عندما يدفن الميت يتركه أهله أربعين يوما لا يزورنه وبعد ذلك يذهبون إلى زيارته بحجة أنه لا يجوز زيارة الميت قبل أربعين يوما ، فما الحكم في هذا من الناحية الشرعية ؟ حفظ
السائل : عندما يدفن الميت يتركه أهله أربعين يوماً لا يزورونه وبعد ذلك يذهبون إلى زيارته بحجة أنه لا يجوز زيارة الميت قبل أربعين يوماً فما الحكم في هذا من الناحية الشرعية مأجورين؟
الشيخ : الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين وعلى ءاله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد فإنه قبل الإجابة على هذا السؤال ينبغي أن نبيّن أن زيارة القبور سنّة، سنّة في حق الرجال أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن نهى عنها فقال صلى الله عليه وسلم: ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكّركم الأخرة ) والزائر الذي يزور القبور يزورها امتثالا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتبارا بحال هؤلاء الأموات الذين كانوا بالأمس معه على ظهر الأرض يأكلون كما يأكل ويشربون كما يشرب ويلبسون كما يلبس ويتنعمون بالدنيا كما يتنعم فأصبحوا الأن مرتهنين في قبورهم بأعمالهم ليس عندهم صديق ولا حميم وإنما جليسهم عملهم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إذا مات الإنسان اتبعه ثلاثة: ماله وأهله وعمله فيرجع اثنان، ويبقى واحد، يرجع المال والأهل، ويبقى العمل ) فيعتبر الزائر بحال هؤلاء.
والفائدة الثالثة أنه يتذكر الأخرة وأن المقر والمرجع هو الأخرة وأن الدنيا دار ممر وليست دار مستقر ومع ذلك فليست القبور هي المثوى الأخير بل بعدها ما بعدها من اليوم الأخر الذي هو كما وصفه الله يوم ءاخر لا يوم بعده وأما البقاء في القبور فهو زيارة كما قال تعالى: (( أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ )) وقد ذكِر أن أعرابيا سمع قارئا يقرأ هذه الأية: (( حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ )) فقال: والله ما الزائر بمقيم وإن وراء هذه الزيارة لأمر إقامة.
وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى كلمة يقولها بعض الناس من غير رويّة ولا تدبر لمعناها وهو أنهم إذا تحدّثوا عن الميت قالوا: ثم ءاووْه إلى مثواه الأخير أو كلمة نحوها.
المهم أنهم يقولون: "إلى مثواه الأخير" وهذه الكلمة لو أردنا أن ندقق في معناها لكانت تتضمن إنكار البعث لأنه إذا كان القبر هو المثوى الأخير فمعناه أنه لا بعث بعده وهذا أمر خطير لأن الإيمان بالله واليوم الأخر شرط في الإيمان والإسلام لكن الذي يظهر لي أن العامة يقولونها من غير تدبّر لمعناها ومن غير رويّة ولكن يجب التنبه لذلك وأنه يحرم على الإنسان أن يُطلق هذه العبارة فإن كان يعتقد ما تدل عليه فهو كفر لأن من اعتقد أن القبر هو المثوى الأخير وأنه ليس بعده شيء فقد أنكر اليوم الأخر.
الفائدة الرابعة من زيارة القبور أن الزائر يسلّم على أهل القبور ويدعو لهم فيقول: ( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية ) هذه أربع فوائد في زيارة القبور.
وأما من يزور القبور للدعاء عندها فإن ذلك من البدع فالمقبرة ليست مكانا يُقصد للدعاء حتى يذهب ليدعو الله عند قبر رجل صالح أو ما أشبه ذلك.
وأشد من ذلك من يذهب إلى المقبرة ليدعو أصحاب القبور ويستغيث بهم ويستعين بهم فإن هذا من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله قال الله عز وجل: (( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ )) وقال الله عز وجل: (( فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ )) والأيات في هذا المعنى كثيرة فمن دعا غير الله لقضاء حاجته من هؤلاء الأموات فقد أشرك بالله شركا أكبر.
وليُعلم أن زيارة القبور لا تختص بيوم معين ولا بليلة معيّنة بل يزورها الإنسان ليتذكر الأخرة ولقد زار النبي صلى الله عليه وسلم البقيع ذات مرة في الليل وهو دليل على أن الزيارة لا يُشترط لها يوم معين.
أما فيما يتعلق بسؤال السائل وهو أن أهله لا يزورونه إلا إذا تم له أربعون يوما فهذا لا أصل له بل للإنسان أن يزور قبر قريبه من ثاني يوم دفِن ولكن لا ينبغي للإنسان إذا مات له الميت أن يعلّق قلبه به وأن يُكثر التردّد إلى قبره لأن هذا يُجدّد له الأحزان وينسيه ذكر الله عز وجل ويجعل أكبر همه أن يكون عند هذا القبر وربما يبتلى بالوساوس والخرافات والأفكار السيئة بسبب هذا. نعم.
السائل : بارك الله فيكم. عرفنا فضيلة الشيخ أن زيارة القبور خاصة فقط للرجال وهي محرمة على النساء ونظرا لكثرة الرسائل التي تصل إلى هذا البرنامج من البلدان العربية والإسلامية نقول.