تفسير قوله تعالى "والسماء ذات البروج " إلى قوله "وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ". حفظ
الشيخ : وقفنا على السورة سورة البروج:
قال الله سبحانه وتعالى : بسم الله الرحمن الرحيم : ((وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ )) .
البسملة آية مستقلة في الكتاب العزيز ، ليست من السورة التي قبلها ولا من السورة التي بعدها ، يؤتى بها في أول كل سورة إلا سورة براءة ، فإن الصحابة رضي الله عنهم لم يكتبوها في هذه السورة فبقيت بدون بسملة .
وما اشتهر عند العوام من أن الجن اختطفوا بسملة سورة البراءة فهذا لا شك أنه باطل ، لأن الله يقول : (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) ، ولا يمكن أن يسلط عليه الشياطين أو الجن حتى يختطفوا منه ، بل إن الله تعالى حماه حين نزوله وحماه بعد نزوله ، وما ذكر عن بعض العلماء : أنها لم يذكر فيها البسملة لأنها نزلت بالسيف ففيها الأمر بقتال المشركين ، فهذا أيضا غير صحيح ، لأن البسملة بركة ، والجهاد في سبيل الله من أعظم ما يطلب فيه البركة.
على كل حال هي آية مستقلة في أول كل سورة إلا سورة براءة ، وليست من الفاتحة على القول الراجح الذي دل عليه الحديث القدسي، وهو قوله تعالى فيما رواه عنه نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال : (( الحمد لله رب العالمين )) قال : حمدني عبدي ) إلى آخر الحديث، وهذا يدل على أن البسملة ليست من الفاتحة، وكذلك أول ما نزل على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سورة اقرأ، أقرأه إياها جبريل ولم يكن فيها بسم الله الرحمن الرحيم، فدل هذا على أنها ليست من السورة .
قوله تعالى : (( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ )) الواو هذه : حرف قسم ، يعني : يقسم الله تعالى بالسماء ذات البروج أي : صاحبة البروج ، والبروج: جمع برج وهي المجموعة العظيمة من النجوم، وسميت بروجا لعلوها وارتفاعها وظهورها وبيانها .
والبروج عند الفلكيين اثنا عشر برجًا جُمعت في قول الناظم :
" حَمْل فثور فجوزاء فسرطان *** فأسد سنبلة فميزان
فعقرب قوس فجدي وكذا *** دلو وذي آخرها الحيتان "
.
فهي اثنا عشر برجًا، ثلاثة منها للربيع، وثلاثة للصيف، وثلاثة للخريف، وثلاثة للشتاء .
فيقسم الله تعالى بالسماء ذات البروج وله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه، أما نحن فلا نقسم إلا بالله بأسمائه وصفاته ولا نقسم بشيء من المخلوقات لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت ) ، ولقوله: ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ).
(( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ )) : إذًا ذات البروج أي صاحبة البروج وهي المجموعة العظيمة من النجوم وفي السماء اثنا عشر برجاً.
(( وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ )) اليوم الموعود هو يوم القيامة، وعد الله سبحانه وتعالى به، وبينه في كتابه، ونصب عليه الأدلة العقلية التي تدل على أنه واقع حتمًا، كما قال تعالى: (( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ )).
(( وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ )) ذكر علماء التفسير في معنى الشاهد والمشهود عدة أقوال، يجمعها :
أن الله أقسم بكل شاهد وبكل مشهود، والشهود كثيرون: منهم محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم شهيدا علينا ، ومنهم نحن هذه الأمة شهداء على الناس ، ومن أعضاء الإنسان تشهد عليه يوم القيامة بما عمل من خير وشر، ومن الملائكة يشهدون يوم القيامة ، فكل من شهد بالحق فهو داخل في قوله : (( وشاهد )) .
وأما المشهود فهو يوم القيامة وما يعرض فيه من الأهوال العظيمة كما قال تعالى : (( ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ )) ، فأقسم الله بكل شاهد وبكل مشهود .
(( قُتِلَ أَصْحَابُ )) نعم قرأنا ، قرأناها وبيناها اليوم الموعود ما هو ؟
يوم القيامة.
(( قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ )) (( قُتِلَ )) يعني: أهلك ، وقيل : القتل هنا بمعنى اللعن وهو الطرد والإبعاد من رحمة الله.
وأصحاب الأخدود هم قوم كفار أحرقوا المؤمنين بالنار، وقد وردت قصص متعددة في هؤلاء القوم، منها شيء في الشام ومنها شيء في اليمن، والمقصود أن هؤلاء الكفار حاولوا بالمؤمنين أن يرتدوا عن دينهم ولكنهم عجزوا، فحفروا أُخدودًا حفرا ممدودة في الأرض كالنهر ، وجمعوا الحطب الكثير ، وأحرقوا المؤمنين بها والعياذ بالله ، ولهذا قال :
(( النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ )) يعني: أن الأخدود هي أخدود النار.
(( ذَاتِ الوَقُودِ )) أي : الحطب الكثير المتأجج.
(( إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ )) يعني: أن هؤلاء الذين حفروا الأخاديد وألقوا فيها المؤمنين كانوا والعياذ بالله عندهم قسوة وجبروت يرون النار تلتهم هؤلاء البشر وهم قعود عليها على الأسرة فكهون، كأن شيئا لم يكن والعياذ بالله، وهذا من الجبروت أن يرى الإنسان البشر تلتهمه النار وهو جالس على سريره يتفكه بالحديث ولا يبالي.
(( وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ )) يعني: هم شهود على ما يفعلون بالمؤمنين، أي : حضور لا يغيب عنهم ما فعلوه بالمؤمنين، ولذلك استحقوا هذا الوعيد بل استحقوا هذه العقوبة أن الله أهلكهم ولعنهم وطردهم وأبعدهم عن رحمته.
ثم قال عز وجل : (( وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ))، ونؤجل الكلام على هذا للقاء المقبل حتى نستوعب وقتا كثيرا في الإجابة على الأسئلة، ونبدأ من اليمين والسؤال واحد لكل شخص من أجل أن يأخذ كل واحد نصيبه فإذا كان معكم عدة أسئلة يؤخذ الأهم .
خاص خل أجل بعدين أي .
السائل : بعدين .
الشيخ : صل معنا الظهر ونحن جايين إن شاء الله نجيبك عنها .