ذكر فوائد وقواعد في اثبات صفة الاستواء لله عز وجل ومعانيها والرد على المعطلة. حفظ
الشيخ : وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في النونية وغيره أيضاً أن استوى على العرش وردت فيها أربع عبارات عن السلف علا وارتفع وصعد واستقر علا وارتفع وصعد واستقر، لكن علا وارتفع وصعد معنى الثلاثة متقارب أو واحد استقر الاستقرار أمر زائد على مجرد العلو ، وكأن الذين فسروه بالاستقرار أخذوه من قوله تعالى: (( لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه )) أي إذا استقررتم عليه وهذا ليس ببعيد وإن كان الأحوط ان لا نفسر استوى على العرش إلا بعلا على العرش هذا هو الأحوط لأن هذا الفعل عدي بعلى فلا نقتصر على معنى العلو فيه ولكن لا مانع أن نقول استقر وإن كان أمرا زائداً على العلو لأن هذا هو معناه في اللغة العربية، طيب هذا العلو هل هو العلو العام على جميع المخلوقات أو هو علو خاص بالعرش؟ الجواب الثاني علو خاص بالعرش لأنه لو كان هو العلو العام للزم أن يجوز قول القائل استوى على الأرض واستوى على الجبال واستوى على الشجر واستوى على الإنسان لأنه عالٍ عليه بالمعنى العام لكن هذا علو خاص بالعرش يختص به العرش، ولهذا قيده اللفظ خلق السماوات والأرض في ستة أيام وهو عال عليهن لكن ثم استوى على العرش فهذا علو خاص ويتبين بالمثال الفرق بين العلو العام والخاص، لو وضع لك سرير على سطح فجلست عليه لكنت عالٍ عليه وعلى السطح وعلى من تحت السطح، لكن ما هو العلو الخاص المباشر للسرير الذي علوت عليه هو علوك ايش؟ على السرير وبهذا يقال استوى على السرير في هذا المثال ولا يقال استوى على السطح لكن يقال على، فعليه نقول الاستواء على العرش علو خاص غير العلو العام ولهذا نبحث في هذه المسألة، مسألة الاستواء من عدة وجوه أولا ما معنى قوله استوى على العرش؟ نقول معنى قوله استوى على العرش أي علا على العرش هذا هو المعنى لا يحتمل غيره ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: (( وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين )) واللسان العربي المبين يدل على أن معنى قول استوى على الشيء علا على الشيء، ولا يجوز لنا العدول عما يقتضيه اللسان العربي إلا بدليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع وهنا لا دليل من الكتاب ولا السنة ولا اللغة ولا الإجماع على مخالفة هذا التفسير أن استوى بمعنى علا.
فإن قال قائل ماذا تقولون في قول من قال استوى على العرش استولى على العرش؟ نقول هذا قول باطل هذا قول باطل لأنه لا دليل له من اللغة ويلزم عليه لوازم باطلة ليس له دليل من اللغة ويلزم عليه لوازم باطلة، فليس له دليل إيجابي ولا تنتفي عنه الموانع، فإن قيل قولكم أنه لا دليل عليه في اللغة ممنوع فقد قال الشاعر:
"قد استوى بشر على العراق" بشر على العراق
"من غير سيف أو دم مهراق"
" قد استوى بشر على العراق *** من غير سيف أو دم مهراق "
ومعنى استوى على العراق أي استولى عليه فالجواب عن هذا من وجوه :
الوجه الأول: من قائل هذا؟ نعم ايش
الطالب : الأخطل
الشيخ : لا الأخطل غير هذا الذي قال: " إن الكلام لفي الفؤاذ .. " مجهول مجهول والناقل عنه أيضاً مجهول فهو ظلمات بعضها فوق بعض
ثانياً : سلمنا أن القائل معلوم فهل هو قبل تغير اللسان فيكون من العرب الأقحاح أو بعد تغير اللسان فلا يحتج به؟ الثاني فيما يظهر لأن الفتوحات كثرت في ذلك الوقت وانتشرت واختلط العجم بالعرب وتغير اللسان .
ثالثا : لو فرض أن هذا الرجل لم يتغير لسانه معلوم ولم يتغير لسانه فإن قوله قد استوى بشر على العراق لا يتعين أن يكون المراد به استولى إذ أنه يجوز أن يكون المراد استوى علا على العراق علواً معنوياً لا علوا حسياً لأن كونه يستولى عليه يعلو عليه علواً حسياً ممتنع، لكن يعلو عليه علواً معنوياً والمعنى قد كمل استيلاؤه عليه وسيطرته عليه لأن الاستواء أصل المادة هذه قلنا أنها من ايش؟ من الكمال وحينئذٍ لا دليل لقول هذا القائل أما ما يلزم عليه من اللوازم الباطلة إذا فسرنا استوى على العرش استولى على العرش فهي
أولاً: يقتضي أن يكون العرش قبل استواء الله عليه مملوكاً لغير الله، فمن الذي ملكه غير الله من؟ لا أحد
ثانيا: يقتضي أن يكون هناك معالجة للاستيلاء عليه يعني لأن استولى ما تكون إلا بعد عراك ومقاتلة وأخذ ورد فمن الذي قاتل الله؟ لا شيء
ثالثاً: نقول إذا قلت استوى بمعنى استولى لزم أن يصح قولك إن الله استوى على الأرض واستوى على البعير لأنه ايش؟ مستولٍ على هذا لأنه مستولٍ على هذا.
فهذه اللوازم الباطلة تبطن تحريف من حرف كلام الله تحريف من حرف الاستواء إلى الاستيلاء والحمد لله أن الأمر واضح فإن قال قائل: إذا قلتم استوى على العرش علا على العرش لزم أن يكون جسماً لزم أن يكون جسم ومحدوداً ولهذا لما جاءت امرأة جهم بن صفوان إلى الكوفة أو إلى البصرة واجتمع الناس عليها يناقشونها قالت إنها تكفر بمحدود على محدود، العرش محدود وهي تقول إنه إذا كان مستو على محدود لزم أن يكون محدوداً فما هو الجواب على ذلك؟ الآن قلنا يلزم أن يكون جسماً وأن يكون محدوداً نقول إذا لزم أن يكون جسماً من كلام الله فليكن ذلك ونحن نؤمن به ولكننا نقول إنه ليس كأجسام المخلوقين وإن لم يلزم ذلك فلا يلزمنا أن نلتزم به ولا يكون قولنا باطلا بهذا الإلزام الباطل ثم نقول ماذا تعنون بالجسم ؟ أتعنون بالجسم الشيء المركب من لحم وعظم ودم وما أشبه ذلك؟ فهذا ممنوع أم تريدون بالجسم الشيء القائم بنفسه الفاعل لما يريد الذي يأت ويتكلم وينزع إن قالوا نريد هذا فنحن ايش؟ نلتزم به ونقول إن الله هو هذا (( وليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) أما كلمة محدود فإنها كلمة كالجسم لم ترد في القرآن ولا في السنة ولا في كلام الصحابة لا نفياً ولا إثباتاً وردت عن بعض الأئمة بالإنكار وعن بعض الأئمة بالإقرار يعني أن بعض الأئمة قالوا إن الله محدود أو له حد وبعضهم أنكر ذلك والحقيقة أن الخلاف لفظي عند التحقيق لأنه إن أريد بالحد أن شيئاً يحد الله فهذا منتفٍ قطعاً لأن ما فوق المخلوقات هو ما في شيء ما في شيء والله تعالى فوق المخلوقات، وإن أراد بالحد البينونة عن الخلق فهذا هو معنى قول السلف إنه بائن من خلقه ولهذا إنكار الحد مطلقاً أو إثباته مطلقاً فيه نظر بل يفصل ثم نقول: قولكم إنه يلزم من كونه على العرش أن يكون محدوداً على محدود أما كونه على محدود فهذا نسلم به فالعرش مخلوق له حد ولكن لا يلزم من استوائه على هذا المخلوق المحدود أن يكون هو أيضاً محدوداً لأنه فوق ما في شيء يحده ليس فيه شيء يحده وبهذا بطلت اعتراضاتهم وتبين أنهم أرادوا أن يحكموا على الله بعقولهم لا أن يحكّموا الله تعالى بعقولهم ، والفرق بينهما، الفرق بين الكلمتين واضح أن يحكموا على الله بعقولهم هذا لا يجوز أن يحكموا الله بعقولهم صحيح ولا غير صحيح؟ صحيح لأن العقل يقتضي أن تحكم الله لأنه هو الحَكم وإليه الحُكم فتبين الآن أن استواء الله على العرش بمعنى ايش؟ علا على العرش ولا يحتمل غير هذا المعنى.
البحث الثاني: هذا هو البحث الأول البحث الثاني هل استواء الله على العرش من الصفات الفعلية أم من الصفات الذاتية؟ الجواب الأول أن استواء الله على العرش من الصفات الفعلية، بناء على الضابط الذي ضبطه أهل العلم فقالوا: كل ما يتعلق بمشيئة الله فهو فعلي، والاستواء متعلق بمشيئته، والدليل على تعلقه بمشيئته أنه قال: خلق ثم استوى، إذا فالاستواء حدث بعد ايش؟ بعد الخلق.
فإن قال قائل : أنا لا أقر بالصفات الفعلية وأرد الصفات الفعلية إلى القدرة الأزلية، قلنا هذا خطأ عظيم لأنك إذا حولت استوى على العرش ثم قدر على الاستواء على العرش لزم من ذلك أن يكون قبل هذا عاجزاً فوقعت في شرٍ مما فررت منه، بل نقول قيام الأفعال بالله عز وجل وكونه يفعل ما يشاء هذا من كماله هذا من كمال الله أن يفعل ما يشاء وأن تقوم به الأفعال الاختيارية (( وربك يخلق ما يشاء )) بعدها (( ويختار ))
فإن قال الحوادث لا تقوم إلا بحادث فما الجواب؟ الجواب هذه أكذب القواعد من قال هذا؟ من قال إن الحوادث لا تقوم إلا بحادث ومن قال إن الفعل لا بد أن يكون مقارناً للفاعل وإلا بطل إثباته من قال هذا؟! الإنسان نفسه يحدث الفعل يقوم بعد أن كان قاعداً ويقعد بعد أن كان قائماً ولا يلزم من حدوث هذا القيام المعين أو القعود المعين أن يكون سابقاً سبق هذا الفاعل بمعنى أن الفاعل يفعل ووجوده سابق على فعله فما المانع أن يقع على الله عز وجل فعل حادث مع كونه هو أزلياً ما المانع إذا كان الإنسان المحدث يفعل الفعل الحادث وهو سابق على هذا الفعل قد يكون له مائة سنة، نوح عليه الصلاة والسلام لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، فهل الفعل الذي فعله في آخر وجوده في قومه يلزم أن يكون موجوداً معه حين ولد أو لا يلزم؟ لا يلزم، فتبين أن هذه القاعدة باطلة وفاسدة وأن من كمال الله سبحانه وتعالى أن من كمال الله أن يكون فعالاً لما يريد، ومن جملة ذلك الاستواء على العرش والنزول إلى السماء الدنيا والضحك والفرح والغضب وما أشبهها، وذكرنا قبل هذا الدرس أن كل صفة لها سبب فهي صفة فعلية لأنها متعلقة بمشيئته فتبين الآن أن الاستواء على العرش صفة ايش؟ فعلية طيب العلو العام العلو العام هل هو صفة فعلية أو ذاتية؟
الطالب : ذاتية
الشيخ : ذاتية لأن الله لم يزل ولا يزال عالياً فوق المخلوقات لأن الاستواء علو خاص كما سبق ثم قال البخاري رحمه الله: وقال ابن عباس: "المجيد الكريم" وهذا القول عن ابن عباس معلق ولا ندري من وصله إلا من عند ابن حجر إقرأه لنا