هل يجوز للإمام أن يطيل الركوع إذا أحس بدخول المأموم ليدرك الركعة معه أم لا ؟ حفظ
السائل : هل يجوز للإمام أن يطيل ركوعه عندما يحس أن بعض الناس المصلين يريدون إدراك هذه الركعة أم لا؟
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه يستحب للإمام إذا أحس بداخل وهو راكع أن يطيل الركوع حتى يدرك هذا الداخل الركعة، لكنهم قيدوا ذلك بشرط وهو ألا يشق على المأمومين الذين وراءه، فإن كان يشق عليهم فإن مراعاة المأمومين الذين معه أولى من مراعاة هذا الداخل، ولا أعلم في ذلك سنة في هذه المسألة بعينها، ولكن ربما تؤخذ من حال النبي عليه الصلاة والسلام حيث إنه يراعي المأمومين حتى إنه إذا سمع بكاء الصبي خفف في صلاته صلى الله عليه وسلم مخافة أن تفتتن أمه فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يراعي أحوال المأمومين إلى هذا الحد بحيث يخفف الصلاة من أجل ألا تفتتن أم الصبي الذي يبكي فإن مراعاة الداخل الذي يدرك الركعة بإدراكه الركوع من باب أولى، ولا سيما إذا كان الركوع آخر ركعة، لأجل أن يدرك هذا المأموم الداخل الصلاة فإنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ) والإنسان إذا أدرك الركوع أدرك الركعة وإن لم يقرأ بأم القرآن، لأنه ثبت في الصحيح من حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه دخل والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فأسرع ثم كبر وركع قبل أن يدخل الصف، فلما سلم النبي عليه الصلاة والسلام سأل عن الفاعل فقال أبو بكرة : أنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( زادك الله حرصاً ولا تعد ) ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء هذه الركعة التي أدرك ركوعها، ولو كان لم يدرك الركعة لأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضيها، وعلى هذا فيكون حديث أبي بكرة رضي الله عنه مخصصاً لعموم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب ) أو ( بأم القرآن ) أو قال: ( بفاتحة الكتاب ) فيكون هذا الحديث مخصصا أعني حديث أبي بكرة مخصصا لعموم حديث عبادة بن الصامت. هذا وجهة الدليل من حيث الدليل الأثري.
أما من حيث الدليل النظري فلأننا نقول: إن الصلاة محلها القيام وهذا الرجل أدرك الإمام راكعا وهو مأمور بأن يتابع إمامه فيكون القيام هنا ساقطا عنه لوجوب متابعة الإمام، وإذا سقط القيام سقط ما كان مفروضا فيه وهو القراءة.
ولكن لو قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكرة : ( زادك الله حرصاً ولا تعد ) فهل يكون في ذلك دليل على أنه لم يدرك الركعة؟
الجواب: أنه لا دليل فيه، لأنه لو لم يدرك الركعة لأمره النبي عليه الصلاة والسلام بقضائها إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقر على شيء غير مشروع، ولهذا لما دخل الأعرابي وصلى صلاة لا يطمئن فيها، ثم جاء فسلم على النبي عليه الصلاة والسلام قال له: ( ارجع فصل فإنك لم تصل ) ولكن قوله صلى الله عليه وسلم: ( ولا تعد ) نهي عما لا ينبغي أن يفعل في حال الإتيان إلى الصلاة، أبو بكرة رضي الله عنه أسرع وكبر للصلاة قبل أن يدخل في الصف، وركع مع الإمام دون أن يقرأ الفاتحة، فهذه ثلاث مسائل: أما المسألتان الأوليان فإنه منهي عنهما، أما الأولى: وهي الإسراع فإنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا )، فيكون قوله: ( ولا تعد ) أي لا تعد إلى الإسراع، وأما الثانية: وهي أنه دخل في الصلاة قبل أن يصل إلى الصف فهذه مخالفة لوجوب المصافة، لأن الإنسان لا يصلي منفردا مع بقاء مكان له في الصف، وهذا الرجل كبر منفردا وهو خلاف المشروع فيكون منهيا عنه.
أما المسألة الثالثة: وهي أنه ركع مع الإمام لما أدركه راكعا فإنها لا تدخل في النهي لقوله صلى الله عليه وسلم: ( فما أدركتم فصلوا ) وهذا الرجل أدرك الإمام راكعا فيصلي معه.
إذن يكون قوله: (ولا تعد) عائدا إلى المسألتين الأوليين فقط دون المسألة الثالثة، والمسألة الثالثة علم حكمها من عدم أمر النبي صلى الله عليه وسلم له بقضائها.