توفي أبي منذ عشرين سنة وكان تاركا للصلاة ومات على ذلك، فهل يجوز لي أن أدعو له بالمغفرة والرحمة ؟ حفظ
السائل : لقد توفي أبي منذ عشرين سنة، وكان قاطعاً للصلاة وكان يفطر أحياناً في رمضان كما أخبرتني والدتي وهي تنصحه، ولكن بالنسبة للفطر في رمضان امتنع عنه ولكن الصلاة كان قاطعاً لها حتى توفي، فهل يجوز لي أن أدعو له بالمغفرة والرحمة؟
الشيخ : الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين وعلى آله وأصحابه أجمعين.
تقدم أول الجواب على هذا السؤال، وبينا أنه لا يجوز لهذا السائل أن يدعو لأبيه الذي مات تاركا للصلاة، وذلك لأن تارك الصلاة كافر كفرا مخرجا عن الملة على القول الراجح، والكافر لا يجوز لأحد أن يدعو له بالمغفرة والرحمة لقوله تعالى: (( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ )).
وقد ذكرنا في الجواب السابق أو وقد شرعنا في سياق الأدلة من كتاب الله التي تدل على كفر تارك الصلاة كفرا مخرجا عن الملة وذكرنا آية التوبة، وهي قوله تعالى عن المشركين: (( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ))، وبينا وجه دلالتها على أن تارك الصلاة كافر كفرا مخرجا عن الملة.
ومن الأدلة من كتاب الله عز وجل على ذلك قوله تعالى: (( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا )) ووجه الدلالة من هذه الآية قوله تعالى: (( إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ )) فدل هذا على أن من أضاع الصلاة فليس بمؤمن، والأصل في نفي الصفة عن الموصوف أن يكون نفيا تاما إلا أن يقوم دليل على أن المراد انتفاء كمال تلك الصفة، فيعمل بما قام عليه الدليل، وعلى هذا فتكون الآية دالة على أن من أضاع الصلاة فليس بمؤمن.
واستدل بعض العلماء من كتاب الله تعالى على أن تارك الصلاة كافر بأن الله تعالى حكم بكفر إبليس حين ترك امتثال أمر الله تعالى بالسجود لآدم، وإن كان هذا الاستدلال فيه مناقشة.
وأما دلالة السنة على كفر تارك الصلاة كفرا مخرجا عن الملة فمنها: ما رواه مسلم في * صحيحه * عن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة )، وفيما رواه أهل السنن من حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، ولا يراد بالكفر هنا ما كان من أعمال الكفر، لأنه إذا كان المراد ما كان من أعمال الكفر فإنه لا يذكر الكفر مقرونا بـ" أل "، بل إنما يذكر منكرا كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ( اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت ) أما هنا فقال: ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ) بأل الدالة على حقيقة الجنس وهو الكفر الأكبر المخرج عن الملة، وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الثاني: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ) والضمير في قوله: ( بينهم ) يرجع للكفار فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة حدا فاصلا بيننا وبين الكفار الخارجين عن الإسلام خروجا كليا.
وبهذا يتبين أن هذين الحديثين واضحان في أن تارك الصلاة كافر كفرا مخرجا عن الملة.
فإن قال قائل: ألا يمكن أن يحمل الحديث على أن المراد من تركهما جاحدا لوجوبهما؟
فالجواب: أن هذا لا يمكن ولا يصح، لأن في حمله على ذلك جنايتين على النص، الجناية الأولى: أننا صرفناه عن ظاهره بلا دليل، الجناية الأولى أننا حملنا على غير ظاهره بلا دليل، وجعلنا مناط الحكم الجحود.
الثاني: أننا ألغينا ظاهره الذي جعل مناط الحكم فيه الترك، وفرق عظيم بين الترك والجحود، ولهذا من جحد وجوب الصلاة فهو كافر وإن صلى، والحديث علق الحكم فيه على الترك.
ونظير هذا ما حمل بعض أهل العلم قوله تعالى في قاتل النفس: (( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا )) حيث حمل هذه الآية على من قتله مستحلا لقتله، وقد قيل للإمام أحمد هذا القول فتعجب منه، وقال: إذا استحل قتله فهو كافر سواء قتله أم لم يقتله، وهكذا نقول نحن هنا إذا جحد وجوب الصلاة فهو كافر سواء صلى أم لم يصل، والحديث نص في تعليق الحكم بالترك لا بالجحد، فلا يجوز العدول عن ظاهرهما إلا بدليل، وليس هناك أدلة توجب لنا أن نخالف هذا الظاهر، فليس في الكتاب ولا في السنة أن تارك الصلاة مؤمن، ولا أن تارك الصلاة يدخل الجنة، ولا أن تارك الصلاة ينجو من النار، أو نحو ذلك من النصوص التي توجب لنا أن نحمل نصوص التكفير على أن تكون كفرا دون كفر، أو على أن المراد بها من جحد.
وليعلم أن باب التكفير موكول إلى الشرع كباب التحليل والتحريم فكما أنه لا عدول لنا عن تحريم ما حرم الله وتحليل ما أحل فلا عدول لنا عن تكفير من كفره الله عز وجل ورسوله ونحن عباد لله عز وجل نمتثل أمره ونجتنب نهيه ونأخذ بما ظهر لنا من أدلة الكتاب والسنة، فإذا دلت النصوص على تكفير أحد بفعل شيء أو تركه وجب علينا أن نأخذ بها.
أما أقوال الصحابة رضي الله عنهم فقد قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: " لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة "، ونقل إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة عبد الله بن شقيق حيث قال: " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة "، ونقل إسحاق بن راهويه الإمام المشهور إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة كفرا مخرجا عن الملة.
وأما دلالة الاعتبار على كفر تارك الصلاة فإننا نقول: كيف يكون في قلب الإنسان إيمان وهو تارك لهذه الصلاة التي عظمها الله في كتابه وتوعد المضيعين لها وجاءت السنة بالتنويه البالغ في فضلها حيث إن الله عز وجل لم يشرع من الشرائع شيئا فيما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون واسطة إلا الصلاة، وفرضها الله على عباده خمسين صلاة في كل يوم وليلة مما يدل على أهميتها ومحبة الله لها وعنايته بها، فكيف يمكن أن يقال لشخص ترك هذه الصلاة مع ما فيها من هذا الفضل العظيم والتنويه وتعلية الشأن كيف يمكن أن نقول: إن في قلبه إيمانا وقد تركها تركا مطلقا، لا يصلي ولا وقتا لله عز وجل، فهذا وجه دلالة الاعتبار على كفر تارك الصلاة كفرا مطلقا مخرجا عن الملة والعياذ بالله.
وبناء على ذلك فإنه لا يحل له عقد النكاح بمعنى أنه لا يحل أن نزوجه مسلمة، وهو إذا كان لا يصلي لا يحل أن يعقد النكاح لأحد من بناته، وإذا عقد النكاح صار العقد فاسدا، لأن من شرط الولي على المسلمة أن يكون مسلما، وإذا مات فإنه لا يجوز أن يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يدعى له بالرحمة والعياذ بالله، بل يخرج به في مكان يحفر له فيه ويدفن بدون صلاة ولا تكفين ولا تغسيل، لأن هذا هو شأننا مع غير المسلمين.
ثم إن هذا الذي لا يصلي يترك الصلاة تركا مطلقا، لا تحل ذبيحته، ولا يحل له دخول حرم مكة لأن الله يقول: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا )) وقد سمعت قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ).
أما في الآخرة فإنه يكون خالدا مخلدا في نار جهنم.
هذا هو ما تقتضيه الأدلة عندي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة رضي الله عنهم والاعتبار الصحيح.
وقد بذلت الجهد في تتبع الأدلة التي استدل بها من لا يرى كفر تارك الصلاة ويحمل أدلتها على أن المراد من تركها جاحدا للوجوب أو على أن المراد بها كفر دون كفر، تتبعت أدلتهم والله عز وجل يعلم أنني تتبعتها بعدل وإنصاف معتقدا بأنه لا يحل لي العدول عنها لو كانت تدل على أن تارك الصلاة لا يكفر، فوجدت هذه الأدلة لا تخلو من أربع حالات: إما أنه لا دلالة فيها أصلا، وإما أنها وردت في قوم يعذرون بترك الصلاة لكونهم لا يعلمون عنها وقد اندرس الإسلام وانطمست معالمه فلا يدرون إلا قول: لا إله إلا الله، وإما أن هذه النصوص قيدت بقيود لا يمكن معها ترك الصلاة كما في حديث عتبان ابن مالك : ( إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله )، وإما أنها عامة خصصت بالأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة، ومثل هذه الأدلة لا يمكن أن تقاوم الأدلة الواضحة الدالة على كفر تارك الصلاة. فعلينا نحن المسلمين جميعا من علماء ومتعلمين وعامة أن نتقي الله عز وجل فيما نحكم به مستندين بذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلينا أن نتقي الله عز وجل بفعل أوامره واجتناب نواهيه وأن ندعو إلى الله على بصيرة، وأن لا نفتح للناس أبواب التهاون فيما فرض الله عليهم خصوصا إذا لم يكن هناك دليل واضح فيما ذهبنا إليه، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يحمينا جميعا من أسباب سخطه وعقابه، وأن يوفق المسلمين وولاة أمورهم لما فيه الخير والصلاح.
الشيخ : الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين وعلى آله وأصحابه أجمعين.
تقدم أول الجواب على هذا السؤال، وبينا أنه لا يجوز لهذا السائل أن يدعو لأبيه الذي مات تاركا للصلاة، وذلك لأن تارك الصلاة كافر كفرا مخرجا عن الملة على القول الراجح، والكافر لا يجوز لأحد أن يدعو له بالمغفرة والرحمة لقوله تعالى: (( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ )).
وقد ذكرنا في الجواب السابق أو وقد شرعنا في سياق الأدلة من كتاب الله التي تدل على كفر تارك الصلاة كفرا مخرجا عن الملة وذكرنا آية التوبة، وهي قوله تعالى عن المشركين: (( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ))، وبينا وجه دلالتها على أن تارك الصلاة كافر كفرا مخرجا عن الملة.
ومن الأدلة من كتاب الله عز وجل على ذلك قوله تعالى: (( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا )) ووجه الدلالة من هذه الآية قوله تعالى: (( إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ )) فدل هذا على أن من أضاع الصلاة فليس بمؤمن، والأصل في نفي الصفة عن الموصوف أن يكون نفيا تاما إلا أن يقوم دليل على أن المراد انتفاء كمال تلك الصفة، فيعمل بما قام عليه الدليل، وعلى هذا فتكون الآية دالة على أن من أضاع الصلاة فليس بمؤمن.
واستدل بعض العلماء من كتاب الله تعالى على أن تارك الصلاة كافر بأن الله تعالى حكم بكفر إبليس حين ترك امتثال أمر الله تعالى بالسجود لآدم، وإن كان هذا الاستدلال فيه مناقشة.
وأما دلالة السنة على كفر تارك الصلاة كفرا مخرجا عن الملة فمنها: ما رواه مسلم في * صحيحه * عن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة )، وفيما رواه أهل السنن من حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، ولا يراد بالكفر هنا ما كان من أعمال الكفر، لأنه إذا كان المراد ما كان من أعمال الكفر فإنه لا يذكر الكفر مقرونا بـ" أل "، بل إنما يذكر منكرا كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ( اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت ) أما هنا فقال: ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ) بأل الدالة على حقيقة الجنس وهو الكفر الأكبر المخرج عن الملة، وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الثاني: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ) والضمير في قوله: ( بينهم ) يرجع للكفار فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة حدا فاصلا بيننا وبين الكفار الخارجين عن الإسلام خروجا كليا.
وبهذا يتبين أن هذين الحديثين واضحان في أن تارك الصلاة كافر كفرا مخرجا عن الملة.
فإن قال قائل: ألا يمكن أن يحمل الحديث على أن المراد من تركهما جاحدا لوجوبهما؟
فالجواب: أن هذا لا يمكن ولا يصح، لأن في حمله على ذلك جنايتين على النص، الجناية الأولى: أننا صرفناه عن ظاهره بلا دليل، الجناية الأولى أننا حملنا على غير ظاهره بلا دليل، وجعلنا مناط الحكم الجحود.
الثاني: أننا ألغينا ظاهره الذي جعل مناط الحكم فيه الترك، وفرق عظيم بين الترك والجحود، ولهذا من جحد وجوب الصلاة فهو كافر وإن صلى، والحديث علق الحكم فيه على الترك.
ونظير هذا ما حمل بعض أهل العلم قوله تعالى في قاتل النفس: (( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا )) حيث حمل هذه الآية على من قتله مستحلا لقتله، وقد قيل للإمام أحمد هذا القول فتعجب منه، وقال: إذا استحل قتله فهو كافر سواء قتله أم لم يقتله، وهكذا نقول نحن هنا إذا جحد وجوب الصلاة فهو كافر سواء صلى أم لم يصل، والحديث نص في تعليق الحكم بالترك لا بالجحد، فلا يجوز العدول عن ظاهرهما إلا بدليل، وليس هناك أدلة توجب لنا أن نخالف هذا الظاهر، فليس في الكتاب ولا في السنة أن تارك الصلاة مؤمن، ولا أن تارك الصلاة يدخل الجنة، ولا أن تارك الصلاة ينجو من النار، أو نحو ذلك من النصوص التي توجب لنا أن نحمل نصوص التكفير على أن تكون كفرا دون كفر، أو على أن المراد بها من جحد.
وليعلم أن باب التكفير موكول إلى الشرع كباب التحليل والتحريم فكما أنه لا عدول لنا عن تحريم ما حرم الله وتحليل ما أحل فلا عدول لنا عن تكفير من كفره الله عز وجل ورسوله ونحن عباد لله عز وجل نمتثل أمره ونجتنب نهيه ونأخذ بما ظهر لنا من أدلة الكتاب والسنة، فإذا دلت النصوص على تكفير أحد بفعل شيء أو تركه وجب علينا أن نأخذ بها.
أما أقوال الصحابة رضي الله عنهم فقد قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: " لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة "، ونقل إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة عبد الله بن شقيق حيث قال: " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة "، ونقل إسحاق بن راهويه الإمام المشهور إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة كفرا مخرجا عن الملة.
وأما دلالة الاعتبار على كفر تارك الصلاة فإننا نقول: كيف يكون في قلب الإنسان إيمان وهو تارك لهذه الصلاة التي عظمها الله في كتابه وتوعد المضيعين لها وجاءت السنة بالتنويه البالغ في فضلها حيث إن الله عز وجل لم يشرع من الشرائع شيئا فيما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون واسطة إلا الصلاة، وفرضها الله على عباده خمسين صلاة في كل يوم وليلة مما يدل على أهميتها ومحبة الله لها وعنايته بها، فكيف يمكن أن يقال لشخص ترك هذه الصلاة مع ما فيها من هذا الفضل العظيم والتنويه وتعلية الشأن كيف يمكن أن نقول: إن في قلبه إيمانا وقد تركها تركا مطلقا، لا يصلي ولا وقتا لله عز وجل، فهذا وجه دلالة الاعتبار على كفر تارك الصلاة كفرا مطلقا مخرجا عن الملة والعياذ بالله.
وبناء على ذلك فإنه لا يحل له عقد النكاح بمعنى أنه لا يحل أن نزوجه مسلمة، وهو إذا كان لا يصلي لا يحل أن يعقد النكاح لأحد من بناته، وإذا عقد النكاح صار العقد فاسدا، لأن من شرط الولي على المسلمة أن يكون مسلما، وإذا مات فإنه لا يجوز أن يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يدعى له بالرحمة والعياذ بالله، بل يخرج به في مكان يحفر له فيه ويدفن بدون صلاة ولا تكفين ولا تغسيل، لأن هذا هو شأننا مع غير المسلمين.
ثم إن هذا الذي لا يصلي يترك الصلاة تركا مطلقا، لا تحل ذبيحته، ولا يحل له دخول حرم مكة لأن الله يقول: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا )) وقد سمعت قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ).
أما في الآخرة فإنه يكون خالدا مخلدا في نار جهنم.
هذا هو ما تقتضيه الأدلة عندي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة رضي الله عنهم والاعتبار الصحيح.
وقد بذلت الجهد في تتبع الأدلة التي استدل بها من لا يرى كفر تارك الصلاة ويحمل أدلتها على أن المراد من تركها جاحدا للوجوب أو على أن المراد بها كفر دون كفر، تتبعت أدلتهم والله عز وجل يعلم أنني تتبعتها بعدل وإنصاف معتقدا بأنه لا يحل لي العدول عنها لو كانت تدل على أن تارك الصلاة لا يكفر، فوجدت هذه الأدلة لا تخلو من أربع حالات: إما أنه لا دلالة فيها أصلا، وإما أنها وردت في قوم يعذرون بترك الصلاة لكونهم لا يعلمون عنها وقد اندرس الإسلام وانطمست معالمه فلا يدرون إلا قول: لا إله إلا الله، وإما أن هذه النصوص قيدت بقيود لا يمكن معها ترك الصلاة كما في حديث عتبان ابن مالك : ( إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله )، وإما أنها عامة خصصت بالأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة، ومثل هذه الأدلة لا يمكن أن تقاوم الأدلة الواضحة الدالة على كفر تارك الصلاة. فعلينا نحن المسلمين جميعا من علماء ومتعلمين وعامة أن نتقي الله عز وجل فيما نحكم به مستندين بذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلينا أن نتقي الله عز وجل بفعل أوامره واجتناب نواهيه وأن ندعو إلى الله على بصيرة، وأن لا نفتح للناس أبواب التهاون فيما فرض الله عليهم خصوصا إذا لم يكن هناك دليل واضح فيما ذهبنا إليه، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يحمينا جميعا من أسباب سخطه وعقابه، وأن يوفق المسلمين وولاة أمورهم لما فيه الخير والصلاح.