ما حكم الراوي أو المحدث الذي يفتي بحل الغناء إذا كان من أهل المدينة وهم يحلونه مثل إباحة أهل الكوفة للنبيذ.؟ حفظ
السائل : السلام عليكم ورحمة الله.
الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله.
السائل : شيخنا بالنسبة إذا كان أهل مصر من الأمصار يحلون شيئاً، مثل أهل المدينة كانوا يحلون الغناء، كانوا يرون الغناء، وأهل الكوفة النبيذ، فما حكم الغناء إذا كانوا أهل المدينة مثلًا علماء المدينة يجيزون هذا يا شيخ، فإذا كان الراوي أو المحدث من أهل مصر وكان يرى بجوازه فما حكمه يا شيخ؟
الشيخ : إذا علمنا أن هذا الراوي مجروح بالغناء كونه يغني مثلاً، ولكنه مستقيم الحال فيما عدا ذلك، بحثنا هل هو ممن يرى إباحة الغناء؟
إذا قالوا: نعم، فإن ذلك لا يجرحه، وإذا قالوا: لا، فإن ذلك يجرحه، لأنه أصر على معصية.
والغناء اختلف فيه الناس لا شك في هذا، اختلف فيه العلماء، ولكن قد وضع الله لنا ميزاناً عند اختلاف العلماء وهو الكتاب والسنة، كما قال تعالى: (( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ )) ، فلا يوهن الحكمَ اختلافُ العلماء إذا بانت السنة، إنما الذي يوهن الحكم ألَّا تثبت السنة أو لا تثبت دلالتها على الحكم، هذا هو الذي يوهن، أما مجرد الخلاف فإنه لا يوهن الحكم، لكنه يوجب -أعني الخلاف- للمستدل أن يبحث أكثر حتى يعرف ما وجه الخلاف الذي نشأ ويعرف الرد عليه، وهذه المسألة قلَّ من يتفطن لها حيث إن بعض الناس يظن أن مجرد الخلاف يوهن الحكم وهذا غلط، مثلاً إذا قال: لحم الإبل ينقض الوضوء أو لا ينقض الوضوء، ثم قال آخر: بل هو ينقض الوضوء للحديث، فيقول الثاني: العلماء مختلفون فيه، نقول: الاختلاف لا يضر، لا يوهن الحكم ما دام الدليل دالاً عليه، والدليل ثابت، والدلالة ثابتة، فإن الخلاف لا يوهن الحكم، لكنه كما قلت لك: يوجب للمستدل الناظر أن يتثبت وأن ينظر لماذا حصل هذا الخلاف، لأنه ربما يكون الخلاف لأمر لم يعلمه هو فإذا علمه رجع مثلًا عن قوله.
السائل : شيخ عندي سؤال إتمام.
الشيخ : لا، سؤال واحد.
السائل : تابع يا شيخ فيه إشكالات.
الشيخ : تسمحون له؟
السائل : شيخ سبحان الله أهل المدينة هم كانوا يجيدون، مثلاً ذكر الذهبي في ترجمة إبراهيم بن سعد بعدما وثقه، ثم قال: " وكان يجيد الغناء "، ونحن نعلم بأن الإمام مالك يرى بأن المغني أو الذي يشتغل بالغناء فاسق؟
الشيخ : لا تستغرب، لا تستغرب، العلماء يخفى عليهم الدليل، وتخفى عليهم الدلالة، أحياناً لا يعلمون بالدليل فيبنون على أصل، وأحياناً يعلمون الدليل فتخفى عليهم الدلالة فيؤولون الحديث على غير وجهه، ويحصل بذلك الخلاف.