كلمة حول الأحكام الخاصة بصلاة الكسوف . حفظ
الشيخ : الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى توفاه الله عز وجل، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإننا في هذا اليوم الخميس، السادس عشر من شهر جمادى الآخرة، نلتقي وإياكم اللقاء الثالث لهذا الشهر، عام ثلاثة عشر وأربعمائة وألف، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله لقاءً مباركاً نافعاً.
كنا نتكلم في تفسير القرآن الكريم من أول سورة النبأ إلى آخر القرآن، نظراً لكون المسلمين يستمعون إلى هذه السور والآيات كثيراً، لكونها تقرأ في الصلوات، ولكننا هذا اليوم نتكلم عن مناسبة حصلت البارحة ألا وهي كسوف القمر.
والكسوف كما نعلم أمر غير عاديّ، يقدره الله عز وجل إنذاراً للعباد وتخويفاً لهم، وقد وقع في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كسوف الشمس مرة واحدة في السنة العاشرة، في التاسع والعشرين من شهر شوال، وقد وقع هذا الكسوف أول النهار حين ارتفعت قدر رمح أو رمحين، وكان كسوفاً عظيماً، كسوفًا كلياً للشمس حتى صارت كأنها قطعة نحاس، ففزع الناس لذلك فزعاً عظيماً، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً يجرُّ رداءه، قال الراوي: ( يخشى أن تكون الساعة ) ، وأمر صلى الله عليه وسلم أن ينادى لها: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس رجالاً ونساءً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأقام لهذا الكسوف صلاة غريبة، صلاة لا نظير لها في بقية الصلوات، وذلك لأنها أي هذه الصلاة كان لها مناسبة لا نظير لها: الظهر تصلى عند زوال الشمس وهو معتاد، والمغرب عند غروب الشمس وهو معتاد، لكن الكسوف غير معتاد، ولهذا أقام له النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة غير معتادة.
صلاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأصحابه، وجهر فيها بالقراءة، لأن الصلاة صلاة جمع، ولهذا قال العلماء: ينبغي أن يجتمع الناس في صلاة الكسوف في الجوامع، وألا تقام في كل مسجد بل السنة أن يجتمع الناس في الجوامع، لأنه أكثر عدداً وأقرب إلى الإجابة والرحمة، فإنه كلما كثر جمع المسلمين كانوا أقرب إلى رحمة الله، كما جاء في الحديث أن الله سبحانه وتعالى يقول لأهل الموقف في عرفة وهم أكثر ما يكونوا اجتماعًا من أقطار الدنيا من المسلمين يقول: ( انصرفوا مغفورًا لكم ).
اجتمع الناس في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام فقرأ بهم جهراً قراءة طويلة طويلة، حتى كان بعضهم يسقط من قيامه من شدة التعب، أما النبي عليه الصلاة والسلام فلا غرابة أن يقف هذا الوقوف، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم مِن عادته أنه كان يطيل القيام حتى تتورَّم قدماه، بل حتى تتفطَّر قدماه، فيقال له في ذلك، قيقول حين يقال له في ذلك، ويقال له: ( ألم يكن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول عليه الصلاة والسلام: أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً ).
أطال القيام إطالة طويلة، ثم ركع فأطال الركوع إطالة طويلة، ثم رفع فقرأ الفاتحة، ثم قرأ قراءة طويلة طويلة إلا أنها دون الأولى، ثم ركع ركوعاً طويلاً لكنه دون الركوع الأول، ثم رفع وقام بعد الرفع من الركوع بدون قراءة، لكن بحمد وتسبيح وتعظيم لله عز وجل، وأطال هذا القيام بقدر إطالة الركوع، ثم هوى ساجداً صلى الله عليه وآله وسلم، وأطال السجود نحواً من ركوعه، ثم رفع من السجود الأول فقعد وأطال القعود بمقدار إطالة السجود، ثم سجد السجود الثاني وأطال كالسجود الأول، ثم قام إلى الركعة الثانية وصلاها كالأولى، لكنها أقل قراءة وأقل إطالة في الركوع والسجود، ثم انصرف، فقام في الناس خطيباً عليه الصلاة والسلام، وخطب خطبة بليغة قال فيها: ( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد، ولا لحياة أحد )، لأن الحوادث الأرضية ليس لها أثر في الأفلاك، الأفلاك تجري بأمر الله، ولا علاقة لها بما يحدث في الأرض، فهي تتغير بأمر الله عز وجل، لا لفقدانِ عظيم، ولا لوجودِ عظيم.
وقال عليه الصلاة والسلام فيما قال في هذه الخطبة البليغة: أنه عرضت عليه الجنة والنار، عرضت عليه الجنة ورأى ما فيها من النعيم، وتقدم قليلاً ليأخذ منها قطفاً من العنب، وقال: ( لو أني أخذته لبقي لكم ما بقيت الدنيا )، ولكن الله سبحانه وتعالى حال بينه وبينه، لأن الوقت لم يأت بعد، إذ أن نعيم الجنة لا يتنعم به الناس إلا يوم القيامة.
ثم عرضت عليه النار، حتى تقهقر عليه الصلاة والسلام رجع خاف من لفحها، ورأى فيها من يعذب، رأى فيها عمرو بن لُحي الخزاعي يجر قُصبه في النار -أمعاءه والعياذ بالله-، لأنه أول من أدخل الشرك على العرب، فهو أول من أدخل الأصنام وسيَّب السوائب، وأدخل على العرب أنواعاً من الشرك والفسوق، فرآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعذب في نار جهنم.
ورأى فيها امرأة تعذب في هرة حبستها، بسبب حبسها لهذه الهرة لا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض، ولا هي أطعمتها بشراب ومأكول، حتى ماتت الهرة فعذبت بها.
ورأى صلى الله عليه وآله وسلم صاحب المحجن يعذب فيها، صاحب المحجن رجل يسرق الحجاج بمحجنه، والمحجن: عصاً محنية الرأس، لها رأس منحنية، فيمر بالحاج فيخطف متاعه، فإن تفطَّن له قال: هذا الذي جذبه المحجن، وإن لم يُتفطن له سار به وأخذه والعياذ بالله، فرآه يعذب في نار جهنم، وقال عليه الصلاة والسلام في هذه الخطبة: ( يا أمة محمد ما من أحد أغيرُ من الله عز وجل أن يزنيَ عبدُه أو تزنيَ أمتُه ) يعني: أن الله سبحانه وتعالى له غيرة عظيمة، إذا زنا العبد الرجل أو الأمة المرأة، ولهذا حرَّم سبحانه وتعالى الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
ولما نزلت هذه الآية، وهي قوله تعالى: (( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )) قال سعد بن عبادة وكان سيد الخزرج، وكان غيوراً رضي الله عنه، حتى إنه من غَيرته لا يتجاسر أحدٌ أن يتزوج امرأته بعد فراقه لها، فقال: ( يا رسول الله! أرأيتَ إن رأيتُ لُكَع بن لُكَع -وهذا وصف ذم- على امرأتي، أذهب حتى آتي بأربعة شهداء، والله لأضربنه بالسيف غير مصفَّح -يعني: أضربه بحد السيف لا بصفحته يعني فأقتله- فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ألا تعجبون من غَيرة سعد، والله إني لأغيرُ من سعد، وإن الله لأغير مني ) عليه الصلاة والسلام.
فبين عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أن الله يغار من زنا الرجل أو زنا المرأة، وأن ذلك من أسباب سخط الله وعقابه.
وقال في هذه الخطبة العظيمة: ( يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرا ً) يعني: لو أيقنتم كما أوقن لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولكنه ليس عندنا من اليقين ما عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
هذا الكسوف بيَّن النبي عليه الصلاة والسلام في الخطبة أن الله تعالى يُحدث من أمره ما شاء، ومنه الخسوف أو الكسوف، فالخسوف للقمر والكسوف للشمس، وربما قيل الكسوف لهما جميعاً.
يحدث ذلك سبحانه وتعالى ليخوف بذلك عبادَه، فالكسوف إنذار يا إخوان، إنذار من الله لعقوبةٍ انعقدت أسبابها، وليس هو عذاباً لكنه إنذار، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( يخوف الله بهما عباده ) ولم يقل: يعاقب الله بهما عباده، بل هو تخويف، ولا ندري ما وراء هذا التخويف، قد يكون هناك عقوبات عاجلة أو آجلة في الأنفس أو الأموال أو الأولاد أو الأهل، عقوبات عامة أو خاصة ما ندري، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ( إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ) افزعوا، ما قال: قوموا، وما قال: صلوا او اذكروا الله، ولكن قال: افزعوا، افزعوا إلى ذكر الله واستغفاره، وكبروا وتصدقوا وصلوا وأعتقوا، كل هذه أشياء تدل على عظم هذا الكسوف، مع أنه بسبب موت القلوب في عصرنا هذا صار يمر وكأنه أمر طبيعي، كأن كسوف الشمس غروبها فنقوم فنصلي المغرب، تكسف فنقوم فنصلي صلاة الكسوف من غير وجل ولا خوف، نسأل الله أن يلين قلوبنا لذكره.
الحقيقة أن الأمر خطير، وكون الكسوف يأتي ويمضي بهذه السهولة وكأن شيئاً لم يكن، هذا يدل دلالة واضحة على أن القلوب عليها بلاء، (( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ )) نسأل الله أن لا يحجبنا وإياكم عنه.
الطالب : آمين.
الشيخ : (( ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ )).
هذا الكسوف ينقسم فيه الناس إلى قسمين:
قسم يؤمن بما قال الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن ذلك لتخويف العباد، فيحذر ويخاف ويفزع ويلجأ إلى الله عز وجل، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هذا القسم.
قسم آخر يقول: هذه الأمور طبيعية ليس لها أثر، بل الكسوف سببه حيلولة الأرض بين القمر والشمس، فهذا الجزء المظلم من القمر هو ظل الأرض، حيث حالت بينه وبين الشمس كما يكون ظل السحاب على الأرض إذا حال بين الشمس وبين الأرض، يقول: هذا أمر طبيعي، ما هو شيء للتخويف، والدليل على ذلك يقول: إن الناس يعلمون بالخسوف قبل أن يقع، ويحددونه بالساعة والدقيقة ابتداءً وتوسطاً وانتهاءً، إذاً لا حاجة أن نفزع ولا حاجة أن نخاف، وهؤلاء طبع الله على قلوبهم -والعياذ بالله- لم يتفطنوا للوحي، ولم يتفطنوا أن الذي قدَّر هذا السبب هو الله عز وجل، هو الذي قدر هذا السبب.
من يستطيع أن يجعل الأرض تحول بين الشمس والقمر؟! من يستطيع في كسوف الشمس أن يجعل القمر يحول بين الشمس والأرض؟! من يستطيع هذا إلا الله عز وجل؟!
فإذا قدره فإنما يقدره لحكمة، وهي: تخويف العباد، والمؤمن العاقل يستطيع أن يجمع بين السبب الشرعي والسبب الكوني، وذلك أن الكسوف له سببان:
السبب الأول: التخويف تخويف العباد إذا كثرت الذنوب، ورانت المعاصي على القلوب، نسأل الله العافية.
والسبب الثاني: كوني قدري: وهو ما يذكره الناس من أن سبب الكسوف حيلولة القمر بين الشمس والأرض، وسبب الخسوف حيلولة الأرض بين الشمس والقمر، ولا يمتنع أن يجعل الله عز وجل أسباباً طبيعية لتخويف العباد، أرأيتم الصواعق والفيضانات، هل لها أسباب كونية قدرية؟
الجواب: نعم، لها أسباب كونية قدرية، لكن من الذي خلق هذه الأسباب؟
الله عز وجل خلقها يخوف الله العباد: (( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ )).
إذاً: علينا أن تكون قلوبنا واسعة، تسع السبب الكوني وهو القدري، والسبب الشرعي، ونقول: يقدر الله تعالى هذه الأسباب من أجل أن يخوف العباد.
في صلاة الكسوف عدة مسائل:
المسألة الأولى: لماذا جُعلت الصلاة على هذا الوصف، ولم تكن كالصلوات الأخرى؟ لماذا؟ كان فيها ركوعان في ركعة واحدة؟
نقول: لأنها ليس سببها أمراً معتاداً حتى تكون كالصلاة المعتادة، غروب الشمس سبب لصلاة المغرب، تصلي المغرب على عادتك لكن هذا سبب غير معتاد، آية من آيات الله، فناسب أن تكون الصلاة على غير الوجه المعتاد لتكون أيضاً آية من آيات الله، لكن الصلاة آية شرعية والكسوف آية كونية شرعية.
طيب ثانياً: لماذا يجهر في صلاة الكسوف إذا وقعت نهاراً؟
لأنها صلاةٌ جامعة، ونحن نرى أن الصلوات الجامعة النهارية تكون قراءتها جهرية، الجمعة صلاة نهارية، يجهر فيها بالقراءة، لماذا؟
لأنها جامعة، العيد صلاة نهارية يجهر فيها بالقراءة لأنها جامعة، الاستسقاء كذلك، لهذا نقول: صارت صلاتها جهرية لأنها صلاة جامعة.
أيضًا نسأل: أين تشرع هذه الصلاة هل هي في كل مسجد؟
الجواب: في الجوامع، هذا هو الأفضل، لكن لو فرض أن الناس تكاسلوا وصلى كل إنسان في مسجده فلا بأس، لكن الأفضل أن تكون في الجامع كما ذكر ذلك أهل العلم، وكما هو ظاهر السنة، حيث أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ينادى لها: ( الصلاة جامعة، فاجتمع الناس ).
ومنها أيضًا: هل تطال هذه الصلاة، أو لماذا تطال هذه الصلاة في القراءة وفي الركوع والسجود والقيام والقعود؟ لماذا؟
لأنها صلاة رهبة يحتاج الإنسان فيها إلى الرجوع إلى الله عز وجل والتوبة، وأيضاً فإن الكسوف قد تطول مدته، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( صلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم )، ورسول الله عليه الصلاة والسلام في صلاة الكسوف بقي حتى تجلت الشمس، فما انصرف من صلاته إلا وقد تجلت، وقد ذكرنا في أول كلامنا أن الكسوف الذي وقع في عهده كان كسوفاً كلياً للشمس، وهذا في العادة يستغرق وقتاً طويلاً، وقد ذكرت لكم أن بعض الصحابة يقع من التعب والإرهاق من طول القراءة.
إذاً: تطال لأن الغالب أن زمن الكسوف يطول، فإذا قُدِّر أننا لم نعلم بالكسوف إلا حين بدأ بالتجلي، وهو إذا بدأ بالتجلي أحياناً يسرع ينجلي سريعاً فهل نصلي أو لا نصلي؟
الجواب: نصلي، وإذا تجلت الشمس أو القمر ونحن نصلي خففنا الصلاة، خففنا الصلاة لأنها صلاة ذات سبب تتقيد بقدرها، فإن لم نعلم بالكسوف إلا بعد أن تجلت نهائياً فهل نقضيها؟
لا، لا نقضيها، لأن هذه الصلاة لسبب زال، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ( صلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم ) .
ومن المسائل التي ترد على صلاة الكسوف: أن فيها ركوعين في كل ركعة، فهل إذا جاء رجل مسبوق ودخل مع الإمام بعد الركوع الأول هل يكون مدركاً للركعة؟
الجواب: لا، لأن الركعة لا تدرك إلا بإدراك الركوع الأول، فلو جئت والإمام في الركعة الأولى وقد رفع من الركوع الأول فقد فاتتك الركعة الأولى، فإذا سلم تقوم وتقضي ركعة كاملة بركوعين وسجودين، لأن إدراك الركعة في صلاة الكسوف لا يكون إلا بإدراك الركوع الأول، وهذه مسألة تخفى على كثير من الناس، كثير من الناس إذا أدركوا الركوع الثاني ظن أنهم أدركوا الركعة وليس كذلك، لأنه بقي عليه ركوع في الركعة، كيف تكون مدركاً للركعة وأنت قد فاتك الركوع؟!
ومما يسأل عنه: هل الخطبة في صلاة الكسوف من الخطب الراتبة أو من الخطب العارضة؟ نعم؟
الطالب : العارضة .
الشيخ : لو أن الكسوف وقع في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام مرتين أو ثلاثاً، فخطب في إحدى المرات، وترك في إحدى المرات، قلنا: هذه من الخطب العارضة، لأنه فعل وترك، لكنه لم يقع إلا مرة واحدة وخطب، ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله، هل هي من الخطب الراتبة، بحيث نقول: يشرع للإمام أن يخطب في الناس على كل حال، أو هي من الخطب العارضة التي إن شاء قام بها وإن شاء لم يقم؟
والذي يتبين لي أنها من الخطب الراتبة، وأنه يسن لكل مصل عنده قدرة أن يخطب الناس، لما في ذلك من إثارة الشعور، وبيان عظم هذا الحادث حتى لا ينصرف الناس عن هذا المكان بدون موعظة، فالذي أراه أنها من الخطب الراتبة التي تسن بكل حال، كلما صلى صلاة الكسوف وكان الإمام عنده قدرة فليتكلم في الناس ويعظهم، فإن لم يقدر وكان في القوم من هو قادر فليطلب منه ويقول: يا فلان قم حدثنا، فيحدث الناس بمثل ما حدثهم به النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن المسائل التي ترد على صلاة الكسوف أنه: إذا أذن لها هل يكبر ويتشهد؟
الجواب: لا، بل يقول: الصلاة جامعة. وكم يكررها؟
يكررها ثلاثاً أو أربعاً، أو خمساً، ولكن الأفضل أن يقطعها على وتر، ويكررها بحسب الحاجة، فمثلاً إذا وقع الكسوف في وقت الناس مستيقظون منتبهون فهنا لا يحتاج إلى تكرار طويل، لأن الناس مستيقظون ومنتبهون، لكن إذا وقع في أثناء الليل كما في كسوف القمر البارحة، فإنه يكرر حتى يغلب على ظنه أنه قد أبلغ، لأن الناس نائمون، وفي الغالب أنهم في أيام الشتاء يكونون في الحجر مغلقة عليهم فلا يسمعون، فتكرار النداء لصلاة الكسوف بحسب الحاجة، إن احتاجوا إلى التكرار الكثير فعل وإلا فلا.
ولعلنا نقتصر على ما ذكرنا لئلا يطول بنا الوقت مما يتعلق بأحكام صلاة الكسوف، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يتعظ بآيات الله، وينتفع بها، وأن يحيينا وإياكم حياة طيبة، ويتوفانا على الإيمان ويجعلنا من عباده المخلصين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإننا في هذا اليوم الخميس، السادس عشر من شهر جمادى الآخرة، نلتقي وإياكم اللقاء الثالث لهذا الشهر، عام ثلاثة عشر وأربعمائة وألف، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله لقاءً مباركاً نافعاً.
كنا نتكلم في تفسير القرآن الكريم من أول سورة النبأ إلى آخر القرآن، نظراً لكون المسلمين يستمعون إلى هذه السور والآيات كثيراً، لكونها تقرأ في الصلوات، ولكننا هذا اليوم نتكلم عن مناسبة حصلت البارحة ألا وهي كسوف القمر.
والكسوف كما نعلم أمر غير عاديّ، يقدره الله عز وجل إنذاراً للعباد وتخويفاً لهم، وقد وقع في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كسوف الشمس مرة واحدة في السنة العاشرة، في التاسع والعشرين من شهر شوال، وقد وقع هذا الكسوف أول النهار حين ارتفعت قدر رمح أو رمحين، وكان كسوفاً عظيماً، كسوفًا كلياً للشمس حتى صارت كأنها قطعة نحاس، ففزع الناس لذلك فزعاً عظيماً، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً يجرُّ رداءه، قال الراوي: ( يخشى أن تكون الساعة ) ، وأمر صلى الله عليه وسلم أن ينادى لها: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس رجالاً ونساءً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأقام لهذا الكسوف صلاة غريبة، صلاة لا نظير لها في بقية الصلوات، وذلك لأنها أي هذه الصلاة كان لها مناسبة لا نظير لها: الظهر تصلى عند زوال الشمس وهو معتاد، والمغرب عند غروب الشمس وهو معتاد، لكن الكسوف غير معتاد، ولهذا أقام له النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة غير معتادة.
صلاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأصحابه، وجهر فيها بالقراءة، لأن الصلاة صلاة جمع، ولهذا قال العلماء: ينبغي أن يجتمع الناس في صلاة الكسوف في الجوامع، وألا تقام في كل مسجد بل السنة أن يجتمع الناس في الجوامع، لأنه أكثر عدداً وأقرب إلى الإجابة والرحمة، فإنه كلما كثر جمع المسلمين كانوا أقرب إلى رحمة الله، كما جاء في الحديث أن الله سبحانه وتعالى يقول لأهل الموقف في عرفة وهم أكثر ما يكونوا اجتماعًا من أقطار الدنيا من المسلمين يقول: ( انصرفوا مغفورًا لكم ).
اجتمع الناس في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام فقرأ بهم جهراً قراءة طويلة طويلة، حتى كان بعضهم يسقط من قيامه من شدة التعب، أما النبي عليه الصلاة والسلام فلا غرابة أن يقف هذا الوقوف، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم مِن عادته أنه كان يطيل القيام حتى تتورَّم قدماه، بل حتى تتفطَّر قدماه، فيقال له في ذلك، قيقول حين يقال له في ذلك، ويقال له: ( ألم يكن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول عليه الصلاة والسلام: أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً ).
أطال القيام إطالة طويلة، ثم ركع فأطال الركوع إطالة طويلة، ثم رفع فقرأ الفاتحة، ثم قرأ قراءة طويلة طويلة إلا أنها دون الأولى، ثم ركع ركوعاً طويلاً لكنه دون الركوع الأول، ثم رفع وقام بعد الرفع من الركوع بدون قراءة، لكن بحمد وتسبيح وتعظيم لله عز وجل، وأطال هذا القيام بقدر إطالة الركوع، ثم هوى ساجداً صلى الله عليه وآله وسلم، وأطال السجود نحواً من ركوعه، ثم رفع من السجود الأول فقعد وأطال القعود بمقدار إطالة السجود، ثم سجد السجود الثاني وأطال كالسجود الأول، ثم قام إلى الركعة الثانية وصلاها كالأولى، لكنها أقل قراءة وأقل إطالة في الركوع والسجود، ثم انصرف، فقام في الناس خطيباً عليه الصلاة والسلام، وخطب خطبة بليغة قال فيها: ( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد، ولا لحياة أحد )، لأن الحوادث الأرضية ليس لها أثر في الأفلاك، الأفلاك تجري بأمر الله، ولا علاقة لها بما يحدث في الأرض، فهي تتغير بأمر الله عز وجل، لا لفقدانِ عظيم، ولا لوجودِ عظيم.
وقال عليه الصلاة والسلام فيما قال في هذه الخطبة البليغة: أنه عرضت عليه الجنة والنار، عرضت عليه الجنة ورأى ما فيها من النعيم، وتقدم قليلاً ليأخذ منها قطفاً من العنب، وقال: ( لو أني أخذته لبقي لكم ما بقيت الدنيا )، ولكن الله سبحانه وتعالى حال بينه وبينه، لأن الوقت لم يأت بعد، إذ أن نعيم الجنة لا يتنعم به الناس إلا يوم القيامة.
ثم عرضت عليه النار، حتى تقهقر عليه الصلاة والسلام رجع خاف من لفحها، ورأى فيها من يعذب، رأى فيها عمرو بن لُحي الخزاعي يجر قُصبه في النار -أمعاءه والعياذ بالله-، لأنه أول من أدخل الشرك على العرب، فهو أول من أدخل الأصنام وسيَّب السوائب، وأدخل على العرب أنواعاً من الشرك والفسوق، فرآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعذب في نار جهنم.
ورأى فيها امرأة تعذب في هرة حبستها، بسبب حبسها لهذه الهرة لا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض، ولا هي أطعمتها بشراب ومأكول، حتى ماتت الهرة فعذبت بها.
ورأى صلى الله عليه وآله وسلم صاحب المحجن يعذب فيها، صاحب المحجن رجل يسرق الحجاج بمحجنه، والمحجن: عصاً محنية الرأس، لها رأس منحنية، فيمر بالحاج فيخطف متاعه، فإن تفطَّن له قال: هذا الذي جذبه المحجن، وإن لم يُتفطن له سار به وأخذه والعياذ بالله، فرآه يعذب في نار جهنم، وقال عليه الصلاة والسلام في هذه الخطبة: ( يا أمة محمد ما من أحد أغيرُ من الله عز وجل أن يزنيَ عبدُه أو تزنيَ أمتُه ) يعني: أن الله سبحانه وتعالى له غيرة عظيمة، إذا زنا العبد الرجل أو الأمة المرأة، ولهذا حرَّم سبحانه وتعالى الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
ولما نزلت هذه الآية، وهي قوله تعالى: (( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )) قال سعد بن عبادة وكان سيد الخزرج، وكان غيوراً رضي الله عنه، حتى إنه من غَيرته لا يتجاسر أحدٌ أن يتزوج امرأته بعد فراقه لها، فقال: ( يا رسول الله! أرأيتَ إن رأيتُ لُكَع بن لُكَع -وهذا وصف ذم- على امرأتي، أذهب حتى آتي بأربعة شهداء، والله لأضربنه بالسيف غير مصفَّح -يعني: أضربه بحد السيف لا بصفحته يعني فأقتله- فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ألا تعجبون من غَيرة سعد، والله إني لأغيرُ من سعد، وإن الله لأغير مني ) عليه الصلاة والسلام.
فبين عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أن الله يغار من زنا الرجل أو زنا المرأة، وأن ذلك من أسباب سخط الله وعقابه.
وقال في هذه الخطبة العظيمة: ( يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرا ً) يعني: لو أيقنتم كما أوقن لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولكنه ليس عندنا من اليقين ما عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
هذا الكسوف بيَّن النبي عليه الصلاة والسلام في الخطبة أن الله تعالى يُحدث من أمره ما شاء، ومنه الخسوف أو الكسوف، فالخسوف للقمر والكسوف للشمس، وربما قيل الكسوف لهما جميعاً.
يحدث ذلك سبحانه وتعالى ليخوف بذلك عبادَه، فالكسوف إنذار يا إخوان، إنذار من الله لعقوبةٍ انعقدت أسبابها، وليس هو عذاباً لكنه إنذار، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( يخوف الله بهما عباده ) ولم يقل: يعاقب الله بهما عباده، بل هو تخويف، ولا ندري ما وراء هذا التخويف، قد يكون هناك عقوبات عاجلة أو آجلة في الأنفس أو الأموال أو الأولاد أو الأهل، عقوبات عامة أو خاصة ما ندري، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ( إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ) افزعوا، ما قال: قوموا، وما قال: صلوا او اذكروا الله، ولكن قال: افزعوا، افزعوا إلى ذكر الله واستغفاره، وكبروا وتصدقوا وصلوا وأعتقوا، كل هذه أشياء تدل على عظم هذا الكسوف، مع أنه بسبب موت القلوب في عصرنا هذا صار يمر وكأنه أمر طبيعي، كأن كسوف الشمس غروبها فنقوم فنصلي المغرب، تكسف فنقوم فنصلي صلاة الكسوف من غير وجل ولا خوف، نسأل الله أن يلين قلوبنا لذكره.
الحقيقة أن الأمر خطير، وكون الكسوف يأتي ويمضي بهذه السهولة وكأن شيئاً لم يكن، هذا يدل دلالة واضحة على أن القلوب عليها بلاء، (( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ )) نسأل الله أن لا يحجبنا وإياكم عنه.
الطالب : آمين.
الشيخ : (( ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ )).
هذا الكسوف ينقسم فيه الناس إلى قسمين:
قسم يؤمن بما قال الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن ذلك لتخويف العباد، فيحذر ويخاف ويفزع ويلجأ إلى الله عز وجل، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هذا القسم.
قسم آخر يقول: هذه الأمور طبيعية ليس لها أثر، بل الكسوف سببه حيلولة الأرض بين القمر والشمس، فهذا الجزء المظلم من القمر هو ظل الأرض، حيث حالت بينه وبين الشمس كما يكون ظل السحاب على الأرض إذا حال بين الشمس وبين الأرض، يقول: هذا أمر طبيعي، ما هو شيء للتخويف، والدليل على ذلك يقول: إن الناس يعلمون بالخسوف قبل أن يقع، ويحددونه بالساعة والدقيقة ابتداءً وتوسطاً وانتهاءً، إذاً لا حاجة أن نفزع ولا حاجة أن نخاف، وهؤلاء طبع الله على قلوبهم -والعياذ بالله- لم يتفطنوا للوحي، ولم يتفطنوا أن الذي قدَّر هذا السبب هو الله عز وجل، هو الذي قدر هذا السبب.
من يستطيع أن يجعل الأرض تحول بين الشمس والقمر؟! من يستطيع في كسوف الشمس أن يجعل القمر يحول بين الشمس والأرض؟! من يستطيع هذا إلا الله عز وجل؟!
فإذا قدره فإنما يقدره لحكمة، وهي: تخويف العباد، والمؤمن العاقل يستطيع أن يجمع بين السبب الشرعي والسبب الكوني، وذلك أن الكسوف له سببان:
السبب الأول: التخويف تخويف العباد إذا كثرت الذنوب، ورانت المعاصي على القلوب، نسأل الله العافية.
والسبب الثاني: كوني قدري: وهو ما يذكره الناس من أن سبب الكسوف حيلولة القمر بين الشمس والأرض، وسبب الخسوف حيلولة الأرض بين الشمس والقمر، ولا يمتنع أن يجعل الله عز وجل أسباباً طبيعية لتخويف العباد، أرأيتم الصواعق والفيضانات، هل لها أسباب كونية قدرية؟
الجواب: نعم، لها أسباب كونية قدرية، لكن من الذي خلق هذه الأسباب؟
الله عز وجل خلقها يخوف الله العباد: (( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ )).
إذاً: علينا أن تكون قلوبنا واسعة، تسع السبب الكوني وهو القدري، والسبب الشرعي، ونقول: يقدر الله تعالى هذه الأسباب من أجل أن يخوف العباد.
في صلاة الكسوف عدة مسائل:
المسألة الأولى: لماذا جُعلت الصلاة على هذا الوصف، ولم تكن كالصلوات الأخرى؟ لماذا؟ كان فيها ركوعان في ركعة واحدة؟
نقول: لأنها ليس سببها أمراً معتاداً حتى تكون كالصلاة المعتادة، غروب الشمس سبب لصلاة المغرب، تصلي المغرب على عادتك لكن هذا سبب غير معتاد، آية من آيات الله، فناسب أن تكون الصلاة على غير الوجه المعتاد لتكون أيضاً آية من آيات الله، لكن الصلاة آية شرعية والكسوف آية كونية شرعية.
طيب ثانياً: لماذا يجهر في صلاة الكسوف إذا وقعت نهاراً؟
لأنها صلاةٌ جامعة، ونحن نرى أن الصلوات الجامعة النهارية تكون قراءتها جهرية، الجمعة صلاة نهارية، يجهر فيها بالقراءة، لماذا؟
لأنها جامعة، العيد صلاة نهارية يجهر فيها بالقراءة لأنها جامعة، الاستسقاء كذلك، لهذا نقول: صارت صلاتها جهرية لأنها صلاة جامعة.
أيضًا نسأل: أين تشرع هذه الصلاة هل هي في كل مسجد؟
الجواب: في الجوامع، هذا هو الأفضل، لكن لو فرض أن الناس تكاسلوا وصلى كل إنسان في مسجده فلا بأس، لكن الأفضل أن تكون في الجامع كما ذكر ذلك أهل العلم، وكما هو ظاهر السنة، حيث أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ينادى لها: ( الصلاة جامعة، فاجتمع الناس ).
ومنها أيضًا: هل تطال هذه الصلاة، أو لماذا تطال هذه الصلاة في القراءة وفي الركوع والسجود والقيام والقعود؟ لماذا؟
لأنها صلاة رهبة يحتاج الإنسان فيها إلى الرجوع إلى الله عز وجل والتوبة، وأيضاً فإن الكسوف قد تطول مدته، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( صلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم )، ورسول الله عليه الصلاة والسلام في صلاة الكسوف بقي حتى تجلت الشمس، فما انصرف من صلاته إلا وقد تجلت، وقد ذكرنا في أول كلامنا أن الكسوف الذي وقع في عهده كان كسوفاً كلياً للشمس، وهذا في العادة يستغرق وقتاً طويلاً، وقد ذكرت لكم أن بعض الصحابة يقع من التعب والإرهاق من طول القراءة.
إذاً: تطال لأن الغالب أن زمن الكسوف يطول، فإذا قُدِّر أننا لم نعلم بالكسوف إلا حين بدأ بالتجلي، وهو إذا بدأ بالتجلي أحياناً يسرع ينجلي سريعاً فهل نصلي أو لا نصلي؟
الجواب: نصلي، وإذا تجلت الشمس أو القمر ونحن نصلي خففنا الصلاة، خففنا الصلاة لأنها صلاة ذات سبب تتقيد بقدرها، فإن لم نعلم بالكسوف إلا بعد أن تجلت نهائياً فهل نقضيها؟
لا، لا نقضيها، لأن هذه الصلاة لسبب زال، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ( صلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم ) .
ومن المسائل التي ترد على صلاة الكسوف: أن فيها ركوعين في كل ركعة، فهل إذا جاء رجل مسبوق ودخل مع الإمام بعد الركوع الأول هل يكون مدركاً للركعة؟
الجواب: لا، لأن الركعة لا تدرك إلا بإدراك الركوع الأول، فلو جئت والإمام في الركعة الأولى وقد رفع من الركوع الأول فقد فاتتك الركعة الأولى، فإذا سلم تقوم وتقضي ركعة كاملة بركوعين وسجودين، لأن إدراك الركعة في صلاة الكسوف لا يكون إلا بإدراك الركوع الأول، وهذه مسألة تخفى على كثير من الناس، كثير من الناس إذا أدركوا الركوع الثاني ظن أنهم أدركوا الركعة وليس كذلك، لأنه بقي عليه ركوع في الركعة، كيف تكون مدركاً للركعة وأنت قد فاتك الركوع؟!
ومما يسأل عنه: هل الخطبة في صلاة الكسوف من الخطب الراتبة أو من الخطب العارضة؟ نعم؟
الطالب : العارضة .
الشيخ : لو أن الكسوف وقع في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام مرتين أو ثلاثاً، فخطب في إحدى المرات، وترك في إحدى المرات، قلنا: هذه من الخطب العارضة، لأنه فعل وترك، لكنه لم يقع إلا مرة واحدة وخطب، ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله، هل هي من الخطب الراتبة، بحيث نقول: يشرع للإمام أن يخطب في الناس على كل حال، أو هي من الخطب العارضة التي إن شاء قام بها وإن شاء لم يقم؟
والذي يتبين لي أنها من الخطب الراتبة، وأنه يسن لكل مصل عنده قدرة أن يخطب الناس، لما في ذلك من إثارة الشعور، وبيان عظم هذا الحادث حتى لا ينصرف الناس عن هذا المكان بدون موعظة، فالذي أراه أنها من الخطب الراتبة التي تسن بكل حال، كلما صلى صلاة الكسوف وكان الإمام عنده قدرة فليتكلم في الناس ويعظهم، فإن لم يقدر وكان في القوم من هو قادر فليطلب منه ويقول: يا فلان قم حدثنا، فيحدث الناس بمثل ما حدثهم به النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن المسائل التي ترد على صلاة الكسوف أنه: إذا أذن لها هل يكبر ويتشهد؟
الجواب: لا، بل يقول: الصلاة جامعة. وكم يكررها؟
يكررها ثلاثاً أو أربعاً، أو خمساً، ولكن الأفضل أن يقطعها على وتر، ويكررها بحسب الحاجة، فمثلاً إذا وقع الكسوف في وقت الناس مستيقظون منتبهون فهنا لا يحتاج إلى تكرار طويل، لأن الناس مستيقظون ومنتبهون، لكن إذا وقع في أثناء الليل كما في كسوف القمر البارحة، فإنه يكرر حتى يغلب على ظنه أنه قد أبلغ، لأن الناس نائمون، وفي الغالب أنهم في أيام الشتاء يكونون في الحجر مغلقة عليهم فلا يسمعون، فتكرار النداء لصلاة الكسوف بحسب الحاجة، إن احتاجوا إلى التكرار الكثير فعل وإلا فلا.
ولعلنا نقتصر على ما ذكرنا لئلا يطول بنا الوقت مما يتعلق بأحكام صلاة الكسوف، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يتعظ بآيات الله، وينتفع بها، وأن يحيينا وإياكم حياة طيبة، ويتوفانا على الإيمان ويجعلنا من عباده المخلصين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.