هل يقاس على حال هذا الصندوق ما تفعله بعض شركات التأمين الحالية من استحصال مبلغ معين من كل شخص يريد أن يؤمن على بضاعته أو سيارته أو نحو ذلك ؟ حفظ
السائل : هل نقيس على حالة الصندوق هذه ما تفعله بعض شركات التأمين الحالية من استحصال مبلغ معيّن من كل شخص يريد أن يؤمّن على مثلا بضاعته أو سيارته أو نحو ذلك؟
الشيخ : لا نقيسه على هذا.
السائل : نعم.
الشيخ : فإن شركات التأمين هذه لا شك أنها محرّمة وأنها من الميسر الذي قرنه الله تعالى بالخمر وعبادة الأصنام والاستقسام بالأزلام كما قال الله عز وجل (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) وذلك لأن هذا العقد غرر دائر بين الغنم والغرم وكل عقد هذه حاله فإنه من الميسر إذ أن الإنسان يكون فيه حاله دائرة بين أن يكون غانماً أو غارماً.
السائل : نعم.
الشيخ : وأضرب لك مثلاً بأنه إذا كان عندي سيارة وأعطيت شركات التأمين مبلغاً من المال كل شهر، كل شهر مثلاً لنفرض أنه مائة ريال.
السائل : نعم.
الشيخ : فمعنى ذلك أنها ستكسب في السنة ألفا ومائتي ريال، قد يحدث حادث على سيارتي يستهلك خمسة ءالاف ريال لإصلاحها.
السائل : نعم، هذا وارد.
الشيخ : وحينئذ تكون الشركة غارمةً لأنه أخِذ منها أكثر مما بذِل لها وقد يكون الأمر بالعكس قد تمضي السنة والسنتان والثلاث ولم يحصل على سيارتي حادث وحينئذ أكون أنا غارماً لأنه أخِذ مني مبلغ من المال بغير حق.
السائل : نعم.
الشيخ : وهذا بعينه هو الميسر لأنه يُشبه الرهان الذي قد يكون الإنسان فيه غانماً وقد يكون فيه غارماً ولأنه نفس ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام حيث نهى عن بيع الغرر فإن هذا يُشبهه إن لم يكن هو إياه ثم إن في هذه التأمينات في الحقيقة إضراراً بالمجتمع وإخلالاً بالأمن لأن هذا الذي قد أمّن على حادث سيارته قد يؤدّيه هذا التأمين إلى التهوّر وعدم المبالاة بالصدم والحادث لأنه يرى أنه مؤمّن له، ولهذا ينبغي حفظاً لأمن المجتمع أن تُمنع هذه التأمينات أو هذه الشركات فالذي أرى في هذا أنه يجب على كل مؤمن أن يجعل اعتماده على ربه سبحانه وتعالى وأن يبتعد عن المعاملات المحرّمة لأن هذا المال الذي بأيدينا هو عاريّة إما أن يؤخذ منا ويتلف في حياتنا وإما أن نؤخذ منه ونتلف ويبقى لغيرنا فالواجب على المؤمن ألا يجعل المال غاية بل يجعله وسيلة وليتذكر دائماً قول الله عز وجل (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ )) وليتذكر دائماً قول الله عز وجل (( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ )) أي لعلي أنفق مالي، من جملة ما يدخل في هذه الأية لعلي أنفق مالي الذي تركته فيما يقرّبني إلى الله من الأعمال الصالحة، فقال الله عز وجل (( كلا )) أي لا رجوع أو بمعنى حقاً (( إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )) فنصيحتي للمسلم ألا يتشبّه بالكفار الذين يجعلون المال غاية لا وسيلة ويجعلون الدنيا مقراً لأن مقر المؤمن هي دار الأخرة التي هي خير وأفضل وأعظم من هذه الدنيا بكثير كما قال الله تعالى (( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) وليعلم أنه إذا اتقى الله عز وجل في عباداته ومعاملاته وأخلاقه وولايته التي ولّي عليها من أهله من زوجات وغيرهم ليعلم أنه إذا اتقى الله عز وجل في ذلك فإن الله تعالى قد ضمن له وهو لا يخلف الميعاد أن يرزقه من حيث لا يحتسب (( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً )) ، (( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً )) .
فأنت يا أخي المؤمن اصبر والرزق سيأتيك إذا سعيت له بالأسباب المشروعة غير المحظورة وقال النبي عليه الصلاة والسلام ( إنه ألقي في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ) .
ونسأل الله تعالى أن يحمي المسلمين من الربا والميسر وأن ييسّر لهم المعاملات الطيبة التي يأكلونها رغداً هنيئاً لا تبعت عليهم في الدنيا ولا في الأخرة.
لكن قد يقول قائل : إذا ابتليت بهذا الأمر فقدِمت إلى بلد أو كنت في بلد يُرغموني على هذا التأمين.
السائل : نعم.
الشيخ : فماذا أصنع؟ هل أعطّل سيارتي مثلا وأستأجر أم ماذا أصنع؟ أقول في هذا إنه إذا أرغمت على هذا التأمين فلا حرج عليك أن تدفع ما أرغمت عليه ولكن إذا حصل عليك حادث فلا تأخذ منهم إلا مقدار ما دفعت لا تأخذ منهم ما يكون بهذا الحادث إذا كان أكثر مما أعطيتهم وبهذا تكون خرجت من التبِعة لأنك ظُلمت بهذا العقد المحرّم الذي أجبرت عليه وبدفع هذه الفلوس التي أجبرت على دفعها فإذا ظلِمت فإنك تأخذ قدر مظلمتك باختيارهم هم لأنهم هم الذين سيدفعون إليك هذا بمقتضى العقد الذي أجبروك عليه فلا أرى بأساً أن تأخذ منهم مقدار ما دفعت فقط على هذا الحادث الذي حصل لك وإذا كان الحادث أقل مما دفعت فهم لن يعطوك إلا بقدر الحادث وهذا لا شك أنك ستأخذه.
السائل : بارك الله فيكم.
سؤاله الثاني يقول.