بيان استحلال المعاصي وبيان للشرك وبعض الكبائر . حفظ
الشيخ : و إنما مما يجب ذكره و بيانه في هذه المناسبة أن إستحلال المحارم المهلك يكون على وجهين إثنين الأول إرتكاب المحارم مع العلم بحرمتها و هذا أمر مشاهد فاش مع الأسف الشديد بين المسلمين اليوم بكل أشكاله و أنواعه حتى الكبائر ألا و هو الإشراك بالله عزّ و جلّ الذي يتجلّى واضحا في بعض الجماعات أو الأفراد الذين ينادون غير الله عزّ و جلّ في الشدائد و يستغيثون بغير الله و ينذرون و يذبحون لغير الله فضلا عن أنّ أكثرهم يحلفون بغير الله كل هذه من الشرك من أنواع الشرك الفاشية اليوم بين المسلمين و أكثرهم لا أقول أكثر عامّتهم بل أقول أكثر خاصّتهم يدندنون حول التحذير من هذه الأنواع من الشركيات و الوثنيات هذا أكبر الكبائر كما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة الإشراك بالله عزّ و جلّ ومنها قتل النفس بغير حقّ و عقوق الوالدين و أكل الربا ما أدراكم ما أكل الربا فقد انتشر أيضا في هذا الزمان بسبب قيام ما يسمونه بالبنوك و كذلك من الكبائر شرب الخمر و تبرّج النساء و بناء المساجد على القبور و غيرها كثير و كثير و القسم الآخر من المحارم المحرمة إرتكابها دون معرفة حكمها أو حرمتها وذلك للجهل بها وهذا بلا شكّ شر منتشر أيضا بين كثير من المسلمين و إما بإستحلالها بطريق الإحتيال عليها على نحو إحتيال اليهود على صيد السمك المذكور في القرآن كما هو معلوم مشهور و كإحتيالهم على أكلهم الشحوم كما في قوله صلى الله عليه و آله و سلم في الحديث الصحيح ( لعن اليهود حرّمت عليهم الشحوم فجملوها ثمّ باعوها و أكلوا أثمانها و إن الله إذا حرّم أكل شيء حرّم ثمنه ) هذا الحديث هو من الأحاديث التي قلّ ما نسمعها من ألسنة الخطباء و الوعّاظ وهو من الأحاديث المهمّة جدّا جدّا التي تحذّر المسلمين أن يقعوا في ما وقع فيه اليهود من قبلهم و حذرهم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم من أن يقعوا في مثل ما وقعوا هم فيه في الحديث الذي أخرجه البخاري و غيره في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ( لا تتبعنّ سنن من قبلكم شبرا بشبر و ذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه ) قالوا " يا رسول الله اليهود و النصارى ؟ " قال ( فمن ) أو قال ( فمن الناس ) و أقول محذّرا و هذا النوع من الإرتكاب و الإستحلال لما حرّم الله عزّ و جلّ بأدنى الحيل فيه كثير من المسلمين في بعض معاملاتهم وعقودهم من أشهر ذلك نكاح التحليل الملعون فاعله في السّنّة الصحيحة بقوله صلى الله عليه و آله و سلّم ( لعن المحلّل و المحلَّلَ له ) و مع ذلك فلا يزال في المسلمين اليوم بعض المتفقّهة يجيزن نكاح التحليل رغم لعن النبي صلى الله عليه و آله و سلم فاعله كمثل ما سمعتم آنفا و كذلك مما فشى في العصر الحاضر هو التقسيط بزيادة في الثمن على ثمن بيع النقد وكذلك بيع العينة المنتشر في بعض البلاد الإسلامية و آسف أن أقول و لا يتسع المجال الآن لشرح ذلك كلّه و إنما أرت أن أذكر الإخوان بحديث يناسب المقام ألا وهو قوله عليه الصلاة و السلام ( إذا تبايعتم بالعينة و أخذتم أذناب البقر و رضيتم بالزّرع و تركتم الجهاد في سبيل الله سلّط الله عليكم ذلاّ لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) ففي هذا الحيث بيان واضح جدّا لبعض الأدواء و الأمراض الناتجة من حب الدنيا و هو التكالب عليها و الإنغماس في الأخذ بأسباب جمع المال الذي يترتب منه ما هو واقع الآن المسلمين اليوم مما ذكره عليه الصلاة و السلام في هذا الحديث عطفا على داء التبايع بالعينة و الأخذ بأذناب البقر و الرضى بالزرع فقال عليه الصلاة و السلام ( و تركتم الجهاد في سبيل الله عز و جل ) فترك الجهاد الذي أصبح عاما اليوم يشمل مع الأسف الشديد كل الدول العربية و الإسلامية رغم كونها عندها من وسائل الجهاد و القتال ما لا تملكه الشعوب المسلمة المتحمّسة للدفاع عن بلادها و عن أراضيها بل و عن أعراضها كان هذا كنتيجة طبيعية سنّة الله عزّ و جلّ (( و لن تجد لسنّة الله تبديلا )) أن يقعوا في مثل هذه المخالفات و الاستحلال لما حرّم الله عزّ و جلّ كان أمرا طبيعيا أن يسلّط الله عليهم ذلاّ هذا الذل الذي نراه قد ران على بلاد المسلمين كافة و لو أنهم كانوا في الظاهر أحرارا و لكنهم مع الأسف الشديد لا يستطيعون أن يتحرّكوا بما يأمرهم كتاب ربهم و سنّة نبيّهم صلى الله عليه و آله و سلّم كمثل ما جاء في الحديث الصحيح ( جاهدوا المشركين بأموالكم و ألسنتكم و أنفسكم ) نحن الآن قد ألغينا الجهاد بالنفس و ركنّا إلى الجهاد بالأموال لوفرتها لدينا و باللسان لسهولة ذلك علينا أما الجهاد بالأنفس فذلك مما أصبح مع الأسف في خبر كان و لذلك فالنبي صلى الله عليه و آله و سلّم قد وصف في هذا الحديث الصحيح الداء مع الدواء حيث ذكر نماذج من الأمراض التي ستصيب المسلمين في أول هذا الحديث حديث العينة ثم بيّن في آخره عليه الصلاة و السلام الدواء فقال ( لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) و هذا الدواء هو العلاج الوحيد للمسلمين إذا أرادوا أن يعود إليهم عزهم و مجدهم و أن يمكّن الله لهم في الأرض كما مكّن للذين من قبلهم فقال عليه الصلاة و السلام ( بشّر هذه الأمّة بالسناء و الرفعة و المجد و التمكين في الأرض ومن عمل منهم عملا فليس له في الآخرة من نصيب ) .