إذا أراد شخص شراء سيارة مثلا من تاجر يقول له هذه السيارة تساوي أربعة آلاف مثلا دينار نقدا وإذا أردت الدفع بالتقسيط فممكن ولكن ستدفع في كل شهر مئتين دينار لمدة خمسة وعشرين شهرا فينتج عن ذالك فارق في المبلغ من أربعة آلاف إلى خمسة آلاف فيقولون إن هذه العملية تجارية، فما حكم الشرع في نظركم في التعامل بمبدأ التقسيط والزيادة كما سبق شرحه ؟ حفظ
السائل : إذا أراد شخص شراء سيارة مثلا من تاجر يقول له : هذه السيارة تساوي أربعة آلاف دينار نقدا ، وإذا أردت الدفع بالتقسيط فممكن ولكن ستدفع في كل شهر مئتين دينار لمدة خمسة وعشرين شهرا ، فينتج عن ذالك فارق في المبلغ من أربعة آلاف إلى خمسة آلاف ، فيقولون إن هذه العملية تجارية ، فما حكم الشرع في نظركم في التعامل بمبدأ التقسيط والزيادة كما سبق شرحه ، نرجو بهذا إفادة ؟
الشيخ : الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
الجواب على هذا السؤال أن يعلم أن الأصل في جميع البيوع الحل إلا ما دل الشرع على منعه وتحريمه لعموم قوله تعالى : (( وأحل الله البيع )) فإذا تبايع رجلان فإننا نقول هذا البيع صحيح إلا بدليل يدل على منعه فالواجب اتباع الدليل ، فإذا لم يقم الدليل على منعه فلا يحل لأحد أن يمنع عباد الله من معاملاتهم بدون إذن الله.
وبناء على هذه القاعدة العامة ننظر في الصورة التي سأل عنها هذا السائل حيث يقول : إنه يريد أن يشتري سيارة تساوي أربعة آلاف دينار بخمسة آلاف دينار مؤجلة إلى خمسة وعشرين شهراً .
فنقول : إن هذه المعاملة لا تتضمن محظوراً شرعياً فليس فيها ربا ولا جهالة ولا غرر ، بل هي واضحة الثمن معلوم والمبيع معلوم والأجل معلوم ، وليس هناك ربا فتكون هذه المعاملة صحيحة ، لأن هذه الزيادة ليست زيادة دراهم على دراهم لكنها زيادة في ثمن السلعة المعينة ، فأنا حين اشتريت هذه السيارة بخمسة آلاف دينار مؤجلة لم أشتري دنانير بدنانير ، وإنما اشتريت سيارة قيمتها خمسة آلاف دينار ، وإذا كان يجوز للإنسان أن يبيع سيارة تساوي أربعة آلاف بخمسة آلاف دينار نقداً فإن بيعها مؤجلاً بخمسة آلاف دينار من باب أولى لأن فيه إرفاقاً بالمشتري ، ولا يشك عاقل أن الناس يفرقون بين الثمن الحاضر والثمن المؤجل ، فإنه ليس الثمن المنقود الحاضر كالثمن المؤجل الغائب ، وقد ثبت في الصحيحين من حديث ابت عباس رضي الله عنهما : أن الناس كانوا يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أسف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ) والسف في هذا الحديث هو تقديم الثمن وتأخير السلعة المشتراة ، فيأتي الفلاح إليه ويقول : أعطني مئة درهم بمئتي صاع من البر إلى سنة ، فيأخذ الفلاح الثمن وينتفع به ، وإذا حل الأجل أخذ المشتري البر وتصرف فيه .
وهنا نعمل حسب العادة والفطرة أنه لن يكون ثمن هذا البر المؤجل تسليمه كثمن البر المقدم الذي يكون عند تسليم الثمن بل سيكون البر في هذه الصورة أعني البر المؤجل أكثر من البر الذي يعطى عند استلام الثمن ، فإذا كان الصاع من البر يساوي درهمين نقداً فإنه يكون بدرهمين إلا قليلاً إذا كان البر مؤجلا ، وهذا أمر تقتضيه العادة والفطرة ، ولا فرق بين هذا وبين الصورة التي قالها السائل ، فإن هذا تأجيل للمثمن والصورة التي قالها السائل تأجيل للثمن .
وقد ظن بعض الناس أن هذا من باب الربا ولكن هذا ليس بصواب ، فإنه من باب الربا لو اشترى السيارة بأربعة آلاف دينار ثم رجع إلى البائع وقال ليس عندي أربعة آلاف دينار وأريد أن تنظرني إلى سنة بخمسة آلاف دينار ، فهذا لا شك أنه ربا ولا يحل ، أما إذا كان عقد على السيارة من أول الأمر بخمسة آلاف دينار مؤجلة فهذا لا بأس به .
ولكن يبقى النظر : ماذا أراد المشتري بهذه السيارة بهذا الشراء ؟، إن كان أراد السيارة بعينها فلا شك في جوازه ، حتى إن بعض العلماء حكى الإجماع على ذلك .
أما إذا كان يريد ثمن السيارة أي أنه يريد أن يأخذ السيارة الآن ثم يبيعها لينتفع بثمنها فهذه مسألة التورق ، وفيها خلاف بين أهل العلم . فمن أهل العلم من أجازها نظراً لصورة العقد ، ومنهم من منعها نظراً للقصد .
ولكنا نقول : هذا الرجل الذي اشترى السيارة من أجل ثمنها إن باعها على بائعها فهذا بلا شك حرام ، إذا باعها بأقل مما اشراها بها ، لأن هذه هي مسألة العينة وهي حيلة ظاهرة على الربا ، يعني لو اشتريت هذه السيارة من الرجل بخمسة آلاف دينار ثم عدت وبعتها علي بأربعة آلاف وخمسمئة نقداً كان ذلك حراماً لأنه في الواقع دراهم بدراهم دخلت بينهما سيارة غير مقصودة .
لكن إذا بعتها على شخص آخر غير الذي اشتريتها منه فهذه هي مسألة التورق وفيها الخلاف والتورع عنها أولى ، لكن إن دعت الضرورة إليها فلم تجد من يقرضك ولا من يسلمك وأنت في ضرورة إليها ، فإن هذا لا بأس به ولكن بشرط أن تكون السلعة التي اشتريتها ملكاً للبائع وعنده في محله ، ثم تأخذها أنت وتبيعها في مكان آخر .
وبهذا نعرف أن ما يفعله كثير من الناس الآن يأتي الدائن والمدين إلى شخص آخر عنده سلعة فيشتريها الدائن ثم يبيعها على المدين وهي في مكانها لم تنقل ، ثم يبيعها المدين على صاحب المحل أو على غيره قبل أن ينقلها ، نعلم أن هذه المعاملة محرمة وليست بجائزة بلا شك ، لأنها من بيع السلع في مكانها وقد نهى النبي صلى الله عن بيع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم ، ولأن الحيلة فيها ظاهرة جداً .