تسَّلَفْتُ من شخص مبلغا من المال و توفي قبل أن أرد له هذا المال و له أبناء كبار و صغار فماذا أفعل في هذا ؟ حفظ
السائل : تسلفت من شخص مبلغاً من المال ووافته المنية قبل أن أرد له هذا المال ، وله أبناء صغار وكبار ، ماذا أفعل في هذا مأجورين ؟
الشيخ : إذا توفي الإنسان وله أقراض على الناس فإن هذه الأقراض تنتقل إلى الورثة قلت أو كثرت ، فهذا الرجل الذي أقرضك ثم توفي يكون المال الذي عندك لورثته ، فعليك أن تخبرهم به ثم تسلمه للجميع ، إلا أن يكون لهم وكيل خاص قد ثبتت وكالته شرعا فلك أن تعطيه إياه وحده ، وهو يقسمه بين أهل الميراث .
وهذا السؤال يجرنا إلى شيء آخر وهو : أن بعض الناس نسأل الله لنا ولهم الهداية يتهاون بالدين ويتهاون بقضاء الدين .
أما التهاون بالدين فإن بعض الناس يستدين لأمور كمالية لا حاجة له بها ، بل قد يستدين لأمور محرمه تلحقه بالمسرفين ، والله تعالى لا يحب المسرفين ، وهذا غلط وسفه في العقل وضلال في الدين ، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرشد الرجل الذي طلب منه أن يزوجه ولم يكن عند هذا الرجل مهر فقال : ( التمس ولو خاتماً من حديد ) فقال : لا أجد ، ولم يقل له : استقرض من الناس ، وإنما قال له : ( هل معك شيء من القرآن ؟ ) قال: نعم ، قال: ( زوجتك بما معك من القرآن ) هذا مع أن الزواج أمر ضروري وأمر مشروع ، فهو ضروري من حيث الفطرة مشروع من حيث السنة ، ومع ذلك لم يرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يستقرض .
وبعض الناس يستهين بالدين من حيث القضاء فتجده قادرا على الوفاء لكنه يماطل ، ويقول لصاحب الحق : ائتني غدا ، وإذا جاء قال ائتني غدا ، وإذا جاء قال : ائتني غدا حتى يمل صاحب الحق ، وربما يدع صاحب الحق حقه لكثرة الترداد على من عليه الحق ، وربما لا يتيسر له أن يرفع الأمر إلى المحاكم إما لكون الشيء زهيدا أو لقرابة بينه وبين المدين يخشى أن تنقطع الصلة بينهما إذا رفعه إلى الحاكم ، أو لكون الحاكم لا يحكم إلا بالهوى فيضيع حقه .
ثم إن المتهاون بقضاء الدين إذا مات بقيت نفسه معلقة بالدين حتى يقضى عنه ، والمبادرة بقضاء الدين عن الميت في وقتنا هذا قليلة جدا ، أكثر الورثة والعياذ بالله إذا مات صاحبهم الذي ورثهم المال ، والمال كان ماله ، فإذا مات وعليه الدين تباطأ الورثة في قضاء الدين وتواكلوا كل يكل الأمر إلى الآخر ، فتنعموا بالمال وصاحبه شقي فيه في قبره ، وهذا حرام عليهم .
ولهذا قال العلماء رحمهم الله : يجب على الورثة الإسراع في قضاء الدين ، حتى قال بعضهم : ينبغي أن يقضى دينه قبل أن يصلى عليه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل أن يفتح الله عليه بالمال إذا قدمت إليه الجنازة وعلى الميت دين ليس له وفاء تأخر عن الصلاة عليه ، فقدم إليه رجل ذات يوم فلما خطى خطوات قال : ( هل عليه دين ) قالوا : نعم يا رسول الله ديناران ، فتأخر ، وقال : ( صلوا على صاحبكم )، فقال أبو قتادة : يا رسول الله الديناران علي ، قال : ( حق الغريم وبرئ منه الميت ) قال : نعم يا رسول الله ، فتقدم وصلى عليه . وهذا يدل على أهمية الدين .
فنصيحتي لإخواني أولا ألا يتهاونوا بالدين ابتداء ، وأن يسددوا ويقاربوا ، وأن لا يحاولوا أن لا يكونوا كالأغنياء في مآكلهم ومشاربهم وملابسهم ومواطنهم ومراكبهم لظهور الفرق بين الغني والفقير ، وأن يقتصروا على ما تدعو الضرورة إليه فيما يستدينونه من الناس .
وأقول : على ما تدعو إليه الضرورة دونما تدعو إليه الحاجة ، لأن الإنسان إما أن يستدين لحاجة أو لضرورة أو لإسراف ، فليجتنب الاستدانة للإسراف وللحاجة ، ولا يستدن إلا للضرورة ، والمراد بالاستدانة هنا ليس الدين المعروف عند الناس والذي هو التلاعب بأحكام الله عز وجل فيما يعرف عندهم بالدين ، ولكن المراد بذلك الدين الحلال الذي دلت السنة على جوازه ، فلا يستدين إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك ، وإلا فليستعفف وليقتصر على أدنى ما يسد ضرورته ، وإذا أغناه الله عز وجل فليفعل ما يليق بحاله .
فإنه أيضا من التطرف أن يكون الغني كالفقير في مأكله ومشربه وملبسه ومسكنه ومركبه ، ومن التطرف أيضا أن يكون الفقير كالغني يحاول أن يلحق بالغني ، فكلاهما محظور ، فإن الله تعالى يحب إذا أنعم على عبده نعمة أن يرى أثر نعمته عليه ، وفق الله الجميع لما فيه الخير.
السائل : اللهم آمين بارك الله فيكم.