هل صحيح أن أصحاب الأعراف هم الذين خرجوا إلى الجهاد في سبيل الله بغير إذن أوليائهم ثم ماتوا وإذا كان صحيح فكيف توجيه الآيات والأحاديث التي تحث على الجهاد في سبيل الله ؟ حفظ
السائل : سمعنا من محدث أن أهل الأعراف هم أناس أو رجال خرجوا للجهاد في سبيل الله ولم يستأذنوا أهلهم في الخروج للجهاد ولكنهم خرجوا وقتِلوا في سبيل الله وماتوا شهداء ولم يدخلوا الجنة ولا النار فهم على الأعراف بينهما حتى يقضي الله فيهم يوم القيام فهل هذا صحيح أم لا، ثم لو كان صحيحاً وأراد الإنسان الجهاد والهجرة في سبيل الله في وقتنا الحاضر فهل يكون مع أهل الأعراف إذا لم يستأذن والديه للخروج لأنهما قد لا يأذنا له بذلك وإذا كان كذلك الأمر فإنا قد قرأنا في القرأن الكريم الحث من الله عز وجل والترغيب في الجهاد لقوله تعالى (( فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالأخرة ومن يُهاجر في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً )) وقوله تعالى (( ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقط وقع أجره على الله )) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في حثه على الجهاد " من مات ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق " أو كما قال صلى الله عليه وسلم فما قولكم في هذا؟
الشيخ : الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى ءاله وصحبه أجمعين.
قولنا في هذا أن ما سمعت من أن أهل الأعراف هم قوم خرجوا إلى الجهاد في سبيل الله بدون استئذان أهليهم هذا ليس بصحيح فإن أهل الأعراف على ما قاله أهل العلم " هم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم فلا هم الذين غلبت عليهم السيئات حتى يُدخلوا في النار ليطهروا من سيئاتهم، ولا هم قوم غلبت حسناتهم حتى يدخلوا الجنة ولكنها تساوت حسناتهم وسيئاتهم " فكان من حكمة الله عز وجل وعدله أن يوقَفوا في الأعراف وءاخر أمرهم أن يدخلوا الجنة بفضل الله تعالى ورحمته، هؤلاء هم أهل الأعراف.
أما ما ذكرت من الجهاد في سبيل الله بدون استئذان الأبوين فإننا نقول في ذلك إذا كان الجهاد تطوّعاً فإنك لا تخرج إلا باستئذان الأبوين وإذا كان الجهاد واجباً فإنه لا يحتاج إلى إذن الأبوين بل لك أن تخرج وإن لم تستأذنهما وإن لم يرضيا بذلك لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق اللهم إلا أن يكونا في ضرورة إلى بقائك فحينئذٍ تقدّم دفع ضرورتها على الجهاد وعلى هذا يُحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم ( ففيهما فجاهد ) حيث كانا يحتاجان بل مضطران إلى وجود ابنهما عندهما.
وأما فضل الجهاد في سبيل الله والهجرة فإن هذا أمر معلوم بدلالة الكتاب والسنّة والجهاد في سبيل الله ذروة سَنام الإسلام ومن أهم الأعمال الصالحة وأحبّها إلى الله عز وجل (( والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم )) (( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما ءاتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين )) ولكن ليُعلم أن الجهاد في سبيل الله ليس هو مجرّد قتال الكفار بل إن الجهاد في سبيل الله تعالى هو الذي يُقاتل فيه الإنسان لتكون كلمة الله هي العليا فقط لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يُقاتل حمية ويُقاتل شجاعة ويقاتل ليُرى مكانه أي ذلك في سبيل الله فقال عليه الصلاة والسلام ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) وهذا هو الميزان الحقيقي الصحيح الذي يُعرف به كوْن الجهاد في سبيل الله أو ليس في سبيل الله فمن قاتل دفاعاً عن الوطن لمجرّد أنه وطن فليس في سبيل الله ومن جاهد عن وطنه لأنه وطن إسلامي يحتمي به عن الكفار فإنه في سبيل الله فالميزان الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام ميزان بيّن واضح، نعم من قاتل دون ماله أو دون أهله أو دون نفسه فقتل فهو شهيد كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.