التعليق على قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ...... ولعلكم تشكرون ". حفظ
الشيخ : بسم الله الرّحمن الرّحيم .
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين .
أما بعد:
فهذا يوم الخميس الثالث والعشرين من شهر شعبان، عام أربعة عشر وأربعمائة وألف، وهو المجلس الأول في آخر الإجازة الرّبعية، وبمناسبة قرب رمضان يحسن أن نتحدّث قليلاً عن قوله تبارك وتعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )):
فهذه الآية صدَّرها الله عزّ وجلّ بهذا النّداء: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) وبوصف الإيمان، لأنّ وصف الإيمان يحمل الإنسان على أن يمتثل أمر الله ويجتنب نهيه، وهو وصف لا شكّ محمود محبوب إلى الخلق، فكلّ إنسان يحبّ أن يوصف بالإيمان، وكلّ إنسان يودّ أن يتمّم الله إيمانَه، فإذا نادى الله تعالى بهذا الوصف المحمود المحبوب كان أدعى للقبول، وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه فيما يروى عنه: " إذا سمعتَ الله يقول: يا أيها الذين آمنوا فارعها سمعك، فإنه إما خير تؤمر به، وإما شرٌّ تنهى عنه "، والذي في جلستنا هذه هو خير نُؤمر به: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ )) أي: فرض، والفارض له هو الله عزّ وجلّ، فرضه على عباده، وقد جاءت السّنّة بأنّه أحد أركان الإسلام الخمسة.
وفي قوله: (( كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ )) إشارة إلى فائدتين:
الفائدة الأولى: تسلية هذه الأمّة، حتّى لا يقول قائل: لماذا ألزمنا نحن بترك شهواتنا مِن مطعوم، ومشروب، ومنكوح دون غيرنا من الأمم؟
فيكون في هذا نوع تسلية لهذه الأمة، وأنّها لم تلزم بما لم تلزم به الأمم قبلها.
والفائدة الثانية: بيان استكمال هذه الأُمّة للفضائل التي سبقت للأمم من قبلها، ولهذا كان النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام خاتم الأنبياء، وقد ضَرب مثلاً لحاله مع إخوانه المرسلين بقصرٍ مشيد عُمِر: ( فكان الناس يطوفون به ويقولون: ما أحسن هذا القصر، إلاّ موضع لبنة فيه )، وكان النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام هو الذي حلّ أو سدّ موضع هذه اللّبنة وبه تمّ البناء، فتمّت الشّرائع والحمد لله بهذه الشّريعة الإسلاميّة.
ثمّ بيّن الله عزّ وجلّ الحكمة من فرضه فقال: (( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) لم يقل: لعلّكم تجوعون، أو تعطشون، أو يشقّ عليكم مجانبة الأهل، بل قال: (( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ))، هذه هي الحكمة من فرض الصّوم، ولهذا جاء في الحديث: ( ربّ صائمٍ حظّه من صيامه الجوع والظّمأ ).
فما هي التّقوى؟
التّقوى: عبارة عن اتّخاذ وقاية من عذاب الله، ولا وقاية من عذاب الله إلا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ولهذا نقول: " التّقوى فعل ما أمر الله به، وترك ما نهى عنه "، وهذا أجمع تعريف للتّقوى.
وقد بيّن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام شيئا من ذلك في قوله: ( من لم يدع قول الزّور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) يعني: فالذي لا يترك هذه الأشياء فإنّ الله سبحانه وتعالى لا يريد منه أن يدع الطّعام والشّراب لأنّ هذا قد يكون فيه تعذيب للنّفس والله تعالى يقول: (( مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ))، فالله عزّ وجلّ يريد منّا أن ندع قول الزّور والعمل به والجهل، وهذه هي الحكمة من الصوم، فلينظر الإنسان في نفسه هل قام بهذه الحكمة وهذه الغاية الحميدة أو أنّه صار صيامه مجرّد إمساك عن الأكل والشّرب والنّكاح.
ثم بيّن الله عزّ وجلّ أنّ هذا الصّيام ليس أشهراً ولا سنين ولكنّه أيّام معدودات، فهو قليل العدد، ثمّ هو قليل المشقّة: (( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ))، إذن ليس فيه كثرة، وليس فيه إيش؟
الطالب : مشقّة.
الشيخ : مشقّة، لأنّه إذا كان المسافر يفطر، والمريض الذي يشقّ عليه الصّوم يفطر إذن لا مشقّة، لا مشقّة ولا كثرة عدد فهو يسير ولله الحمد.
(( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ )): على الذين يطيقونه أي: يقدرون عليه.
فدية طعام مسكين: يعني: من لا يريد الصّوم فإنّه يطعم عن كلّ يوم مسكينًا، وهذا تيسير، تصوم إن شئت، أو تُطعم عن كلّ يوم مسكينًا، ولو كنت تطيقه.
(( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً )): وأطعم المسكين.
(( فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ )): فيخيّر الإنسان بين أن يصوم أو يُطعم ولو كان قادرًا، وهذه من نعمة الله سبحانه وتعالى وتيسيره، لكن هل هذا بقي؟
لا، لم يبق هذا الحكم، بل نسخه ما بعده، وهو قوله تعالى: (( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )): فأوجب الله الصّوم ونسخ الإطعام، لكن لمـَّا كان أوّل فرض الصّيام قد يشقّ على النّاس أن يصوموا فجأة فرُغّبوا في الصوم، وخُيّروا بينه وبين الإطعام، ثمّ لماّ استقرَّ الفرض في أنفسهم، وقرّت به أعينهم، أوجب الله عليهم الصّيام، ولهذا لا يجوز للإنسان أن يُطعم مع قدرته على الصّوم، ثمّ إذا كان عاجزًا عن الصّوم فإمّا أن يكون عجزه مستمرّا فهذا يطعم عن كل يوم مسكينا، وإمّا أن يكون عجزه طارئا يرجو زواله كالمريض مرضًا عاديّا فهذا ينتظر حتّى يشفى ثمّ يصوم: (( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ )):
(( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ )) هذا كالتّعليل لقوله: (( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر )) يعني: إنّما رخّص لكم الفطر في حال السّفر وفي حال المرض، لأنّه عزّ وجلّ يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر.
ولهذا جاءت الشّريعة الإسلاميّة بكلّ يسر ولله الحمد، حتّى قال النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام فيما صحّ عنه: ( إنّ الدّين يسر )، وهذه جملة حصريّة بمعنى: أنّ الدّين كلّه يسر، ليس فيه مشقّة.
لو تأمّلت أوامر الشّريعة لوجدتها كلّها سهلة يسيرة، ثمّ إذا صار على الإنسان مشقّة في شيء منها فإنّها تنقسم إلى قسمين:
إمّا أن تسقط، وإمّا أن ينتقل إلى بدل، ففي الوضوء إذا تعذّر استعمال الماء فإنّه إيش يعمل؟
الطالب : يتيمّم.
الشيخ : يتيمّم، فإن لم يجد ما يتيمّم به سقط عنه، هذا مثال للشّيء الذي يسقط إلى بدل وإلى غير بدل، وهذا تيسير ولله الحمد، الدّين كلّه يسر.
ولهذا يجب على طالب العلم أن ينظر إلى هذه الزّاوية أكثر ممّا ينظر إلى زاوية التّعسير على الخلق، لأنّ ربّهم الذي خلقهم هو الذي قال: (( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ )).
وكثير من النّاس الآن نجده يعامل النّاس بما هو أعسر وأشقّ، وهذا إن جاءت به الشّريعة فلا بأس وليس بشاقّ إلاّ في تصوّر بعض النّاس، وأمّا إذا لم تأتِ به الشّريعة فإنّه لا حجّة لك عند الله يوم القيامة إذا قال لك: لماذا عسّرت على عبادي وأنا ميسّر لهم؟
ولهذا يجب أن ننظر إلى هذا نظرة فاحصة، وألاّ نُلزم النّاس بما لم يلزمهم الله به، وألاّ نُحرّم عليهم ما لم يحرّمه الله عليهم، حتّى وإن فُرض أنّنا عندهم قدوة، وأنّهم يطيعوننا فإنّنا في الواقع بينهم وبين الله، وسوف يسألنا الله عزّ وجلّ.
(( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ )) أي عدة رمضان . َ
(( وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ )): لتكملوا العدّة الفائدة من هذه الجملة ألاّ نتسرّع في الإفطار، فمثلاً لو شهد شاهد واحد على دخول شهر شوال ليلة ثلاثين من رمضان فإنّنا لا نقبل قوله حتّى يأتي بشاهد آخر يشهد بأنّه يرى هلال شوّال، فحينئذ نأخذ بقوله، ونكون قد أكملنا العدّة.
(( وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ )) وهذا في آخر الأيّام إذا غابت الشّمس ليلة عيد الفطر فإنّه يشرع للنّاس أن يُكبّروا الله عزّ وجلّ على ما هداهم، لأنّ هدايته لهم نعمة كبيرة يستحق عليها الشكر (( وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )).
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتمّم لنا ولكم صيام رمضان وقيامه على أحسن وجه، وأن نقوم بذلك إيمانا واحتسابًا، إنّه على كل شيء قدير.
والآن إلى الأسئلة ونبدأ باليمين، والقاعدة عندنا أنّ لكلّ واحد سؤالا فقط.
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين .
أما بعد:
فهذا يوم الخميس الثالث والعشرين من شهر شعبان، عام أربعة عشر وأربعمائة وألف، وهو المجلس الأول في آخر الإجازة الرّبعية، وبمناسبة قرب رمضان يحسن أن نتحدّث قليلاً عن قوله تبارك وتعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )):
فهذه الآية صدَّرها الله عزّ وجلّ بهذا النّداء: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) وبوصف الإيمان، لأنّ وصف الإيمان يحمل الإنسان على أن يمتثل أمر الله ويجتنب نهيه، وهو وصف لا شكّ محمود محبوب إلى الخلق، فكلّ إنسان يحبّ أن يوصف بالإيمان، وكلّ إنسان يودّ أن يتمّم الله إيمانَه، فإذا نادى الله تعالى بهذا الوصف المحمود المحبوب كان أدعى للقبول، وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه فيما يروى عنه: " إذا سمعتَ الله يقول: يا أيها الذين آمنوا فارعها سمعك، فإنه إما خير تؤمر به، وإما شرٌّ تنهى عنه "، والذي في جلستنا هذه هو خير نُؤمر به: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ )) أي: فرض، والفارض له هو الله عزّ وجلّ، فرضه على عباده، وقد جاءت السّنّة بأنّه أحد أركان الإسلام الخمسة.
وفي قوله: (( كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ )) إشارة إلى فائدتين:
الفائدة الأولى: تسلية هذه الأمّة، حتّى لا يقول قائل: لماذا ألزمنا نحن بترك شهواتنا مِن مطعوم، ومشروب، ومنكوح دون غيرنا من الأمم؟
فيكون في هذا نوع تسلية لهذه الأمة، وأنّها لم تلزم بما لم تلزم به الأمم قبلها.
والفائدة الثانية: بيان استكمال هذه الأُمّة للفضائل التي سبقت للأمم من قبلها، ولهذا كان النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام خاتم الأنبياء، وقد ضَرب مثلاً لحاله مع إخوانه المرسلين بقصرٍ مشيد عُمِر: ( فكان الناس يطوفون به ويقولون: ما أحسن هذا القصر، إلاّ موضع لبنة فيه )، وكان النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام هو الذي حلّ أو سدّ موضع هذه اللّبنة وبه تمّ البناء، فتمّت الشّرائع والحمد لله بهذه الشّريعة الإسلاميّة.
ثمّ بيّن الله عزّ وجلّ الحكمة من فرضه فقال: (( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) لم يقل: لعلّكم تجوعون، أو تعطشون، أو يشقّ عليكم مجانبة الأهل، بل قال: (( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ))، هذه هي الحكمة من فرض الصّوم، ولهذا جاء في الحديث: ( ربّ صائمٍ حظّه من صيامه الجوع والظّمأ ).
فما هي التّقوى؟
التّقوى: عبارة عن اتّخاذ وقاية من عذاب الله، ولا وقاية من عذاب الله إلا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ولهذا نقول: " التّقوى فعل ما أمر الله به، وترك ما نهى عنه "، وهذا أجمع تعريف للتّقوى.
وقد بيّن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام شيئا من ذلك في قوله: ( من لم يدع قول الزّور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) يعني: فالذي لا يترك هذه الأشياء فإنّ الله سبحانه وتعالى لا يريد منه أن يدع الطّعام والشّراب لأنّ هذا قد يكون فيه تعذيب للنّفس والله تعالى يقول: (( مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ))، فالله عزّ وجلّ يريد منّا أن ندع قول الزّور والعمل به والجهل، وهذه هي الحكمة من الصوم، فلينظر الإنسان في نفسه هل قام بهذه الحكمة وهذه الغاية الحميدة أو أنّه صار صيامه مجرّد إمساك عن الأكل والشّرب والنّكاح.
ثم بيّن الله عزّ وجلّ أنّ هذا الصّيام ليس أشهراً ولا سنين ولكنّه أيّام معدودات، فهو قليل العدد، ثمّ هو قليل المشقّة: (( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ))، إذن ليس فيه كثرة، وليس فيه إيش؟
الطالب : مشقّة.
الشيخ : مشقّة، لأنّه إذا كان المسافر يفطر، والمريض الذي يشقّ عليه الصّوم يفطر إذن لا مشقّة، لا مشقّة ولا كثرة عدد فهو يسير ولله الحمد.
(( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ )): على الذين يطيقونه أي: يقدرون عليه.
فدية طعام مسكين: يعني: من لا يريد الصّوم فإنّه يطعم عن كلّ يوم مسكينًا، وهذا تيسير، تصوم إن شئت، أو تُطعم عن كلّ يوم مسكينًا، ولو كنت تطيقه.
(( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً )): وأطعم المسكين.
(( فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ )): فيخيّر الإنسان بين أن يصوم أو يُطعم ولو كان قادرًا، وهذه من نعمة الله سبحانه وتعالى وتيسيره، لكن هل هذا بقي؟
لا، لم يبق هذا الحكم، بل نسخه ما بعده، وهو قوله تعالى: (( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )): فأوجب الله الصّوم ونسخ الإطعام، لكن لمـَّا كان أوّل فرض الصّيام قد يشقّ على النّاس أن يصوموا فجأة فرُغّبوا في الصوم، وخُيّروا بينه وبين الإطعام، ثمّ لماّ استقرَّ الفرض في أنفسهم، وقرّت به أعينهم، أوجب الله عليهم الصّيام، ولهذا لا يجوز للإنسان أن يُطعم مع قدرته على الصّوم، ثمّ إذا كان عاجزًا عن الصّوم فإمّا أن يكون عجزه مستمرّا فهذا يطعم عن كل يوم مسكينا، وإمّا أن يكون عجزه طارئا يرجو زواله كالمريض مرضًا عاديّا فهذا ينتظر حتّى يشفى ثمّ يصوم: (( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ )):
(( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ )) هذا كالتّعليل لقوله: (( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر )) يعني: إنّما رخّص لكم الفطر في حال السّفر وفي حال المرض، لأنّه عزّ وجلّ يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر.
ولهذا جاءت الشّريعة الإسلاميّة بكلّ يسر ولله الحمد، حتّى قال النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام فيما صحّ عنه: ( إنّ الدّين يسر )، وهذه جملة حصريّة بمعنى: أنّ الدّين كلّه يسر، ليس فيه مشقّة.
لو تأمّلت أوامر الشّريعة لوجدتها كلّها سهلة يسيرة، ثمّ إذا صار على الإنسان مشقّة في شيء منها فإنّها تنقسم إلى قسمين:
إمّا أن تسقط، وإمّا أن ينتقل إلى بدل، ففي الوضوء إذا تعذّر استعمال الماء فإنّه إيش يعمل؟
الطالب : يتيمّم.
الشيخ : يتيمّم، فإن لم يجد ما يتيمّم به سقط عنه، هذا مثال للشّيء الذي يسقط إلى بدل وإلى غير بدل، وهذا تيسير ولله الحمد، الدّين كلّه يسر.
ولهذا يجب على طالب العلم أن ينظر إلى هذه الزّاوية أكثر ممّا ينظر إلى زاوية التّعسير على الخلق، لأنّ ربّهم الذي خلقهم هو الذي قال: (( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ )).
وكثير من النّاس الآن نجده يعامل النّاس بما هو أعسر وأشقّ، وهذا إن جاءت به الشّريعة فلا بأس وليس بشاقّ إلاّ في تصوّر بعض النّاس، وأمّا إذا لم تأتِ به الشّريعة فإنّه لا حجّة لك عند الله يوم القيامة إذا قال لك: لماذا عسّرت على عبادي وأنا ميسّر لهم؟
ولهذا يجب أن ننظر إلى هذا نظرة فاحصة، وألاّ نُلزم النّاس بما لم يلزمهم الله به، وألاّ نُحرّم عليهم ما لم يحرّمه الله عليهم، حتّى وإن فُرض أنّنا عندهم قدوة، وأنّهم يطيعوننا فإنّنا في الواقع بينهم وبين الله، وسوف يسألنا الله عزّ وجلّ.
(( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ )) أي عدة رمضان . َ
(( وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ )): لتكملوا العدّة الفائدة من هذه الجملة ألاّ نتسرّع في الإفطار، فمثلاً لو شهد شاهد واحد على دخول شهر شوال ليلة ثلاثين من رمضان فإنّنا لا نقبل قوله حتّى يأتي بشاهد آخر يشهد بأنّه يرى هلال شوّال، فحينئذ نأخذ بقوله، ونكون قد أكملنا العدّة.
(( وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ )) وهذا في آخر الأيّام إذا غابت الشّمس ليلة عيد الفطر فإنّه يشرع للنّاس أن يُكبّروا الله عزّ وجلّ على ما هداهم، لأنّ هدايته لهم نعمة كبيرة يستحق عليها الشكر (( وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )).
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتمّم لنا ولكم صيام رمضان وقيامه على أحسن وجه، وأن نقوم بذلك إيمانا واحتسابًا، إنّه على كل شيء قدير.
والآن إلى الأسئلة ونبدأ باليمين، والقاعدة عندنا أنّ لكلّ واحد سؤالا فقط.