تفسير قوله تعالى:"والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا "من سورة النساء. حفظ
الشيخ : ولمـَّا ذكر الله حال أهل النّار أعاذني الله وإيّاكم منهم قال: (( وَالذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات ))، والقرآن مثاني تثنّى فيه المعاني، إذا ذكر فيه أهل النّار ذكر فيه أهل الجنّة، وإذا ذكرت النّار ذكرت الجنّة، وإذا ذكر الحقّ ذكر الباطل، وهكذا وهذا هو أحد المعاني في قوله تعالى: (( اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِي )).
يقول عز وجل: (( وَالذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات )): ومثل هذا التّركيب موجود في القرآن بكثرة، يقدّم الله الإيمان على العمل الصّالح، لأنّ العمل الصّالح مبنيّ على الإيمان، فعمل بلا إيمان لا فائدة منه، فالمنافقون يعملون، يذكرون الله ويصلّون ويتصدّقون ولكن ليس عندهم إيمان فلا ينفعهم، ولهذا يقدّم الله عزّ وجلّ الإيمان على العمل الصّالح، لأنّ العمل الصّالح مبنيّ عليه.
فما هو الإيمان الذي يكثر ذكره في القرآن؟
الإيمان فسّره النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم بقوله: ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه )، فالذين آمنوا بهذه الأصول وعملوا الصّالحات.
(( عملوا الصّالحات )): قال بعض المعربين، بل بعض النّحويين أيضا إنّ الصّالحات صفة لموصوف والتّقدير الأعمال الصّالحات، لماذا؟
قالوا لأنّ الصّالح وصف والوصف لا يفعل، وإنّما الذي يفعل هو الموصوف هكذا قالوا، وعندي أنّه لا حاجة لذلك، عملوا الصّالحات ما دام الأمر معلوما فلا حاجة أن نقدّر ونقول إنّ عملوا مسلّط على الصالحات، فما هي الأعمال الصّالحة؟
الأعمال الصّالحة ما كانت خالصة لله، صوابًا في شريعة الله، يعني: ما كان خالصًا صوابًا كما قاله الفضيل بن عياض: " ما كان خالصًا صوابًا " ، يعني: ما جمع بين الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
فمن عمل عملا أشرك فيه مع الله غيره ولو يسير رياء كان عمله غيرَ صالح، ومن أخلص لله لكن على غير شريعة رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم كان عمله غير صالح.
يقول: (( وَالذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات سَنُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَار )): السّين هنا للتّنفيس، وأنتم ترون الآن أنّ أصحاب النّار قيل فيهم: (( سَوْفَ نُصْلِيهِم ))، وأنّ أصحاب الجنّة قيل فيهم: (( سَنُدْخِلُهُمْ )) فهل هذا من باب اختلاف التّعبير وأنّ معنى الحرفين واحد؟
قال ابن هشام كذلك، معنى الحرفين واحد، وقيل: بل معناهما مختلف وأنّ السّين تدلّ على القرب، وسوف تدلّ على المهلة وهذا هو المعروف وهو الأصحّ.
فإذا قيل لك ذلك فلماذا جاء الوعيد لأهل النّار بسوف، والوعد لأهل الجنّة بالسّين؟
الجواب على ذلك: أنّ أهل النّار يفسح لهم لعلّهم يتوبون، يتوبون إلى الله فيرجعون وحينئذ لا يكونون من أهل النّار.
أمّا أهل الجنّة فإنّهم يدخلون الجنّة ولكن ليست جنّة الآخرة، جنّة الدّنيا قبل جنّة الآخرة: (( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربّه ))، (( من عمل عملا صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيّبة ))، ولا أحد أطيب حياة من حياة المؤمنين أبدًا، قال بعض السّلف: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك: الذين تمّت لهم الدّنيا على ما يريدون، " لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسّيوف " : قاتلونا مقاتلة يريدون أن ينالوه ولكن لا يحصل لهم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " ما يصنع أعدائي بي -لمـَّا حبس- إنّ جنّتي في صدري " .
وربّما يدلّ على أنّ أهل الجنّة منعّمون أتمّ نعيم قوله تعالى: (( لا يذوقون فيها الموت إلاّ الموتة الأولى )): إذا جعلنا الإستثناء متّصلا، صار المعنى أنّ الموتة التي ماتوها في الدّنيا ذاقوها، والنّعيم مستمرّ من الدّنيا إلى الآخرة، ولكن أكثر العلماء يقولون: إلاّ الموتة الأولى أنّ الاستثناء هنا منقطع والتّقدير لكن الموتة الأولى.
على كلّ حال نقول: إنّما قال: (( سوف )) في أهل النّار ليمدّ لهم في الأجل لعلّهم يرجعون فأراهم العذاب وكأنّه بعيد، ولكن أهل الجنّة أراهم النّعيم كأنّه قريب حتى ينشطوا على العمل، وأيضا نقول: هم في الحقيقة في جنّة، أهل السّعادة في سعادة حتّى في الدّنيا، ولهذا قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: ( عجبا لأمر المؤمن إن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له، وإن أصابته سرّاء شكر فكان خيرا له )، فكلّ أمره خير، إن أصابته ضرّاء صبر مع الله عزّ وجلّ وصبر لله وانشرح صدره، وكما قالت رابعة العدويّة لمـَّا أصابها جرح في أصبعها أظنّ انقطع الأصبع، قالت: " إنّ حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها "، فالمؤمن في الحقيقة حتى وإن أصيب بالمصائب يوفّق للصّبر ويثيبه الله عزّ وجلّ على ذلك ولا كأنّه أصيب.
وإن أصابته سرّاء شكر، فزيد في النّعمة: (( لئن شكرتم لأزيدنّكم )).
يقول: (( سندخلهم جنّات تجري من تحتها الأنهار )): المراد بالجنّات هنا ما أعدّه الله عزّ وجلّ من الدّار الآخرة لهؤلاء المؤمنين، ولا يحسن هنا أن نقول أنّ الجنّات جمع جنّة وهي البستان كثير الأشجار، لأنّ هذا ينقّص من شأن الجنّة إذ لا ينصرف إلاّ إلى بساتيننا هنا في الدّنيا مرّة تيبس ومرّة تخضرّ، ومرّة تفسدها الرّياح ومرّة تستقيم.
لكن إذا قلت: الجنّات جمع جنّة وهي الدّار التي أعدّها الله سبحانه وتعالى للمتّقين فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، حينئذ يبتهج القلب ويسرّ.
وقوله: (( تجري من تحتها الأنهار )) كيف تجري من تحتها؟ أليس النّهر لا يجري إلاّ من تحت؟ وإن قلت من تحتها، أي: من تحت الأرض في جوف الأرض مشكل؟
قال العلماء: المراد من تحتها أي: تحت أشجارها وقصورها، أنهار مطّردة تحت الأشجار وتحت القصور فهي من تحتها، وهذه الأنهار أصنافها أربعة كما قال الله تعالى: (( مثل الجنّة التي وُعد المتّقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغيّر طعمه وأنهار من خمر لذّة للشّاربين وأنهار من عسل مصفّى )) هذه أربعة أنواع من الأنهار في الجنّة.
(( خالدين فيها )) خالدين حال، أين صاحبها؟
الطالب : الضّمير.
الشيخ : الضّمير في قوله: (( سندخلهم )) أي ضمير الهاء.
وقوله: (( خالدين فيها )) بيّن أنّ هذا الخلود أبديّ فقال: (( خالدين فيها أبدا )) أبد الآبدين، لا منتهى له.
فإذا قال قائل: كيف يعيش الإنسان وهو يرى أنّه باق دائما في هذا؟
نقول نعم لأنّ كلّ ساعة تتجدّد له لذّة ونعيم (( كلّما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها )).
في الدّنيا ننتظر الموت حتى نرتحل عن هذه الدّنيا لكن في الآخرة لا تنتظر الموت أنت دائما في سرور ونعيم: (( ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيّا ))، فهم في نعيم دائم نسأل الله أن يجعلنا وإيّاكم منهم.
(( لهم فيها أزواج مطهّرة وندخلهم ظلاّ ظليلا )) لهم أي: للذين آمنوا وعملوا الصّالحات.
فيها أزواج مطهّرة: أزواج جمع زوج وهي الأنثى ويطق على الرّجل أيضا، يقال زوج فلانة ويقال زوج فلان، زوج فلان صحّ؟
الطالب : صحّ.
الشيخ : يعني؟
الطالب : زوجته.
الشيخ : زوجته، لكن في الفرائض يجب أن تأتي بالتّاء، في غير الفرائض لا تأتي بالتّاء، لأنّ الإتيان بالتّاء لغة رديئة أو قليلة، نعم، مطهّرة من أيّ شيء؟
مطهّرة طهارة حسّيّة، ومطهّرة طهارة معنويّة، فالطّهارة الحسّيّة: مطهّرة من البول والغائط والحيض والاستحاضة والنّفاس والصّفرة والكدرة والعرق والرّائحة المنتنة وغير ذلك، من كلّ ما يُستحبّ إزالته والتّنزّه عنه هي مطهّرة عنه، ومطهّرة أيضًا طهارة معنويّة، وذلك أنّها خالية من كلّ خلق سيّء: لا غضب، ولا تكره للزّوج، ولا كراهة، ولا عصيان، ولا اكفهراراً في وجهه، فهي مطهّرة من كلّ خلق رذيل ومن كلّ أذى وقذر.
فالطّهارة إذن حسّيّة ومعنويّة، اشتكت النّساء وقالت: الرّجال لهم أزواج مطهّرة فما بالنا نحن؟! ماذا نقول لهنّ؟
الطالب : أنت لكن.
الشيخ : أنتنّ لكنّ أزواج مطهّرون، نعم، إنّ الله طيّب ولا يكون جاره إلاّ الطّيّب، وأنتنّ في الآخرة كلّ واحدة منكنّ لا تريد إلاّ زوجها: (( فيهنّ قاصرات الطّرف )): كلّ واحدة قاصرة طرفها على زوجها ومتنعّمة به، وأنتنّ خير من سواكنّ، فلا تجزعن ولكن لما كان الزّوج هو الطّالب غالبًا صار هو الذي يقال له: لك زوجة فيها كذا وفيها كذا وأمّا الزّوجة فلا تكون طالبة إلاّ نادراً.
قال: (( وندخلهم ظلاّ ظليلا )) الظّلّ معروف هو: ما فاءت عنه الشّمس، وإن شئت فقل ما لم تحلّه الشّمس سواء كان فيئا أو ظلاّ من أوّل النّهار.
وأما الظليل فهو المؤدي معناه تمامًا ، لأن من الظل ما ليس بظليل ، لو جلست تحت ظل جدار بأيام الصيف فأنت في ظل ، لكن هل هو ظليل ؟
الطالب : لا .
الشيخ : لماذا ؟ لأن وهف الحر يأتيك ، لكن الجنة ظل ظليل .
يقول عز وجل: (( وَالذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات )): ومثل هذا التّركيب موجود في القرآن بكثرة، يقدّم الله الإيمان على العمل الصّالح، لأنّ العمل الصّالح مبنيّ على الإيمان، فعمل بلا إيمان لا فائدة منه، فالمنافقون يعملون، يذكرون الله ويصلّون ويتصدّقون ولكن ليس عندهم إيمان فلا ينفعهم، ولهذا يقدّم الله عزّ وجلّ الإيمان على العمل الصّالح، لأنّ العمل الصّالح مبنيّ عليه.
فما هو الإيمان الذي يكثر ذكره في القرآن؟
الإيمان فسّره النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم بقوله: ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه )، فالذين آمنوا بهذه الأصول وعملوا الصّالحات.
(( عملوا الصّالحات )): قال بعض المعربين، بل بعض النّحويين أيضا إنّ الصّالحات صفة لموصوف والتّقدير الأعمال الصّالحات، لماذا؟
قالوا لأنّ الصّالح وصف والوصف لا يفعل، وإنّما الذي يفعل هو الموصوف هكذا قالوا، وعندي أنّه لا حاجة لذلك، عملوا الصّالحات ما دام الأمر معلوما فلا حاجة أن نقدّر ونقول إنّ عملوا مسلّط على الصالحات، فما هي الأعمال الصّالحة؟
الأعمال الصّالحة ما كانت خالصة لله، صوابًا في شريعة الله، يعني: ما كان خالصًا صوابًا كما قاله الفضيل بن عياض: " ما كان خالصًا صوابًا " ، يعني: ما جمع بين الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
فمن عمل عملا أشرك فيه مع الله غيره ولو يسير رياء كان عمله غيرَ صالح، ومن أخلص لله لكن على غير شريعة رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم كان عمله غير صالح.
يقول: (( وَالذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات سَنُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَار )): السّين هنا للتّنفيس، وأنتم ترون الآن أنّ أصحاب النّار قيل فيهم: (( سَوْفَ نُصْلِيهِم ))، وأنّ أصحاب الجنّة قيل فيهم: (( سَنُدْخِلُهُمْ )) فهل هذا من باب اختلاف التّعبير وأنّ معنى الحرفين واحد؟
قال ابن هشام كذلك، معنى الحرفين واحد، وقيل: بل معناهما مختلف وأنّ السّين تدلّ على القرب، وسوف تدلّ على المهلة وهذا هو المعروف وهو الأصحّ.
فإذا قيل لك ذلك فلماذا جاء الوعيد لأهل النّار بسوف، والوعد لأهل الجنّة بالسّين؟
الجواب على ذلك: أنّ أهل النّار يفسح لهم لعلّهم يتوبون، يتوبون إلى الله فيرجعون وحينئذ لا يكونون من أهل النّار.
أمّا أهل الجنّة فإنّهم يدخلون الجنّة ولكن ليست جنّة الآخرة، جنّة الدّنيا قبل جنّة الآخرة: (( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربّه ))، (( من عمل عملا صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيّبة ))، ولا أحد أطيب حياة من حياة المؤمنين أبدًا، قال بعض السّلف: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك: الذين تمّت لهم الدّنيا على ما يريدون، " لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسّيوف " : قاتلونا مقاتلة يريدون أن ينالوه ولكن لا يحصل لهم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " ما يصنع أعدائي بي -لمـَّا حبس- إنّ جنّتي في صدري " .
وربّما يدلّ على أنّ أهل الجنّة منعّمون أتمّ نعيم قوله تعالى: (( لا يذوقون فيها الموت إلاّ الموتة الأولى )): إذا جعلنا الإستثناء متّصلا، صار المعنى أنّ الموتة التي ماتوها في الدّنيا ذاقوها، والنّعيم مستمرّ من الدّنيا إلى الآخرة، ولكن أكثر العلماء يقولون: إلاّ الموتة الأولى أنّ الاستثناء هنا منقطع والتّقدير لكن الموتة الأولى.
على كلّ حال نقول: إنّما قال: (( سوف )) في أهل النّار ليمدّ لهم في الأجل لعلّهم يرجعون فأراهم العذاب وكأنّه بعيد، ولكن أهل الجنّة أراهم النّعيم كأنّه قريب حتى ينشطوا على العمل، وأيضا نقول: هم في الحقيقة في جنّة، أهل السّعادة في سعادة حتّى في الدّنيا، ولهذا قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: ( عجبا لأمر المؤمن إن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له، وإن أصابته سرّاء شكر فكان خيرا له )، فكلّ أمره خير، إن أصابته ضرّاء صبر مع الله عزّ وجلّ وصبر لله وانشرح صدره، وكما قالت رابعة العدويّة لمـَّا أصابها جرح في أصبعها أظنّ انقطع الأصبع، قالت: " إنّ حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها "، فالمؤمن في الحقيقة حتى وإن أصيب بالمصائب يوفّق للصّبر ويثيبه الله عزّ وجلّ على ذلك ولا كأنّه أصيب.
وإن أصابته سرّاء شكر، فزيد في النّعمة: (( لئن شكرتم لأزيدنّكم )).
يقول: (( سندخلهم جنّات تجري من تحتها الأنهار )): المراد بالجنّات هنا ما أعدّه الله عزّ وجلّ من الدّار الآخرة لهؤلاء المؤمنين، ولا يحسن هنا أن نقول أنّ الجنّات جمع جنّة وهي البستان كثير الأشجار، لأنّ هذا ينقّص من شأن الجنّة إذ لا ينصرف إلاّ إلى بساتيننا هنا في الدّنيا مرّة تيبس ومرّة تخضرّ، ومرّة تفسدها الرّياح ومرّة تستقيم.
لكن إذا قلت: الجنّات جمع جنّة وهي الدّار التي أعدّها الله سبحانه وتعالى للمتّقين فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، حينئذ يبتهج القلب ويسرّ.
وقوله: (( تجري من تحتها الأنهار )) كيف تجري من تحتها؟ أليس النّهر لا يجري إلاّ من تحت؟ وإن قلت من تحتها، أي: من تحت الأرض في جوف الأرض مشكل؟
قال العلماء: المراد من تحتها أي: تحت أشجارها وقصورها، أنهار مطّردة تحت الأشجار وتحت القصور فهي من تحتها، وهذه الأنهار أصنافها أربعة كما قال الله تعالى: (( مثل الجنّة التي وُعد المتّقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغيّر طعمه وأنهار من خمر لذّة للشّاربين وأنهار من عسل مصفّى )) هذه أربعة أنواع من الأنهار في الجنّة.
(( خالدين فيها )) خالدين حال، أين صاحبها؟
الطالب : الضّمير.
الشيخ : الضّمير في قوله: (( سندخلهم )) أي ضمير الهاء.
وقوله: (( خالدين فيها )) بيّن أنّ هذا الخلود أبديّ فقال: (( خالدين فيها أبدا )) أبد الآبدين، لا منتهى له.
فإذا قال قائل: كيف يعيش الإنسان وهو يرى أنّه باق دائما في هذا؟
نقول نعم لأنّ كلّ ساعة تتجدّد له لذّة ونعيم (( كلّما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها )).
في الدّنيا ننتظر الموت حتى نرتحل عن هذه الدّنيا لكن في الآخرة لا تنتظر الموت أنت دائما في سرور ونعيم: (( ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيّا ))، فهم في نعيم دائم نسأل الله أن يجعلنا وإيّاكم منهم.
(( لهم فيها أزواج مطهّرة وندخلهم ظلاّ ظليلا )) لهم أي: للذين آمنوا وعملوا الصّالحات.
فيها أزواج مطهّرة: أزواج جمع زوج وهي الأنثى ويطق على الرّجل أيضا، يقال زوج فلانة ويقال زوج فلان، زوج فلان صحّ؟
الطالب : صحّ.
الشيخ : يعني؟
الطالب : زوجته.
الشيخ : زوجته، لكن في الفرائض يجب أن تأتي بالتّاء، في غير الفرائض لا تأتي بالتّاء، لأنّ الإتيان بالتّاء لغة رديئة أو قليلة، نعم، مطهّرة من أيّ شيء؟
مطهّرة طهارة حسّيّة، ومطهّرة طهارة معنويّة، فالطّهارة الحسّيّة: مطهّرة من البول والغائط والحيض والاستحاضة والنّفاس والصّفرة والكدرة والعرق والرّائحة المنتنة وغير ذلك، من كلّ ما يُستحبّ إزالته والتّنزّه عنه هي مطهّرة عنه، ومطهّرة أيضًا طهارة معنويّة، وذلك أنّها خالية من كلّ خلق سيّء: لا غضب، ولا تكره للزّوج، ولا كراهة، ولا عصيان، ولا اكفهراراً في وجهه، فهي مطهّرة من كلّ خلق رذيل ومن كلّ أذى وقذر.
فالطّهارة إذن حسّيّة ومعنويّة، اشتكت النّساء وقالت: الرّجال لهم أزواج مطهّرة فما بالنا نحن؟! ماذا نقول لهنّ؟
الطالب : أنت لكن.
الشيخ : أنتنّ لكنّ أزواج مطهّرون، نعم، إنّ الله طيّب ولا يكون جاره إلاّ الطّيّب، وأنتنّ في الآخرة كلّ واحدة منكنّ لا تريد إلاّ زوجها: (( فيهنّ قاصرات الطّرف )): كلّ واحدة قاصرة طرفها على زوجها ومتنعّمة به، وأنتنّ خير من سواكنّ، فلا تجزعن ولكن لما كان الزّوج هو الطّالب غالبًا صار هو الذي يقال له: لك زوجة فيها كذا وفيها كذا وأمّا الزّوجة فلا تكون طالبة إلاّ نادراً.
قال: (( وندخلهم ظلاّ ظليلا )) الظّلّ معروف هو: ما فاءت عنه الشّمس، وإن شئت فقل ما لم تحلّه الشّمس سواء كان فيئا أو ظلاّ من أوّل النّهار.
وأما الظليل فهو المؤدي معناه تمامًا ، لأن من الظل ما ليس بظليل ، لو جلست تحت ظل جدار بأيام الصيف فأنت في ظل ، لكن هل هو ظليل ؟
الطالب : لا .
الشيخ : لماذا ؟ لأن وهف الحر يأتيك ، لكن الجنة ظل ظليل .