كلمة في أهمية الدعوة إلى الله وشروط الداعي إلى الله . حفظ
الشيخ : الحمد لله ربّ العالمين وأصلّي وأسلّم على نبيّنا محمّد وعلى آله خاتم النّبيّين وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين.
أمّا بعد :
فهذا هو المجلس الرّابع والتّسعون من اللّقاء المسمّى بالباب المفتوح أو لقاء الباب المفتوح، ويتمّ هذا في أوّل خميس من عام ستة عشر وأربعمائة وألف، وذلك في اليوم الثالث من شهر محرّم، نسأل الله تعالى أن يجعله عاما مباركا علينا وعلى المسلمين وأن يجعله محفوفا بالنّصر العزيز والفتح المبين إنّه على كلّ شيء قدير.
إنّنا في افتتاح العام الجديد نودّ أن نبيّن أنّه لا بدّ للأمّة الإسلاميّة من الدّعوة إلى الحقّ، لأنّ الدّين الإسلامي لم يستقم إلاّ بالدّعوة وقد قال الله لنبيّه محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: (( ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ))، وقال الله تعالى: (( وجعلناهم أئمّة يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون )).
والدّاعية لا بدّ له من أمور تجب عليه مراعاتها:
الأمر الأوّل: إخلاص النّيّة لله عزّ وجلّ وهذا هو أهمّ الأمور، وأشدّها على النّفوس، حتى قال بعض السّلف: " ما جاهدت نفسي على شيء مجاهدتها على الإخلاص " ، لأنّ الإنسان يعتري نفسه النّظر إلى أشياء كثيرة إمّا إلى الجاه، أو إلى القرب من النّاس، أو إلى التصدّر، أو إلى أمور دنيويّة أخرى كثيرة تخدش الإخلاص وتخلّ به، فما هو الإخلاص في الدّعوة إلى الله عزّ وجلّ؟ الإخلاص في الدّعوة إلى الله عزّ وجلّ أن ينوي الدّاعي قبل كلّ شيء أنّه ممتثل لأمر الله، قائم بأمره، مطيع له لأنّ الله أمره بذلك: (( ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة )) وإذا نوى هذه النّيّة صارت دعوته عبادة لا يكتب له كلمة إلاّ وله فيها أجر، ولا يلفظ بحرف إلاّ وله فيه أجر، ولا يمشي إلاّ وله أجر، ولا يجلس إلاّ وله أجر، ولا يقوم إلاّ وله أجر، ما دام في هذه المهمّة العظيمة الدّعوة إلى الله، ويراد بذلك أن يكون الإنسان يريد من القيام داعيا بين النّاس يريد أن يظهر أمامهم وأن يجلّوه، وأن يعظّموه، وأن يجعلوه قائدا، فإنّ هذه نيّة دنيّة أدنى من الدّين الإسلاميّ، الدّين الإسلاميّ يجب أن يكون هو المراد وأن لا يكون المراد هو النّفع الذّاتيّ فإنّ ذلك نقص عظيم.
ثانياً: من أمور الإخلاص أن يقصد الإنسان بالدّعوة إلى الله عزّ وجلّ إقامة دين الله في عباد الله لأنّ الدّين مثل الأرض الرّياض، الأرض الرّياض قابلة للزّرع لكنّها تحتاج إلى ماء فالدّعوة إلى الله بمنزلة الماء الذي ينزل على الأرض الرّوضة القابلة للإنبات، فينزل هذا الوحي على قلوب الرّجال بواسطة هذا الدّاعية فتقوم الملّة وتستقيم الأمّة، وهذا مقصد حسن أن يكون قصد الإنسان بالدّعوة إلى الله إقامةَ دين الله في عباد الله، ويتعلّق بالإخلاص كذلك أن ينوي إصلاح عباد الله، لأنّ العباد يعتورهم ثلاثة أمور:
الأمر الأوّل: هوى النّفس، والثاني: الشّيطان، والثالث: البيئة والمجتمع، ولهذا جاء في الحديث عن النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( كلّ مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه ) لأنّ البيئة لها تأثير عظيم.
الهوى أيضا والشّيطان، فلا بدّ أن يكون هناك دعوة تعين عباد الله على محاربة هذه الأعداء الثّلاثة وهي: النّفس، والشّيطان، والمجتمع -البيئة- ولهذا تجد فرقًا بين شخص يعيش بين أهلين مستقيمين وبين آخر يعيش بين أهلين منحرفين فالدّعوة إلى الله لا بدّ أن ينوي الإنسان بها إصلاح عباد الله.
ثانياً: بعد الإخلاص المتضمّن للأمور الثّلاثة هذه، ثانيًا: أن تكون دعوته بالحكمة، والحكمة هي: " أن يضع الأشياء مواضعها "، ومن الحكمة العلم أن يكون عالماً بما يدعوا إليه، عالما بحال من يدعوهم أيضاً، فأمّا كونه عالما بما يدعوهم إليه فلا بدّ أن يكون عنده علم من الشّرع يعرف أنّ هذا حقّ فيدعوهم إليه، وأنّ هذا باطل فيحذّر منه، وأمّا أن يقوم رجل جاهل لا يعرف فيدعو ويدّعي أنّ الله يلهمه حين كلامه وحين خطابه فهذا غلط، بل لا بدّ أن يعلم أوّلاً، ثمّ يدعو، لأنّه إذا لم يعلم ما يدعو إليه فقد يضلّ ويضلّ أيضًا، وإصلاح النّاس بعد الإضلال على يد شخص يقول إنّه داعية يصعب على الإنسان أن يقيمه ويزبل هذا الضّلال، وإذا تكلم فيما لا يعلم فقد وقع هو نفسه فيما حرم الله عليه قال الله تعالى: (( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ))، وقال تعالى: (( ولا تقف ما ليس لك به علم إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤولا ))، فكيف تدعو بما لا تعلم؟
ثالثا: أن يكون عنده علم بحال المدعو حتى يكون منزّلاً له منزلته، لأنّ هناك فرقا بين أن تدعو شخصا جاهلا ساذجا لا يعرف شيئا وهو ليّن العريكة طيّب القلب فهذا دعوته سهلة ينقاد بأدنى سبب، وبين أن تدعوَ رجلا ماردا عنده جدل وعنده لسان فصيح فهذا يحتاج إلى دعوة قويّة وتكون بأسلوب مقنع واضح بيّن ينبني على الأدلّة من الكتاب والسّنّة وعلى الأدلّة من العقل أيضا، لأنّ من النّاس من إيمانه بالكتاب والسّنّة ضعيف لكن إذا ذكرت له أشياء معقولة خضع وعجز عن الدّفاع.
فلا بدّ أن تعلم حال من تدعوهم إلى الله عزّ وجلّ لتكون على بصيرة من الأمر في كيفيّة دعوتهم، ولهذا لمّا بعث النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم معاذاً إلى اليمن قال له: ( إنّك تأتي قوما أهل كتاب ): فبيّن له حالهم من أجل أن يكون لديه استعداد لمواجهتهم وكيف يخاطبهم.
وإذا كان عنده أي: عند الدّاعية علم بأحوال المدعو فإنّه سوف ينزّله منزلته، إن كان مِن أصحاب لين القول ألان له القول، وإن كان من أصحاب إغلاظ القول أغلظ له القول ولا بأس، فإنّ الله يقول: (( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن إلاّ الذين ظلموا منهم ))، فهؤلاء الذين ظلموا يعاملون معاملة تليق بظلمهم، والظّلم هنا بمعنى المعاندة، معاندة الحقّ والمراوغة.
رابعاً: وممّا تجب العناية به بالنّسبة للدّاعي أن يكون هو أسوةً حسنة عنده عبادة، ومعاملة طيبة، وعنده أيضا أخلاق يدعو النّاس بها، وفي الحديث عن النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( إنّكم لن تسعوا النّاس بأرزاقكم ولكن سعوهم بحسن الخلق ) فحسن الخلق جذّاب، فكم من إنسان قليل العلم يهدي الله على يديه أمما لأنّه حسن الخلق، وكم من إنسان عنده علم واسع كثير ولكنّه جافٌّ جافٍ سّيئ الخلق ينفر النّاس منه، وقد ذكّر الله نبيّه بهذا فقال: (( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك ))، وهذه الرّحمة رحمة للدّاعي وللمدعو، فهي رحمة من الله لرسوله صلّى الله عليه وسلّم، ورحمة من الله إلى الخلق الذين يدعوهم الرّسول، لأنّه لو كان فظّا غليظ القلب ما اهتدوا على يده.
فلهذا ينبغي للدّاعي أن يكون رحب الصّدر واسعا يأخذ ويعطي ولا يأنف ولهذا قال: (( وجعلناهم أئمّة يهدون بأمرنا لمّا صبروا )): ومن صبرهم أن يصبروا على أذى النّاس الذين يدعونهم، لأنّه لا بدّ من أذيّة فلا بدّ من الصّبر.
خامساً: وكذلك من آداب الدّاعية أنّه ينبغي له أن يتقيّد بما يقول حسب ما تقتضيه الحال، فهناك أناس لا يحسن أن تتكلّم معهم في أمور اجتماعيّة توجب تشتّت أفهامهم وأفكارهم وربّما توجب العداوة بينهم وهناك أناس خاصّون يمكن أن تتكلّم عندهم في الأمور الاجتماعيّة لمحاولة إصلاحهم، فالنّاس يختلفون.
ولهذا أحثّ نفسي وإيّاكم على أن لا نحقر أنفسنا، على أن ندعو إلى الله بكلّ ما نستطيع وبكلّ أسلوب وعلى كلّ حال، لأنّ ذلك خير لنا ولمن ندعوهم إلى الله، فإنّ من دعا إلى هدى كان له مثل أجر من عمل به إلى يوم القيامة.
أسأل الله تعالى أن يجعلني وإيّاكم هداة مهتدين وقادة مصلحين وأن يهب لنا منه رحمة إنّه هو الوهّاب.
والآن إلى الأسئلة، نبدأ باليمين ولكلّ واحد سؤال فقط.
أمّا بعد :
فهذا هو المجلس الرّابع والتّسعون من اللّقاء المسمّى بالباب المفتوح أو لقاء الباب المفتوح، ويتمّ هذا في أوّل خميس من عام ستة عشر وأربعمائة وألف، وذلك في اليوم الثالث من شهر محرّم، نسأل الله تعالى أن يجعله عاما مباركا علينا وعلى المسلمين وأن يجعله محفوفا بالنّصر العزيز والفتح المبين إنّه على كلّ شيء قدير.
إنّنا في افتتاح العام الجديد نودّ أن نبيّن أنّه لا بدّ للأمّة الإسلاميّة من الدّعوة إلى الحقّ، لأنّ الدّين الإسلامي لم يستقم إلاّ بالدّعوة وقد قال الله لنبيّه محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: (( ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ))، وقال الله تعالى: (( وجعلناهم أئمّة يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون )).
والدّاعية لا بدّ له من أمور تجب عليه مراعاتها:
الأمر الأوّل: إخلاص النّيّة لله عزّ وجلّ وهذا هو أهمّ الأمور، وأشدّها على النّفوس، حتى قال بعض السّلف: " ما جاهدت نفسي على شيء مجاهدتها على الإخلاص " ، لأنّ الإنسان يعتري نفسه النّظر إلى أشياء كثيرة إمّا إلى الجاه، أو إلى القرب من النّاس، أو إلى التصدّر، أو إلى أمور دنيويّة أخرى كثيرة تخدش الإخلاص وتخلّ به، فما هو الإخلاص في الدّعوة إلى الله عزّ وجلّ؟ الإخلاص في الدّعوة إلى الله عزّ وجلّ أن ينوي الدّاعي قبل كلّ شيء أنّه ممتثل لأمر الله، قائم بأمره، مطيع له لأنّ الله أمره بذلك: (( ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة )) وإذا نوى هذه النّيّة صارت دعوته عبادة لا يكتب له كلمة إلاّ وله فيها أجر، ولا يلفظ بحرف إلاّ وله فيه أجر، ولا يمشي إلاّ وله أجر، ولا يجلس إلاّ وله أجر، ولا يقوم إلاّ وله أجر، ما دام في هذه المهمّة العظيمة الدّعوة إلى الله، ويراد بذلك أن يكون الإنسان يريد من القيام داعيا بين النّاس يريد أن يظهر أمامهم وأن يجلّوه، وأن يعظّموه، وأن يجعلوه قائدا، فإنّ هذه نيّة دنيّة أدنى من الدّين الإسلاميّ، الدّين الإسلاميّ يجب أن يكون هو المراد وأن لا يكون المراد هو النّفع الذّاتيّ فإنّ ذلك نقص عظيم.
ثانياً: من أمور الإخلاص أن يقصد الإنسان بالدّعوة إلى الله عزّ وجلّ إقامة دين الله في عباد الله لأنّ الدّين مثل الأرض الرّياض، الأرض الرّياض قابلة للزّرع لكنّها تحتاج إلى ماء فالدّعوة إلى الله بمنزلة الماء الذي ينزل على الأرض الرّوضة القابلة للإنبات، فينزل هذا الوحي على قلوب الرّجال بواسطة هذا الدّاعية فتقوم الملّة وتستقيم الأمّة، وهذا مقصد حسن أن يكون قصد الإنسان بالدّعوة إلى الله إقامةَ دين الله في عباد الله، ويتعلّق بالإخلاص كذلك أن ينوي إصلاح عباد الله، لأنّ العباد يعتورهم ثلاثة أمور:
الأمر الأوّل: هوى النّفس، والثاني: الشّيطان، والثالث: البيئة والمجتمع، ولهذا جاء في الحديث عن النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( كلّ مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه ) لأنّ البيئة لها تأثير عظيم.
الهوى أيضا والشّيطان، فلا بدّ أن يكون هناك دعوة تعين عباد الله على محاربة هذه الأعداء الثّلاثة وهي: النّفس، والشّيطان، والمجتمع -البيئة- ولهذا تجد فرقًا بين شخص يعيش بين أهلين مستقيمين وبين آخر يعيش بين أهلين منحرفين فالدّعوة إلى الله لا بدّ أن ينوي الإنسان بها إصلاح عباد الله.
ثانياً: بعد الإخلاص المتضمّن للأمور الثّلاثة هذه، ثانيًا: أن تكون دعوته بالحكمة، والحكمة هي: " أن يضع الأشياء مواضعها "، ومن الحكمة العلم أن يكون عالماً بما يدعوا إليه، عالما بحال من يدعوهم أيضاً، فأمّا كونه عالما بما يدعوهم إليه فلا بدّ أن يكون عنده علم من الشّرع يعرف أنّ هذا حقّ فيدعوهم إليه، وأنّ هذا باطل فيحذّر منه، وأمّا أن يقوم رجل جاهل لا يعرف فيدعو ويدّعي أنّ الله يلهمه حين كلامه وحين خطابه فهذا غلط، بل لا بدّ أن يعلم أوّلاً، ثمّ يدعو، لأنّه إذا لم يعلم ما يدعو إليه فقد يضلّ ويضلّ أيضًا، وإصلاح النّاس بعد الإضلال على يد شخص يقول إنّه داعية يصعب على الإنسان أن يقيمه ويزبل هذا الضّلال، وإذا تكلم فيما لا يعلم فقد وقع هو نفسه فيما حرم الله عليه قال الله تعالى: (( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ))، وقال تعالى: (( ولا تقف ما ليس لك به علم إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤولا ))، فكيف تدعو بما لا تعلم؟
ثالثا: أن يكون عنده علم بحال المدعو حتى يكون منزّلاً له منزلته، لأنّ هناك فرقا بين أن تدعو شخصا جاهلا ساذجا لا يعرف شيئا وهو ليّن العريكة طيّب القلب فهذا دعوته سهلة ينقاد بأدنى سبب، وبين أن تدعوَ رجلا ماردا عنده جدل وعنده لسان فصيح فهذا يحتاج إلى دعوة قويّة وتكون بأسلوب مقنع واضح بيّن ينبني على الأدلّة من الكتاب والسّنّة وعلى الأدلّة من العقل أيضا، لأنّ من النّاس من إيمانه بالكتاب والسّنّة ضعيف لكن إذا ذكرت له أشياء معقولة خضع وعجز عن الدّفاع.
فلا بدّ أن تعلم حال من تدعوهم إلى الله عزّ وجلّ لتكون على بصيرة من الأمر في كيفيّة دعوتهم، ولهذا لمّا بعث النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم معاذاً إلى اليمن قال له: ( إنّك تأتي قوما أهل كتاب ): فبيّن له حالهم من أجل أن يكون لديه استعداد لمواجهتهم وكيف يخاطبهم.
وإذا كان عنده أي: عند الدّاعية علم بأحوال المدعو فإنّه سوف ينزّله منزلته، إن كان مِن أصحاب لين القول ألان له القول، وإن كان من أصحاب إغلاظ القول أغلظ له القول ولا بأس، فإنّ الله يقول: (( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن إلاّ الذين ظلموا منهم ))، فهؤلاء الذين ظلموا يعاملون معاملة تليق بظلمهم، والظّلم هنا بمعنى المعاندة، معاندة الحقّ والمراوغة.
رابعاً: وممّا تجب العناية به بالنّسبة للدّاعي أن يكون هو أسوةً حسنة عنده عبادة، ومعاملة طيبة، وعنده أيضا أخلاق يدعو النّاس بها، وفي الحديث عن النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( إنّكم لن تسعوا النّاس بأرزاقكم ولكن سعوهم بحسن الخلق ) فحسن الخلق جذّاب، فكم من إنسان قليل العلم يهدي الله على يديه أمما لأنّه حسن الخلق، وكم من إنسان عنده علم واسع كثير ولكنّه جافٌّ جافٍ سّيئ الخلق ينفر النّاس منه، وقد ذكّر الله نبيّه بهذا فقال: (( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك ))، وهذه الرّحمة رحمة للدّاعي وللمدعو، فهي رحمة من الله لرسوله صلّى الله عليه وسلّم، ورحمة من الله إلى الخلق الذين يدعوهم الرّسول، لأنّه لو كان فظّا غليظ القلب ما اهتدوا على يده.
فلهذا ينبغي للدّاعي أن يكون رحب الصّدر واسعا يأخذ ويعطي ولا يأنف ولهذا قال: (( وجعلناهم أئمّة يهدون بأمرنا لمّا صبروا )): ومن صبرهم أن يصبروا على أذى النّاس الذين يدعونهم، لأنّه لا بدّ من أذيّة فلا بدّ من الصّبر.
خامساً: وكذلك من آداب الدّاعية أنّه ينبغي له أن يتقيّد بما يقول حسب ما تقتضيه الحال، فهناك أناس لا يحسن أن تتكلّم معهم في أمور اجتماعيّة توجب تشتّت أفهامهم وأفكارهم وربّما توجب العداوة بينهم وهناك أناس خاصّون يمكن أن تتكلّم عندهم في الأمور الاجتماعيّة لمحاولة إصلاحهم، فالنّاس يختلفون.
ولهذا أحثّ نفسي وإيّاكم على أن لا نحقر أنفسنا، على أن ندعو إلى الله بكلّ ما نستطيع وبكلّ أسلوب وعلى كلّ حال، لأنّ ذلك خير لنا ولمن ندعوهم إلى الله، فإنّ من دعا إلى هدى كان له مثل أجر من عمل به إلى يوم القيامة.
أسأل الله تعالى أن يجعلني وإيّاكم هداة مهتدين وقادة مصلحين وأن يهب لنا منه رحمة إنّه هو الوهّاب.
والآن إلى الأسئلة، نبدأ باليمين ولكلّ واحد سؤال فقط.