلوم أن الطمس يكون للملون في الغالب وإن كان قد يكون للمجسم بحيث يوضع على الوجه مثلاً طين أو شبهه يطمس معالم الوجه على كل حال هذا دليل واستدلوا أيضاً بحديث النمرقة حين (جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلي بيت عائشة فإذا فيه نمرقة وفيها صور فلم يدخل عليه الصلاة والسلام وعرفت الكراهية في وجهه فقالت عائشة: أتوب إلى الله ورسوله ماذا أذنبت فقال: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يقال لهم أحيوا ما خلقتم )
وهذا القول الذي عليه الجمهور هو الصحيح أن الصور وإن كانت رقماً حرام وأنها من كبائر الذنوب وإن كانت المضاهاة بخلق الله ليست كاملة لأن خلق الله مجسم وهذه ملونة ليست فيها ناتئ على أنه الأنف أو ناتئ على أنه حاجب العين أو ما أشبه ذلك لكن ظاهر النصوص العموم وأنه يشمل حتى ما كان بالتلوين ويبقى علينا النظر في غير ذي الروح أو في جزء من ذوات الأرواح يعني لو صور رأساً فقط أو يداً فقط أو رجلاً فقط فهل يدخل في التحريم أو لا يدخل؟ نقول لا يدخل في التحريم لأن الحديث: ( كلف أن ينفخ فيه الروح وليس بنافخ ) ومثل هذه الأجزاء لا ينفخ فيها الروح أصلاً وليست جسماً يمكن أن تنفخ فيها الروح ثم إن النبي صلى الله عليه وسام ذكر في قصة التمثال الذي قال له جبريل: ( مر برأس التمثال فليقطع حتى يكون التمثال كهيئة الشجرة ) يعني إذا قطع رأسه سيبقى أعضاؤه حتى يكون كهيئة الشجرة ولم يقل بالحديث وكسر الرأس فدل ذلك على أن الجزء الذي لا يدخله الحياة لا يدخل في التحريم ولهذا جاء في الحديث وإن كان فيه فقال ( الصورة الرأس فإن قطع الرأس فلا صورة ) والمعنى أن الصورة لا تكون صورة إلا مع الرأس فإذا قطع فلا صورة وليس المعنى أن الصورة هو الرأس يعني أن الرأس نفسه يكون صورة مستقلة والدليل حديث التمثال: ( مُر بأس التمثال فليقطع حتى يكون كهيئة الشجرة ) ثم إنه يتضاعف الإثم إذا صور العظماء من ملوك أو وزراء أو علماء أو عباد فإن هذا يتضاعف وتضاعف ذلك في العلماء والعباد أشد من تضاعفه في الملوك والوزراء والرؤساء وذلك لأن عاطفة الناس لتعظيم العلماء والعباد أشد من عاطفتهم لتعظيم الملوك والرؤساء لأن تعظيم الملوك والرؤساء في الغالب إنما يكون عن خوف ورهبة وأما العلماء والعباد فهو عن تعظيم وتوقير في النفس فلذلك كان خطر صور العلماء والعباد أشد من صور الملوك والرؤساء فلهذا يجب علينا إذا رأينا صورة شخص عالم صورت ويتداولها الناس بالأيدي تعظيماً لها يجب علينا حماية لجانب التوحيد أن نمزقها أما ما يوجد من صور العلماء في المجلات أو الصحف فهذه لا يؤبه لها لكن يوجد صور بعض العلماء مصور ومبروزة يتناقلها الناس وهذه خطيرة جداً فالواجب أن تمزق ولا يجوز إقرارها مهما كان العالم لأنه كما قلت لكم عاطفة الناس بالنسبة للعلماء والعابد قوية فيخشى في يوم الدهر أن يعظم هؤلاء كما عظم القوم الصالحون في قوم نوح.
ويتعاظم أيضاً الأمر أمر الصور فيما إذا كانت الصورة صورة امرأة جميلة فإن هذه فتنة لا من حيث العبادة ولكن من حيث الخُلق فإن الإنسان ربما يفتتن بهذه الصورة حتى يكون دائماً يطالعها صباحاً ومساءً للتلذذ والتمتع بها وسواء كان التمتع تمتع شهوة أي شهوة غريزية أو تمتع انشراح صدر وما أشبه ذلك لأن التمتع كما تعلمون ليس كل تمتع للشهوة نحن نتمتع برؤية السيارة الجميلة الزينة والقلم الزين والساعة الجميلة لكن ليس هذا تمتع شهوة، وهذه الصور بعض الناس ربما يقتنيها يتمتع بها وهذا يتضاعف الإثم فيها فالحاصل أن الصور نفسها محرمة فإذا انضاف إلى ذلك خوف فتنة بها من عبادتها أو التلذذ برؤيتها أو التمتع بذلك فإنه يزداد إثمها وذلك لأن المعاصي تزداد بحسب ما يقترن بها من الفساد .
بقي لنا الصورة الفوتغرافية هذه صارت محل جدل بين الناس والعلماء المعاصرين بعد أن ظهرت هذه الآلة صارت محل جدل ونقاش فمن العلماء من منعها سداً للذريعة وأخذاً بظاهر العموم، وقالوا حركة الإنسان بهذه الآلة أو تحريكه لهذه الآلة هذا هو التصوير، ومن العلماء من أجاز وقال أن هذا ليس تصويرا والإنسان المصور لا يشعر بأنه حاذق وأنه جيد ولهذا لا يمدح الرجل الذي يطلق آلة التصوير حتى تصور لا يقال ما أحذقه ما أجوده لكن لو يأتي إنسان يخطط صورة حتى تكون كالمصور قيل ما أحذقه وما أعظم مهارته، فليست في حقيقة كالتصوير لكنها التقاط صورة صورها الله عز وجل والأصل لا شك أنه تصوير الله عز وجل الثاني التقاط هذه الصورة كما تكون في المرآة إلا أن المرآة لا تثبت وهذه تثبت بسبب ما يكون فيها من المواد الكيماوية.
وهذه المسألة تجاذبها أصلان أصل الحل وألا يمنع الناس من شيء إلا إذا تيقنا أنه حرام أو غلب على ظننا أنه حرام وأصل التحريم وهو عموم المصورين ولكنك إذا تأملت تأملاً عميقاً تبين لك أن الإنسان ليس مصوراً فيما إذا التقط الصور بالآلة ولا يقال مصورا ولهذا يلتقطها لأعمى يلتقطها الإنسان في ظلمة وتظهر كما هي ولو كانت تصويراً من الإنسان نفسه لكان يختلف الحكم بين الماهر وغير الماهر والأعمى والبصير وما أشبه ذلك ولكن من تركها تنزهاً لا ينبغي أن يوصف مشدد أو أنه متعمق أو متنطع أو ما أشبه ذلك ، فالحمد لله هذا يسوغ فيها الاجتهاد، من أداه اجتهاده إلى التحريم فإنه لا يلام ومن أداه اجتهاده إلى الحل وقال الأصل الحل حتى يتبين لنا دخولها في التحريم فإنه لا يلام وإذا كنا لا نلوم من يقول إن أكل لحم الإبل لا ينقض الوضوء فيقوم ويصلي أمامنا ونحن نشهد باعتقادنا أن صلاته باطلة فإننا لا نلومه لأنه مجتهد فلا ينبغي أن نلوم من يرى أن التصوير الفوتغرافي ليس حراماً لأن صلاةً بلا وضوء أعظم من التصوير الصلاة ركن من أركان الاسلام وهذا الرجل الذي أكل اللحم ونحن نرى أنه ينقض الوضوء فهو عند فعل محرم أو لا؟ فعل محرم بلا شك أعظم من التصوير لكن نظراً أن هذه المسائل اجتهادية فأنا أرى أنه لا ينبغي أن يشدد فيها النكير على من خالفنا فيها مسائل لا تتعلق بالعقيدة إنما هي مسائل اجتهادية وأقوى دليل رأيته لمن قال بالحل قالوا ألست إذا أخذت صحيح البخاري ثم إذا أدخلته الآلة التي تصور وخرجت الصورة من الآلة هل يقال هذا الكتاب كتبته أنت ولا لا؟ إذن أنت لست مصوراً له ما كتبته أنت وهذا واضح لمن تأمله لكنا نرى بالنسبة لاقتناء الصور أن اقتناء الصور الأصل فيه التحريم لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة وهذه صورة لا شك حتى إذا قمت أمام المرآة ورأيت وجهك فهذه صورة لا شك.
ويجب أن نعلم أن العلماء رحمهم الله فرقوا بين التصوير واقتناء التصوير وأكثر الناس لا يعرفون هذا الفرق لكن العلماء فرقوا فقال في متن زاد المستنقع وهو مختصر من كتب الفقه قال: " يحرم التصوير واستعماله " ففرق بين التصوير وبين استعماله وقالوا يجوز استعمال التصوير أو الصور فيما يمتهن كالفرش والمخدات وما أشبه ذلك والخلاف في ذلك أيضاً معروف فبعض العلماء يقول لا يجوز حتى فيما يمتهن بل يجب أن تقطع الرأس حتى تكون بلا رأس.
إذن الخلاصة أن التصوير فيما له جسم حرام لا شك عندنا فيه وهو محل اتفاق فيما نعلم
ثانيا : التصوير باليد أيضاً حرام لماذا؟ لأنه أي المصور يريد أن يضاهي خلق الله في هيئة الصورة وإن كان التصوير بالرقم ليس حقيقة كخلق الله ولكن الصورة الوجه والعين والشفتين والأنف وما أشبه ذلك كخلق الله هذا أيضاً حرام.
وتزادا حرمته إذا كان لمعظم من ملوك أو علماء أو عباد وتزداد حرمته إذا كان من أجل التمتع بالصورة تمتع شهوة أو تمتعاً بلا شهوة أما إذا كان بالآلة فقد عرفتم الخلاف في هذا ولكن الذي نود أن لا يكون هذا الشغل الشاغل لطلبة العلم بل نقول هذه المسألة مما ساغ فيه الخلاف والعلماء مختلفون فيها وإدخالها في التحريم والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( المصور ) إدخالها في التحريم فيها نظر بل أرى أنه لا يدخل في التحريم فإذا كانت المسألة فيها شيء من الاجتهاد فلا ينبغي التشديد فيها، نعم نشدد على أن من اقتنى صورة عالم أو صورة ملك أو صورة وزير أو صورة عابد لتعظيمها فإن ذلك لا يجوز وهذا هو أصل منع التصوير.
تصوير ما لا روح فيه مثل: نخل ، رمان ، برتقال أيجوز هذا؟ نعم جمهور العلماء على أنه جائز وقال مجاهد وهو إمام من أئمة التتابعين أنه لا يجوز أن تصور الشجر وما أشبهه لأن الله قال في الحديث القدسي ( ومن أظلم ممن يخلق كخلقي فيذهبوا فليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة ) ومعلوم أن الشجر النامي ينفرد الله به عز وجل فهو الذي خلقه (( إن فالق الحب والنوى )) فمن صوره فقد صور كما صور الله وخلق كما يخلق الله لكن الصحيح أنه جائز وهو الذي عليه الجمهور وهو الذي أرشد إليه ابن عباس رضي الله عنهما المصور حين رآه يصور الآدميين فنهاه وقال إن كنت فاعلاً فصور الشجر وما أشبهه.
تصوير السيارات والتراكتورات والطيارات والقصور يجوز ولا ما يجوز ؟
الطالب : يجوز
الشيخ : لماذا؟ لأن هذا صنع الآدمي، الآدمي هو الذي يصنعه بيده فإذا جاز الأصل جاز الفرع، طيب تصوير الأنهار لو أن إنساناً أراد أن يصور بيده قارة من القارات ويصور أنهارها وجبالها يجوز أو لا يجوز ؟ يجوز لأنها ليست نامية والإنسان يجوز أن يحفر في الأرض جدولاً يجري فيه الماء ولا يقال إنك خلقت نهراً وهذه قناة السويس كان في الأول ما في قناة كانت في بالأول آسيا مع أفريقيا ليس بينهما حائل، في أرض يابسة يذهب الناس على الإبل من آسيا من غرب الجزيرة إلى مصر ما فيها ماء ولكنهم شقوا القناة فصارت بحراً اتصل البحر الأبيض بالبحر الأحمر وهذا لا بأس به ولا إشكال فيه