الحج نوع من الجهاد في سبيل الله وهو عبادة لله تعالى وبيان منزلة الحج وخطأ من يؤرخ بالتاريخ الميلادي. حفظ
الشيخ : إننا نذكركم نعمة الله سبحانه وتعالى على الحجاج في هذا العام فإن هذا العام ولله الحمد من أيسر الأعوام لا بالنسبة للسير ولا بالنسبة لتهيئة المشاعر ولا بالنسبة للجو اللطيف الذي لم يكن فيه المشقة .
ونذكركم أيضًا بأن الحج نوع من الجهاد في سبيل الله لابد فيه من المشقة ، وكثير من المترفين التالفين إذا رأووا أدنى مشقة عليهم خرجوا من النّسك وتحللوا منه ورجعوا إلى بلادهم وكأنهم يريدون أن يكون النسك نزهة كما يخرجون إلى المنتزهات والأودية والرمال ورؤوس الجبال وهذا من سفههم .
فإن الحج نوع من الجهاد في سبيل الله كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها يا رسول الله هل على النساء جهاد قال ( نعم جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة ) وقد أشار الله إلى ذلك في كتابه حيث قال عز وجل (( وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين وأتموا الحج والعمرة لله )) .
ولهذا كان من شرع في الحج أو العمرة ولو كانا نفلا لزمه إتمامها كما أن من شرع في الجهاد والتقى الصفان فإنه لا يحل له أن يفر لقول الله تبارك وتعالى (( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا للقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير )).
كما أذكركم مرة ثالثة بأن الحج عبادة عبادة عظيمة مسؤولية كبيرة لا يجوز للإنسان أن يتهاون بها بحيث يخرج إليها وهو لا يعلم شيئًا عن واجباتها وأركانها ومحظوراتها لأنه يخطئ فإذا أخطأ ثم عاد يسأل عن هذا الخطأ بعد أن وقع ربما يكون خطأ لا يمكن تلافيه .
ونضرب لهذا مثلا : بعض الناس لما رأى الزحام في المطاف صار يدخل ما بين الحجر والكعبة لأنه أقصر وأسهل وهذا لا شك أنه خطأ .
لأن الإنسان إذا فعل ذلك فإن شوطه الذي حصلت فيه هذه المخالفة غير صحيح وإن كان هذا العام كما ذكر لي قد وضع المسؤولون على باب الحِجر من الناحية الشرقية قد وضعوا عليه شبَّاكًا بحيث لا يتجاوزه أحد ولكن ربما يكون هناك غفلة من بعض الناس فيزيح هذا الشباك ويدخل .
فالمهم أن يحتاط الإنسان لهذا النسك قبل أن يدخل فيه وأن يحتاط لهذا النسك بعد الدخول فيه بحيث إذا وقع في شيء يرى أنه مخالف يبادر بالسؤال عنه ما دام في مكة يسهل عليه تلافي الموضوع وتكميل النسك .
ولا يسأل إلا من يطمئن إلى علمه وأمانته كما أن المريض لا يذهب إلا أي شخص كان ليعالجه بل لا يذهب إلا إلى من يرجو منه المعالجة الصحيحة السليمة فكذلك في مسائل العبادة لا ينبغي للإنسان أن يسأل بل ولا يجوز له أن يسأل إلا من يعلم أو يغلب على ظنه أنه أهلٌ للإجابة لكونه يعرف أنه عالم وأنه أمين وأنه ثقة حتى يكون على بصيرة من أمره .
وما أكثر الذين يبلغنا عنهم إجابات إجابات في الحج والعمرة لا أساس لها لا من السنة ولا من أقوال أهل العلم بل هي خطأ محض لكن العامي كالغريق يتشبث بكل شيء فإذا وجد من يرى أنهم من أهل العلم إما لهيئته أو لباسه أو ما أشبه ذلك ذهب يسأله مع أنه جاهل فيضله كل هذه المسائل يجب على الإنسان أن يلاحظها لا في الحج فقط بل في الحج والصيام والزكاة والصلاة والطهارة وغيرها حتى يعبد الله تعالى على بصيرة .
ثم إن المسلمين حين كثروا وانتشروا في الأرض وحدثت لهم معاملات وأحوال غير الحال الأولى احتاجوا إلى أن يجعلوا تاريخا يمشون عليه وكان ذلك في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فمنهم من قال نبتدئ التاريخ أي السنة من ربيع الأول لأنه الشهر الذي أنزل فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي أول ما نزل ولأنه الشهر الذي هاجر فيه النبي صلى الله عليه وسلم ووصل إلى المدينة وكوّن الدولة والأمة .
ولكن استقر الرأي على أن يكون أول السنة شهر المحرم لأنه حين ينتهي الناس من موسم الحج وينصرف منه والحج كما نعلم هو الركن الخامس من أركان الإسلام فيكون المسلمون قد أنهوا هذا الركن العظيم واستراحوا بعده ولاسيما فيما سبق من الزمن حيث يتعبون في الوصول إلى مكة وفي الرجوع منها فرأوا أن ابتداء السنة يكون من شهر المحرم وهذا الرأي رأي موفق وسديد .
ولا ينبغي لنا نحن معشر المسلمين أن نتحول عنه إلى تاريخ الأمة الكافرة التي تبني ميقاتها على أشهر وهمية ليس لها أصل وإنما هي اصطلاحية فقط .
ثم ينبغي لنا أيضا ألا نعتبر السنوات الميلادية لأن لدينا السنوات الهجرية التي هي رمز عزتنا وقوتنا وكرامتنا .
وإننا لنأسف أن بعض الناس اليوم وهم قلة ذهبوا يؤرخون بالتاريخ الميلادي وتنكبوا عن تاريخهم الهجري الإسلامي الذي وضعه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه واتفق عليه المسلمون ولم يجد أحدا من العلماء يؤرخ فيما سبق بالتاريخ الميلادي أبدا إنما يؤرخون بالتاريخ الهجري .
تولى الخلافة سنة كذا وكذا يعني من الهجرة وولد العالم الفلاني في سنة كذا توفي في سنة كذا حصل كذا وكذا في التاريخ الهجري الذي وضعه الخليفة الثاني الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهذه كتبهم الآن تجد الإنسان إذا انتهى من المؤلف قال انتهى تأليفه في يوم كذا بشهر كذا بسنة كذا كله بالهجرية .
لكن دخلت الميلادية على المسلمين لما استعمر النصارى بلاد المسلمين في الشام ومصر والعراق لما استولوا عليها وصارت لهم الغلبة صارت لهم السيطرة لأن العادة والطبيعة والفطرة تقتضي أن المغلوب يقلّد الغالب فلهذا أخذوا بهذا التاريخ لكن هذه الدولة باعتبارها دولة قد جعلت تاريخها كما في نظام الحكم الصادر تاريخها والتاريخ الهجري .
وهذا لا شك أنه خير لكن نأسف لبعض الناس الذين تنكبوا هذا وصاروا يؤرخون بالتاريخ الميلادي مع أن نظام الدولة أن تاريخها هو التاريخ الهجري بل نظام الأمة الإسلامية منذ وضع هذا التاريخ في عهد عمر إلى يومنا هذا فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم اتباع سلفنا الصالح عقيدة ومنهاجا وأخلاقا وآدابا ومعاملة إنه على كل شيء قدير والحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين الآن نبدأ بالأسئلة تقرأ علينا