هل يجوز تخصيص الزوجة بنصيب من التركة وكذلك تخصيص بعض الأبناء دون بعض بحجة أنه يبر والده ويخدمه دون اخوته الآخرين ؟ حفظ
السائل : يقول سألت أحد العلماء عن مدى جواز تخصيص زوجتي بنصيب من تركتي فقال لي إن كنت أريد ذلك بقصد مكافأتها على خدمتها وعشرتها الطيبة فلا حرج في ذلك ولكن إذا أرت ذلك بقصد الإضرار بباقي الورثة فإن هذا لا يجوز وفي تقديري مع ضعف علمي أن المرأة نصيبها معروف حسب ما قرّره الشرع وقول هذا يتعارض في نظري مع ما ورد في الكتاب والسنّة فما رأيكم في ذلك وإن كان كلام هذا العالم صحيحاً فهل يمكن أن نقيس على ذلك أنه يمكن أن أخص أحد أولادي بنصيب من التركة دون إخوته بدعوى أنه وقف معي مواقف جيدة دون إخوته وخدمني أكثر منهم؟
الشيخ : بسم الله الرحمان الرحيم، الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى ءاله وأصحابه أجمعين، قبل الجواب على السؤال أحب أن أحذر مِن أن يتكلم الإنسان بغير علم فيما شرعه الله تعالى لأن المتكلم ... ما يكون من الشريعة معبر عن الله ورسوله فعليه أن يحترز وأن يتحرى الصواب بقدر ما أمكنه قبل أن يتكلم والجرأة على الفتيا ليست بالأمر الهيّن فإن الإنسان سوف يسؤل وربما تساهل الإنسان في فتيا من الإفتاءات فضل بها كثير من الناس، وقد قال الله تعالى في محكم كتابه : (( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون )) وقال جل ذكره : (( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً )) .
وقد جعل الله تعالى في الأمر سعة بأن يقول من استفتي ولا علم عنده يقول لا أعلم فيما لا يعلمه فإن ذلك أبرؤ لذمته وأعز له وأرفع له عند الله عز وجل فإن من قال فيما لا يعلم إنني لا أعلم فقد تواضع ومن تواضع لله رفعه وبهذا يثق الناس من علمه واستفتائه لأنه إذا عرفوا أنه يقول فيما لا يعلم لا أعلم وثقوا منه وعرفوا أنه لا يُقدم على الفتوى إلا عن علم.
وما أفتى به في هذه المسألة من أنه يجوز أن توصي لزوجتك بشيء من مالك نظراً لمعاملتها الطيبة معك فإنها فتوى معارضة لما دل عليه الكتاب والسنّة، فإن الله تعالى فرض للزوجة من مالك بعد موتك شيئاً محدوداً : (( ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم )) وقد قال الله تعالى في ءايات المواريث (( تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين )) فالحد الذي حده الله للزوجة بعد موت زوجها من ماله هو إما الربع وإما الثمن لا زيادة على ذلك، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إن الله أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث ) .
وعلى هذا فإذا كنت تريد أن تبرّ امرأتك بشيء نظراً لمعاملتها الطيبة معك فبإمكانك أن تبرّها في حال صحتك فتعطيها ما تكافئها به من مالك أما بعد موتك فإن الأمر محدود مقدّر من قبل الشرع، لا يجوز أن يتعدى فيه الإنسان.
وأما بالنسبة لما ذكرت أنه يمكن أن يُقاس عليه الوصية لأحد من أولادك بشيء حيث كان يبرّك أكثر من إخوانه فإن هذا كما عرفت من بطلان الأصل، وإذا بطل الأصل بطل الفرع أي أنه إذا بطل المقيس عليه بطل المقيس.
السائل : نعم.
الشيخ : على أن الأولاد يختصون بخصيصة أخرى وهي أنه إذا كان هذا الولد البار له إخوة فإنه لا يجوز أن تعطيه شيئاً زائداً ولو زائدا على إخوانه ولو كان ذلك في حياتك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتاه بشير بن سعد ليشهده على عطيته لابنه النعمان بن بشير قال له عليه الصلاة والسلام : ( أكلَّ ولدك نحلتهم مثل ذلك ) قال : لا، قال : ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) ولم يستفصل الرسول عليه الصلاة والسلام هل كان أعطى النعمان لبره به أكثر من غيره أم لا فعلم أنه لا يجوز للوالد أن ينحل أحداً من أولاده دون الأخرين ولو كان أبَرّ منهم وبر هذا البار أجره على الله عز وجل والحاصل أنه لا يجوز للإنسان أن يوصي لزوجته بأكثر من ميراثها نظراً لقيامها بواجبها نحوه ولا يجوز لأحد أن يخص أحداً من أولاده بشيء دون إخوته نظراً لكونه أبَرّ منهم بل يجب عليه العدل بين أولاده والعدل هو أن يعطي كل إنسان ما يحتاجه وليس معناه أن يُسوي بينهم فإذا أعطى هذا عشرة أعطى الأخر عشرة مثلاً، لا، قد يحتاج هذا الإنسان حاجة تبلغ ألفاً والثاني يحتاج حاجة تبلغ مائة فإذا أعطى كل واحد منهما حاجته فقد عدل بينهما وإن كان هذا تبلغ حاجته ألفاً والثاني تبلغ مائة.
والمهم أن القيام بالواجب بالنسبة للأولاد عدل ولو كان واجب أحدهم يتطلب أكثر من الأخر.
السائل : نعم.
الشيخ : نعم.
السائل : هذا في حال الحياة أما بعد الموت فكل ذلك يدخل تحت عموم ( لا وصية لوارث ) .
الشيخ : نعم.
السائل : نعم. هذه رسالة من السائل حسين محمود أردني يدرس الطب في كراتشي بالباكستان.