ما هي الأصول التي إذا خالفها المرىء فقد خالف منهج أهل السنة .؟ حفظ
السائل : بسم الله والحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله .
أقول في السّؤال حفظك الله: ما هي أصول المسائل التي من خالفها فقد خالف منهج أهل السنة والجماعة؟
الشيخ : نعم، الأصول هذه بارك الله فيك ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية، والعقيدة الواسطية كتاب مختصر معروف عند أكثر طلبة العلم لكنّه كتاب مبارك، فيه خير كثير.
ذكر رحمه الله لما أنهى الكلام على فصل السّنّة قال: إنّ أهل السّنّة والجماعة وسط في فرق هذه الأمّة، كما أنّ الأمّة وسط في الأمم.
فأمّتنا ولله الحمد وسط بين الأمم، بين اليهود والنصارى، في العقيدة، وفي الأعمال.
في العقيدة: نجد أن اليهود تنقَّصوا الله عزَّ وجلَّ حتى وصفوه بصفات المخلوقين الذَّميمة! ماذا قالوا؟
قالوا إنّ الله فقير، وقالوا يد الله مغلولة، وقالوا إنّ الله تعب فاستراح يوم السبت بعد خلق السماوات والأرض، فألحقوا الخالق بالمخلوق، والنّصارى على العكس، ألحقوا المخلوق بالخالق، وجعلوا عيسى ابن مريم إلها مع الله، (( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ )).
كذلك في الرّسالات اليهود كذبوا الأنبياء، وقتلوا الأنبياء بغير حق، والنصارى غلوا في الأنبياء، وجعلوا عيسى إلها.
هذه الأمّة ولله الحمد فقد خالفَتهم في هذين الأصلين وقالوا: إنّ الله سبحانه وتعالى موصوف بصفات الكمال، وأنه لا مثل له، ولم يصل أحد من المخلوقين إلى ما يختصّ بالله من الصّفات، وفي الرّسل قالوا: الرسل عباد الله ورسله، ليس لهم حق من الرّبوبيّة ولا من الألوهيّة، وهم صادقون مصدوقون.
كذلك في الحلال والحرام نجد أن الله تعالى ضيَّق على اليهود المأكولات: (( وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ )).
والنّصارى يستحلون كل خبيث، ويأكلون ما هبَّ ودبَّ، وهذه الأمة أحل الله لهم الطيبات، وحرم عليهم الخبائث.
نجد أيضًا اليهود لا يقربون الحائض، ولا يؤاكلونها، ولا يجتمعون معها في بيت، والنصارى بالعكس لا يهتمون بالنجاسات.
هذه الأمّة ولله الحمد وسط، يأكلون مع الحائض، ويجالسونها، ويباشر الرجل زوجته الحائض بما عدا الجماع، فالحاصل أنّ هذه الأمّة وسط بين الأمم.
كذلك أيضا أهل السنة والجماعة وسط بين فِرَق الأمة في الأصول الخمسة التي ذكرها رحمه الله:
في باب الأسماء والصفات هم وسط بين الممثّلة والمعطّلة، فـالممثّلة طائفة تقول: صفات الله تعالى كصفاتنا، فوجه الله كوجوهنا، وعينه كأعيننا، ويده كأيدينا، وما أشبه ذلك.
والمعطّلة بالعكس، فهم ينكرون ما وصف الله به نفسه، ويقولون: ليس لله وجه، ولا يد، ولا عين، وما أشبه ذلك، ويحرّفون الكلم عن مواضعه في هذه الأمور.
كذلك هم وسط في الأصل الثّاني وهو: القدر، فهناك طائفتان ضالتان في مسألة القدر:
طائفة تقول: إنّ الإنسان مُجْبَر على عمله، ولا اختيار له ولا إرادة.
وطائفة أخرى تقول: الإنسان مستقل بنفسه، وليس لله فيه تعلّق، يفعل بدون مشيئة من الله، وبدون خلق.
وأهل السّنّة والجماعة قالوا: إنّ الإنسان يفعل باختياره، وهو مختار ومخيّر ولكن أيّ فعل يفعله فهو بمشيئة الله تعالى وخلقه.
كذلك في أسماء الإيمان والدين: نجد من الفرق المعتزلة والخوارج والمرجئة:
قالت المعتزلة والخوارج: إنّ الإنسان إذا زنى خرج من الإيمان، فلا يكون مؤمنا، ولا يصدق عليه أنه مؤمن أبدًا.
وقالت المرجئة وهم ضدهم: إن الإنسان وإن زنى وسرق فهو مؤمن كامل الإيمان، إيمانه مثل إيمان أطوع الناس لله.
وقال أهل السنة والجماعة: إذا زنى أو سرق فإنه مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه، فاسقٌ بكبيرته.
كذلك في الأحكام، أحكام الإنسان فيما يفعل، ماذا يكون إذا فعل الكبيرة؟
فقالت المعتزلة والخوارج: إنّه يخلّد في النار مع المنافقين، مع أبي جهل، وأبي لهب، وغيرهم.
وقالت المرجئة أبدًا، فاعل الكبيرة لا يدخل النار أبداً، ولا يمكن.
أهل السنة والجماعة قالوا إنّه يستحقّ العقاب، وقد يغفر الله له.
كذلك في أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام وهو الأصل الخامس الذي ذكره شيخ الإسلام:
أصحاب الرسول انقسمت فيهم أهل البدع إلى قسمين:
قسم كفّروهم وضلّلوهم كـالرافضة، إلا آل البيت، فإنّهم غلوا فيهم وأنزلوهم فوق منزلتهم، فصاروا ضالّين في الصّحابة من وجهين:
من جهة تكفير وتضليل ما عدا آل البيت، ومن جهة الغلوّ في آل البيت.
وهناك أناس ضدّهم الخوارج وهم النّواصب: الذين كفّروا عليّ بن أبي طالب وخرجوا عليه، وقاتلوه، واستحلّوا دمه.
أمّا أهل السّنّة والجماعة فقالوا: الصّحابة رضي الله عنهم خير القرون وأفضل الأمّة، ولهم حقّهم الذي يجب علينا، ولآل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المؤمنين به حقّ القرابة مع الإيمان والصّحبة إذا كانوا من الصّحابة، ولكنّنا لا نغلو فيهم كما فعل الرّافضة، ولا نقدح فيهم كما فعلت الخوارج، بل نعطيهم حقّهم من غير غلوّ ولا تقصير، هذه هي الأصول.
كذلك من الأصول التي يختلف فيها أهل السّنّة وأهل البدع: الخروج على الأئمّة:
فـالحروريّة هؤلاء الخوارج خرجوا على إمام المسلمين، وكفَّروه، وقاتلوه، واستباحوا دماء المسلمين من أجل ذلك، وأمّا أهل السّنّة والجماعة فيقولون:
علينا أن نسمع ونطيع لوليّ الأمر وإن فعل ما فعل من الكبائر والفسق ما لم يصل إلى حدّ الكفر البواح، فحينئذ نقاتله إذا لم يترتّب على قتاله شرّ، وذلك أنّ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام نهى عن الخروج على الأئمّة إلاّ بشروط قال: ( إلاّ أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان ):
أربعة شروط: أن تروا، يعني: بأعينكم، أو تعلموا ذلك.
كفرًا لا فسقًا، يعني: حتى لو رأيناه مثلا يزني، أو يسرق، أو يقتل النفس المحرّمة بغير حقّ، دون استباحة لذلـك، فإنّه ليس كافراً بل هو فاسق من جملة الفاسقين، ولا يحلّ لنا أن نخرج عليه، فالرّسول قال: كفرًا.
الثالث: بواحًا يعني صريحًا لا يمكن فيه التأويل، فإن أمكن فيه التّأويل فإنّنا لا نكفّره، ولا نخرج عليه.
الرابع: عندنا من الله فيه برهان، يعني ليس الكفر الذي رأيناه بواحا كفرا بقياس أو ما أشبه ذلك، بل يكون عندنا فيه برهان، ودليل واضح من الكتاب والسنة.
هذه أربعة شروط، وهناك شرط خامس يؤخذ من الأدلّة الأخرى، وهو أن يكون عندنا قدرة على إزاحة هذا الحاكم الكافر الذي كفر كفرا صريحا عندنا فيه من الله برهان، فيكون لنا قدرة، فإن لم يكن لنا قدرة صار الشّرّ الذي نريد إزالته أكثر ممّا لو تركناه على حاله، ثم حاولنا بطريق أو بأخرى الإصلاح ما استطعنا.
ولهذا يخطئ بعض الإخوة الذين عندهم ولله الحمد غيرة إسلامية ودين، يخطؤون حينما يخرجون على من ولّاه الله تعالى إياهم، والله حكيم، فهو الذي يولِّي بعض الظالمين بعضاً، ولا تظنوا أن الولاة إذا ظلموا أو اعتدوا أن هذا تسليط من الله تعالى لمجرّد مشيئة من الله، بل هو لحكمة، لأن الله قال: (( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ))، والولاّة لا يتسلّطون على الرعية إلا بسبب الرعية، " كما تكونون يُوَلَّى عليكم " فبعض النّاس الذين يحاولون الخروج على من ولاّه الله عليهم ولو بالقوّة هم يخطؤون في الواقع،
أوّلًا: أنّه لابدّ من العلم بما حصل من هذا الذي ولاّه الله علينا، لابد أن نعلم، فمجرّد الكلام الذي ينقل لا ينبغي أن يصدّق، وكم نقل إلينا من أقوال كاذبة، سواء في الولاّة، أو فيمن دون الولاّة، إذا تحقّقنا وجدنا أنه لا أصل لها، ولهذا جاء الحديث: ( إلاّ أن تروا كفراً ).
الثاني إذا رأينا هذا الشيء بأعيننا، أو تواتر إلينا من ثقات، فلابدّ أن نعرضه على الكتاب والسنة، هل هو كفر أو فسق؟
وإذا ظننّا أنّه كفر فلا بد أن ننظر هل فيه برهان من الله؟ هل هو كفر صريح لا يحتمل التأويل؟ لأنه قد يكون كفرًا لكن يعذر فيه الإنسان من جهة التأويل، فلابد أن يكون بواحاً، صريحاً، واضحاً لا يحتمل التأويل.
لابدّ أيضا أن يكون عندنا فيه من الله برهان، دليل قاطع واضح، وإنّما ضيّق النّبيّ عليه الصلاة والسلام ذلك، أي: الخروج على الأئمّة بهذه القيود التي قد يظنّها بعض النّاس صعبة، لأنّ ما يترتّب على الخروج أشدّ ضررا ممّا هم عليه، وأنتم تشاهدون الآن ما حصل من الثورات، هل كانت الشعوب أسعد بعد الثورة منها قبل الثورة؟
أبدًا بل بالعكس، ولا حاجة إلى أن نعيّن بلادًا معيّنة في هذا المكان لأنّ الأمر واضح.
فالمهمّ أنّنا ننصح إخواننا المسلمين من التّسرّع في هذه الأمور، وإذا سَلّط الله عليهم أحدًا ممّن يتولّى عليهم فليسألوا الله تعالى له الهداية، والسّلامة من شرّه، ويصبروا، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إذا رأى أحدكم من أميره ما يكره فليصبر، فإنّ مَن فارق الجماعة قِيد شبر مات ميتة جاهلية )، فلابدّ من الصّبر، ولابدّ من النّصيحة.
فهذه أيضاً من الأصول الهامّة التي سأل عنها الأخ، والتي يخالف فيها أهل البدع ما كان عليه أهل السّنّة والجماعة فتجدهم يخرجون على الأئمّة ولا يترتب على الخروج إلا ما هو شرّ، ما الذي فرّق الأمّة من حين أن خرجوا على عثمان رضي الله عنه إلاّ هذا.
فنسأل الله لنا ولكم السّلامة والهداية، وأن يوفّقنا وإيّاكم لما يحبُّ ويرضى، وأظنّ الحدّ الفاصل الذي يتمّ به هذا المجلس هو أذان الظّهر وقد سمعتموه الآن، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أقول في السّؤال حفظك الله: ما هي أصول المسائل التي من خالفها فقد خالف منهج أهل السنة والجماعة؟
الشيخ : نعم، الأصول هذه بارك الله فيك ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية، والعقيدة الواسطية كتاب مختصر معروف عند أكثر طلبة العلم لكنّه كتاب مبارك، فيه خير كثير.
ذكر رحمه الله لما أنهى الكلام على فصل السّنّة قال: إنّ أهل السّنّة والجماعة وسط في فرق هذه الأمّة، كما أنّ الأمّة وسط في الأمم.
فأمّتنا ولله الحمد وسط بين الأمم، بين اليهود والنصارى، في العقيدة، وفي الأعمال.
في العقيدة: نجد أن اليهود تنقَّصوا الله عزَّ وجلَّ حتى وصفوه بصفات المخلوقين الذَّميمة! ماذا قالوا؟
قالوا إنّ الله فقير، وقالوا يد الله مغلولة، وقالوا إنّ الله تعب فاستراح يوم السبت بعد خلق السماوات والأرض، فألحقوا الخالق بالمخلوق، والنّصارى على العكس، ألحقوا المخلوق بالخالق، وجعلوا عيسى ابن مريم إلها مع الله، (( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ )).
كذلك في الرّسالات اليهود كذبوا الأنبياء، وقتلوا الأنبياء بغير حق، والنصارى غلوا في الأنبياء، وجعلوا عيسى إلها.
هذه الأمّة ولله الحمد فقد خالفَتهم في هذين الأصلين وقالوا: إنّ الله سبحانه وتعالى موصوف بصفات الكمال، وأنه لا مثل له، ولم يصل أحد من المخلوقين إلى ما يختصّ بالله من الصّفات، وفي الرّسل قالوا: الرسل عباد الله ورسله، ليس لهم حق من الرّبوبيّة ولا من الألوهيّة، وهم صادقون مصدوقون.
كذلك في الحلال والحرام نجد أن الله تعالى ضيَّق على اليهود المأكولات: (( وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ )).
والنّصارى يستحلون كل خبيث، ويأكلون ما هبَّ ودبَّ، وهذه الأمة أحل الله لهم الطيبات، وحرم عليهم الخبائث.
نجد أيضًا اليهود لا يقربون الحائض، ولا يؤاكلونها، ولا يجتمعون معها في بيت، والنصارى بالعكس لا يهتمون بالنجاسات.
هذه الأمّة ولله الحمد وسط، يأكلون مع الحائض، ويجالسونها، ويباشر الرجل زوجته الحائض بما عدا الجماع، فالحاصل أنّ هذه الأمّة وسط بين الأمم.
كذلك أيضا أهل السنة والجماعة وسط بين فِرَق الأمة في الأصول الخمسة التي ذكرها رحمه الله:
في باب الأسماء والصفات هم وسط بين الممثّلة والمعطّلة، فـالممثّلة طائفة تقول: صفات الله تعالى كصفاتنا، فوجه الله كوجوهنا، وعينه كأعيننا، ويده كأيدينا، وما أشبه ذلك.
والمعطّلة بالعكس، فهم ينكرون ما وصف الله به نفسه، ويقولون: ليس لله وجه، ولا يد، ولا عين، وما أشبه ذلك، ويحرّفون الكلم عن مواضعه في هذه الأمور.
كذلك هم وسط في الأصل الثّاني وهو: القدر، فهناك طائفتان ضالتان في مسألة القدر:
طائفة تقول: إنّ الإنسان مُجْبَر على عمله، ولا اختيار له ولا إرادة.
وطائفة أخرى تقول: الإنسان مستقل بنفسه، وليس لله فيه تعلّق، يفعل بدون مشيئة من الله، وبدون خلق.
وأهل السّنّة والجماعة قالوا: إنّ الإنسان يفعل باختياره، وهو مختار ومخيّر ولكن أيّ فعل يفعله فهو بمشيئة الله تعالى وخلقه.
كذلك في أسماء الإيمان والدين: نجد من الفرق المعتزلة والخوارج والمرجئة:
قالت المعتزلة والخوارج: إنّ الإنسان إذا زنى خرج من الإيمان، فلا يكون مؤمنا، ولا يصدق عليه أنه مؤمن أبدًا.
وقالت المرجئة وهم ضدهم: إن الإنسان وإن زنى وسرق فهو مؤمن كامل الإيمان، إيمانه مثل إيمان أطوع الناس لله.
وقال أهل السنة والجماعة: إذا زنى أو سرق فإنه مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه، فاسقٌ بكبيرته.
كذلك في الأحكام، أحكام الإنسان فيما يفعل، ماذا يكون إذا فعل الكبيرة؟
فقالت المعتزلة والخوارج: إنّه يخلّد في النار مع المنافقين، مع أبي جهل، وأبي لهب، وغيرهم.
وقالت المرجئة أبدًا، فاعل الكبيرة لا يدخل النار أبداً، ولا يمكن.
أهل السنة والجماعة قالوا إنّه يستحقّ العقاب، وقد يغفر الله له.
كذلك في أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام وهو الأصل الخامس الذي ذكره شيخ الإسلام:
أصحاب الرسول انقسمت فيهم أهل البدع إلى قسمين:
قسم كفّروهم وضلّلوهم كـالرافضة، إلا آل البيت، فإنّهم غلوا فيهم وأنزلوهم فوق منزلتهم، فصاروا ضالّين في الصّحابة من وجهين:
من جهة تكفير وتضليل ما عدا آل البيت، ومن جهة الغلوّ في آل البيت.
وهناك أناس ضدّهم الخوارج وهم النّواصب: الذين كفّروا عليّ بن أبي طالب وخرجوا عليه، وقاتلوه، واستحلّوا دمه.
أمّا أهل السّنّة والجماعة فقالوا: الصّحابة رضي الله عنهم خير القرون وأفضل الأمّة، ولهم حقّهم الذي يجب علينا، ولآل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المؤمنين به حقّ القرابة مع الإيمان والصّحبة إذا كانوا من الصّحابة، ولكنّنا لا نغلو فيهم كما فعل الرّافضة، ولا نقدح فيهم كما فعلت الخوارج، بل نعطيهم حقّهم من غير غلوّ ولا تقصير، هذه هي الأصول.
كذلك من الأصول التي يختلف فيها أهل السّنّة وأهل البدع: الخروج على الأئمّة:
فـالحروريّة هؤلاء الخوارج خرجوا على إمام المسلمين، وكفَّروه، وقاتلوه، واستباحوا دماء المسلمين من أجل ذلك، وأمّا أهل السّنّة والجماعة فيقولون:
علينا أن نسمع ونطيع لوليّ الأمر وإن فعل ما فعل من الكبائر والفسق ما لم يصل إلى حدّ الكفر البواح، فحينئذ نقاتله إذا لم يترتّب على قتاله شرّ، وذلك أنّ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام نهى عن الخروج على الأئمّة إلاّ بشروط قال: ( إلاّ أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان ):
أربعة شروط: أن تروا، يعني: بأعينكم، أو تعلموا ذلك.
كفرًا لا فسقًا، يعني: حتى لو رأيناه مثلا يزني، أو يسرق، أو يقتل النفس المحرّمة بغير حقّ، دون استباحة لذلـك، فإنّه ليس كافراً بل هو فاسق من جملة الفاسقين، ولا يحلّ لنا أن نخرج عليه، فالرّسول قال: كفرًا.
الثالث: بواحًا يعني صريحًا لا يمكن فيه التأويل، فإن أمكن فيه التّأويل فإنّنا لا نكفّره، ولا نخرج عليه.
الرابع: عندنا من الله فيه برهان، يعني ليس الكفر الذي رأيناه بواحا كفرا بقياس أو ما أشبه ذلك، بل يكون عندنا فيه برهان، ودليل واضح من الكتاب والسنة.
هذه أربعة شروط، وهناك شرط خامس يؤخذ من الأدلّة الأخرى، وهو أن يكون عندنا قدرة على إزاحة هذا الحاكم الكافر الذي كفر كفرا صريحا عندنا فيه من الله برهان، فيكون لنا قدرة، فإن لم يكن لنا قدرة صار الشّرّ الذي نريد إزالته أكثر ممّا لو تركناه على حاله، ثم حاولنا بطريق أو بأخرى الإصلاح ما استطعنا.
ولهذا يخطئ بعض الإخوة الذين عندهم ولله الحمد غيرة إسلامية ودين، يخطؤون حينما يخرجون على من ولّاه الله تعالى إياهم، والله حكيم، فهو الذي يولِّي بعض الظالمين بعضاً، ولا تظنوا أن الولاة إذا ظلموا أو اعتدوا أن هذا تسليط من الله تعالى لمجرّد مشيئة من الله، بل هو لحكمة، لأن الله قال: (( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ))، والولاّة لا يتسلّطون على الرعية إلا بسبب الرعية، " كما تكونون يُوَلَّى عليكم " فبعض النّاس الذين يحاولون الخروج على من ولاّه الله عليهم ولو بالقوّة هم يخطؤون في الواقع،
أوّلًا: أنّه لابدّ من العلم بما حصل من هذا الذي ولاّه الله علينا، لابد أن نعلم، فمجرّد الكلام الذي ينقل لا ينبغي أن يصدّق، وكم نقل إلينا من أقوال كاذبة، سواء في الولاّة، أو فيمن دون الولاّة، إذا تحقّقنا وجدنا أنه لا أصل لها، ولهذا جاء الحديث: ( إلاّ أن تروا كفراً ).
الثاني إذا رأينا هذا الشيء بأعيننا، أو تواتر إلينا من ثقات، فلابدّ أن نعرضه على الكتاب والسنة، هل هو كفر أو فسق؟
وإذا ظننّا أنّه كفر فلا بد أن ننظر هل فيه برهان من الله؟ هل هو كفر صريح لا يحتمل التأويل؟ لأنه قد يكون كفرًا لكن يعذر فيه الإنسان من جهة التأويل، فلابد أن يكون بواحاً، صريحاً، واضحاً لا يحتمل التأويل.
لابدّ أيضا أن يكون عندنا فيه من الله برهان، دليل قاطع واضح، وإنّما ضيّق النّبيّ عليه الصلاة والسلام ذلك، أي: الخروج على الأئمّة بهذه القيود التي قد يظنّها بعض النّاس صعبة، لأنّ ما يترتّب على الخروج أشدّ ضررا ممّا هم عليه، وأنتم تشاهدون الآن ما حصل من الثورات، هل كانت الشعوب أسعد بعد الثورة منها قبل الثورة؟
أبدًا بل بالعكس، ولا حاجة إلى أن نعيّن بلادًا معيّنة في هذا المكان لأنّ الأمر واضح.
فالمهمّ أنّنا ننصح إخواننا المسلمين من التّسرّع في هذه الأمور، وإذا سَلّط الله عليهم أحدًا ممّن يتولّى عليهم فليسألوا الله تعالى له الهداية، والسّلامة من شرّه، ويصبروا، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إذا رأى أحدكم من أميره ما يكره فليصبر، فإنّ مَن فارق الجماعة قِيد شبر مات ميتة جاهلية )، فلابدّ من الصّبر، ولابدّ من النّصيحة.
فهذه أيضاً من الأصول الهامّة التي سأل عنها الأخ، والتي يخالف فيها أهل البدع ما كان عليه أهل السّنّة والجماعة فتجدهم يخرجون على الأئمّة ولا يترتب على الخروج إلا ما هو شرّ، ما الذي فرّق الأمّة من حين أن خرجوا على عثمان رضي الله عنه إلاّ هذا.
فنسأل الله لنا ولكم السّلامة والهداية، وأن يوفّقنا وإيّاكم لما يحبُّ ويرضى، وأظنّ الحدّ الفاصل الذي يتمّ به هذا المجلس هو أذان الظّهر وقد سمعتموه الآن، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.