تتمة الكلام على الإرادة والمشيئة حفظ
الشيخ : الذي فعله في غاية الحكمة وأما قوله تعالى : (( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون )) فالمعنى أن له الملك التام وأن فعله على أتم وجه، فلا يتوجه إليه سؤال لأنه على أتم وجه، أما أفعالنا فإنها ناقصة فنسأل عنها ، والله لا يسأل عما يفعل لتمام سلطانه وكمال فعله وأنه تام لا يحتاج أن يسأل عنه، ثم إنه يجوز أن تسأل عن فعل الله استرشادا وطلبا للحكمة لا اعتراضا، ثم قال البخاري رحمه الله بل ساق الآية الثانية : (( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله )) الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام لأن قريشا سألوه فقال : ( أخبركم غدا ) اعتمادا على نزول الوحي، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يسأل فيأتيه الوحي في الحال كما مر علينا في سؤال اليهود له عن الروح فاتكأ على العسيب ونزل عليه الوحي، فقال لهم : (أخبركم غدا ) ولم يقل إن شاء الله فبقي الوحي خمسة عشر يوما لم ينزل عليه شيء فضاق النبي صلى الله عليه وسلم ولكن تأخر الوحي فيه مصالح عظيمة منها : أن يعرف الإنسان قدر نفسه وأن الأمر بيد الله ومنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم صادق فيما ينزل عليه من الوحي لأنه لو كان كاذبا لافتعل ما يفتعل وأتى به في الوقت الذي حدده لكن لما بقي حتى نزل عليه الوحي دل ذلك على ايش؟ دل ذلك على صدقه وثالثا : أن يشتد اشتياق النبي صلى الله عليه وسلم إلى الوحي وترقبه له إلى غير ذلك من المصالح الذي ليس هذا موضع ذكرها فقال : (( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا )) إني فاعل انتبه لكلمة فاعل ، فاعل أي موقع للفعل إلا مقرونا بمشيئة الله لأجل أن تفوض الأمر إليه لأنك لا تدري ما يعرض لك وكم من إنسان قال : إني فاعل ذلك غدا ولكن يوجد موانع تمنعه من فعله، فإذا قال : إن شاء الله وفوض الأمر إلى الله تيسر له الأمر وما قصة سليمان بخافية عليكم حين قال : ( والله لأطوفن ) استمع ( والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدة منهم غلاما يجاهد في سبيل الله ) فقيل له قل إن شاء الله فلم يقل اعتمادا على ما في نفسه من العزيمة فطاف على تسعين امرأة فلم تلد إلا واحدة منهن شق إنسان ليس إنسانا كاملا ليريه الله عز وجل أن الأمر أمره وأنك لا تتألى على الله كل الأمر إليه قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لو قال إن شاء الله لكان دركا لحاجته ولقاتلوا في سبيل الله ) لو قال إن شاء الله لولدت كل واحدة غلاما يجاهد في سبيل الله فولي ... الرسول عليه الصلاة والسلام : (( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله )) ولكن هنا سؤال هل يجوز أن تخبر عما في نفسك من العزيمة دون أن تريد أنك ستفعل دون يعني تخبر عما في نفسك من العزيمة غير مقرونة بالمشيئة دون أن تريد إيقاع الفعل؟ الجواب : نعم وذلك لأن إخبارك عما في نفسك من العزيمة إخبار عن شيء حاضر لا شيء مستقبل مثال ذلك : أن تقول لصاحبك سأسافر غدا إلى الرياض مثلا سأسافر غدا إلى الرياض إن أردت أنك ستسافر بالفعل يعني إني فاعل ولا بد فهذا لا بد أن تقرنه بالمشيئة وإن رأردت الإخبار عما في قلبك من العزيمة فهذا إخبار عن شيء حاضر لا شيء مستقبل فلا حرج عليك إن لم تقرنه بالمشيئة وهذا فرق دقيق قد يخفى على كثير من الناس الفرق بين الإخبار عما في القلب من العزيمة وبين الإخبار عن الفعل أي وقوعه فعلا الثاني يحتاج إلى قرن بالمشيئة والأول لا يحتاج الى قرن بالمشيئة لأنه إخبار عن شيء واقع وهو العزيمة التي في قلبك .