يستفسر عن قوله تعالى ( إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة ...) الآية حفظ
السائل : يستفسر عن قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (( إِنَّ هذا أَخي لَهُ تِسعٌ وَتِسعونَ نَعجَةً وَلِيَ نَعجَةٌ واحِدَةٌ )) الأية؟
الشيخ : نعم. الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين وعلى ءاله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد فإنه بمناسبة السؤال عن تفسير هذه الأية الكريمة أود أن أوجه كلمة إلى إخواني المسلمين فأقول إن الله سبحانه وتعالى قد بيّن الحكمة من إنزال القرءان على محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال (( كِتابٌ أَنزَلناهُ إِلَيكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّروا ءاياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلبابِ )) فبيّن الله تعالى الحكمة من إنزال القرءان في شيئين، الأول تدبر الأيات وهو تفهّمها ليصل الإنسان إلى معناها.
والثاني التذكر بما فيها وهو الاتعاظ والعمل بما دلت عليه تصديقا للأخبار وامتثالا للأحكام وهذا هو الذي كان عليه الصحابة رضي الله عنهم فقد كانوا لا يتجاوزون عشر ءايات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل فتعلموا من كتاب الله القرءان والعلم والعمل جميعا وهذا ينطبق على جميع الأمة إلى يوم القيامة وإنني أحث إخواني المسلمين على تفهم كتاب الله وتدبّره والسؤال عن معناه ومطالعة كتب أهل العلم الموثوق بتفسيرهم إذا كان يستطيع أن يصل إلى المعنى بهذه المطالعة حتى يذوق طعم القرءان ويعرف عظمة القرءان أما قراءة القرءان بدون فهم لمعناه فلا شك أن فيها خيرا كثيرا وفيها أجر عظيم فإن من قرأ القرءان فله بكل حرف منه عشر حسنات لكن تمام ذلك والفائدة العظيمة الكبيرة هو بتحقيق ما أنزله الله من أجله وهو التدبّر والاتعاظ.
ثم ليُعلم أن هذا القرءان الكريم إذا حمله الإنسان فهو كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام ( حجة لك أو عليك ) فإن قمت بواجبه من تصديق الأخبار والعمل بالأحكام وقَبول ذلك بانشراح وطمأنينة كان حجة لك وإن كان الأمر بخلاف ذلك كان عليك من الحجة بقدر ما فرّطت فيه أو اعتديت.
ومن المعلوم أن الإنسان لو طلِب منه تنفيذ ما في كتاب مرسوم من جهة من الجهات لكان يقرأ هذا الكتاب ويتفهّم عن معناه ويستفهم عن معناه حتى يتمكن من تطبيقه والعمل به فكيف بالكتاب العظيم النازل من عند الله عز وجل الذي كلّف الله عباده العمل به كيف لا يدري الإنسان عن معناه لا يتفهم ولا يستفهم ولا يُبالي هذا في الحقيقة تفريط، تفريط كبير.
أما ما يتعلق بالسؤال عن الأية التي ذكرها في قوله (( إِنَّ هذا أَخي لَهُ تِسعٌ وَتِسعونَ نَعجَةً وَلِيَ نَعجَةٌ واحِدَةٌ )) فهذه في سياق قصة وقعت على نبي الله داوود فإن الله سبحانه وتعالى ذكر هذه القصة في قوله (( وَهَل أَتاكَ نَبَأُ الخَصمِ إِذ تَسَوَّرُوا المِحرابَ * إِذ دَخَلوا عَلى داوودَ فَفَزِعَ مِنهُم )) إلى ءاخره فذكر الله هذه القصة مُصدّرا لها بالاستفهام الدال على التشويق (( وَهَل أَتاكَ نَبَأُ الخَصمِ إِذ تَسَوَّرُوا المِحرابَ )) أي دخلوا من السور لا من الباب لأن الباب كان مغلقا والمحراب مكان العبادة وليس هو الذي نعرفه الأن طاق القبلة ولكنه مكان العبادة ولو كان حجرة مدوّرة أو مربعة.
المهم أنهم لما تسوّروا عليه الجدار فدخلوا عليه فزع منهم لأن ذلك على خلاف العادة وما خرج عن العادة فطبيعة البشر تقتضي أن يفزع منه لاسيما في مثل هذه الصورة فقالوا له (( لا تَخَف خَصمانِ )) يعني نحن خصمان (( بَغى بَعضُنا عَلى بَعضٍ فَاحكُم بَينَنا بِالحَقِّ وَلا تُشطِط وَاهدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ )) ثم ذكروا القصة (( إِنَّ هذا أَخي لَهُ تِسعٌ وَتِسعونَ نَعجَةً وَلِيَ نَعجَةٌ واحِدَةٌ )) والنعجة هي الواحدة من الشياه (( وَلِيَ نَعجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكفِلنيها وَعَزَّني فِي الخِطابِ )) أي غلبني في خطابه لقوته وفصاحته وبيانه فقال له داوود (( لَقَد ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ )) فحكم له داوود عليه الصلاة والسلام دون أن يسمع من خصمه وطريقة الحكم أن لا يحكم الحاكم حتى ينظر ما لدى الخصم قال الله تعالى (( وَإِنَّ كَثيرًا مِنَ الخُلَطاءِ لَيَبغي بَعضُهُم عَلى بَعضٍ إِلَّا الَّذينَ ءامَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَقَليلٌ ما هُم وَظَنَّ داوودُ أَنَّما فَتَنّاهُ فَاستَغفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعًا وَأَنابَ )) أي أيقن أننا اختبرناه بهذه الخصومة وذلك أنه عليه الصلاة والسلام اشتغل بالعبادة الخاصة عن الحكم بين الناس فأغلق الباب دونهم والحاكم ينبغي له أن يكون فاتحا بابه لمن يأتيه من الخصوم حتى يحكم بينهم وأيضا حكَم للخصم دون أن يسمع حجة خصمه وأيضا تعجّل بذلك أي بالحكم قبل سؤال الخصم من أجل أن يرجع إلى عبادته فعلِم عليه الصلاة والسلام أن الله اختبره بهذا فخرّ راكعا وأناب تائبا إلى الله عز وجل قال الله تعالى (( فَغَفَرنا لَهُ ذلِكَ )) وما يُروى في هذه القصة من أن داوود عليه الصلاة والسلام رأى زوجة رجل فأعجبته فتحيّل على الوصول إليها بأن أمره أن يخرج في الغزو ليُقتل فيأخذ زوجته فهذا كذب لا يليق بأدنى واحد من الناس عقلا وأمانة فكيف بنبي الله داوود عليه الصلاة والسلام وهذه القصة مما دسّه اليهود على بعض الناس حتى فسّر بها كلام الله عز وجل فلا يجوز لأحد أن ينزّل الأية على ذلك ولا أن يروي هذا للناس إلا إذا كان يريد أن يبيّن أنها ضعيفة وباطلة فهذا لا بأس به بل هو واجب لأن الناس قد اشتهر عند كثير منهم أن هذه القصة هي ما ذكرت من أن داوود أعجبته زوجة رجل من الناس فتحيّل على ذلك بأن بعثه في الغزو ليُقتل فيأخذ زوجته من بعده وهذا كذب لا يجوز ذكره إلا لمن أراد أن يبيّن أنه كذب. نعم.
السائل : بارك الله فيكم.