بقية ذكر النقولات عن الامام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في فهم الحجة وطلب بيانها من الشيخ ؟ حفظ
السائل : اختلف الدّارسون لكتب شيخ الإسلام محمّد بن عبد الوهّاب رحمه الله في هذه القضيّة أيضا، وحاولت أن أفهمها ويسّر الله لي بعض النّقولات الخفيفية التي سأعرضها عليكم ليتجلّى الأمر ويكون أكثر وضوحا، رأى بعض طلبة الشّيخ -رحمه الله- أنّ الشّيخ لا يشترط لقيام الحجّة فهمها ونقلوا عنه بعض النّقولات منها: " فحجّة الله هي القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجّة، وقيام الحجّة وبلوغها نوع وقد قامت عليهم أي: الكفّار والمنافقين وفهمهم إيّاها نوع آخر ".
ثمّ وجد نصّ آخر للشّيخ رحمه الله في رسالة للشّريف يقول فيها: " وإن كنّا لا نكفّر من عبد الصّنم الذي على قبّة عبد القادر، والصّنم الذي على أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبّههم -وفي رواية- عدم من يفهّمهم " ، ثمّ في قول آخر: " فإذا كان المعيّن يكفّر إذا قامت عليه الحجّة فمن المعلوم أنّ قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر الصّديق رضي الله عنه، بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا من شيء يعذر به فهو كافر " .
وآخرها ما وُقِف على كلام للشّيخ أخرجه محمّد رشيد رضا في طبعة الرّسائل النّجديّة: " وليس المراد بقيام الحجّة أن يفهمها الإنسان فهما جليّا كما يفهمها من هداه الله ووفّقه وانقاد لأمره " :
فالرّجاء البيان حفظك الله؟
الشيخ : الذي نرى أنّ الحجّة لا تقوم إلاّ إذا بلغت المكلّف على وجهٍ يفهمها، لكن نعرف أنّ أفهام النّاس تختلف، من النّاس من يفهم من هذا النّصّ معنى جليّاً مثل الشّمس ومعنى لا يحتمل عنده أيّ شكّ، ومن النّاس من يفهم النّصّ فهماً أوّليّاً مع احتمال شكّ في قلبه، فالأوّل في قمّة المعرفة والعلم، والثّاني في أوّل العلم، والثاني قد قامت عليه الحجّة لا شكّ لأنّه فهم منه ما يراد به لكن ليس على الفهم التّامّ الذي فهمته الطّائفة الأولى كأبي بكر وعمر.
وأمّا من بلغه النّصّ ولكنّه لم يعرف منه معنى أصلا كرجل أعجميّ فهم النّصّ أو بلغه النّصّ باللّغة العربيّة لكن لا يدري ما معنى هذا النّصّ فهذا لم تقم عليه الحجّة بلا شكّ، ودليل هذا قول الله تبارك وتعالى: (( وما أرسلنا من رسول إلاّ بلسان قومه ليبيّن لهم فيضلّ الله من يشاء ويهدي من يشاء )) أي: بعد البيان بهذا اللّسان الذي يفهمونه يضلّ الله من يشاء فلا يقبل، ويهدي من يشاء فيقبل.
وأيّ فائدة لرجل أعجميّ يُقرأ عليه القرآن باللّسان العربيّ وهو لا يدري ما هو؟!
أنت الآن لو أتى إليك رجل أعجميّ وأنت عربيّ لا تفهم الأعجميّة ثمّ كلّمك بخطبة خمس صفحات أو أكثر لا تفهم منها شيئا إطلاقا فكذلك العجم بالنّسبة للعرب، فالذي نرى أنّه لا بدّ من بلوغ الحجّة وفهم معناها على وجه يتبيّن له الحقّ.
وأمّا قوله تعالى: (( لأنذركم به ومن بلغ )) فلا شكّ أنّ القرآن نزل بلفظ ومعنى، فالمراد من بلغه لفظه ومعناه، أو ومن بلغ من أهل هذه اللّغة الذين تقوم عليهم الحجّة إذا بلغهم القرآن بمجرّد وصوله إليهم.
وهذا القول هو الذي تدلّ عليه الأدلّة بخصوصها وأدلّة أخرى بعمومها مثل قوله تعالى: (( لا يكلّف الله نفسًا إلاّ وسعها )) وقوله: (( فاتّقوا الله ما استطعتم ))، ومن المعلوم أنّ من لا يعرف المعنى فإنّه ليس بوسعه أن يقبله، لكن على من بلغه أنّ الرّسول محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم قد بعث وأنّه دينه نسخ الأديان كلّها يجب عليه أن يبحث وهنا قد يفرّط في البحث فلا يكون معذورا لتفريطه، نعم.