الفوائد مع الشرح حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم هذا الباب فيه عدة مسائل:
أولا: إثبات العرش لله عز وجل لقول الله تعالى : (( وكان عرشه على الماء )) والعرش هو أعظم المخلوقات التي نعلمها وأكبرها وأوسعها ولا نعلم عن ماهيته من أين هو ولا عن كيفيته لكنه ذو قوائم كما ثبت في الحديث الصحيح قال : ( فأستفيق فإذا موسى آخذ بقائمة العرش ) لكن من أين هو الله أعلم من نور من مادة أخرى ما ندري لكن نؤمن بأن لله تعالى عرش عظيماً وصفه الله تعالى بالعرش العظيم بالعظم وهو أكبر المخلوقات، وقد جاء في بعض الأحاديث ( أن السماوات السبع والأرضين السبع بالنسبة للكرسي كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض ) حلقة المغفر وهي صغيرة ألقيت في فلاة من الأرض نسبة الحلقة للفلاة ليست بشيء ( وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة ) فهذا أمر لا يحيط به الإنسان من عظمته وأصل العرش في اللغة العربية: السرير الخاص بالملك، فيكون أعظم السرر الموجودة في مكانه وزمانه لأنه عرش الملك وإنما ذكر المؤلف العرش توطئة لذكر الاستواء، الاستواء على العرش،
ثم قال قال أبو العالية وهو أحد التابعين المعروفين بالفقه والعلم والعبادة قال: " استوى إلى السماء ارتفع" يشير إلى قوله تبارك وتعالى: (( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات )) وهذه في سورة البقرة وفي سورة فصلت قال: (( ثم استوى إلى السماء وهي دخان )) فما معنى استوى إلى السماء؟ قال أبو العالية ارتفع إلى السماء ارتفع إليها وإذا قيل ارتفع إليها فإنه يقتضي أن يكون قبل ذلك دونها ولهذا لم يتفق السلف على تفسير استوى إلى السماء بارتفع إلى السماء بل ذكر كثير من المفسرين أن المراد بالاستواء هنا القصد بالإرادة التامة فاستوى إليها أي اتجه إليها وقصد إليها بإرادة تامة تامة، وأصل ذلك أن هذه المادة استوى في الأصل تدل على الكمال تدل على الكمال، ثم هي في اللغة العربية تستعمل على وجوه ويتقيد معناها بحسب تلك الوجوه، فتستعمل مطلقة وتستعمل معداة بإلى وتستعمل معداة بعلى وتستعمل مقرونة بالواو، هذه أربع استعمالات أربعة استعمالات فإذا استعملت مطلقة فهي بمعنى الكمال كمال الشيء ومنه قوله تعالى (( ولما بلغ أشده واستوى )) استوى أي كمل ويقول العامة استوى الطعام أي كمل نضجه وإذا عدية بإلى صار معناها القصد والانتهاء أي انتهى قصده إلى ما بعد الحرف ومنه قوله تعالى، (( ثم استوى إلى السماء )) أي قصدها قصداً تاماً بإرادة تامة منتهاها السماء، الثالث المعداة بعلى فمعناها العلو والاستقرار لكنه بالنسبة إلى استواء العرش ليس هو بالعلو العام كما سنوضح إن شاء الله الاستعمال الرابع أن ايش؟
الطالب : مقرونة بالواو
الشيخ : أن تكون مقرونة بالواو وفي هذا الحال يكون معناها التساوي كقوله : استوى الماء والخشبة ذكر ذلك النحويون في باب المفعول معه استوى الماء والخشبة أي تساويا يعني صار الماء على حذاء الخشب نعم فهذه استعمالات الاستواء في اللغة العربيةز
والصحيح في قوله تعالى (( ثم استوى إلى السماء )) أي أنه عز وجل قصد إليها بإرادة تامة لأنه سبحانه وتعالى فوق السماء وليس السماء فوقه في يوم من الأيام أو لحظة من اللحظات بل هو فوق السماء فيكون المراد بالاستواء كما قرره كثير من المفسرين ومنهم ابن كثير رحمه الله في التفسير أن معناها القصد مع تمام الإرادة نعم وعليه فيكون في قوله تعالى : ((ثم استوى إلى السماء )) للعلماء قولان القول الأول أنه بمعنى ارتفع والثاني أنه بمعنى قصد قصداً تاماً وقوله: (( فسواهن )) يعني قوله تعالى: (( ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات )) سورة البقرة قال: خلقهن وفي هذا التفسير قصور لأن التسوية أمر زائد على الخلق لقوله تعالى: (( والذي خلق فسوى )) ولو جعلنا التسوية في معنى الخلق لكان معنى الآية: والذي خلق فخلق، وهذا لا يستقيم فالعطف يقتضي المغايرة، والتسوية تمام الخلق يعني خلقهن على وجه مستوٍ تام هذا هو معنى قوله: (( فسواهن ))
وقال مجاهد (( استوى على العرش )) مجاهد إمام المفسرين في التابعين لأنه أخذ التفسير عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، يعرضه يعرض القرآن من أوله إلى آخره يقفه عند كل آية ويسأله عن معناها وقوله: "استوى علا على العرش"، يعني قوله تبارك وتعالى (( ثم استوى على العرش )) (( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش )) استوى يقول : "علا على على العرش"
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في النونية وغيره أيضاً أن استوى على العرش وردت فيها أربع عبارات عن السلف "علا وارتفع وصعد واستقر"، لكن علا وارتفع وصعد معنى الثلاثة متقارب أو واحد؟ استقر الاستقرار أمر زائد على مجرد العلو وكأن الذين فسروه بالاستقرار أخذوه من قوله تعالى: (( لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه )) أي إذا استقررتم عليه وهذا ليس ببعيد وإن كان الأحوط..