تفسير قوله تعالى : " إن علينا للهدى ........ " إلى آخر سورة الليل . حفظ
الشيخ : الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد :
فهذا هو اللقاء السادس والسبعون من اللقاء المعروف باسم * لقاء الباب المفتوح * والذي يتم في كل يوم خميس من كل أسبوع وهذا هو الخميس الخامس عشر من شهر جمادى الأولى عام 1415 نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل لقاءاتنا جميعا لقاءات خير وبركة إنه على كل شيء قدير في هذا اللقاء نفتتحه بتفسير بقية سورة الليل إذا يغشى حيث قال الله تبارك وتعالى : (( إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى * وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى )) فقوله عز وجل : (( إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى )) فقوله تعالى : (( إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى )) فيه التزام من الله عز وجل أن يبين للخلق ما يهتدون به إليه والمراد بالهدى هنا هدى البيان والإرشاد فإن الله تعالى التزم على نفسه بيان ذلك حتى لا يكون للناس على الله حجة .
وهذا كقوله تعالى : (( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ )) إلى أن قال : (( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )) انتبهوا يا إخوان لا يمكن للعقل البشري أن يستقل بمعرفة الهدى ولذلك التزم الله عز وجل بأن يبين الهدى له للإنسان (( إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى )) .
وليعلم أن الهدى نوعان : هدى توفيق فهذا لا يقدر عليه إلا الله وهدى إرشاد ودلالة فهذا يكون من الله ويكون من الخلق من الرسل من العلماء كما قال الله لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )) أما هداية التوفيق فهي إلى الله لا أحد يستطيع أن يوفق شخصًا إلى الخير كما قال الله تعالى : (( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ )) .
إذا نظرنا إلى هذه الآية الكريمة (( إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى )) وجدنا أن الله تعالى بين كل شيء بين ما يلزم الناس في العقيدة وما يلزمهم في العبادة وما يلزمهم في الأخلاق وما يلزمهم في المعاملات وما يجب عليهم اجتنابه في هذا كله حتى قال أبو ذر رضي الله عنه : ( لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما ) .
وقال رجل من المشركين لسلمان الفارسي : ( علمكم نبيكم حتى الخراءة ؟ قال : أجل علمنا حتى الخراءة ) يعني حتى آداب قضاء الحاجة علمها النبي صلى الله عليه وسلم أمته .
ويؤيد هذا قوله تعالى : (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ )) .
(( وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى )) يعني : لنا الآخرة والأولى الأولى متقدمة على الآخرة في الزمن لكنه في هذه الآية أخرها فلماذا ؟ نقول لفائدتين : الفائدة الأولى معنوية والفائدة الثانية لفظية :
أما المعنوية : فلأن الآخرة أهم من الدنيا ولأن الآخرة يظهر فيها ملك الله تعالى تماما في الدنيا هناك رؤساء وهناك ملوك وهناك أمراء يملكون ما أعطاهم الله عز وجل من الملك لكن في الآخرة لا ملك لأحد : (( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ )) فلهذا قدم ذكر الآخرة من أجل هذه الفائدة المعنوية .
أما الفائدة اللفظية فهي مراعاة الفواصل يعني أواخر الآيات كلها كما ترون آخرها ألف (( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى )) فلو قال : وإن لنا للأولى والآخرة اختلفت رؤوس الآيات فمن ثم قال : (( وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى )) هنا يتبين أن الله سبحانه وتعالى قال : (( عَلَيْنَا لَلْهُدَى * وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى )) فما الفرق ؟ الفرق أن الهدى التزم الله تعالى به ببيانه وإيضاحه للخلق أما الملك فهو لله ملك الآخرة والأولى ولهذا قال : (( وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى )) ثم قال عز وجل : (( فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى )) أنذرتكم يعني خوفتكم والنار يعني بها نار الآخرة (( تَلَظَّى )) تشتعل ولها أوصاف كثيرة في القرآن والسنة أجارني الله وإياكم منها .
(( لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى )) يعني لا يحترق بها إلا الأشقى يعني الذي قُدِّرت له الشقاوة والعياذ بالله ، والشقاوة ضد السعادة لقوله تعالى : (( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ )) وقوله : (( وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ )) فالمراد بالأشقى يعني الذي لم تكتب له السعادة هذا هو الذي يصلى النار التي تلظى ثم بين هذا بقوله : (( الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى )) التكذيب في مقابل الخبر والتولي في مقابل الأمر والنهي فهذا كذب الخبر ولم يصدق قيل له : إنك ستبعث قال: لا أبعث قيل : في جنة ونار قال : ما في جنة ونار قيل : سيكون كذا وكذا قال : ما يكون هذا تكذيب تولى يعني أعرض عن طاعة الله وأعرض عما جاءت به رسله فهذا هو الأشقى نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من الشقاوة .
(( وَسَيُجَنَّبُهَا )) أي : وسيجنب هذه النار التي تلظى (( الأَتْقَى )) والأتقى اسم تفضيل من التقوى يعني الذي اتقى الله تعالى حق تقاته (( الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى )) يعني يعطي ماله من يستحقه على وجه يتزكى به أي : يتطهر به قال الله تعالى : (( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ )) .
فقوله : (( الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى )) يفيد أنه لا يبذر ولا يبخل وإنما يؤتي المال على وجه يكون به التزكية وضابط ذلك ما ذكره الله في سورة الفرقان : (( وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً )) نجد بعض الناس يعطيه الله مالا ولكن يبخل يقتر حتى الواجب عليه لزوجته وأولاده وأقاربه لا يقوم به ونرى بعض الناس قد قدر الله عليه الرزق وضيق عليه بعض الشيء ومع ذلك يذهب يتدين من الناس من أجل أن يكمل بيته حتى يكون مثل بيت فلان وفلان أو من أجل أن يشتري سيارة فخمة كسيارة فلان وفلان وكلا المنهجين والطريقين منهج باطل الأول : قصر والثاني : أفرط والواجب على الإنسان أن يكون إنفاقه بحسب حاله (( يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى )) فإن قال قائل : هل يجوز أن يتدين الإنسان ليتصدق ؟ فالجواب : لا لأن الصدقة تطوع والتزام الدين خطر عظيم لأن الدين ليس بالأمر الهين الإنسان إذا مات فإن نفسه معلقة بدينه حتى يقضى عنه .
وكثير من الورثة لا يهتم بدين الميت تجده يتأخر يماطل وربما لا يوفيه نسأل الله السلامة وقد ( كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا قدمت إليه جنازة سأل : هل عليه دين له وفاء ؟ فإن قالوا : لا قال : صلوا على صاحبكم ولم يصل عليه ) .
وأخبر صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الشهادة في سبيل الله تكفر كل شيء إلا الدين فالدين أمره عظيم لا يجوز للإنسان أن يتهاون به ثم قال : (( يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى )) يعني أنه لا يعطي المال مكافأة على نعمة سابقة من شخص ليس لأحد عليه فضل حتى يعطيه مكافأة ولكنه يعطي ابتغاء وجه الله .
ولهذا قال : (( إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى )) فهو لا ينفق إلا طلب وجه الله أي : طلب الوصول إلى دار كرامة الله التي يكون بها رؤية الله عز وجل (( وَلَسَوْفَ يَرْضَى )) يعني سوف يرضيه الله عز وجل بما يعطيه من الثواب الكثير وقد بين الله ذلك في قوله : (( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )) نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هؤلاء البررة الأطهار الكرام إنه على كل شيء قدير ونأتي الآن إلى دور الأسئلة .
أما بعد :
فهذا هو اللقاء السادس والسبعون من اللقاء المعروف باسم * لقاء الباب المفتوح * والذي يتم في كل يوم خميس من كل أسبوع وهذا هو الخميس الخامس عشر من شهر جمادى الأولى عام 1415 نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل لقاءاتنا جميعا لقاءات خير وبركة إنه على كل شيء قدير في هذا اللقاء نفتتحه بتفسير بقية سورة الليل إذا يغشى حيث قال الله تبارك وتعالى : (( إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى * وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى )) فقوله عز وجل : (( إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى )) فقوله تعالى : (( إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى )) فيه التزام من الله عز وجل أن يبين للخلق ما يهتدون به إليه والمراد بالهدى هنا هدى البيان والإرشاد فإن الله تعالى التزم على نفسه بيان ذلك حتى لا يكون للناس على الله حجة .
وهذا كقوله تعالى : (( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ )) إلى أن قال : (( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )) انتبهوا يا إخوان لا يمكن للعقل البشري أن يستقل بمعرفة الهدى ولذلك التزم الله عز وجل بأن يبين الهدى له للإنسان (( إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى )) .
وليعلم أن الهدى نوعان : هدى توفيق فهذا لا يقدر عليه إلا الله وهدى إرشاد ودلالة فهذا يكون من الله ويكون من الخلق من الرسل من العلماء كما قال الله لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )) أما هداية التوفيق فهي إلى الله لا أحد يستطيع أن يوفق شخصًا إلى الخير كما قال الله تعالى : (( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ )) .
إذا نظرنا إلى هذه الآية الكريمة (( إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى )) وجدنا أن الله تعالى بين كل شيء بين ما يلزم الناس في العقيدة وما يلزمهم في العبادة وما يلزمهم في الأخلاق وما يلزمهم في المعاملات وما يجب عليهم اجتنابه في هذا كله حتى قال أبو ذر رضي الله عنه : ( لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما ) .
وقال رجل من المشركين لسلمان الفارسي : ( علمكم نبيكم حتى الخراءة ؟ قال : أجل علمنا حتى الخراءة ) يعني حتى آداب قضاء الحاجة علمها النبي صلى الله عليه وسلم أمته .
ويؤيد هذا قوله تعالى : (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ )) .
(( وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى )) يعني : لنا الآخرة والأولى الأولى متقدمة على الآخرة في الزمن لكنه في هذه الآية أخرها فلماذا ؟ نقول لفائدتين : الفائدة الأولى معنوية والفائدة الثانية لفظية :
أما المعنوية : فلأن الآخرة أهم من الدنيا ولأن الآخرة يظهر فيها ملك الله تعالى تماما في الدنيا هناك رؤساء وهناك ملوك وهناك أمراء يملكون ما أعطاهم الله عز وجل من الملك لكن في الآخرة لا ملك لأحد : (( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ )) فلهذا قدم ذكر الآخرة من أجل هذه الفائدة المعنوية .
أما الفائدة اللفظية فهي مراعاة الفواصل يعني أواخر الآيات كلها كما ترون آخرها ألف (( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى )) فلو قال : وإن لنا للأولى والآخرة اختلفت رؤوس الآيات فمن ثم قال : (( وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى )) هنا يتبين أن الله سبحانه وتعالى قال : (( عَلَيْنَا لَلْهُدَى * وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى )) فما الفرق ؟ الفرق أن الهدى التزم الله تعالى به ببيانه وإيضاحه للخلق أما الملك فهو لله ملك الآخرة والأولى ولهذا قال : (( وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى )) ثم قال عز وجل : (( فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى )) أنذرتكم يعني خوفتكم والنار يعني بها نار الآخرة (( تَلَظَّى )) تشتعل ولها أوصاف كثيرة في القرآن والسنة أجارني الله وإياكم منها .
(( لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى )) يعني لا يحترق بها إلا الأشقى يعني الذي قُدِّرت له الشقاوة والعياذ بالله ، والشقاوة ضد السعادة لقوله تعالى : (( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ )) وقوله : (( وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ )) فالمراد بالأشقى يعني الذي لم تكتب له السعادة هذا هو الذي يصلى النار التي تلظى ثم بين هذا بقوله : (( الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى )) التكذيب في مقابل الخبر والتولي في مقابل الأمر والنهي فهذا كذب الخبر ولم يصدق قيل له : إنك ستبعث قال: لا أبعث قيل : في جنة ونار قال : ما في جنة ونار قيل : سيكون كذا وكذا قال : ما يكون هذا تكذيب تولى يعني أعرض عن طاعة الله وأعرض عما جاءت به رسله فهذا هو الأشقى نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من الشقاوة .
(( وَسَيُجَنَّبُهَا )) أي : وسيجنب هذه النار التي تلظى (( الأَتْقَى )) والأتقى اسم تفضيل من التقوى يعني الذي اتقى الله تعالى حق تقاته (( الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى )) يعني يعطي ماله من يستحقه على وجه يتزكى به أي : يتطهر به قال الله تعالى : (( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ )) .
فقوله : (( الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى )) يفيد أنه لا يبذر ولا يبخل وإنما يؤتي المال على وجه يكون به التزكية وضابط ذلك ما ذكره الله في سورة الفرقان : (( وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً )) نجد بعض الناس يعطيه الله مالا ولكن يبخل يقتر حتى الواجب عليه لزوجته وأولاده وأقاربه لا يقوم به ونرى بعض الناس قد قدر الله عليه الرزق وضيق عليه بعض الشيء ومع ذلك يذهب يتدين من الناس من أجل أن يكمل بيته حتى يكون مثل بيت فلان وفلان أو من أجل أن يشتري سيارة فخمة كسيارة فلان وفلان وكلا المنهجين والطريقين منهج باطل الأول : قصر والثاني : أفرط والواجب على الإنسان أن يكون إنفاقه بحسب حاله (( يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى )) فإن قال قائل : هل يجوز أن يتدين الإنسان ليتصدق ؟ فالجواب : لا لأن الصدقة تطوع والتزام الدين خطر عظيم لأن الدين ليس بالأمر الهين الإنسان إذا مات فإن نفسه معلقة بدينه حتى يقضى عنه .
وكثير من الورثة لا يهتم بدين الميت تجده يتأخر يماطل وربما لا يوفيه نسأل الله السلامة وقد ( كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا قدمت إليه جنازة سأل : هل عليه دين له وفاء ؟ فإن قالوا : لا قال : صلوا على صاحبكم ولم يصل عليه ) .
وأخبر صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الشهادة في سبيل الله تكفر كل شيء إلا الدين فالدين أمره عظيم لا يجوز للإنسان أن يتهاون به ثم قال : (( يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى )) يعني أنه لا يعطي المال مكافأة على نعمة سابقة من شخص ليس لأحد عليه فضل حتى يعطيه مكافأة ولكنه يعطي ابتغاء وجه الله .
ولهذا قال : (( إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى )) فهو لا ينفق إلا طلب وجه الله أي : طلب الوصول إلى دار كرامة الله التي يكون بها رؤية الله عز وجل (( وَلَسَوْفَ يَرْضَى )) يعني سوف يرضيه الله عز وجل بما يعطيه من الثواب الكثير وقد بين الله ذلك في قوله : (( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )) نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هؤلاء البررة الأطهار الكرام إنه على كل شيء قدير ونأتي الآن إلى دور الأسئلة .