لقد كثر الكلام في هذه الأيام عن صفة الهبوط للسجود وهل يلزم على ركبتيه أم على يديه كذلك أيضاً صفة القيام من الركعة هل يقوم على يديه أم على ركبتيه نرجو التفصيل في هذا مأجورين .؟ حفظ
السائل : نبدأ هذه الحلقة برسالة وصلت من الأخ المستمع عبد اللطيف من الرياض، المستمع عبد اللطيف مستمع جيد للبرنامج له مجموعة من الأسئلة يبدؤها بهذا السؤال يقول لقد كثر الكلام يا فضيلة الشيخ هذه الأيام عن صفة الهبوط للسجود وهل ينزل على ركبتيه أم على يديه كذلك وأيضا صفة القيام من الركعة هل يقوم على يديه أم على ركبتيه نرجو التفصيل في هذا مأجورين؟
الشيخ : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى ءاله وأصحابه أجمعين، الكلام على هاتين المسألتين من الكلام الذي يكون للاجتهاد فيه مجال والعلماء رحمهم الله اختلفوا في هذا ولكن المهم أنه لا ينبغي أن يكون هذا الخلاف سببا للتعادي والبغضاء والجدال والأخذ والرد بين طلبة العلم لأن ما يسوغ فيه الاجتهاد أمره واسع وما زال الناس منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا يختلفون في مثل هذه المسائل ولا يحدث من بعضهم لبعض شيء من العداوة أو من البغضاء وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعنّف واحدة من الطائفتين في اجتهادها دل ذلك على أن مثل هذه الأمور الصادرة من طلبة العلم على سبيل الاجتهاد لا ينبغي أن يعنّف فيها المخالف بل الواقع أن المخالف لغيره بمقتضى الدليل لا يُعد خلافه هذا خلافا لأنه خالف بمقتضى الدليل عنده ومن المعلوم أن الغير المخالف يرى وجوب اتباع الدليل على من تبيّن له الدليل ولو كان مخالفا لغيره من الناس في اجتهاده وحينئذ تكون الحقيقة أن لا خلاف لأن الكل من الطائفتين أو من العالميْن المختلفين كلا منهم يُريد الوصول إلى الحق ويرى أن الإنسان إذا أدّاه اجتهاده إلى قول من الأقوال أو رأي من الآراء فإن الواجب عليه الأخذ بذلك ولا يلزمه أكثر من هذا لقول الله تعالى (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )) .
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد ) وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المشرّع للأمة وهو أحرص الناس على التزام الشرع وتحكيم شريعة الله، إذا كان يقول مثل هذا القول فما بالنا نحن نقول للمجتهد الذي أخطأ في نظرنا نقول إنك مخطئ وإنك ضال وما أشبه ذلك من العبارات ثم نأخذ بالتحذير منه والتحريض عليه وشحن قلوب الناس بالبغضاء لهذا الرجل الذي خالفنا في الرأي.
هذه نصيحة أسديها إلى إخواني طلبة العلم وأرجو منهم أن يكونوا قائمين لله بالقسط فكما أنهم لا يرضوْن أن أحدا يلومهم أو يوبّخهم على اجتهادهم المخالف له فإنه يجب أن يكونوا مقسطين فلا يرضوْن لأنفسهم أن يلوموا غيرهم المخالف لهم أو أن يوبّخوه على مخالفته فإن هذا بلا شك من الجوْر والأنانية الممقوتة.
أما موضوع السؤال وهو الانحدار من القيام إلى السجود فإن العلماء في هذه المسألة اختلفوا فمنهم من قال إنه ينبغي أن يقدم يديه عند الانحدار ثم ركبتيه ثم جبهته وأنفه أو يديه ثم جبهته وأنفه ثم ركبتيه على كل حال المهم أن يقدّم يديه قبل ركبتيه واستدلوا لذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أهل السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه بل فيما رواه أهل السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال ( إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه ) قالوا فهذا نهي أن يفعل الإنسان في خروره إلى السجود كما يفعل البعير وبُيّن ذلك بقوله ( وليضع يديه قبل ركبتيه ) .
وقالوا يُنهى الإنسان أن يبدأ بركبتيه عند السجود لأن البعير إذا برك برك على ركبتيه كما هو مشاهد وركبتا البعير في يديه والحقيقة أن الأمر كما قالوا من جهة أن ركبتي البعير في يديه وأن البعير إذا برك يبرك على ركبتيه ولكن إذا تأملنا الحديث حق التأمل وأعطيناه حقه من التدبّر وجدنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهَى في هذا الحديث عن وضع الركبتين قبل اليدين بل نهى عن وضع اليدين قبل الركبتين ولهذا كان لفظ الحديث ( فلا يبرك كما يبرك ) والكاف هنا للتشبيه والتشبيه في الهيئة وليس المقصود العضو المسجود عليه ولو كان المقصود العضو المسجود عليه لقال فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير وأنت تعلم الفرق بين التعبيرين وإذا تأملنا بروك البعير وشاهدنا وجدنا أنه يحط يديه قبل رجليه فينزل مقدّم جسده قبل مؤخره وهذه الصفة تنطبق تماما على الساجد إذا قدّم يديه قبل ركبتيه كما هو معلوم.
وعلى هذا فيكون في ءاخر الحديث انقلابا على الراوي وكأن الصواب وليضع ركبتيه قبل يديه لئلا يكون مشابها للبعير في بروكه وإلى هذا ذهب العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه "زاد المعاد" فمن أراد الاطلاع على ما قاله فليرجع إليه في هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة.
وعلى هذا فالقول الراجح عندي أن الإنسان إذا سجد يبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبدأ بيديه قبل ركبتيه لأنه إن بدأ بيديه قبل ركبتيه صار مشابها لبروك البعير الذي صدّر النبي صلى الله عليه وسلم الحديث بالنهي عنه.
وقد كتب أحد الأخوة من طلبة العلم هذه الأيام رسالة بيّن فيها خطأ تفسير الحديث بأن المراد النهي عن تقديم الركبتين عن اليدين وأتى ببحوث جيدة أثرية ونظرية فجزاه الله تعالى خيرا على ما بيّن.
أما المسألة الثانية وهي عند القيام من السجود فهل يقوم الإنسان معتمدا على ركبتيه أو يقوم معتمدا على يديه؟ فيه خلاف بين أهل العلم، منهم من قال إنه إذا قام من السجود جلس مستريحا لينهض بقوة ثم عند النهوض يعتمد على يديه واستدل بحديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصنع كذلك والحديث ثابت في الصحيح ولا إشكال في سنده ولكن هل الرسول عليه الصلاة والسلام فعل ذلك لحاجة طرأت من الكِبر لأن مالك بن الحويرث من الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز لغزوة تبوك فقدِم متأخرا أو إن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك تعبّدا؟ اختلف أهل العلم في هذا فمنهم من قال إن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك تعبّدا وأنه يُسن للإنسان أن يجلس ثم يقوم معتمدا على يديه.
ومنهم من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم فعله لا على سبيل التعبّد ولكن على سبيل الارتياح وعدم المشقة على النفس لأن هذا الدين الإسلامي دين يسر وسهولة ومن المعلوم أن القولين متجاذبان فقد يقول قائل إن الأصل عدم المشروعية حتى يثبت دليل المشروعية لأن الشرع بل لأن العبادة لا تثبت مشروعيتها إلا بدليل واضح بيّن لأن الأصل في العبادات الحظر والمنع.
ويُقابل هذا الأصل أن الأصل فيما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة هو العبادة وأنه فعله تعبّدا فيكون مشروعا لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم له وقوله ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) ولكن هذا الأصل قد يُعارض بكوْن الرسول عليه الصلاة والسلام يعتمد على يديه ومعلوم أن الاعتماد على اليدين للقيام إنما يكون عند الحاجة للاعتماد وإذا لم يكن محتاجا إلى الاعتماد فإنه لا حاجة به إليه ثم إن هذه الجلسة ليست جلسة مقصودة بدليل أنه لا يُشرع فيها ذكر ولا تكبير انتقال منها وإليها وإذا لم يكن لها ذكر مشروع في الانتقال منها وإليها أو مشروع فيها نفسِها دل هذا على أنها غير مقصودة.
وهذا عندي أرجح أي أن الإنسان لا يجلس هذه الجلسة إلا إذا كان محتاجا إليها لكبر في سنّه أو ثقل في بدنه أو وجع في ركبته أو ما أشبه ذلك من الحاجات.
وهذا الذي ذكرته هو اختيار ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" واختيار صاحب "المغني" موفق الدين في "المغني" قال " وبه تجتمع الآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا " .
ولكن مع ذلك إذا كان الإمام الذي تقتدي به لا يجلس ولا يرى الجلوس فالأفضل لك أن لا تجلس وإن كنت ترى مشروعية الجلوس لأن نهوضك مع الإمام مباشرة أقوم في الاتباع، اتباع الإمام والائتمام به فيكون الأفضل أن لا تجلس إذا كان إمامك لا يجلس وإن كنت لو صليت وحدك أو صليت إماما جلست.
وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على ذلك في الفتاوى وقال " إن الأفضل للإنسان أن يتابع إمامه في ترك الجلوس إذا كان الإمام لا يجلس " .
وإذا كان الأمر بالعكس كان الإمام يرى مشروعية الجلوس وأنت ترى عدم مشروعية الجلوس فالأفضل أن تُتابع إمامك وأن تجلس لأن هذا أتم في المتابعة.
وإني أقول لقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام عن التشهد الأول ولم يجلس فتابعه الناس على ذلك ومن المعلوم أن التشهد الأول واجب من واجبات الصلاة ومع هذا سقط عن المأموم من أجل المتابعة وقد يقول قائل إن سقوطه عن المأموم لأنه لو تخلّف ليقرأ التشهد صارت المخالفة ظاهرة بيّنة طويلة بخلاف ما إذا تخلّف لجلسة الاستراحة فإنها جلسة يسيرة لا تظهر فيها المخالفة على وجه تام فأقول نعم هذا هو الواقع ولهذا قلنا إنه يُستحب للإنسان إذا كان إمامه لا يرى الجلوس أن لا يجلس وأن يُتابعه ولم نقل يجب وأما التشهد الأول إذا قام عنه الإمام فإنه يجب على المأموم أن يُتابعه لأنه لو تخلّف لجلس جلوسا طويلا ظاهر المخالفة.
وفي النهاية أقول وأكرّر ما ابتدأت به أولا إنه لا ينبغي لطلبة العلم أن يتخذوا من مثل هذه الخلافات وسيلة للتشنيع ولإلقاء العداوة بين الناس وللكلام في العلماء في المجالس فإن ما يترتّب على مثل هذه الأشياء أعظم ضررا بكثير مما يترتب على مخالفة هذه السنّة إذا كان المخالف فيها يعتقد أنها سنّة فكيف إذا كان لا يعتقد أنها سنّة فما وجه اللوم عليه إن هذا لعدوان على أخوته المسلمين. نعم.
السائل : جزيتم خيرا يا شيخ محمد على هذا التفصيل.
الشيخ : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى ءاله وأصحابه أجمعين، الكلام على هاتين المسألتين من الكلام الذي يكون للاجتهاد فيه مجال والعلماء رحمهم الله اختلفوا في هذا ولكن المهم أنه لا ينبغي أن يكون هذا الخلاف سببا للتعادي والبغضاء والجدال والأخذ والرد بين طلبة العلم لأن ما يسوغ فيه الاجتهاد أمره واسع وما زال الناس منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا يختلفون في مثل هذه المسائل ولا يحدث من بعضهم لبعض شيء من العداوة أو من البغضاء وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعنّف واحدة من الطائفتين في اجتهادها دل ذلك على أن مثل هذه الأمور الصادرة من طلبة العلم على سبيل الاجتهاد لا ينبغي أن يعنّف فيها المخالف بل الواقع أن المخالف لغيره بمقتضى الدليل لا يُعد خلافه هذا خلافا لأنه خالف بمقتضى الدليل عنده ومن المعلوم أن الغير المخالف يرى وجوب اتباع الدليل على من تبيّن له الدليل ولو كان مخالفا لغيره من الناس في اجتهاده وحينئذ تكون الحقيقة أن لا خلاف لأن الكل من الطائفتين أو من العالميْن المختلفين كلا منهم يُريد الوصول إلى الحق ويرى أن الإنسان إذا أدّاه اجتهاده إلى قول من الأقوال أو رأي من الآراء فإن الواجب عليه الأخذ بذلك ولا يلزمه أكثر من هذا لقول الله تعالى (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )) .
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد ) وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المشرّع للأمة وهو أحرص الناس على التزام الشرع وتحكيم شريعة الله، إذا كان يقول مثل هذا القول فما بالنا نحن نقول للمجتهد الذي أخطأ في نظرنا نقول إنك مخطئ وإنك ضال وما أشبه ذلك من العبارات ثم نأخذ بالتحذير منه والتحريض عليه وشحن قلوب الناس بالبغضاء لهذا الرجل الذي خالفنا في الرأي.
هذه نصيحة أسديها إلى إخواني طلبة العلم وأرجو منهم أن يكونوا قائمين لله بالقسط فكما أنهم لا يرضوْن أن أحدا يلومهم أو يوبّخهم على اجتهادهم المخالف له فإنه يجب أن يكونوا مقسطين فلا يرضوْن لأنفسهم أن يلوموا غيرهم المخالف لهم أو أن يوبّخوه على مخالفته فإن هذا بلا شك من الجوْر والأنانية الممقوتة.
أما موضوع السؤال وهو الانحدار من القيام إلى السجود فإن العلماء في هذه المسألة اختلفوا فمنهم من قال إنه ينبغي أن يقدم يديه عند الانحدار ثم ركبتيه ثم جبهته وأنفه أو يديه ثم جبهته وأنفه ثم ركبتيه على كل حال المهم أن يقدّم يديه قبل ركبتيه واستدلوا لذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أهل السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه بل فيما رواه أهل السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال ( إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه ) قالوا فهذا نهي أن يفعل الإنسان في خروره إلى السجود كما يفعل البعير وبُيّن ذلك بقوله ( وليضع يديه قبل ركبتيه ) .
وقالوا يُنهى الإنسان أن يبدأ بركبتيه عند السجود لأن البعير إذا برك برك على ركبتيه كما هو مشاهد وركبتا البعير في يديه والحقيقة أن الأمر كما قالوا من جهة أن ركبتي البعير في يديه وأن البعير إذا برك يبرك على ركبتيه ولكن إذا تأملنا الحديث حق التأمل وأعطيناه حقه من التدبّر وجدنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهَى في هذا الحديث عن وضع الركبتين قبل اليدين بل نهى عن وضع اليدين قبل الركبتين ولهذا كان لفظ الحديث ( فلا يبرك كما يبرك ) والكاف هنا للتشبيه والتشبيه في الهيئة وليس المقصود العضو المسجود عليه ولو كان المقصود العضو المسجود عليه لقال فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير وأنت تعلم الفرق بين التعبيرين وإذا تأملنا بروك البعير وشاهدنا وجدنا أنه يحط يديه قبل رجليه فينزل مقدّم جسده قبل مؤخره وهذه الصفة تنطبق تماما على الساجد إذا قدّم يديه قبل ركبتيه كما هو معلوم.
وعلى هذا فيكون في ءاخر الحديث انقلابا على الراوي وكأن الصواب وليضع ركبتيه قبل يديه لئلا يكون مشابها للبعير في بروكه وإلى هذا ذهب العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه "زاد المعاد" فمن أراد الاطلاع على ما قاله فليرجع إليه في هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة.
وعلى هذا فالقول الراجح عندي أن الإنسان إذا سجد يبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبدأ بيديه قبل ركبتيه لأنه إن بدأ بيديه قبل ركبتيه صار مشابها لبروك البعير الذي صدّر النبي صلى الله عليه وسلم الحديث بالنهي عنه.
وقد كتب أحد الأخوة من طلبة العلم هذه الأيام رسالة بيّن فيها خطأ تفسير الحديث بأن المراد النهي عن تقديم الركبتين عن اليدين وأتى ببحوث جيدة أثرية ونظرية فجزاه الله تعالى خيرا على ما بيّن.
أما المسألة الثانية وهي عند القيام من السجود فهل يقوم الإنسان معتمدا على ركبتيه أو يقوم معتمدا على يديه؟ فيه خلاف بين أهل العلم، منهم من قال إنه إذا قام من السجود جلس مستريحا لينهض بقوة ثم عند النهوض يعتمد على يديه واستدل بحديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصنع كذلك والحديث ثابت في الصحيح ولا إشكال في سنده ولكن هل الرسول عليه الصلاة والسلام فعل ذلك لحاجة طرأت من الكِبر لأن مالك بن الحويرث من الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز لغزوة تبوك فقدِم متأخرا أو إن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك تعبّدا؟ اختلف أهل العلم في هذا فمنهم من قال إن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك تعبّدا وأنه يُسن للإنسان أن يجلس ثم يقوم معتمدا على يديه.
ومنهم من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم فعله لا على سبيل التعبّد ولكن على سبيل الارتياح وعدم المشقة على النفس لأن هذا الدين الإسلامي دين يسر وسهولة ومن المعلوم أن القولين متجاذبان فقد يقول قائل إن الأصل عدم المشروعية حتى يثبت دليل المشروعية لأن الشرع بل لأن العبادة لا تثبت مشروعيتها إلا بدليل واضح بيّن لأن الأصل في العبادات الحظر والمنع.
ويُقابل هذا الأصل أن الأصل فيما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة هو العبادة وأنه فعله تعبّدا فيكون مشروعا لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم له وقوله ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) ولكن هذا الأصل قد يُعارض بكوْن الرسول عليه الصلاة والسلام يعتمد على يديه ومعلوم أن الاعتماد على اليدين للقيام إنما يكون عند الحاجة للاعتماد وإذا لم يكن محتاجا إلى الاعتماد فإنه لا حاجة به إليه ثم إن هذه الجلسة ليست جلسة مقصودة بدليل أنه لا يُشرع فيها ذكر ولا تكبير انتقال منها وإليها وإذا لم يكن لها ذكر مشروع في الانتقال منها وإليها أو مشروع فيها نفسِها دل هذا على أنها غير مقصودة.
وهذا عندي أرجح أي أن الإنسان لا يجلس هذه الجلسة إلا إذا كان محتاجا إليها لكبر في سنّه أو ثقل في بدنه أو وجع في ركبته أو ما أشبه ذلك من الحاجات.
وهذا الذي ذكرته هو اختيار ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" واختيار صاحب "المغني" موفق الدين في "المغني" قال " وبه تجتمع الآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا " .
ولكن مع ذلك إذا كان الإمام الذي تقتدي به لا يجلس ولا يرى الجلوس فالأفضل لك أن لا تجلس وإن كنت ترى مشروعية الجلوس لأن نهوضك مع الإمام مباشرة أقوم في الاتباع، اتباع الإمام والائتمام به فيكون الأفضل أن لا تجلس إذا كان إمامك لا يجلس وإن كنت لو صليت وحدك أو صليت إماما جلست.
وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على ذلك في الفتاوى وقال " إن الأفضل للإنسان أن يتابع إمامه في ترك الجلوس إذا كان الإمام لا يجلس " .
وإذا كان الأمر بالعكس كان الإمام يرى مشروعية الجلوس وأنت ترى عدم مشروعية الجلوس فالأفضل أن تُتابع إمامك وأن تجلس لأن هذا أتم في المتابعة.
وإني أقول لقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام عن التشهد الأول ولم يجلس فتابعه الناس على ذلك ومن المعلوم أن التشهد الأول واجب من واجبات الصلاة ومع هذا سقط عن المأموم من أجل المتابعة وقد يقول قائل إن سقوطه عن المأموم لأنه لو تخلّف ليقرأ التشهد صارت المخالفة ظاهرة بيّنة طويلة بخلاف ما إذا تخلّف لجلسة الاستراحة فإنها جلسة يسيرة لا تظهر فيها المخالفة على وجه تام فأقول نعم هذا هو الواقع ولهذا قلنا إنه يُستحب للإنسان إذا كان إمامه لا يرى الجلوس أن لا يجلس وأن يُتابعه ولم نقل يجب وأما التشهد الأول إذا قام عنه الإمام فإنه يجب على المأموم أن يُتابعه لأنه لو تخلّف لجلس جلوسا طويلا ظاهر المخالفة.
وفي النهاية أقول وأكرّر ما ابتدأت به أولا إنه لا ينبغي لطلبة العلم أن يتخذوا من مثل هذه الخلافات وسيلة للتشنيع ولإلقاء العداوة بين الناس وللكلام في العلماء في المجالس فإن ما يترتّب على مثل هذه الأشياء أعظم ضررا بكثير مما يترتب على مخالفة هذه السنّة إذا كان المخالف فيها يعتقد أنها سنّة فكيف إذا كان لا يعتقد أنها سنّة فما وجه اللوم عليه إن هذا لعدوان على أخوته المسلمين. نعم.
السائل : جزيتم خيرا يا شيخ محمد على هذا التفصيل.