أقسام الإرادة و الفرق بينها وبين المشيئة والكلام على العلاقة بيم المحبة والإرادة وتعلق الحكمة بالمشيئة. حفظ
الشيخ : أما الإرادة، فالإرادة تنقسم إلى قسمين: إرادة كونية تتعلق بالخلق والتكوين وإرادة شرعية تتعلق بالحكم بين الناس والشرع.
أما الأولى الإرادة الكونية فهي بمعنى المشيئة تماماً، بمعنى المشيئة ولهذا قال تعالى (( ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد )) أي ما يريد بالإرادة الكونية، فالإرادة الكونية مرادفة للمشيئة تماماً أراد الله كذا شاء الله كذا معناهما واحد، هذه الإرادة الكونية
إذن الإرادة الكونية تتعلق بما أراده الله سواء كان هذا المراد محبوبا إلى الله أم مكروهاً إليه وسواء كان هذا المراد مما يلائم طبيعة البشر أو مما لا يلائم طبيعة البشر.
فإذا قال قائل: هل أراد الله المعاصي بالإرادة الكونية؟ نعم، نقول نعم كما أنه إذا قال: هل شاءها الله نقول نعم إذن الإرادة الكونية بمعنى المشيئة تماماً. أما الإرادة الشرعية التي تتعلق بما شرعه فإنها بمعنى المحبة بمعنى المحبة فتتعلق بما يحبه الله عز وجل سواء وقع أم لم يقع، وعلى هذا فالإيمان والعمل الصالح من مراد الله شرعاً، والكفر وعمل السيئات ليس مراداً لله ايش؟ شرعاً لأن الله لا يحبه فصار هناك فرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، أعرفتم؟ فإذ قال قائل: هل المعاصي مرادة لله؟ قلنا أما قدراً فنعم، وأما شرعاً فلا. أما قدراً فنعم وأما شرعاً فلا. فإذا قال قائل: إذا كانت المعاصي غير مرادة لله شرعاً فكيف يريدها قدراً وهل أحد أجبره على أن يريد ما لا يحب وما لا يرضى؟ قلنا: ما يكرهه الله عز وجل إذا أراده فهو مراد لغيره وليس مراد لذاته، مراد لغيره أي محبوب إلى الله لغيره لا لذاته فالأعمال السيئة والكفر مراد لله لغيره مراد لله شرعاً لغيره لا لذاته هو يكره الكفر ويكره المعاصي ولكنه يريدها لما يترتب عليها من المصالح فهي مكروهة إليه من وجه ومحبوبة إليه من وجه آخر لأنه لولا الكفر ولولا المعاصي ما عُرف الإيمان وما عرف الصالح لو كان الناس كلهم مؤمنين وكلهم يعمل العمل الصالح ما حصل تمييز وما عرف قدر الإيمان والعمل الصالح ولهذا يقولون: " بضدها تتبين الأشياء " لولا الكفر هل يقوم الجهاد؟ لولا الكفر هل يقوم الجهاد؟ لا، ليش؟ كيف تجاهد مسلماً مثلك؟ لولا المعاصي هل يكون أمر بالمعروف أو نهي عن المنكر؟ لا، لولا ذلك هل يكون دعوة إلى الخير؟ لا لأن الناس كلهم على الخير فيفوت مصالح كثيرة إذا لم تقع هذه المعاصي التي يكرهها الله شرعاً ويريدها ايش؟ قدراً وكوناً ، طيب، ولهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي: ( ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره إساءته ولا بد له منه ) فهنا الرب عز وجل يتردد لا لجهله بما ينفع أو يضر هو يعلم بذلك ولكن لرحمته لعبده المؤمن ومحبته لما يحبه عبده المؤمن، يكره المؤمن الموت والله يكره إساءته لكن لا بد له منه الحكمة تقتضي أن يموت حتى ينتقل إلى الجزاء والثواب والنعيم الذي هو أضعاف أضعاف أضعاف أضعاف ما في الدنيا فالمؤمن يكره الموت لكن ينتقل إلى أي شيء؟ إلى خير منه إلى خير من حياته (( بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى )) فهي كراهة موقتة ينتقل بعدها الإنسان إلى نعيم أنعم من الدنيا وما فيها، فالحاصل أن نقول إن المعاصي مكروهة لله من وجه لكنها محبوبة إليه من وجه لما يترتب عليها من المصالح.
طيب الجدب والقحط الجدب يعني أن الأرض لا تنبت والقحط أن السماء لا تمطر والخوف وما أشبه ذلك هل الله يحب ذلك لعباده؟ لا لكن يريده الله عز وجل كوناً لما يترتب عليه من المصالح فهو محبوب إليه من وجه ومكروه إليه من وجه آخر، ولكن المصالح العظيمة تجعله محبوباً ، محبوباً إلى الله عز وجل (( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس)) لايش؟ (( ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون )) (( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات )) وبعدها؟ (( وبشر الصابرين )) هذا ليس عقوبة هذا ابتلاء، ظهور الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدينا هذا عقوبة لنرجع إلى الله، ولكن الذي في سورة البقرة ابتلاء قد يبتلي الله المؤمن وهو لم يعمل عملاً سيئاً ولم يكسب عملاً سيئاً يخطئ ويرجع إلى الله في التوبة ولكن يبتليه من أجل أن ينال درجة الصابرين ولهذا قال: (( وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ))
الحاصل أن ما يقع من المعاصي مراد لله كوناً غير مراد له شرعاً لكن الله قدره بما يترتب عليه من المصالح، ونظير ذلك في الشيء المحسوس لو كان لك ولد فقال الأطباء أنه لا بد من كيه، كيه يعني بإيش؟ بالنار فإنك توافق على هذا وتمسك بولدك ليكويه الطبيب أنت الآن كاره هذا الشيء أليس كذلك تكره أن ولدك يكوى بالنار لكن تحبه لما يترتب عليه من المصالح أليس كذلك؟ طيب يُشق بطن ابنك أمامك لاستخراج الزائدة منه أو أي عضو منه مريض يشق أمامك وترى أمعاءه أمامك هل أنت تحب هذا؟ لا ما تحبه وعندكم خوف ما في شجاعة ما أحبه من يحب أن بطن ولده يشق أمامه ولكن نظراً لما يترتب عليه من المصالح نعم أحبه فصار هذا محبوباً مكروهاً محبوباً مكروهاً، كذلك السيئات والكفر هو محبوب مكروه فما يترتب عليه من المصالح العظيمة يريده الله عز وجل لهذا لا لأنه يحبه.
فإذا قال قائل ما الفرق بين الإرادتين الكونية والشرعية؟ فالجواب أن الفرق بينهما من وجهين:
الوجه الأول: الإرادة الكونية لا بد فيها من وقوع المراد الإرادة الكونية لا بد فيها من وقوع المراد فإذا أراد الله شيئا كوناً وقع، ولا بد والإرادة الشرعية لا يلزم منها وقوع المراد يعني قد يقع وقد لا يقع ، فهمتم؟ طيب، مثال ذلك : الإيمان مراد لله شرعاً فهل يلزم من كونه مراد لله شرعاً أن يؤمن الناس؟ لا ولهذا في الناس كافر ومؤمن ، أما الإرادة الكونية فلا بد من وقوع المراد لأنها بمنزلة المشيئة وما شاء الله كان.
الفرق الثاني: أن الإرادة الشرعية لا تكون إلا فيما يحبه الله والإرادة الكونية تكون فيما يحبه وفيما يكرهه فالمعاصي واقعة من الإنسان مرادة لله كونا غير مرادة لله شرعا ، مرادة كوناً لأنها وقعت غير مرادة شرعاً لأن الله لا يريدها لا يحبها، فهذان فرقان بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، طيب قول الله تبارك وتعالى (( ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون )) من أي الارادتين؟ الشرعية لأن من الناس من لم يتطهر (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )) الشرعية، شرعية لأن في أشياء كونية تعسر عليكم (( مايريد الله ليجعل عليكم من حرج )) شرعية ولا كونية؟ شرعية ، طيب لأن الحرج كوناً يقع ، الانسان يقع في ضيق وحرج وشدة هذا كوناً أما شرعاً فإن الله لا يريد منا أن يجعل علينا حرجاً طيب (( إن كان لله يريد أن يغويكم هو ربكم )) لا تتعجلون (( إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم )) كونية متأكدون؟ شرعية، شرعية ، لأن الله يحب إغواء الخلق، اي نعم كونية ولا شك الله تعالى لا يريد اغواء الخلق لو أراد اغواء الخلق ما أرسل إليهم الرسل وما أنزل إليهم الكتب جعلهم يعمهون في ضلالهم لكن يحب من عباده الهداية أما الاغواء فلا فقوله : (( إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم )) هذا هذه الإرادة ايش؟ كونية، الآن نطبقها على الواقع ما تقولون في إيمان أبي بكر الصديق رضي الله عنه خالد؟ ما تقول في إيمان أبي بكر الصديق أمراد كوناً أو شرعاً السؤال واحد وش معنى كذا
الطالب : مراد لله كوناً وشرعاً
الشيخ : كوناً لأنه ... وشرعا لأن الله يحبه طيب ما تقول في كفر أبي طالب يا صالح هل هو مراد كوناً أو شرعاً أبو طالب كافر هل هو أي كفره مراد لله كوناً أو مراد لله شرعاً
الطالب : ...
الشيخ : توافقونه يقول إنه مراد كوناً لا شرعاً طيب إيمان أبي لهب يا عقيل هل هو مراد لله كوناً أو شرعاً
الطالب : ...
الشيخ : ايش ايش السؤال ايمان أبي لهب مراد شرعاً لا كوناً ما تقولون فيه؟ صحيح؟ صحيح طيب يلا يا ... كفر أبي لهب؟
الطالب : مراد لله كوناً لا شرعاً
الشيخ : لا شرعاً طيب ما تقول في إيمان رجل كافر، في إيمان رجل كافر؟
الطالب : مراد لله شرعاً
الشيخ : هو كافر الآن
الطالب : ...
الشيخ : ولكن لا كوناً طيب إذن يمكن أن تجتمع الإرادتان وذلك في الإيمان إذا وقع، فهنا تجتمع الارادتان الكونية والشرعية، كفر المؤمن يعني إنسان مؤمن لو قدرنا كفره والآن هو مؤمن نقول كفره غير مراد شرعاً ولا كوناً فهنا انتفت عنه الإرادتان صح؟ ما لكم وجمتم؟ صحيح انتفت عنه إرادتان لأنه لم يقع فلم تكن الارادة الكونية وليس محبوباً الى الله فلم تكن الارادة الشرعية طيب إيمان الكافر هو كافر الآن مراد شرعاً لا كوناً كفر المؤمن؟
الطالب : ...
الشيخ : كفر المؤمن؟
الطالب : لا شرعاً ولا كوناً
الشيخ : هو الآن مؤمن لو قدرنا كفره قلنا ليس مرادا لا كوناً ولا شرعاً، طيب إيمان الكافر مراد شرعاً غير مراد كوناً طيب تقسمت أربعة يعني شيء تتفق فيه الارادتان وشيء تنتفي عنه الإرادتان وشيء تكون فيه الإرادة الشرعية دون الكونية وشيء تكون فيه الإرادة الكونية دون الشرعية نعم
نرجع الآن الى الآيات التي ساقها البخاري رحمه الله قوله تعالى (( تؤتي الملك من تشاء )) الشاهد في هذه الاية قوله من تشاء (( وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء )) فالله تعالى يؤتي الملك من يشاء ولكن هل إتيانه الملك من يشاء لمجرد المشيئة بل هل فعله ما يشاء لمجرد المشيئة؟ ذهب بعض العلماء الى أن فعل الله عز وجل ما يشاء لمجرد المشيئة أي يشاء الوجود او العدم بدون مرجح بدون مرجح ولكن لمجرد المشيئة لأنه لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون فله أن يشاء بدون مرجح، ولكن هذا القول قول ضعيف بل باطل لأنه يستلزم انتفاء حكمة الله في فعله يستلزم انتفاء حكمة الله في فعله، هذا من جهة الدليل العقلي الدليل السمعي قوله تعالى: (( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليماً حكيماً )) فختم هذا بقوله إن الله كان عليماً حكيماً يدل على أن مشيئته تابعة لحكمته وعلى هذا فقيد بذلك كل آية فيها إطلاق المشيئة قيدها بماذا؟ بالحكمة قيدها بالحكمة فقوله: (( تؤتي الملك من تشاء )) ليس لمجرد مشيئة أنه يؤتي هذا الملك لا ولكن يؤتيه لأن حكمته اقتضت أن يأخذ الملك لأن حكمته اقتضت أن يأخذ الملك كذلك (( تنزع الملك ممن تشاء )) نزع الملك ممن يشاء إما بموت أو بأن يغلب، أو بأن يفسد تدبيره، أو ما أشبه ذلك، المهم أنه ينزع الملك ممن يشاء لحكمة أو لغير الحكمة؟ لحكمة.
إذن المشيئة لا بد أن تكون مقرونة بالحكمة والله عز وجل ليس يفعل الشيء بدون مرجح إطلاقاً وإذا كان تصرف الواحد منا بالشيء وترجيحه لأحد الأمرين بدون مرجح يعد سفهاً فما بالك بفعل الله عز وجل الذي فعله في غاية الحكمة وأما قوله تعالى: (( لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون )) فالمعنى أن له الملك التام وأن فعله على أتم وجه فلا يتوجه إليه سؤال لأنه على أتم وجه أما أفعالنا فإنها ناقصة فنُسأل عنها والله لا يسأل عما يفعل لتمام سلطانه وكمال فعله وأنه تام لا يحتاج أن يسأل عنه ثم إنه يجوز أن تسأل عن فعل الله استرشاداً وطلباً للحكمة لا اعتراضاً ثم قال البخاري رحمه الله: بل ساق الآية الثانية (( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله )).
أما الأولى الإرادة الكونية فهي بمعنى المشيئة تماماً، بمعنى المشيئة ولهذا قال تعالى (( ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد )) أي ما يريد بالإرادة الكونية، فالإرادة الكونية مرادفة للمشيئة تماماً أراد الله كذا شاء الله كذا معناهما واحد، هذه الإرادة الكونية
إذن الإرادة الكونية تتعلق بما أراده الله سواء كان هذا المراد محبوبا إلى الله أم مكروهاً إليه وسواء كان هذا المراد مما يلائم طبيعة البشر أو مما لا يلائم طبيعة البشر.
فإذا قال قائل: هل أراد الله المعاصي بالإرادة الكونية؟ نعم، نقول نعم كما أنه إذا قال: هل شاءها الله نقول نعم إذن الإرادة الكونية بمعنى المشيئة تماماً. أما الإرادة الشرعية التي تتعلق بما شرعه فإنها بمعنى المحبة بمعنى المحبة فتتعلق بما يحبه الله عز وجل سواء وقع أم لم يقع، وعلى هذا فالإيمان والعمل الصالح من مراد الله شرعاً، والكفر وعمل السيئات ليس مراداً لله ايش؟ شرعاً لأن الله لا يحبه فصار هناك فرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، أعرفتم؟ فإذ قال قائل: هل المعاصي مرادة لله؟ قلنا أما قدراً فنعم، وأما شرعاً فلا. أما قدراً فنعم وأما شرعاً فلا. فإذا قال قائل: إذا كانت المعاصي غير مرادة لله شرعاً فكيف يريدها قدراً وهل أحد أجبره على أن يريد ما لا يحب وما لا يرضى؟ قلنا: ما يكرهه الله عز وجل إذا أراده فهو مراد لغيره وليس مراد لذاته، مراد لغيره أي محبوب إلى الله لغيره لا لذاته فالأعمال السيئة والكفر مراد لله لغيره مراد لله شرعاً لغيره لا لذاته هو يكره الكفر ويكره المعاصي ولكنه يريدها لما يترتب عليها من المصالح فهي مكروهة إليه من وجه ومحبوبة إليه من وجه آخر لأنه لولا الكفر ولولا المعاصي ما عُرف الإيمان وما عرف الصالح لو كان الناس كلهم مؤمنين وكلهم يعمل العمل الصالح ما حصل تمييز وما عرف قدر الإيمان والعمل الصالح ولهذا يقولون: " بضدها تتبين الأشياء " لولا الكفر هل يقوم الجهاد؟ لولا الكفر هل يقوم الجهاد؟ لا، ليش؟ كيف تجاهد مسلماً مثلك؟ لولا المعاصي هل يكون أمر بالمعروف أو نهي عن المنكر؟ لا، لولا ذلك هل يكون دعوة إلى الخير؟ لا لأن الناس كلهم على الخير فيفوت مصالح كثيرة إذا لم تقع هذه المعاصي التي يكرهها الله شرعاً ويريدها ايش؟ قدراً وكوناً ، طيب، ولهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي: ( ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره إساءته ولا بد له منه ) فهنا الرب عز وجل يتردد لا لجهله بما ينفع أو يضر هو يعلم بذلك ولكن لرحمته لعبده المؤمن ومحبته لما يحبه عبده المؤمن، يكره المؤمن الموت والله يكره إساءته لكن لا بد له منه الحكمة تقتضي أن يموت حتى ينتقل إلى الجزاء والثواب والنعيم الذي هو أضعاف أضعاف أضعاف أضعاف ما في الدنيا فالمؤمن يكره الموت لكن ينتقل إلى أي شيء؟ إلى خير منه إلى خير من حياته (( بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى )) فهي كراهة موقتة ينتقل بعدها الإنسان إلى نعيم أنعم من الدنيا وما فيها، فالحاصل أن نقول إن المعاصي مكروهة لله من وجه لكنها محبوبة إليه من وجه لما يترتب عليها من المصالح.
طيب الجدب والقحط الجدب يعني أن الأرض لا تنبت والقحط أن السماء لا تمطر والخوف وما أشبه ذلك هل الله يحب ذلك لعباده؟ لا لكن يريده الله عز وجل كوناً لما يترتب عليه من المصالح فهو محبوب إليه من وجه ومكروه إليه من وجه آخر، ولكن المصالح العظيمة تجعله محبوباً ، محبوباً إلى الله عز وجل (( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس)) لايش؟ (( ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون )) (( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات )) وبعدها؟ (( وبشر الصابرين )) هذا ليس عقوبة هذا ابتلاء، ظهور الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدينا هذا عقوبة لنرجع إلى الله، ولكن الذي في سورة البقرة ابتلاء قد يبتلي الله المؤمن وهو لم يعمل عملاً سيئاً ولم يكسب عملاً سيئاً يخطئ ويرجع إلى الله في التوبة ولكن يبتليه من أجل أن ينال درجة الصابرين ولهذا قال: (( وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ))
الحاصل أن ما يقع من المعاصي مراد لله كوناً غير مراد له شرعاً لكن الله قدره بما يترتب عليه من المصالح، ونظير ذلك في الشيء المحسوس لو كان لك ولد فقال الأطباء أنه لا بد من كيه، كيه يعني بإيش؟ بالنار فإنك توافق على هذا وتمسك بولدك ليكويه الطبيب أنت الآن كاره هذا الشيء أليس كذلك تكره أن ولدك يكوى بالنار لكن تحبه لما يترتب عليه من المصالح أليس كذلك؟ طيب يُشق بطن ابنك أمامك لاستخراج الزائدة منه أو أي عضو منه مريض يشق أمامك وترى أمعاءه أمامك هل أنت تحب هذا؟ لا ما تحبه وعندكم خوف ما في شجاعة ما أحبه من يحب أن بطن ولده يشق أمامه ولكن نظراً لما يترتب عليه من المصالح نعم أحبه فصار هذا محبوباً مكروهاً محبوباً مكروهاً، كذلك السيئات والكفر هو محبوب مكروه فما يترتب عليه من المصالح العظيمة يريده الله عز وجل لهذا لا لأنه يحبه.
فإذا قال قائل ما الفرق بين الإرادتين الكونية والشرعية؟ فالجواب أن الفرق بينهما من وجهين:
الوجه الأول: الإرادة الكونية لا بد فيها من وقوع المراد الإرادة الكونية لا بد فيها من وقوع المراد فإذا أراد الله شيئا كوناً وقع، ولا بد والإرادة الشرعية لا يلزم منها وقوع المراد يعني قد يقع وقد لا يقع ، فهمتم؟ طيب، مثال ذلك : الإيمان مراد لله شرعاً فهل يلزم من كونه مراد لله شرعاً أن يؤمن الناس؟ لا ولهذا في الناس كافر ومؤمن ، أما الإرادة الكونية فلا بد من وقوع المراد لأنها بمنزلة المشيئة وما شاء الله كان.
الفرق الثاني: أن الإرادة الشرعية لا تكون إلا فيما يحبه الله والإرادة الكونية تكون فيما يحبه وفيما يكرهه فالمعاصي واقعة من الإنسان مرادة لله كونا غير مرادة لله شرعا ، مرادة كوناً لأنها وقعت غير مرادة شرعاً لأن الله لا يريدها لا يحبها، فهذان فرقان بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، طيب قول الله تبارك وتعالى (( ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون )) من أي الارادتين؟ الشرعية لأن من الناس من لم يتطهر (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )) الشرعية، شرعية لأن في أشياء كونية تعسر عليكم (( مايريد الله ليجعل عليكم من حرج )) شرعية ولا كونية؟ شرعية ، طيب لأن الحرج كوناً يقع ، الانسان يقع في ضيق وحرج وشدة هذا كوناً أما شرعاً فإن الله لا يريد منا أن يجعل علينا حرجاً طيب (( إن كان لله يريد أن يغويكم هو ربكم )) لا تتعجلون (( إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم )) كونية متأكدون؟ شرعية، شرعية ، لأن الله يحب إغواء الخلق، اي نعم كونية ولا شك الله تعالى لا يريد اغواء الخلق لو أراد اغواء الخلق ما أرسل إليهم الرسل وما أنزل إليهم الكتب جعلهم يعمهون في ضلالهم لكن يحب من عباده الهداية أما الاغواء فلا فقوله : (( إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم )) هذا هذه الإرادة ايش؟ كونية، الآن نطبقها على الواقع ما تقولون في إيمان أبي بكر الصديق رضي الله عنه خالد؟ ما تقول في إيمان أبي بكر الصديق أمراد كوناً أو شرعاً السؤال واحد وش معنى كذا
الطالب : مراد لله كوناً وشرعاً
الشيخ : كوناً لأنه ... وشرعا لأن الله يحبه طيب ما تقول في كفر أبي طالب يا صالح هل هو مراد كوناً أو شرعاً أبو طالب كافر هل هو أي كفره مراد لله كوناً أو مراد لله شرعاً
الطالب : ...
الشيخ : توافقونه يقول إنه مراد كوناً لا شرعاً طيب إيمان أبي لهب يا عقيل هل هو مراد لله كوناً أو شرعاً
الطالب : ...
الشيخ : ايش ايش السؤال ايمان أبي لهب مراد شرعاً لا كوناً ما تقولون فيه؟ صحيح؟ صحيح طيب يلا يا ... كفر أبي لهب؟
الطالب : مراد لله كوناً لا شرعاً
الشيخ : لا شرعاً طيب ما تقول في إيمان رجل كافر، في إيمان رجل كافر؟
الطالب : مراد لله شرعاً
الشيخ : هو كافر الآن
الطالب : ...
الشيخ : ولكن لا كوناً طيب إذن يمكن أن تجتمع الإرادتان وذلك في الإيمان إذا وقع، فهنا تجتمع الارادتان الكونية والشرعية، كفر المؤمن يعني إنسان مؤمن لو قدرنا كفره والآن هو مؤمن نقول كفره غير مراد شرعاً ولا كوناً فهنا انتفت عنه الإرادتان صح؟ ما لكم وجمتم؟ صحيح انتفت عنه إرادتان لأنه لم يقع فلم تكن الارادة الكونية وليس محبوباً الى الله فلم تكن الارادة الشرعية طيب إيمان الكافر هو كافر الآن مراد شرعاً لا كوناً كفر المؤمن؟
الطالب : ...
الشيخ : كفر المؤمن؟
الطالب : لا شرعاً ولا كوناً
الشيخ : هو الآن مؤمن لو قدرنا كفره قلنا ليس مرادا لا كوناً ولا شرعاً، طيب إيمان الكافر مراد شرعاً غير مراد كوناً طيب تقسمت أربعة يعني شيء تتفق فيه الارادتان وشيء تنتفي عنه الإرادتان وشيء تكون فيه الإرادة الشرعية دون الكونية وشيء تكون فيه الإرادة الكونية دون الشرعية نعم
نرجع الآن الى الآيات التي ساقها البخاري رحمه الله قوله تعالى (( تؤتي الملك من تشاء )) الشاهد في هذه الاية قوله من تشاء (( وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء )) فالله تعالى يؤتي الملك من يشاء ولكن هل إتيانه الملك من يشاء لمجرد المشيئة بل هل فعله ما يشاء لمجرد المشيئة؟ ذهب بعض العلماء الى أن فعل الله عز وجل ما يشاء لمجرد المشيئة أي يشاء الوجود او العدم بدون مرجح بدون مرجح ولكن لمجرد المشيئة لأنه لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون فله أن يشاء بدون مرجح، ولكن هذا القول قول ضعيف بل باطل لأنه يستلزم انتفاء حكمة الله في فعله يستلزم انتفاء حكمة الله في فعله، هذا من جهة الدليل العقلي الدليل السمعي قوله تعالى: (( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليماً حكيماً )) فختم هذا بقوله إن الله كان عليماً حكيماً يدل على أن مشيئته تابعة لحكمته وعلى هذا فقيد بذلك كل آية فيها إطلاق المشيئة قيدها بماذا؟ بالحكمة قيدها بالحكمة فقوله: (( تؤتي الملك من تشاء )) ليس لمجرد مشيئة أنه يؤتي هذا الملك لا ولكن يؤتيه لأن حكمته اقتضت أن يأخذ الملك لأن حكمته اقتضت أن يأخذ الملك كذلك (( تنزع الملك ممن تشاء )) نزع الملك ممن يشاء إما بموت أو بأن يغلب، أو بأن يفسد تدبيره، أو ما أشبه ذلك، المهم أنه ينزع الملك ممن يشاء لحكمة أو لغير الحكمة؟ لحكمة.
إذن المشيئة لا بد أن تكون مقرونة بالحكمة والله عز وجل ليس يفعل الشيء بدون مرجح إطلاقاً وإذا كان تصرف الواحد منا بالشيء وترجيحه لأحد الأمرين بدون مرجح يعد سفهاً فما بالك بفعل الله عز وجل الذي فعله في غاية الحكمة وأما قوله تعالى: (( لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون )) فالمعنى أن له الملك التام وأن فعله على أتم وجه فلا يتوجه إليه سؤال لأنه على أتم وجه أما أفعالنا فإنها ناقصة فنُسأل عنها والله لا يسأل عما يفعل لتمام سلطانه وكمال فعله وأنه تام لا يحتاج أن يسأل عنه ثم إنه يجوز أن تسأل عن فعل الله استرشاداً وطلباً للحكمة لا اعتراضاً ثم قال البخاري رحمه الله: بل ساق الآية الثانية (( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله )).