سائل يستفسر عن قوله تعالى ( و هو الذي في السماء إله و في الأرض إله ) و قوله تعالى ( الرحمن على العرش استوى ) بعض الناس يقول إن الله في كل مكان و بعضهم يقول إن الله في السماء ؟ حفظ
السائل : أستفسر عن الآيات الكريمة التالية يقول تعالى : (( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ )) والآية الأخرى : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) يقول : على حسن قول الناس منهم من يقول بأن الله موجود في السماء ، والبعض يقول بأن الله موجود في كل مكان ، اشرحوا لنا ذلك مأجورين ؟.
الشيخ : هذه مسألة عظيمة مهمة ، وذلك أن الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بأنه العلي وأنه الأعلى ، وأنه القاهر فوق عباده ، وأن الأمور تتنزل من عنده وتعرج إليه ، وأنه في السماء و، كل هذا يدل على علوه جل وعلا ، وأنه فوق كل شيء .
فأما قوله تعالى : (( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ )) ... فالمراد بذلك أن ألوهيته ثابتة في السماء وفي الأرض ، فهو كقول القائل : فلان أمير في المدينة وفي مكة ، مع أنه في إحداهما وليس فيهما جميعا ، وإنما إمرته ثابتة في المدينة وفي مكة .
فالله تعالى إله من في السماء وإله من في الأرض ، وأما هو نفسه جل وعلا فإنه فوق سماواته على عرشه ، وعلى هذا فلا منافاة بين هذه الآية وبين قول الله تعالى : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) .
ومعنى قوله تعالى : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) أي أنه علا على العرش ، لأن استوى في اللغة العربية إذا عديت بعلى صار معناها العلو كقوله تعالى : (( فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ )) أي علوت وقوله تعالى : (( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ )) أي تعلوا على ظهوره (( ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ )) أي علوتم عليه .
فهو سبحانه وتعالى مستوٍ على العرش أي عال عليه ، وهذا العلو ليس هو العلو العام لجميع المخلوقات بل هو علو خاص مختص بالعرش ، ولهذا يقال استوى على العرش ولا يقال استوى على السماء ، ويقال علا على العرش وعلا على السماء ، فالاستواء على العرش علو خاص ليس هو العلو العام لجميع المخلوقات ، وقد أخطأ وضل من فسر الاستواء هنا بالاستيلاء والملك ، أخطأ من عدة أوجه :
الوجه الأول : أنه مخالف لمقتضى اللغة العربية ، فلم تأت استوى على كذا بمعنى استولى عليه في اللغة العربية ، وها هو كلام العرب بين أيدينا لا نعلم أن منهم من عبر عن الاستيلاء بالاستواء أبدا ، فأما ما قيل :
قد استوى بِشرٌ على العراق ... من غير سيف أو دم مهراق .
فإننا نطالب أولا بصحة النقل عن شاعر عربي من العرب الخلص ، ولا يمكن لأحد أن يثبت ذلك ، ثم على فرض أنه ثبت عن شاعر عربي من العرب الخلص فإن هنا قرينة تمنع أن يكون المراد بذلك العلو على العراق ، لأن الرجل لا يمكن أن يعلو على العراق علوا ذاتيا ، وحينئذ يكون المراد به العلو المعنوي وهو الاستيلاء .
أما علو الله تعالى نفسه على عرشه فلا مانع منه لا عقلا ولا سمعا .
ثالثا : أن نقول : إن تفسير الاستواء بالاستيلاء مخالف لما كان عليه السلف الصالح وأئمة الخلف ، فإنهم مجمعون على أن استوى على العرش بمعنى علا عليه ، ولم يأت عن أحد منهم حرف واحد يدل على أنهم فسروا الاستواء بالاستيلاء ، ومعلوم أن مخالفة السلف ضلال وخروج عن جماعة الحق .
رابعا : أنه يلزم على تفسير استوى على العرش استولى عليه ، أن يكون العرش قبل هذا ملكا لغير الله ، وأن الله تعالى بالمعالجة حصل عليه من غيره ، وهذا لازم باطل جد البطلان .
الخامس : أننا إذا فسرنا استوى باستولى لجاز ، أن نقول : إن الله استوى على الأرض وعلى الإنسان وعلى الجمل وعلى السفينة وعلى كل شيء ، لأن الله تعالى مستول على كل شيء ومالك له ، ومعلوم أنه لا أحد يسوغ أن يقول القائل : إن الله استوى على الإنسان أو على الأرض أو ما أشبه ذلك.
سادسا : أن الذين فسروه بالاستيلاء مضطربون ومختلفون ، واضطراب أهل القول فيه يدل على عدم رسوخه وعدم صحته .
وعلى هذا فلا يحل لأحد أن يفسر قول الله تعالى : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) أو قوله تعالى : (( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )) بأن المعنى استولى عليه من أجل هذه الوجوه التي ذكرناها ، فالاستواء على العرش يلزم منه العلو المطلق على جميع المخلوقات ، فإن الله تعالى عال بنفسه على جميع المخلوقات ولا يعارضه ما ذكره السائل من قوله تعالى : (( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ )) لما ذكرنا في صدر الجواب .
ونظير هذه الآية أعني قوله تعالى : (( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ )) قوله تعالى : (( وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ )) فقال : (( وهو الله في السموات وفي الأرض )) وليس المعنى أنه نفسه في السماوات وفي الأرض ، ولكن المعنى أن ألوهيته ثابتة في السماوات وفي الأرض .
وليعلم أن اعتقاد أن الله تعالى نفسه في كل مكان اعتقاد باطل ، لو شعر الإنسان بلوازمه الباطلة ما تفوه به ، لأنه يلزم من هذا القول أن يكون الله تعالى في كل مكان من الأماكن الطيبة والأماكن الخبيثة ، بل للزم منه أن يكون الله تعالى في أجواف الحيوانات وأجواف الناس وما أشبه ذلك ، ثم يلزم من هذا أحد أمرين :
إما أن يتعدد بتعدد الأمكنة ، وإما أن يكون متجزئا بعضه هنا وبعضه هناك ، وكل هذه لوازم فاسدة تصورها كاف في ردها وإفسادها .
ومن قال : إن الله تعالى نفسه في كل مكان فهو ضال مبتدع ما قدر الله حق قدره ولا عرف عظمته جل وعلا ، وكيف يكون في كل مكان وهو الذي قد وسع كرسيه السماوات والأرض : (( وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ )) .
فليتق الله قائل هذا وليتب إلى ربه قبل أن يدركه الموت على هذه العقيدة الفاسدة فيلقى ربه على خبث العقيدة وفساد الطوية نسأل الله السلامة.
السائل : بارك الله فيكم.
الشيخ : هذه مسألة عظيمة مهمة ، وذلك أن الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بأنه العلي وأنه الأعلى ، وأنه القاهر فوق عباده ، وأن الأمور تتنزل من عنده وتعرج إليه ، وأنه في السماء و، كل هذا يدل على علوه جل وعلا ، وأنه فوق كل شيء .
فأما قوله تعالى : (( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ )) ... فالمراد بذلك أن ألوهيته ثابتة في السماء وفي الأرض ، فهو كقول القائل : فلان أمير في المدينة وفي مكة ، مع أنه في إحداهما وليس فيهما جميعا ، وإنما إمرته ثابتة في المدينة وفي مكة .
فالله تعالى إله من في السماء وإله من في الأرض ، وأما هو نفسه جل وعلا فإنه فوق سماواته على عرشه ، وعلى هذا فلا منافاة بين هذه الآية وبين قول الله تعالى : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) .
ومعنى قوله تعالى : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) أي أنه علا على العرش ، لأن استوى في اللغة العربية إذا عديت بعلى صار معناها العلو كقوله تعالى : (( فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ )) أي علوت وقوله تعالى : (( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ )) أي تعلوا على ظهوره (( ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ )) أي علوتم عليه .
فهو سبحانه وتعالى مستوٍ على العرش أي عال عليه ، وهذا العلو ليس هو العلو العام لجميع المخلوقات بل هو علو خاص مختص بالعرش ، ولهذا يقال استوى على العرش ولا يقال استوى على السماء ، ويقال علا على العرش وعلا على السماء ، فالاستواء على العرش علو خاص ليس هو العلو العام لجميع المخلوقات ، وقد أخطأ وضل من فسر الاستواء هنا بالاستيلاء والملك ، أخطأ من عدة أوجه :
الوجه الأول : أنه مخالف لمقتضى اللغة العربية ، فلم تأت استوى على كذا بمعنى استولى عليه في اللغة العربية ، وها هو كلام العرب بين أيدينا لا نعلم أن منهم من عبر عن الاستيلاء بالاستواء أبدا ، فأما ما قيل :
قد استوى بِشرٌ على العراق ... من غير سيف أو دم مهراق .
فإننا نطالب أولا بصحة النقل عن شاعر عربي من العرب الخلص ، ولا يمكن لأحد أن يثبت ذلك ، ثم على فرض أنه ثبت عن شاعر عربي من العرب الخلص فإن هنا قرينة تمنع أن يكون المراد بذلك العلو على العراق ، لأن الرجل لا يمكن أن يعلو على العراق علوا ذاتيا ، وحينئذ يكون المراد به العلو المعنوي وهو الاستيلاء .
أما علو الله تعالى نفسه على عرشه فلا مانع منه لا عقلا ولا سمعا .
ثالثا : أن نقول : إن تفسير الاستواء بالاستيلاء مخالف لما كان عليه السلف الصالح وأئمة الخلف ، فإنهم مجمعون على أن استوى على العرش بمعنى علا عليه ، ولم يأت عن أحد منهم حرف واحد يدل على أنهم فسروا الاستواء بالاستيلاء ، ومعلوم أن مخالفة السلف ضلال وخروج عن جماعة الحق .
رابعا : أنه يلزم على تفسير استوى على العرش استولى عليه ، أن يكون العرش قبل هذا ملكا لغير الله ، وأن الله تعالى بالمعالجة حصل عليه من غيره ، وهذا لازم باطل جد البطلان .
الخامس : أننا إذا فسرنا استوى باستولى لجاز ، أن نقول : إن الله استوى على الأرض وعلى الإنسان وعلى الجمل وعلى السفينة وعلى كل شيء ، لأن الله تعالى مستول على كل شيء ومالك له ، ومعلوم أنه لا أحد يسوغ أن يقول القائل : إن الله استوى على الإنسان أو على الأرض أو ما أشبه ذلك.
سادسا : أن الذين فسروه بالاستيلاء مضطربون ومختلفون ، واضطراب أهل القول فيه يدل على عدم رسوخه وعدم صحته .
وعلى هذا فلا يحل لأحد أن يفسر قول الله تعالى : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) أو قوله تعالى : (( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )) بأن المعنى استولى عليه من أجل هذه الوجوه التي ذكرناها ، فالاستواء على العرش يلزم منه العلو المطلق على جميع المخلوقات ، فإن الله تعالى عال بنفسه على جميع المخلوقات ولا يعارضه ما ذكره السائل من قوله تعالى : (( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ )) لما ذكرنا في صدر الجواب .
ونظير هذه الآية أعني قوله تعالى : (( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ )) قوله تعالى : (( وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ )) فقال : (( وهو الله في السموات وفي الأرض )) وليس المعنى أنه نفسه في السماوات وفي الأرض ، ولكن المعنى أن ألوهيته ثابتة في السماوات وفي الأرض .
وليعلم أن اعتقاد أن الله تعالى نفسه في كل مكان اعتقاد باطل ، لو شعر الإنسان بلوازمه الباطلة ما تفوه به ، لأنه يلزم من هذا القول أن يكون الله تعالى في كل مكان من الأماكن الطيبة والأماكن الخبيثة ، بل للزم منه أن يكون الله تعالى في أجواف الحيوانات وأجواف الناس وما أشبه ذلك ، ثم يلزم من هذا أحد أمرين :
إما أن يتعدد بتعدد الأمكنة ، وإما أن يكون متجزئا بعضه هنا وبعضه هناك ، وكل هذه لوازم فاسدة تصورها كاف في ردها وإفسادها .
ومن قال : إن الله تعالى نفسه في كل مكان فهو ضال مبتدع ما قدر الله حق قدره ولا عرف عظمته جل وعلا ، وكيف يكون في كل مكان وهو الذي قد وسع كرسيه السماوات والأرض : (( وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ )) .
فليتق الله قائل هذا وليتب إلى ربه قبل أن يدركه الموت على هذه العقيدة الفاسدة فيلقى ربه على خبث العقيدة وفساد الطوية نسأل الله السلامة.
السائل : بارك الله فيكم.