هل يستدل بقوله تعالى: [ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالدا فيها] بكفر فاعل الكبيرة وكيف يوفق بينها وبين غفران كل ذنب إلا الشرك.؟ حفظ
السائل : بسم الله الرحمن الرحيم .
فضيلة الشيخ من المعلوم أنه لا يخلد في النار إلا أهل الشرك، ولكن في قوله تعالى: (( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا )) فكيف نجمع هذه الآية خاصة أن الخوارج يستدلون بها على كفر صاحب الكبيرة؟
الشيخ : نعم، هذه الآية من الآيات المتشابهة، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم فيمن قتل نفسه بشيء: ( أنه يعذب به في جنهم خالداً مخلداً فيها أبداً ): فهو من النصوص المتشابهة، والقاعدة عند أهل الإيمان: " أن النصوص المتشابهة تحمل على النصوص المحكمة "، والنصوص المحكمة دلت على أن قتل النفس لا يخرج به الإنسان من الإيمان، ومنها ما ذكرته آنفًا: (( يا أيها الذين ءامنوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى )) إلى أن قال: (( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ))، فإذا كان كذلك فإن الواجب أن تحمل الآية وكذلك الحديث على معنى لا يتنافى مع النصوص الأخرى، فنقول: القتل قتل المؤمن عمداً وقتل النفس عمداً سبب للخلود في النار، والسبب قد يعارضه مانع يمنع من حصول المسبَّب.
أرأيت مثلاً في باب الفرائض، القرابة سبب من أسباب إيش؟
من أسباب الإرث، لكن قد يوجد مانع يبطل هذا السبب، لو كان الأب كافراً والابن مؤمناً فمات الابن فإن الأب لا يرثه، ولو مات الأب لم يرث الابن لوجود اختلاف الدين، فهكذا هذه الآيات والأحاديث التي فيها الوعيد، نقول: هذه الأفعال التي رتب عليها هذا الوعيد وهو الخلود في النار سبب من الأسباب، وإذا كان سبباً فمقتضى ذلك أن يحترز الإنسان منها، لأنه قد يكون هذا السبب لا مانع له كما جاء في الحديث: ( لا يزال الرجل في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً ): يعني: أن من أصاب دماً حراماً فإنه يوشك أن يزيغ فيموت على الكفر، فنقول: هذا الفعل أي: قتل النفس المؤمنة عمداً سبب للخلود في النار، وهذا السبب قد يوجد مانع يمنع منه وهو الإيمان، فإن من كان في قلبه أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فإنه لا يخلد في النار، عرفت؟ هذا وجه.
الوجه الثاني: أن هذا فيمن استحلَّ القتل فإنه يخلد في النار، لكن هذا الوجه لما ذكر للإمام أحمد -رحمه الله تعالى- أن فلاناً قال: " يخلد في النار من قتل المؤمن عمداً مستحلاً له ضحك، وقال: إذا استحل قتل المؤمن فإنه كافر سواء قتله أم لم يقتله "، فهذا الجواب ليس بشيء.
وقال بعض العلماء في جواب آخر: (( فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا )): إن جازاه الله، فجعل الآية على تقدير شرط يعني: إن جازاه فهذا جزاؤه، وإن لم يجازه بل عفا عنه، فإنه لا يحصل له هذا العذاب، قالوا: لأن الله تعالى يقول: (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )).
وقال بعض أهل العلم: إن هذا خرج مخرج الزجر والتنفير، وما خرج مخرج الزجر والتنفير فإنه لا يُقصد به هذا الحكم بعينه، وإنما يقصد تنفير الناس منه، كما تقول لابنك: والله لإن فعلت ذلك لأقتلنك، وأنت لو فعله هل تقتله؟
السائل : قد أضربه وقد لا أضربه.
الشيخ : إي قد لا تضربه، مع أنك قلت: لأقتلنك هددته بالقتل لكنك لم تقتله، ولكن من شدة التنفير عبر بذلك، فقالوا: إن الله عبر بالخلود في النار فيمن قتل مؤمناً عمداً تنفيراً منه وزجراً، وليس المراد إيقاع حقيقةِ ذلك.
وقال بعض العلماء وهو الوجه الخامس: إن الخلود لا يقتضي التأبيد، لأن الخلود يأتي في اللغة العربية بمعنى المكث الطويل لا الدائم، وهذا الوجه يمكن أن يجاب به عن الآية الكريمة، لأن الله لم يذكر فيها التأبيد، لكن لا يمكن أن يجاب به عن الحديث أن من قتل نفسه بشيء فإنه يعذب به في جهنم خالداً فيها مخلداً أبداً.
وعلى كل حال فيما أرى أن أحسن الأجوبة الوجه الأول: أن القتل عمداً للمؤمن سبب للخلود في النار، ولكن هذا السبب قد يوجد فيه ما يمنع، فيكون في ذلك تحذير شديد أن يفعل الإنسان هذا الفعل، لأنه سبب للخلود في النار، فإذا فعله كان السبب موجوداً محققاً والمانع غير محقق، قد لا يحصل مانع.