وصايا هامة تهم المسلمين عموما متعلقة بـ ( تقوى الله - الإخلاص – الغيبة وخاصة للعلماء والأمراء ) ؟ حفظ
الشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
وهذا هو يوم الخميس، العشرون من شهر صفر عام خمسة عشر وأربعمائة وألف.
لقاؤنا في هذا اليوم كان من المعتاد أن نسير في تفسير القرآن الكريم، وكان منتهى وقوفنا في أثناء سورة الفجر، لكن نظراً إلى كثرة الإخوان هذا اليوم فإننا نحب أن نضع وصايا هامة تهم المسلمين عموماً.
فنقول: أول ما نوصي أنفسنا وإياكم به هو: تقوى الله عزَّ وجلَّ، لأن الله سبحانه وتعالى قال: (( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ )) ، فهذه وصية الله في الأولين والآخرين، وتقوى الله سبحانه وتعالى هي أن يتخذ الإنسان وقاية من عذاب الله، ولا وقاية من عذاب الله إلا بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، هذا هو الذي يقيك من عذاب الله، لا يقيك من عذاب الله أبٌ، ولا ابنٌ، ولا قريبٌ، ولا مالٌ، ولا جاهٌ، ولا يقيك من عذاب الله إلا تقوى الله عزَّ وجلَّ، كما قال الله تبارك وتعالى: (( يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ )).
تقوى الله سبحانه وتعالى: القيام بأوامره، واجتناب نواهيه، ومن أهم أوامره، بل هو أهم أوامره: الإخلاص لله عزَّ وجلَّ، في كل ما تعمله متقرباً به إلى ربك لا بد أن يكون خالصاً لله، إذا أشركت مع الله غيره ردَّه الله عليك، لأن الله يقول في الحديث القدسي: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك، مَن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركتُه وشركَه ) ، (( إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ )).
تخلص لله عزَّ وجلَّ في طهارتك، في صلاتك، في زكاتك، في صومك، في حجك، في برك لوالديك، في صِلَتك لأرحامك، في إحسانك إلى جيرانك.
تخلص لله تعالى في طلب العلم، بألا تبتغي به جاهاً، ولا رئاسة، ولا تريد أن تجاري العلماء، أو تماري السفهاء، بل تريد بذلك إحياء شريعة الله عزَّ وجلَّ، ورفع الجهل عن عباد الله وعن نفسك، والدفاع عن شريعة الله، لأن شريعة الله تعالى مستهدفة كما تعلمون، من حين خرجت في مكة إلى يومنا هذا وهي مستهدفة، كما قال الله تعالى: (( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً )) ممن؟ (( مِنَ الْمُجْرِمِينَ )) ، كل نبيٍّ له عدو، وكل أتباعِ نبيٍّ لهم أعداء، ولا بد.
هذه سنة الله عزَّ وجلَّ، وليس الدرب مفروشاً بالورود والزهور، الدرب صعب وشاق، لا بد أن الله عزَّ وجلَّ بحكمته يجعل للحق مضاداً من أجل أن يُعْرَف الحق ويظهر ناصعاً غالباً على الباطل، ومن أجل أن يعلم الله المجاهدين منا والصابرين.
إذن لا بد من الإخلاص في طلب العلم، تخلص لله عزَّ وجلَّ في امتثال أمر الله باتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، والمعنى: أنك تخلص الاتباع للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بأن لا تزيد في شريعته ما ليس منها، ولا تُنْقِص من شريعته ما كان منها، الناقص من الشريعة مُقَصِّر، وقد يكون فاسقاً، والزائد مبتدع، الدين كامل لا يحتاج إلى ابتداع، فلا بد من إخلاص المتابعة للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبذلك نحقق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
ومن تقوى الله سبحانه وتعالى أن تحرص غاية الحرص على هداية عباد الله بنشر العلم الصحيح المأخوذ من كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأن تبين لهم طريقة الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وأن ترشد الناس إلى ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، من قوله: ( مِن حُسْن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه ) ، أي: ما لا يهمه.
إذا رأيت الإنسان كادحاً إلى الله عزَّ وجلَّ، مشتغلاً بما يهمه عما لا يهمه، ليس له هم إلا ما يقرب إلى الله، فاعلم أن ذلك من حسن الإسلام.
وإذا رأيت إنساناً يهتم بأمور لا حاجة إليها، وليس معنياً بها، وأن أكثر أوقاته ضائع في القيل والقال، وكثرة السؤال، فاعلم أن ذلك من نقص إسلامه، ومِن ثَمَّ ( نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن قيل وقال، وكثرة السؤال ) ، لأن ذلك يضيع الوقت.
وإذا مُرِضَ الإنسان بهذا المرض ضاع عليه وقته، صار يجلس إلى هذا يقول: ما الذي حدث؟! ماذا قال فلان؟! ماذا قال فلان؟! ثم إلى الثاني يقول له كذلك، ثم إلى الثالث، والرابع، وهكذا يضيِّع أوقاتَه، وأوقاتَ غيره.
لكن إذا كان الإنسان يمشي على ما يهمه ويعنيه، ولا بأس أن يسأل إذا دعت الحاجة إلى السؤال يسأل عما حدث وعما يكون في المجتمع، من أجل مداواته وإزالة المرض، لا من أجل أن يشمت بالغير، أو أن يجعل ذلك مثاراً للشقاق والنزاع، كما يوجد من بعض الناس الآن، بعض الناس له نية طيبة، لا يُتَّهَم، لكن مسكينٌ ابتُلي بهذا المرض وهو أن لا يكون له هَمٌّ إلا القيل، والقال، وماذا قال فلان؟! وماذا قال فلان؟! وماذا قالت الطائفة الفلانية؟! وماذا قالت الطائفة الفلانية؟! لا لأجل أن يداوي المرض ويزيل الشقاق، ولكن ليشمت، أو ليقول كما يقول الصبيان: أنت مع هؤلاء وإلا مع هؤلاء؟! لم نعهد هذا التجمُّع والتحزُّب إلا عند الصبيان.
لذلك أوصيكم بالتخلي نهائياً عن هذ الأمر، لأنه لا يخدم المصلحة، يضيع الأوقات، ورسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال، وعن إضاعة الوقت بالقيل والقال، وكثرة السؤال.
ثم إني أوصيكم أيضًا بترك الغيبة، غيبة الناس، ولو سألتكم: ما هي الغيبة؟ لكان الجواب: ( ذكرُك أخاك بما يكره ) هكذا عرَّفها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو أعرف الخلق بمعاني كتاب الله وسنة رسوله، والله تعالى قال في كتابه: (( وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً )) ، ( فقيل: ما الغيبة يا رسول الله؟ قال: ذكرُك أخاك بما يكره ) سواء كان ذلك في خُلُقه، أو معاملته، أو بدنه وخِلْقَته،أي شيء يكرهه أخوك، إذا ذكرتَه به في غَيْبَته فهذه هي الغيبة ( قالوا: يا رسول الله! أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّه ) يعني: بَهَتَّه مع الغيبة، والرسول عليه الصلاة والسلام -انتبهوا لهذه القاعدة- يذكر أخص الوصف مع اشتمال الموصوف عليه وعلى غيره، فهنا لما قال: ( فقد بَهَتَّه ) يعني: ولو لَمْ تَغْتَبْه؟! اجيبوا لا، يعني: فقد بَهَتَّه مع الغيبة.
ونظير ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه: ( وددتُ أنَّا رأينا إخوانَنا ) ( وددتُ أنَّا رأينا إخوانَنا ، قالوا: يا رسول الله! ألسنا إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي، إخواني قومٌ يأتون مِن بعد يؤمنون بي ولم يروني ) ، جعلني الله وإياكم من إخوانه.
فهنا قال: ( أنتم أصحابي ) ، وقال عن الذين يأتون من بعده: إنهم إخوانه، هل المعنى: أنتم أصحابي ولستم إخواني؟! لا، هم أصحابه وإخوانه، لكن الصحبة أخص من الأخوة.
كذلك لما قال ( الغيبة: ذكرُك أخاك بما يكره، قال أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّه ) أي بَهَتَّه مع ايش؟ مع الغيبة.
ونحن نرى بعض الناس الآن يشيعوا أقوالاً عن أشخاص معينين، بل يشيعوا أقوالاً أو أفعالاً عن علماء ما قالوها ولا فعلوها، بل يشيعوا أقوالاً وأفعالاً عن ذوي السلطة ذوي الأمر ما قالوها ولا فعلوها.
وغيبة ولاة الأمور من العلماء والأمراء الحُكَّام من الملِك والوزير وغيره أشد من غيبة عامة الناس، لماذا ؟ لأن غيبة ولاة الأمور تحدث الكراهة لولي الأمر، وإذا كره الإنسان ولي أمره صار لا يخضع لقوله، وصار ولو يفعل كل شيء من الحسن فهو غائب عن بصره، ولو يفعل سيئة واحدة كانت في بصره وقلبه، لماذا؟ لأنه ايش؟ يبغضه ويكرهه بما نُشر من الأشياء، وقد قال الشاعر الحكيم:
" وعين الرضا عن كل عيب كليلة *** كما أن عين السخط تُبْدِي المَساوِيا "
الإنسان الساخط لا تفكر أنه سينشر حسنة لمن هو ساخط عليه، لكن المبغض ينشر ايش؟ كل السيئات، ويسكت عن الحسنات، ولا كأنها حصلت.
فغيبة ولاة الأمور تُحْدِث كراهةَ ولي الأمر وبُغضَه وعدمَ الانصياع لأمره، وتجعل حسناته سيئات، وهذا خطير خطير على ايش؟ على المجتمع كله، لأن الأمور إذا أصبحت فوضى لا زمام لها فَسَدَ النظام، وانتثرت الأمة، وهل مثلا إذا نشرنا مثلاً مساوئ ولاة الأمور، هل هذا يُصْلِح من الحال شيئاً؟ لو كان يُصْلِح لكان طيباً، لكنه لا يُصْلِح، بل يزيد الأمر شدة، ويزيد ولي الأمر انتباهاً فيقع فيما لا يحق له أن يقع فيه من اتهام بعض البرآء في أمر هم منه بريئون، ويحصل بذلك شر، شر على الناشر للمساوئ وعلى غيره.
ثم إن الغيبة هل الغيبة ذنب سهل، أو من كبائر الذنوب؟ من كبائر الذنوب.
يقول ابن عبد القوي في منظومته الدالية الفقهية يقول:
" وقد قيل صُغْرى غيبةٌ ونميمةٌ *** وكلتاهما كُبْرى على نص أحمد "
أحمد بن حنبل رحمه الله.
فالغيبة من كبائر الذنوب، قال الله عزَّ وجلَّ: (( وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ))، من يحب أن يأكل لحم أخيه ميتاً، أحدٌ يحب هذا؟ لا، لا أحد يحب أن يأكل لحم أخيه ميتاً، وشبَّه الله الغيبة بأكل لحم الميت، لأن المغتاب ما هو بحاضر، ليس بحاضر ليدافع عن نفسه، الميت إذا أكلتَه ميت ما يدافع عن نفسه، وهذا تشبيهٌ بأقبحِ ما يكون، مما يدل على أن الغيبة مكروهة عند الله عزَّ وجلَّ، ويجب أن تكون مكروهة عند العاقل، لأنه تعالى قال: (( فَكَرِهْتُمُوهُ )).
كذلك أيضًا غيبة العلماء، العلماء ليسوا معصومين بلا شك، ولا أحد يُعْصَم إلا واحدٌ وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال الإمام مالك رحمه الله: ما منا إلا ويؤخذ من قوله ويُتْرك إلا صاحب هذا القبر يشير إلى قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وصَدَقَ رحمه الله، كُلٌّ يُخْطِئ، حتى الإنسان نفسه يعرف خطأه أحياناً إذا قال قولاً ثم بَحَثَ أو نوقِش فيه، وتبيَّن أنه مخطئ.
لكن هل من جزاء العلماء الذين أتْعَبوا أنفسهم في تحصيل العلم ولم يدَّخروا وُسْعاً في نشره بين الأمة هل من جزائهم أنهم إذا أخطأوا خطأً واحداً أن يُنْشَر خطؤهم ويُسْكَت عن محاسنهم؟! الجواب: لا، لا والله ليس من جزائهم، وليس هذا من العدل وليس هذا من القسط، العدل أن توازن بين الحسنات والسيئات، فإذا رَجَحَت الحسنات فالإنسان من المحسنين أو من المسيئين؟ من المحسنين، هذا إذا تقاربت السيئات والحسنات، فكيف إذا كانت سيئة واحدة في مقابل آلاف الحسنات؟ لكن بعض الناس والعياذ بالله يتخذ من الخطأ الواحد ذريعة للسب والقول والقيل، ويضيف إلى هذه السيئة سيئات أخرى، وهذا لا يجوز أبداً بأي حال من الأحوال.
واعلموا أن الناس إذا قلَّت ثقتهم بالعلماء فليس المعنى أن هذا إساءة إلى العالِم شخصياً، بل هو إساءة إلى العالِم وإلى ما يحمله من الشريعة، إذا نزل العالِم في أعين الناس ما قبلوا قوله، وردوا قوله ولو كان أوضح من الشمس، لأنه نُزِعت الثقة، ولولا ثقة الناس بعضِهم ببعض ما انتفع أحدٌ من أحد أبداً، حتى الإنسان الذي تريد أن تعامله معاملة تبيع له أو تشتري منه إذا لم تثق به هل تعامله؟ لا.
لذلك يا إخواني أنا أوصيكم بأن تحرصوا غاية الحرص على تجنُّب القيل والقال، وعلى أن الإنسان يشتغل بما يهمه عما لا يعنيه، لأن ذلك من حسن إسلام المرء، كما نطق به الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياكم ممن كفى الناسَ شرَّه، وكفاه شرَّ الناس، وأن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يتقبل منا ومنكم.
وأبشركم بأن حضوركم إلى هذا المجلس داخلٌ في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ) . نسأل الله لنا ولكم الإخلاص.
ثم إننا بما أن لدينا اليوم جماعة كثيرة أرى أن يخص السؤال بمن ليس من البلد هنا، لأنهم أحق حيث إنهم قدموا، فمن كان من أهل البلد فلا رخصة له أن يسأل سؤالًا واحدًا ولا واحدًا، ومن كان من غير أهل البلد فله سؤال واحد.
أما بعد:
وهذا هو يوم الخميس، العشرون من شهر صفر عام خمسة عشر وأربعمائة وألف.
لقاؤنا في هذا اليوم كان من المعتاد أن نسير في تفسير القرآن الكريم، وكان منتهى وقوفنا في أثناء سورة الفجر، لكن نظراً إلى كثرة الإخوان هذا اليوم فإننا نحب أن نضع وصايا هامة تهم المسلمين عموماً.
فنقول: أول ما نوصي أنفسنا وإياكم به هو: تقوى الله عزَّ وجلَّ، لأن الله سبحانه وتعالى قال: (( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ )) ، فهذه وصية الله في الأولين والآخرين، وتقوى الله سبحانه وتعالى هي أن يتخذ الإنسان وقاية من عذاب الله، ولا وقاية من عذاب الله إلا بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، هذا هو الذي يقيك من عذاب الله، لا يقيك من عذاب الله أبٌ، ولا ابنٌ، ولا قريبٌ، ولا مالٌ، ولا جاهٌ، ولا يقيك من عذاب الله إلا تقوى الله عزَّ وجلَّ، كما قال الله تبارك وتعالى: (( يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ )).
تقوى الله سبحانه وتعالى: القيام بأوامره، واجتناب نواهيه، ومن أهم أوامره، بل هو أهم أوامره: الإخلاص لله عزَّ وجلَّ، في كل ما تعمله متقرباً به إلى ربك لا بد أن يكون خالصاً لله، إذا أشركت مع الله غيره ردَّه الله عليك، لأن الله يقول في الحديث القدسي: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك، مَن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركتُه وشركَه ) ، (( إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ )).
تخلص لله عزَّ وجلَّ في طهارتك، في صلاتك، في زكاتك، في صومك، في حجك، في برك لوالديك، في صِلَتك لأرحامك، في إحسانك إلى جيرانك.
تخلص لله تعالى في طلب العلم، بألا تبتغي به جاهاً، ولا رئاسة، ولا تريد أن تجاري العلماء، أو تماري السفهاء، بل تريد بذلك إحياء شريعة الله عزَّ وجلَّ، ورفع الجهل عن عباد الله وعن نفسك، والدفاع عن شريعة الله، لأن شريعة الله تعالى مستهدفة كما تعلمون، من حين خرجت في مكة إلى يومنا هذا وهي مستهدفة، كما قال الله تعالى: (( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً )) ممن؟ (( مِنَ الْمُجْرِمِينَ )) ، كل نبيٍّ له عدو، وكل أتباعِ نبيٍّ لهم أعداء، ولا بد.
هذه سنة الله عزَّ وجلَّ، وليس الدرب مفروشاً بالورود والزهور، الدرب صعب وشاق، لا بد أن الله عزَّ وجلَّ بحكمته يجعل للحق مضاداً من أجل أن يُعْرَف الحق ويظهر ناصعاً غالباً على الباطل، ومن أجل أن يعلم الله المجاهدين منا والصابرين.
إذن لا بد من الإخلاص في طلب العلم، تخلص لله عزَّ وجلَّ في امتثال أمر الله باتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، والمعنى: أنك تخلص الاتباع للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بأن لا تزيد في شريعته ما ليس منها، ولا تُنْقِص من شريعته ما كان منها، الناقص من الشريعة مُقَصِّر، وقد يكون فاسقاً، والزائد مبتدع، الدين كامل لا يحتاج إلى ابتداع، فلا بد من إخلاص المتابعة للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبذلك نحقق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
ومن تقوى الله سبحانه وتعالى أن تحرص غاية الحرص على هداية عباد الله بنشر العلم الصحيح المأخوذ من كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأن تبين لهم طريقة الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وأن ترشد الناس إلى ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، من قوله: ( مِن حُسْن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه ) ، أي: ما لا يهمه.
إذا رأيت الإنسان كادحاً إلى الله عزَّ وجلَّ، مشتغلاً بما يهمه عما لا يهمه، ليس له هم إلا ما يقرب إلى الله، فاعلم أن ذلك من حسن الإسلام.
وإذا رأيت إنساناً يهتم بأمور لا حاجة إليها، وليس معنياً بها، وأن أكثر أوقاته ضائع في القيل والقال، وكثرة السؤال، فاعلم أن ذلك من نقص إسلامه، ومِن ثَمَّ ( نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن قيل وقال، وكثرة السؤال ) ، لأن ذلك يضيع الوقت.
وإذا مُرِضَ الإنسان بهذا المرض ضاع عليه وقته، صار يجلس إلى هذا يقول: ما الذي حدث؟! ماذا قال فلان؟! ماذا قال فلان؟! ثم إلى الثاني يقول له كذلك، ثم إلى الثالث، والرابع، وهكذا يضيِّع أوقاتَه، وأوقاتَ غيره.
لكن إذا كان الإنسان يمشي على ما يهمه ويعنيه، ولا بأس أن يسأل إذا دعت الحاجة إلى السؤال يسأل عما حدث وعما يكون في المجتمع، من أجل مداواته وإزالة المرض، لا من أجل أن يشمت بالغير، أو أن يجعل ذلك مثاراً للشقاق والنزاع، كما يوجد من بعض الناس الآن، بعض الناس له نية طيبة، لا يُتَّهَم، لكن مسكينٌ ابتُلي بهذا المرض وهو أن لا يكون له هَمٌّ إلا القيل، والقال، وماذا قال فلان؟! وماذا قال فلان؟! وماذا قالت الطائفة الفلانية؟! وماذا قالت الطائفة الفلانية؟! لا لأجل أن يداوي المرض ويزيل الشقاق، ولكن ليشمت، أو ليقول كما يقول الصبيان: أنت مع هؤلاء وإلا مع هؤلاء؟! لم نعهد هذا التجمُّع والتحزُّب إلا عند الصبيان.
لذلك أوصيكم بالتخلي نهائياً عن هذ الأمر، لأنه لا يخدم المصلحة، يضيع الأوقات، ورسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال، وعن إضاعة الوقت بالقيل والقال، وكثرة السؤال.
ثم إني أوصيكم أيضًا بترك الغيبة، غيبة الناس، ولو سألتكم: ما هي الغيبة؟ لكان الجواب: ( ذكرُك أخاك بما يكره ) هكذا عرَّفها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو أعرف الخلق بمعاني كتاب الله وسنة رسوله، والله تعالى قال في كتابه: (( وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً )) ، ( فقيل: ما الغيبة يا رسول الله؟ قال: ذكرُك أخاك بما يكره ) سواء كان ذلك في خُلُقه، أو معاملته، أو بدنه وخِلْقَته،أي شيء يكرهه أخوك، إذا ذكرتَه به في غَيْبَته فهذه هي الغيبة ( قالوا: يا رسول الله! أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّه ) يعني: بَهَتَّه مع الغيبة، والرسول عليه الصلاة والسلام -انتبهوا لهذه القاعدة- يذكر أخص الوصف مع اشتمال الموصوف عليه وعلى غيره، فهنا لما قال: ( فقد بَهَتَّه ) يعني: ولو لَمْ تَغْتَبْه؟! اجيبوا لا، يعني: فقد بَهَتَّه مع الغيبة.
ونظير ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه: ( وددتُ أنَّا رأينا إخوانَنا ) ( وددتُ أنَّا رأينا إخوانَنا ، قالوا: يا رسول الله! ألسنا إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي، إخواني قومٌ يأتون مِن بعد يؤمنون بي ولم يروني ) ، جعلني الله وإياكم من إخوانه.
فهنا قال: ( أنتم أصحابي ) ، وقال عن الذين يأتون من بعده: إنهم إخوانه، هل المعنى: أنتم أصحابي ولستم إخواني؟! لا، هم أصحابه وإخوانه، لكن الصحبة أخص من الأخوة.
كذلك لما قال ( الغيبة: ذكرُك أخاك بما يكره، قال أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّه ) أي بَهَتَّه مع ايش؟ مع الغيبة.
ونحن نرى بعض الناس الآن يشيعوا أقوالاً عن أشخاص معينين، بل يشيعوا أقوالاً أو أفعالاً عن علماء ما قالوها ولا فعلوها، بل يشيعوا أقوالاً وأفعالاً عن ذوي السلطة ذوي الأمر ما قالوها ولا فعلوها.
وغيبة ولاة الأمور من العلماء والأمراء الحُكَّام من الملِك والوزير وغيره أشد من غيبة عامة الناس، لماذا ؟ لأن غيبة ولاة الأمور تحدث الكراهة لولي الأمر، وإذا كره الإنسان ولي أمره صار لا يخضع لقوله، وصار ولو يفعل كل شيء من الحسن فهو غائب عن بصره، ولو يفعل سيئة واحدة كانت في بصره وقلبه، لماذا؟ لأنه ايش؟ يبغضه ويكرهه بما نُشر من الأشياء، وقد قال الشاعر الحكيم:
" وعين الرضا عن كل عيب كليلة *** كما أن عين السخط تُبْدِي المَساوِيا "
الإنسان الساخط لا تفكر أنه سينشر حسنة لمن هو ساخط عليه، لكن المبغض ينشر ايش؟ كل السيئات، ويسكت عن الحسنات، ولا كأنها حصلت.
فغيبة ولاة الأمور تُحْدِث كراهةَ ولي الأمر وبُغضَه وعدمَ الانصياع لأمره، وتجعل حسناته سيئات، وهذا خطير خطير على ايش؟ على المجتمع كله، لأن الأمور إذا أصبحت فوضى لا زمام لها فَسَدَ النظام، وانتثرت الأمة، وهل مثلا إذا نشرنا مثلاً مساوئ ولاة الأمور، هل هذا يُصْلِح من الحال شيئاً؟ لو كان يُصْلِح لكان طيباً، لكنه لا يُصْلِح، بل يزيد الأمر شدة، ويزيد ولي الأمر انتباهاً فيقع فيما لا يحق له أن يقع فيه من اتهام بعض البرآء في أمر هم منه بريئون، ويحصل بذلك شر، شر على الناشر للمساوئ وعلى غيره.
ثم إن الغيبة هل الغيبة ذنب سهل، أو من كبائر الذنوب؟ من كبائر الذنوب.
يقول ابن عبد القوي في منظومته الدالية الفقهية يقول:
" وقد قيل صُغْرى غيبةٌ ونميمةٌ *** وكلتاهما كُبْرى على نص أحمد "
أحمد بن حنبل رحمه الله.
فالغيبة من كبائر الذنوب، قال الله عزَّ وجلَّ: (( وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ))، من يحب أن يأكل لحم أخيه ميتاً، أحدٌ يحب هذا؟ لا، لا أحد يحب أن يأكل لحم أخيه ميتاً، وشبَّه الله الغيبة بأكل لحم الميت، لأن المغتاب ما هو بحاضر، ليس بحاضر ليدافع عن نفسه، الميت إذا أكلتَه ميت ما يدافع عن نفسه، وهذا تشبيهٌ بأقبحِ ما يكون، مما يدل على أن الغيبة مكروهة عند الله عزَّ وجلَّ، ويجب أن تكون مكروهة عند العاقل، لأنه تعالى قال: (( فَكَرِهْتُمُوهُ )).
كذلك أيضًا غيبة العلماء، العلماء ليسوا معصومين بلا شك، ولا أحد يُعْصَم إلا واحدٌ وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال الإمام مالك رحمه الله: ما منا إلا ويؤخذ من قوله ويُتْرك إلا صاحب هذا القبر يشير إلى قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وصَدَقَ رحمه الله، كُلٌّ يُخْطِئ، حتى الإنسان نفسه يعرف خطأه أحياناً إذا قال قولاً ثم بَحَثَ أو نوقِش فيه، وتبيَّن أنه مخطئ.
لكن هل من جزاء العلماء الذين أتْعَبوا أنفسهم في تحصيل العلم ولم يدَّخروا وُسْعاً في نشره بين الأمة هل من جزائهم أنهم إذا أخطأوا خطأً واحداً أن يُنْشَر خطؤهم ويُسْكَت عن محاسنهم؟! الجواب: لا، لا والله ليس من جزائهم، وليس هذا من العدل وليس هذا من القسط، العدل أن توازن بين الحسنات والسيئات، فإذا رَجَحَت الحسنات فالإنسان من المحسنين أو من المسيئين؟ من المحسنين، هذا إذا تقاربت السيئات والحسنات، فكيف إذا كانت سيئة واحدة في مقابل آلاف الحسنات؟ لكن بعض الناس والعياذ بالله يتخذ من الخطأ الواحد ذريعة للسب والقول والقيل، ويضيف إلى هذه السيئة سيئات أخرى، وهذا لا يجوز أبداً بأي حال من الأحوال.
واعلموا أن الناس إذا قلَّت ثقتهم بالعلماء فليس المعنى أن هذا إساءة إلى العالِم شخصياً، بل هو إساءة إلى العالِم وإلى ما يحمله من الشريعة، إذا نزل العالِم في أعين الناس ما قبلوا قوله، وردوا قوله ولو كان أوضح من الشمس، لأنه نُزِعت الثقة، ولولا ثقة الناس بعضِهم ببعض ما انتفع أحدٌ من أحد أبداً، حتى الإنسان الذي تريد أن تعامله معاملة تبيع له أو تشتري منه إذا لم تثق به هل تعامله؟ لا.
لذلك يا إخواني أنا أوصيكم بأن تحرصوا غاية الحرص على تجنُّب القيل والقال، وعلى أن الإنسان يشتغل بما يهمه عما لا يعنيه، لأن ذلك من حسن إسلام المرء، كما نطق به الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياكم ممن كفى الناسَ شرَّه، وكفاه شرَّ الناس، وأن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يتقبل منا ومنكم.
وأبشركم بأن حضوركم إلى هذا المجلس داخلٌ في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ) . نسأل الله لنا ولكم الإخلاص.
ثم إننا بما أن لدينا اليوم جماعة كثيرة أرى أن يخص السؤال بمن ليس من البلد هنا، لأنهم أحق حيث إنهم قدموا، فمن كان من أهل البلد فلا رخصة له أن يسأل سؤالًا واحدًا ولا واحدًا، ومن كان من غير أهل البلد فله سؤال واحد.