تفسير سورة الفجر من أولها إلى قوله تعالى : " والليل إذا يسر " . حفظ
الشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين -سامع صوت-
أما بعد:
فهذا هو المجلس الثاني والستون من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل خميس، وهو يوم الخميس هو الحادي والعشرون من شهر المحرم عام خمسة عشر وأربعمائة وألف، وكان من عادتنا أن نتكلم بما يسر الله سبحانه وتعالى من تفسير القرآن الكريم الذي ابتدأناه بسورة النبأ، وقد انتهينا إلى سورة الفجر.
فنقول وبالله نقول: قال الله سبحانه وتعالى: (( وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ )) كل هذه إقسامات: بالفجر، وليال عشر، والشفع، والوتر، والليل إذا يسر، خمسة أشياء أقسم الله تعالى بها:
الأول: الفجر، والفجر: هو النور الساطع الذي يكون في الأفق الشرقي قرب طلوع الشمس، وبينه وبين طلوع الشمس ما بين ساعة واثنتين وثلاثين دقيقة إلى ساعة وسبع عشرة دقيقة، ويختلف باختلاف الفصول، يعني أحياناً تطول الحصة ما بين الفجر وطلوع الشمس، وأحياناً تقصر حسب الفصول، والفجر فجران: فجر صادق وفجر كاذب، والمقصود بالفجر هنا: الفجر الصادق، والفرق بين الفجر الصادق والكاذب من ثلاثة وجوه: الوجه الأول: الفجر الكاذب يكون مستطيلاً في السماء، ليس عرضاً ولكنه طولاً، وأما الفجر الصادق فيكون عرضاً، يمتد من الشمال إلى الجنوب.
والفرق الثاني: أن الفجر الصادق لا ظلمة بعده بل يزداد الضياء حتى تطلع الشمس، وأما الفجر الكاذب فإنه يكون بعده ظلمة، يحدث بعده ظلمة بعد أن يكون هذا الضياء، ولهذا سمي كاذباً، لأنه يضمحل ويزول.
والفرق الثالث: أن الفجر الصادق متصل بالأفق، أما الفجر الكاذب فبينه وبين الأفق ظلمة.
هذه ثلاثة فروق آفاقية حسية يعرفها الناس إذا كانوا في البر، أما في المدن فلا يعرفون ذلك، لأن الأنوار تحجب هذه العلامات.
وأقسم الله بالفجر، لأنه ابتداء النهار، وهو في الحقيقة انتقال من ظلمة دامسة إلى فجر ساطع.
وأقسم الله به، لأنه لا يقدر على الإتيان بهذا الفجر إلا الله عز وجل، كما قال الله تبارك وتعالى: (( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ )).
وأقسم الله بالفجر، لأنه يترتب عليه أحكام شرعية، مثل إمساك الصائم، فإنه إذا طلع الفجر وجب على الصائم أن يمسك إذا كان صومه فرضاً، أو نفلاً إذا أراد أن يتم صومه
ويترتب عليه أيضاً دخول وقت صلاة الفجر، وهما حكمان شرعيان عظيمان، أهمهما: دخول وقت الصلاة، أي: أنه يجب أن نراعي الفجر من أجل دخول وقت الصلاة أكثر مما نراعيه من أجل الإمساك في حال الصوم، لماذا؟ لأننا في الإمساك عن المفطرات في الصيام لو فرضنا أننا أخطأنا فإننا بنينا على أصل وهو بقاء الليل، لكن في الصلاة لو أخطأنا وصلينا قبل الفجر لم نكن بنينا على أصل، لأن الأصل بقاء الليل وعدم دخول وقت الصلاة، ولهذا لو أن الإنسان صلى الفجر قبل دخول وقت الصلاة بدقيقة واحدة فصلاته نفل ولا تبرأ بها ذمته، ومن ثم ندعوكم أيها الإخوة إلى ملاحظة هذه المسألة، أعني: العناية بدخول وقت صلاة الفجر، لأن كثيراً من المؤذنين يؤذنون قبل الفجر وهذا غلط، لأن الأذان قبل الوقت ليس بمشروع، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ) ومتى يكون حضور الصلاة؟ أسألكم؟ إذا دخل وقتها، فلو أذن الإنسان قبل دخول وقت الصلاة فأذانه غير صحيح يجب عليه الإعادة، والعناية بدخول الفجر مهمة جداً من أجل مراعاة وقت الصلاة.
وقوله تعالى: (( وَلَيَالٍ عَشْرٍ )) قيل: المراد بالليالي العشر: عشر ذي الحجة، وأطلق على الأيام ليالي، لأن اللغة العربية واسعة، قد تطلق الليالي ويراد بها الأيام، والأيام ويراد بها الليالي، وقيل: المراد بالليالي العشر نعم، وقيل: المراد بالليالي العشر ليالي العشر الأخيرة من رمضان.
أما على الأول الذين يقولون: المراد بالليالي العشر عشر ذي الحجة، فلأن عشر ذي الحجة أيام فاضلة، قال فيها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ) ... ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ ) زود شوية ( قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ) .
وأما الذين قالوا: إن المراد بالليالي العشر هي ليالي عشر رمضان الأخيرة، فقالوا: إن الأصل في الليالي أنها الليالي ما هي الأيام، وقالوا: إن ليالي العشر الأخيرة من رمضان فيها ليلة القدر التي قال الله عنها إنها (( خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ )) وقال إنها: (( مُبَارَكَةٍ )) وقال: (( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ )) وهذا القول أرجح من القول الأول، وإن كان القول الأول هو قول الجمهور، لكن اللفظ لا يسعف قول الجمهور، وإنما يرجح القول الثاني، وهو أن ليالي العشر الأواخر من رمضان، وأقسم الله بها لشرفها، ولأن فيها ليلة القدر، ولأن المسلمين يختمون بها شهر رمضان الذي هو وقت فريضة من فرائض الإسلام وأركان الإسلام، فلذلك أقسم الله بهذه الليالي.
وأما قوله: (( وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ )) فقيل: إن المراد به كل الخلق، كل الخلق إما شفع وإما وتر، صح؟ كل الخلق إما شفع وإما وتر والله عز وجل يقول: (( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ )) العبادات إما شفع وإما وتر، فيكون المراد بالشفع والوتر كل ما كان مخلوقاً من شفع ووتر، وكل ما كان مشروعاً من شفع ووتر.
وقيل: المراد بالشفع: الخلق كلهم، والمراد بالوتر: الله عز وجل.
واعلم أن قوله: (( والوتر )) فيه قراءتان صحيحتان وهما: (( والوِتر والوَتر )) يعني: لو قلت: (( والشفع والوِتر )) صح، ولو قلت: (( والشفع والوَتر )) صح أيضاً، فقالوا: إن الشفع هو الخلق، لأن المخلوقات كلها مكونة من شيئين، (( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ )) والوَتر أو الوِتر هو الله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله وتر يحب الوتر ) وإذا كانت الآية تحتمل معنيين ولا منافاة بينهما فلتكن لكل المعاني التي تحتملها الآية، هذه القاعدة في علم التفسير، أن الآية إذا كانت تحتمل معنيين وأحدهما لا ينافي الآخر فهي محمولة على المعنيين جميعاً.
قال تعالى: (( وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ )) أقسم الله أيضاً بالليل إذا يسر، والسري هو: السير في الليل، والليل كما نعلم يسير، يبدأ بالمغرب وينتهي بطلوع الفجر، فهو يمشي زمن يمشي ما يتوقف، فهو دائماً في سريان، فأقسم الله به لما في ساعاته من العبادات، كصلاة المغرب والعشاء، وقيام الليل، والوتر، وغير ذلك، ولأن في الليل مناسبة عظيمة وهي أن الله عز وجل ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: ( من يسألني فأعطيه، من يدعوني فأستجيب له، من يستغفرني فأغفر له ) ولهذا نقول: إن الثلث الآخر من الليل: إنه وقت إجابة، فينبغي أن ينتهز الإنسان هذه الفرصة فيقوم لله عز وجل يتهجد، ويدعو الله سبحانه وتعالى بما شاء من خير الدنيا والآخرة، لعله يصادف ساعة إجابة ينتفع بها في دنياه وأخراه.
ولنقتصر على هذا من أجل الإجابة على الأسئلة كما هي العادة، ثم نحيطكم علمًا بأن لكل واحد سؤالًا واحدًا، وأنه لا تعليق على الإجابة حتى نتمكن من عدد أكبر يلقون أسئلتهم.