فضيلة الشيخ هل وجدت وأسست الجوامع والمساجد منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وحتى الآن لغرض انتقال الناس إليها والتجمع فيها لقيام الصلاة وأداء بعض العبادات بصورة جماعية داخل المساجد أم وجدت وأسست لغرض نقل العبادات والصلوات جاهزة إلى بيوت الناس عبر مكبرات الصوت، وبأعلى درجة ممكنة وشل عبادات الناس وتسبيحا تهم في بيوتهم وخاصة النساء والشيوخ والعجزة والمرضى الذين لا يستطيعون الذهاب إلى الجامع فيتعبدون في بيوتهم في هدوء واطمئنان ؟ حفظ
السائل : فضيلة الشيخ هل وجدت وأسست الجوامع والمساجد منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وحتى الآن لغرض انتقال الناس إليها والتجمع فيها لقيام الصلاة وأداء بعض العبادات بصورة جماعية داخل المساجد ، أم وجدت وأسست لغرض نقل العبادات والصلوات جاهزة إلى بيوت الناس عبر مكبرات الصوت ، وبأعلى درجة ممكنة وشل عبادات الناس وتسبيحا تهم في بيوتهم وخاصة النساء والشيوخ والعجزة والمرضى الذين لا يستطيعون الذهاب إلى الجامع فيتعبدون في بيوتهم في هدوء واطمئنان ، نرجو بهذا إفادة مأجورين ؟
الشيخ : لا شك أن المساجد بنيت منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا بنيت للصلاة وقراءة القرآن والذكر وغير ذلك من الطاعات التي تشرع فيها ، وأهم شيءٍ إقامة الصلاة فيها جماعة ، قال الله تعالى : (( لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه )) وقال تعالى : (( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً )) .
وأما نقل الصلاة عبر مكبرات الصوت من على رؤوس المناير فإنه كما قال السائل : فيه تشويش على الناس في بيوتهم وشل لأذكاهم وتسبيحاتهم الخاصة ، وربما يكون فيه إزعاج لبعض النوم والمرضى الذين لم يجدوا راحة إلا في ذلك الوقت ، ثم هو أيضاً إيذاء للمساجد الأخرى التي بجوار هذا الصوت وتشويش عليهم .
وقد حدثني كثير من الناس الذين كانوا بجوار المساجد التي ترفع الأذان من على المناير حدثني أنه إذا كان صوت الإمام في المسجد الذي نقلت صلاته عبر هذه المكبرات أحسن من صوت إمامهم وقراءته أحسن من قراءة إمامهم أنهم يتابعون ذلك الإمام الذي خارج مسجدهم ويدعون إمامهم ولا ينصتون لقراءة الإمام .
وحدثني أيضاً بعض الناس أنهم يكبرون بتكبير إمام المسجد المجاور ظناً منهم أن هذا التكبير تكبير إمامهم ، وهذا أمر معلوم عند كثير من الناس ، وهو أيضاً أمر لا ينضبط ، بمعنى أنه قد يقول قائل : إن صوتي لا يبلغ المسجد الفلاني ولا يشوش على أهله ، فإن هذا أمر لا ينضبط لأن هذا خاضع لاتجاه الرياح ، فإذا كانت الرياح متجهة إلى المساجد المجاورة سمعوا الصوت ، وإذا كانت متجهة إلى خلافها لم يسمعوا الصوت ، وربما يكون الصوت قوياً جداً فيسمع من حوله على أي حال كان اتجاه الرياح .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديثين صححهما ابن عبد البر : أنه سمع الصحابة رضي الله عنهم يقرؤون ويجهرون فنهاهم عن ذلك وقال : ( لا يجهر بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة ) وفي لفظ آخر : ( لا يؤذين بعضكم بعضاً ) ، وذكر شيخ الإسلام رحمه الله أنه ليس للإنسان أن يجهر جهراً يشوش على المصلين .
وإن نصيحتي لإخواني المسلمين أن يدعوا هذا العمل الذي يشوشون به على من بقربهم ويؤذونهم ، وهذا أمر قد جاء به النص عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وما جاء به النص عن الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لا مجال للإجتهاد فيه ، فإذا علمنا أن في ذلك تشويشاً على من حولهم من المساجد وتخبيطاً لصلاتهم فإن هذا داخل فيما نهى عنه الرسول صلىى الله عليه وسلم .
والمصالح التي قد تحصل أو قد يتوهم بعض الناس حصولها هي مغمورة جداً في المفاسد التي تترتب على ذلك ، فإن من الناس من يقول : إن رفع الصلاة من على المناير قد يستمع إليه بعض النساء في البيوت وينتفعون بقراءة القارئ .
فنقول : إن هذه المصلحة منغمرة في جانب المفاسد الأخرى ، لأن من الناس من لا يرغب أن يسمع هذا الصوت الذي يشغله كما قال السائل عن أذكاره الخاصة وقراءته الخاصة ، ومن الناس من يكون محتاجاً إلى النوم لكونه سهر في الليل ، طول الليل وهو ساهر لمرض أو قلق فينام بعد أن يصلي الفجر لكنه لا يستطيع الخروج إلى الصلاة في المساجد ثم يأتي هذا الصوت الذي يزعجه وينبهه من النوم ، فهذه مفسدة ، ثم إننا رأينا وشاهدنا كثيراً من الناس إذا أقبل على المسجد وسمع الإمام في آخر القراءة ذهب يسعى ويشتد سعياً أي يركض ليدرك الركوع مع الإمام ، وهذا وقوع فيما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم .
على كل حال المصلحة كل المصلحة أن يتبع الإنسان ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلاً للمأمور وتركاً للمنهي ، وإذا كان قد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه نهى أن يشوش المصلون بعضهم على بعض برفع أصواتهم في القراءة ، فهذا هو الفيصل في المسألة ،ولا تحسين للعقول بعد وجود النص أبداً .
فنصيحتي لإخواني أن يدعوا هذا ، وإذا دعت الحاجة أو الضرورة إلى استعمال المكبر في داخل المسجد فليستعملوه في داخل المسجد كما لو كان المسجد كبيراً وفيه نساء لا يسمعن إلا بذلك أو كان ذلك في يوم الجمعة فليستعملوه ، وإذا لم تدعو الحاجة إليه حتى في داخل المساجد فلا ينبغي استعماله أيضاً ، لأن ذلك يؤدي إلى أن يعتاد الإنسان على هذا المكبر فلا يخشع إلا إذا استعمله ، ولأن في هذا إضاعة للمال بصرف الكهرباء .
وأرجو أن لا ينتقدنا أحد في هذه النقطة ، فيقول إن صرف الكهرباء هذا قليل جداً وما أكثر الكهرباء التي تصرف في غير فائدة . فنقول إنها أمر يسير بالنسبة إلى واحد ، لكن إذا قدر أن في البلد مئات المساجد واستعملت هذه المكبرات فكم تستغرق من كيلوات في خلال خمس صلوات في كل يوم وليلة ، على كل حال أهم شيء عندي في هذه المسألة أن في رفع الصوت من على المنائر ولاسيما في الصلوات الجهرية الليلية مع تقارب المساجد إيذاء للمصلين بعضهم بعضاً ، وقد يكون فيها أيضاً إيذاء لمن كان حول المساجد من البيوت ، وإن كان قد يكون فيه مصلحة لبعض ساكني البيوت لكن قد يكون فيه مضرة أيضاً وإيذاء لبعض ساكني البيوت ، والقاعدة الشرعية عند أهل العلم : " أن دفع المفاسد أولى من جلب المصالح عند التساوي " .
السائل : شكر الله لكم .