تفسير قوله تعالى : [ كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين ] سورة المطففين . حفظ
الشيخ : تكلمنا على التفسير الذي ابتدأناه من سورة النبأ حتى انتهينا إلى قوله تعالى (( كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين )) من سورة المطففين .
ففي هذه الآية يخبر الله عز وجل خبرا مؤكدا بـ إنّ ، لأن إنّ في اللغة العربية من أدوات التوكيد فإنك إذا قلت الرجل قائم : هذا خبر غير مؤكد فإذا قلت إنّ الرجل قائم صار خبرا مؤكدا .
فيقول الله عز وجل : (( إن كتاب الأبرار لفي عليين )) وهذا مقابل (( إن كتاب الفجار لفي سجين )) .
فكتاب الفجار في سجين في أسفل الأرض وكتاب الأبرار في عليين في أعلى الجنة أي أنهم في هذا المكان العالي قد كتب ذلك عند الله عز وجل قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة .
(( وما أدراك ما عليون )) : أي ما الذي أعلمك ما عليون وهذا الاستفهام يراد به التفخيم والتعظيم يعني أي شيء أدراك به فإنه عظيم .
قال الله تعالى (( كتاب مرقوم )) هذا بيان لقوله (( إن كتاب الأبرار )) أي أن كتاب الأبرار كتاب مرقوم مكتوب لا يتغير ولا يتبدل .
(( يشهده المقربون )) : أي يحضره أو يشهد به المقربون والمقربون عند الله هم الذين تقربوا إلى الله سبحانه وتعالى بطاعته .
وكلما كان الإنسان أكثر طاعة لله كان أقرب إلى الله وكلما كان الإنسان أشد تواضعا لله كان أعز عند الله وكان أرفع عند الله قال الله تعالى (( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات )) .
فالمقربون هم الذين تقربوا إلى الله تعالى بصالح الأعمال فقرّبهم الله من عنده (( إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون )) الأبرار جمع بر والبر : كثير الخير كثير الطاعة كثير الإحسان في عبادة الله والإحسان إلى عباد الله فهؤلاء الأبرار الذين منّ الله عليهم بفعل الخيرات وترك المنكرات في نعيم .
(( إن الأبرار لفي نعيم )) والنعيم هنا يشمل نعيم البدن ونعيم القلب أما نعيم البدن فلا تسأل عنه فإن الله سبحانه وتعالى قال في الجنة (( وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون )) ، وقال تعالى (( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون )) .
وأما نعيم القلب فلا تسأل عنه أيضا فإنهم يقال لهم وقد شاهدوا الموت قد ذبح يقال لهم يا أهل الجنة خلود ولا موت ويقال لهم ادخلوها بسلام ويقال لهم إن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا وأن تصحوا فلا تمرضوا أبدا وأن تشبوا فلا تهرموا أبدا وكل هذا مما يدخل السرور على القلب فيحصل لهم بذلك نعيم القلب ونعيم البدن والملائكة يدخلون عليهم من كل باب يقولون لهم (( سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار )) جعلني الله وإياكم منهم .
وقوله تعالى (( على الأرائك ينظرون )) الأرائك جمع أريكة وهي السرير المزخرف المزين الذي وضع عليه مثل الظل وهو من أفخر أنواع الأسرة فهم على الأرائك على هذه الأسرة الناعمة الحسنة البهية ينظرون يعني ينظرون ما أنعم الله به عليهم من النعيم الذي لا تدركه الأنفس الآن فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين وقال بعض العلماء إن هذا النظر يشمل حتى النظر إلى وجه الله وجعلوا هذه الآية من الأدلة على ثبوت رؤية الله عز وجل في الجنة (( تعرف في وجوههم نظرة النعيم )) أي تعرف أيها الناظر إليهم في وجوههم نظرة النعيم أي حسن النعيم وبهاءه أي التنعم وأنتم تشاهدون الآن في الدنيا أن المنعمين مترفين وجوههم غير وجوه الكادحين العاملين تجدها نظرة تجدها حسنة تجدها منعمة فأهل الجنة تعرف في وجوههم نظرة النعيم أي التنعم والسرور لأنهم أسر ما يكون وأنعم ما يكون ثم قال الله تعالى في بيان ما لهم من نعيم (( يسقون من رحيق مختوم )) إلى آخره ونتكلم عليه إن شاء الله في الجلسة القادمة لأن الوقت ضيق وربما تكون الأسئلة كثيرة فنبدأ الآن بالأسئلة من اليمين ولكل واحد سؤال حتى يفسح المجال لغيره