باب : قول الله تعالى : (( وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير )) . (( يتخافتون )) : يتسارون . حفظ
القارئ : باب : قول الله تعالى : (( وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير )) . (( يتخافتون )) : يتسارون .
الشيخ : قوله تعالى : (( وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور )) ولم يقل إنه عليم به أي بالقول الذي أسررتم أو جهرتم به لأن من علم بذات الصدور أو بالقلوب كان علمه بما أظهرته الألسن من باب أولى وهذا هو قياس الأولى (( أسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور )) وسيعلم ما في الصدور وما تجهرون ثم قال : (( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير )) وهذا الاستفهام للتقرير وقوله من في إعرابها وجهان : الوجه الأول : أن تكون فاعلا والوجه الثاني أن تكون مفعولا به
فإن كانت فاعلا فالمعنى ألا يعلم الخالق وهو اللطيف الخبير والجواب بلى ولا لا ؟ بلى لا بد أن يعلم الخالق ما خلقه ولا يمكن أن يكون الخالق جاهلا بما خلق
وإذا كانت مفعولا به ألا يعلم من خلق صار المعنى ألا يعلم مخلوقه والجواب بلى يعني مخلوقه فإذا قال قائل : لماذا عدل عن قوله ألا يعلم العلام أو ألا يعلم الله ؟ قلنا من أجل إقامة الحجة العقلية الملزمة لأن كونه يخلق يلزم عليه عقلا أن يكون عالما فإذا كان خالقا لكل شيء كان عالما بإيش؟ بكل شيء أضف إلى ذلك أنه عز وجل لطيف خبير اللطيف الذي علم بسرائر الأمور والخبير كذلك العالم ببواطن الأمور واللطف أخص من الخبرة والخبرة أخص من العلم فهناك علم وخبرة ولطف كلها ذكرت في الآية ألا يعلم من خلق العلم اللطف وهو اللطيف والخبرة الخبير واللطيف تجدون أنه أرق من الخبير وأنه أدق حيث يعلم أشياء لطيفة لطيفة جدا لا تدرك لكنه يدركها عز وجل (( يتخافتون )) يقول : يستارون وهذا مذكور في قوله تعالى : (( فانطلقوا وهم يتخافتون ألَّا يدخلنها اليوم عليكم مسكين )) من هؤلاء ؟ أصحاب الجنة الذين أقسموا أن يصرموها صباحا ولم يقولوا إن شاء الله وإنما اختاروا صرمها صباحا لئلا يأتي المساكين فيأكلون منها فهم ذهبوا أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون لم يقولوا إن شاء الله فطاف عليها طائف من الله فدمرها أصبحت كالصريم فلما أصبحوا تنادوا وذهبوا إليها فلما رأوها قالوا هذه ليست جنتنا إنا لضالون أي تائهون لم نهتد إلى طريقها ثم تأكدوا فقالوا (( بل نحن محرومون )) فعرفوا أنهم حرموا وأن الله أتلف هذه الجنة لأن نيتم كانت سيئة لا يريدون أن يطعموا منها المساكين
" وقد ذكر لنا من نثق به من كبرائنا في السن أن شخصين تقاسما ثمر بستان لهما وأن أحدهما خير الآخر قال اختر فقال الآخر أختار هذا الجانب الشرقي لأنه رأى أنه أحسن وأكثر فقال الثاني أختار الغربي والملك بينهما أنصافا أحدهما قال سأجذه في نهار رمضان لأجل ألا يأكل الفقراء فوعد الناس الذين يجذون في النهار فجذوا ودخل التمر
الثاني قال لن أجذه حتى يفطر الناس فلما أفطروا قال لهم لأهل حيه وكان ذاكم الوقت الناس في فقر شديد قال لحيه إني سأجذ النخل في اليوم الفلاني بعد العيد فمن شاء منكم أن يحضر فليحضر فحضر الناس حضر الفقراء امتلأ البستان وصتاروا يأكلون حتى إن الزنابيل امتلأت من النوى ولكن مع ذلك أنزل الله فيه البركة فجاءه شريكه وقال له إننا قد أخطأنا في القسمة وأنا الآن أدعي أنني مغبون كيف أنت يأكل الناس منك هذا الأكل الكثير وتدخل من التمر أكثر مما دخلت أنا ما يصير هذا هذا معناه أنك غلبتني قال وأنت قسمنا جميعا وخيرتك أنت واخترت نصيبك معتقدا أنه أقل أو أكثر ؟ أنه أكثر ولكن بركة الله عز وجل لا حد لها قال أبدا أنت غبنتني ولا يمكن رفع الأمر إلى القاضي يعني إلى هذا الحد رفع الأمر إلى القاضي وحضروا قال أيها القاضي اقتسمنا الثمر نصفين ودخلت أنا تمري وبلغ من الزنابيل كذا وكذا وهو تأخر حتى أفطر الناس وجاؤوا يأكلون وملأوا الزنبيل نوى وأدخل من التمر أكثر مما دخلت وهذا يعني أنني مغبون إيه فكان القاضي ذكيا فقال له : اقرأ (( إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة )) وكأنه يقول احمد ربك أنك حصلت هذا التمر لأن أصحاب الجنة ما حصل شيء وأنت قلت أجذها في نهار رمضلان لئلا يدخلنها اليوم عليك مسكين فهذا جزاؤك وهذا أنزل الله له البركة وبركة الله أنها هكذا، فطرده "
هذه قصة مشهورة عندنا ويسمى أصحابها فلان وفلان لكن لا حاجة لذكرهما فالحاصل أن قوله : (( وانطلقوا وهم يتخافتون )) يعني يسر بعضهم إلى بعض لا يأتي للمسكين اصح يجي فقير فلما أصبحوا وجدوها كالصريم سبحان الله في النهاية أقبل بعضهم على بعض يتلاومون قالوا يا ولينا إنا كنا طاغين عسى ربمنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون )) وهذا من حكمة الله عز وجل أن الله قد يبتلي الإنسان بفقد ما يحب لاستقامة دينه (( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا )) وهذا الابتلاء قد يكون خيرا للإنسان وقد يكون شرا من الناس من إذا ابتلي في دنياه قوي إيمانه ورجع إلى ربه وأناب إلى الله (( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين )) .