ما حكم مسح اليدين ورفعهما عند السنن الرواتب ؟ حفظ
السائل : هذا مستمع للبرنامج يسأل ويقول أسأل يا فضيلة الشيخ عن رفع اليدين وعن مسحهما عند السنن الرواتب ما حكم ذلك مأجورين.
الشيخ : نعم. المشكلة في رفع اليدين بعد انتهاء السنن الرواتب أو غيرها من النوافل ليست هي رفع اليدين لكن المشكلة في الدعاء بعد الرواتب أو غيرها من النوافل فهل من المشروع أن الإنسان كلما أنهى نافلة راتبة كانت أم غيرها جعل يدعو؟ الجواب لا ليس من المشروع هذا فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي النوافل من الرواتب وغيرها ولم يُحفظ عنه أنه كان إذا سلّم رفع يديه يدعو ولا أنه يدعو بدون رفع.
وعلى هذا فاتخاذ هذا الأمر أعني الدعاء بعد النوافل سنّة راتبة يفعلها الإنسان كلما صلى نافلة يُعتبر من غير الأمور المشروعة وينبغي للإنسان أن يتجنبه ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى موضع الدعاء من الصلاة فقال عليه الصلاة والسلام حين علّم عبد الله بن مسعود التشهد قال ( ثم ليتخيّر من الدعاء ما شاء ) وهذا يدل على أن موضع الدعاء قبل السلام وليس بعده ثم إن النظر الصحيح يقتضي ذلك أي يقتضي أن يكون الدعاء قبل أن تسلّم لأنك مادمت في صلاتك فأنت مناج لله عز وجل فإذا سلّمت منها انفصلت المناجاة والصلة بينك وبين الله فأيهما أوْلى أن تدعو الله وأنت في حال مناجاة له والصلاة صلة بين الإنسان وبين ربه أو أن تدعوه بعد الانصراف من الصلاة والانفصال من الصلة، من المعلوم أن الأول هو الأوْلى وعلى هذا فمن أراد أن يدعو الله سبحانه وتعالى فليدعو الله قبل أن يسلّم ولو أطال مادام غير إمام أما الإمام فقد بيّن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه مأمور بالتخفيف بحيث لا يتجاوز ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام في الصلاة.
إذا عرفت هذا فلا حاجة إلى أن تصوغ السؤال بقولك ما حكم رفع اليدين وإنما يكون السؤال الصحيح صيغته ما حكم الدعاء بعد النافلة.
السائل : طيب.
الشيخ : والجواب على ذلك ما سمعت أن الأفضل أن تدعو قبل أن تسلّم فإن دعوت بعد السلام على وجه دائم كأنه أمر راتب فإنك تُنهى عن ذلك لأنه ليس من المشروع أما إن فعلت ذلك أحيانا وسَلِمْت من أن يراك جاهل يقتدي بك فلا بأس به وأما إذا خفت أن يُقتدى بك كما لو كنت طالب علم أمام العامة فلا تفعل هذا ولا في بعض الأحيان لأن الناس إذا رأوْك اقتدوا بك ولم يفرّقوا بين أن تفعله أحيانا وتتركه أحيانا هذا هو الجواب على هذا السؤال وأسأل الله أن يوفقنا جميعا لما فيه الخير.
ومن العجب أن بعض الناس تشاهده إذا سلّم كأنما يرى أن رفع اليدين بالدعاء واجب بل بعضهم تظن أو يغلب على ظنك أنه لم يدعو فتشاهد الإنسان مثلا يقرأ التشهد ثم تقام الصلاة ثم إذا كبّر الإمام سلّم هو من صلاته التي هو فيها ثم رفع يديه ومسح بعضهما ببعض ومسح بهما وجهه ثم دخل مع الإمام وكأنك تجزم بأنه لم يدعو بشيء.
وأما رفع اليدين عند الدعاء في غير هذا الموطن فإن الأصل فيه أنه من ءاداب الدعاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردّهما صفرا ) ولقوله صلى الله عليه وسلم ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى (( يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعمَلوا صالِحًا إِنّي بِما تَعمَلونَ عَليمٌ )) وقال تعالى (( يا أَيُّهَا الَّذينَ ءامَنوا كُلوا مِن طَيِّباتِ ما رَزَقناكُم وَاشكُروا لِلَّهِ إِن كُنتُم إِيّاهُ تَعبُدونَ )) ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يُطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذّي بالحرام قال فأنى يُستجاب لذلك ) فجعل الرسول عليه الصلاة والسلام رفع اليدين من أسباب إجابة الدعاء ولكن السنّة في هذا الأمر وردت على وجوه الأول ما ثبت فيه الرفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كدعائه في خطبة الجمعة في الاستسقاء وفي الاستصحاء حيث دخل رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال ( اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا ) ورفع الصحابة أيديهم معه، قال أنس وهو راوي الحديث " فوالله ما في السماء من سحاب ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار " وسلْع جبل معروف في المدينة تأتي من نحوه السحاب قال " فخرجت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ورعدت وبرقت وأمطرت فما نزل النبي صلى الله عليه وسلم إلا والمطر يتحادر من لحيته " .
السائل : اللهم صلي وسلم عليه.
الشيخ : وبقي المطر أسبوعا كاملا ثم دخل رجل أو الرجل الأول في الجمعة الثانية وقال يا رسول الله غرق المال وتهدّم البناء فادع الله يُمسكها فرفع يديه وقال ( اللهم حوالينا ولا علينا ) وجعل يشير إلى النواحي فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت وخرج الناس يمشون في الشمس فهذا ثبت فيه الرفع عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وكذلك رفع يديه على الصفا وعلى المروة في السعي ورفع يديه وهو واقف بعرفة وقد ذكر أهل العلم أكثر من ثلاثين موضعا ثبت فيه الرفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا وجْه من الوجوه، الوجه الثاني ما لم يرفع فيه الرسول عليه الصلاة والسلام أي ما ثبت فيه عدم الرفع وذلك في الدعاء في خطبة الجمعة في غير الاستسقاء فإن بشر بن مروان لما رفع يديه وهو يخطب الناس في الجمعة أنكر عليه الصحابة رضي الله عنهم وقالوا إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان لا يرفع يديه ولا يعدو أن يُشير بأصبعه.
الوجه الثالث ما الظاهر فيه عدم الرفع كالدعاء في الصلاة، الدعاء بين السجدتين والدعاء في التشهد الأخير وكذلك قول المصلي بعد الانصراف من الصلاة " استغفر الله " فإن هذا لم يثبت فيه الرفع عن النبي عليه الصلاة والسلام بل الظاهر فيه عدم الرفع بل يكاد يكون كالصريح في عدم الرفع.
الوجه الرابع ما لم يرد فيه رفع ولا عدمه فالأصل في هذا أن ترفع يديك عند الدعاء لما أسلفنا من قبل وإن لم ترفع فلا يُقال إنك خالفت السنّة لأن السنّة ليست في هذا الباب صريحة جدا.
وأما مسح الوجه باليدين بعد الدعاء فقد وردت فيه أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عنها صاحب "بلوغ المرام" إن مجموعها يقضي بأنه حديث حسن ولكن شيخ الإسلام رحمه الله قال كلها أحاديث ضعيفة لا تقوم بها حجة فلا يُسن مسح الوجه بعد الدعاء وما قاله الشيخ رحمه الله أقرب ولكن مع هذا لو مسح وجهه فلا نبدّعه أو نضلله لورود أحاديث وإن كان في صحتها نظر. نعم.
السائل : بارك الله فيكم.