تقدم أحد الأشخاص لخطبة أختي و الزواج منها و لكنه لا يصلي فهل يجوز أن نزوجه منها لأن أمي تقول أعرف هذا الشخص و أمه صديقة لي فهل علينا إثم في منعنا لهذا الزواج؟ حفظ
السائل : يقول فيها بأنه تقدّم أحد الأشخاص لخطبة أخته والزواج منها ولكن هذا الشخص لا يصلي فهل يجوز أن نزوّجه من أختنا يقول: لأن أمي تقول بأنني أعرف هذا الشخص وأمه صديقة لي؟ فهل علينا إثم في منعنا لهذا الزواج؟ نرجو من فضيلة الشيخ التوجيه والنصح مأجورين.
الشيخ : توجيهي ونصحي لهذه الأم التي ترغب أن يتزوّج هذا الرجل ابنتها أن تتقي الله عز وجل في نفسها وفي ابنتها وأن لا تُحاول تزويجها بهذا الرجل وذلك لأن هذا الرجل الذي ترك الصلاة كافر مرتد خارج عن الإسلام والكافر المرتد الخارج عن الإسلام لا يجوز أن يزوّج بمسلمة مهما كانت الأحوال حتى لو كان من بني عمها أو أقاربها الذين يحِل لهم أن يتزوّجوا بها فإنه لا يجوز أن يُزوّجوا بها ماداموا لا يصلون.
فتارك الصلاة كافر بمقتضى دلالة القرأن والسنّة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم والنظر الصحيح وقد تكلمنا على ذلك كثيرا من هذا المنبر وتكلّم غيرنا في ذلك أيضا من أصحاب الفضيلة العلماء ففي كتاب الله يقول الله عز وجل عن المشركين: (( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَءاتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )) فاشترط الله سبحانه وتعالى لكونهم إخوة لنا في الدين ثلاثة شروط، فالتوبة من الشرك وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ومن المعلوم أن المعلق على شرط لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود هذا الشرط فإذا عدِم الشرط عدِم المشروط.
ومعلوم أنهم إذا لم يتوبوا من الشرك فليسوا إخوة لنا في الدين لأن المشرك ليس أخا للمسلم في الدين وإن كان أخا له في النسب وإن لم يُقيموا الصلاة فليسوا إخوة لنا في الدين وإن كانوا إخوة لنا في النسب.
وإن لم يؤتوا الزكاة فليسوا إخوة لنا في الدين وإن كانوا إخوة لنا في النسب هذا مقتضى الأية أي مقتضى مفهومها ولكن الزكاة خارجة عن هذا المفهوم لما ثبت في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفّحت له صفائح من النار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى به جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ) وهذا الحديث يدل على أن مانع الزكاة ليس بكافر لأنه لو كان كافرا لم يكن له سبيل إلى الجنة وعلى هذا فيُخرج هذا الحكم من مفهوم الأية بمقتضى دلالة هذا الحديث ويبقى الحكمان الأولان فيمن بقي على الشرك وفيمن ترك الصلاة على ما هما عليه.
وأما من السنّة فقد ثبت في "صحيح مسلم" عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه أنه قال أي النبي صلى الله عليه وسلم: ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ) وفي حديث أخرجه أهل السنن عن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) ومن المعلوم أن البينية تقتضي أن يكون ما خرج منها كل واحد منفصل عن الأخر فالشرك في جانب وفعل الصلاة في جانب ءاخر والكافرون في جانب والمؤمنون في جانب ءاخر والفاصل بينهما الصلاة فمن أتى بها فهو من المسلمين المؤمنين ومن لم يأتي بها فهو من الكافرين المشركين وهذا الشرك وإن لم يكن عبادة لغير الله لكنه شرك في مخالفة أمر الله عز وجل كقوله تعالى: (( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ )) .
وأما أقوال الصحابة رضي الله عنهم فقد صح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: " لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة " وقال عبد الله بن شقيق وهو من التابعين: " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة " .
وقد حكى الإجماع على كفر تارك الصلاة إسحاق بن راهويه الإمام المشهور.
وأما النظر الصحيح على كفر تارك الصلاة فإن من المعلوم أن الصلاة لم يرد في شيء من الأعمال ما ورد فيها من الترغيب فيها والحث عليها فعلا ووصفا وعقوبة تاركها وكيفية فرضيتها فإن الله تعالى فرض هذه الصلاة بل فرض هذه الصلوات الخمس على نبيه صلى الله عليه وسلم في أعلى مكان وصل إليه البشر وفي أفضل ليلة كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرضها سبحانه وتعالى بدون واسطة بينه وبين نبيه صلى الله عليه وسلم وفرضها سبحانه وتعالى على عباده خمسين صلاة في اليوم والليلة حتى منّ الله بفضله فخفّفها إلى خمس صلوات بالفعل وهي خمسون في الميزان.
كل هذا يدل على عناية الله بها وأن لها شأنا ليس لغيرها من العبادات ولهذا اختصت بأن تاركها كافر كفرا مخرجا عن الملة.
ولا شك أن هذه المسألة خلافية فإن من أهل العلم من قال: إن تاركها لا يكفر أي من قال إن تارك الصلاة لا يكفر ومعلوم أن مرد المؤمنين عند الخلاف كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: (( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ )) ولقوله تعالى: (( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا )) .
وإذا رددنا هذا الخلاف إلى كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم تبيّن لنا أن كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم كلاهما يقتضي أن تارك الصلاة كافر كفرا مخرجا عن الملة وقد ذكرنا أدلة ذلك.
وأما ما احتج به من قال بعدم التكفير فإن أدلته لا تخرج عن واحد من أقسام خمسة، فإما أن تكون ضعيفة ليس فيها حجة لأن الضعيف ساقط لا يُحتج به في إثبات الشيء أي في إثبات الحكم فكيف يُحتج به في معارضة أدلة صريحة صحيحة.
وإما ألا يكون فيها دلالة أصلا ولا يُمكن أن تدل على أن تارك الصلاة ليس بكافر لا من قريب ولا من بعيد وإن كانت هي صحيحة السند لكن الاستدلال بها ساقط لعدم دلالتها على المعارضة.
وإما أن تكون مقيدة بحال يُعذر فيها من ترك الصلاة كما في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوم اندرس الإسلام عندهم حتى لم يدركوا منه إلا لا إله إلا الله، فهؤلاء معذورون لأنهم لم يعرفوا شيئا من أحكام الإسلام فإذا ماتوا على قول لا إله إلا الله مع استسلام قلوبهم لله وظواهرهم لما علموا من دين الله فإن هؤلاء لا يُحكم بكفرهم بل هم مؤمنون لكن هذا هو غاية مقدورهم وقد قال الله تعالى: (( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا )) .
وإما أن تكون الأدلة التي استدلوا بها مقيّدة بوصف يمتنع منه غاية الامتناع أن يدع الإنسان الصلوات الخمس كحديث عتبان بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله حرّم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ) .
ومن المعلوم أن هذا الحديث ليس على إطلاقه لأننا لو أخذناه على إطلاقه لقلنا إن كل إنسان عاص مهما بلغت معصيته محرّم على النار لا يُمكن أن يدخلها إذا كان يقول لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله وهذا لا يقول به أحد لأنه ما من إنسان عاص إلا وقد استحق دخول النار بمعصيته التي رُتّب عليها دخول النار لكن إذا لم يكن كافرا كفرا مخرجا عن الملة فإنه يخرج من النار بالأسباب التي جعلها الله تعالى سببا لخروجه من النار.
وإذا كان هذا الحديث ليس على اطلاقه فإننا نقول: إن وصفه بقوله: ( يبتغي بذلك وجه الله ) يمنع أن يدع الصلوات الخمس لأن كل إنسان يقول لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله لا يُمكنه أبدا أن يدع الصلوات الخمس لأن مبتغي الشيء لا بد أن يطلبه ومن المعلوم أن الطريق الموصل إلى الله من أهمه سلوك هذا الطريق وهو إقامة الصلاة.
وعلى هذا فليس في هذا الحديث دليل على ما ذهبوا إليه لأنه لا يصح الاستدلال به طردا ولا عكسا.
القسم الخامس أن تكون الأحاديث عامة فتُخصّص بالأحاديث الدالة على كفر تارك الصلاة فالقول الراجح الذي لا يخفى رُجحانه على من تأمل الأدلة مجرّدا نفسه عن أي اعتقاد سابق هو أن تارك الصلاة كافر كفرا مخرجا عن الملة وإن كان يعتقد أنها واجبة.
وبناء على ما ذكرناه هنا وما ذكرناه سابقا فإنه لا يجوز أن يزوّج شخص لا يصلي بامرأة مسلمة وما أيسر الأمر لهذا الرجل أن يُوفّق فيتوب إلى الله ويتخلّص من كفره بإقامة الصلاة ثم حينئذ نزوجه ونقول إذا أتانا من نرضى دينه وخلقه زوجناه كما أمرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
خلاصة الأمر أني أقول لهؤلاء الإخوة لا تزوّجوا هذا الرجل بأختكم فإن ذلك حرام عليكم ولو عقدتم النكاح له فإن النكاح باطل لا يصح لقول الله تعالى في المؤمنات المهاجرات: (( فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ )) حتى وإن غضبت الأم لعدم التزويج فإنكم إنما أغضبتموها لرضا الله عز وجل ورضا الله مقدّم على رضا غيره فإن من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس وجعل سخطهم رضا ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس.
وإني أقول لهؤلاء الإخوة بل ولغيرهم أيضا من المستمعين إنه لا تجوز طاعة الوالد ولا غير الوالد في معصية الله أبدا. نعم.
السائل : بارك الله فيكم فضيلة الشيخ.