تفسير سورة الهمزة. حفظ
الشيخ : الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين .
أمّا بعد:
فهذا هو اللّقاء المتمّم للمائة من اللّقاءات التي تتمّ كلّ أسبوع والتي تعرف باسم: لقاء الباب المفتوح، وهذا يتمّ في يوم الخميس، الحادي والعشرين من شهر ربيع الأوّل عام ستة عشر وأربعمائة وألف، نبتدأ هذا اللّقاء بالكلام على تفسير هذه السّورة بما تيسّر، وهي قوله تبارك وتعالى:
(( ويل لكلّ همزة لمزة * الذي جمع مالا وعدّده * يحسب أنّ ماله أخلده * كلاّ لينبذنّ في الحطمة * وما أدراك ما الحطمة * نار الله الموقدة * التي تطّلع على الأفئدة * إنّها عليهم مؤصدة * في عَمَدٍ ممدّدة )) :
ففي هذه السّورة، يبتدأ الله سبحانه وتعالى بكلمة: (( ويل )): وهي كلمة وعيد، أي أنّها تدلّ على ثبوت وعيد من اتّصف بهذه الصّفات: همزة، لمزة إلى آخره، وقيل: إنّ ويل اسم لواد في جهنّم ولكنّ الأوّل أصحّ.
(( لكلّ همزة لمزة )) كلّ: من صيغ العموم، والهُمزة واللُّمزة وصفان لموصوف واحد، فهل هما بمعنى واحد؟
يعني أنّ همزة ولمزة معناهما واحد، أو يختلفان في المعنى؟
قال بعض العلماء إنّهما لفظان لمعنى واحد، يعني: أنّ الهمزة هو اللّمزة.
وقال بعضهم: بل لكلّ واحد منهما معنى غير معنى الآخر.
وثَمًّ قاعدة وأحبّ أن أنبه عليها في التّفسير وغير التّفسير، وهو: " أنّه إذا دار الأمر بين أن تكون الكلمة مع الأخرى بمعنى واحد، أو لكلّ كلمة معنى فإنّنا نتبّع الثاني " ، أي: نجعل لكلّ واحدة معنى، لأنّنا إذا جعلنا الكلمتين بمعنى واحد صار في هذا تكرار لا داعي له، لكن إذا جعلنا لكلّ واحدة معنى صار هذا تأسيساً وتفريقاً بين الكلمتين.
والصّحيح في هذه الآية (( لكلّ همزة لمزة )) أنّ بينهما فرقًا، فالهمز بالفعل، واللّمز باللّسان، كما قال الله تعالى: (( ومنهم من يلمزك في الصّدقات فإن أُعطوا منها رضوا وإن لم يُعطوا منها إذا هم يسخطون )).
الهمز بالفعل معناه: أنّه يسخر من النّاس بفعله إمّا أن يلوي وجهه، أو يعبّس بوجهه، أو ما أشبه ذلك، أو بالإشارة يعني: يشير إلى شخص بعينه، يقول انظروا إليه ليعيبه، أو ما أشبه ذلك، فالهمز يكون بالفعل، واللّمز باللّسان، يعني: أنّ بعض النّاس والعياذ بالله مشغوف بعيب البشر، إمّا بفعله وهو الهمّاز، وإمّا بقوله وهو اللّمّاز، وهذا كقوله تعالى: (( ولا تطع كلّ حلاّف مهين همّاز مشّاء بنميم )).
(( الذي جمع مالاً وعدّده )): هذه أيضًا من أوصافه القبيحة، جمّاع منّاع ، يجمع المال ويمنع العطاء فهو بخيل لا يُعطي، يجمع المال ويعدّده، قيل: معنى التّعديد يعني: الإحصاء، يعني: لشغفه بالمال كلّ مرّة يذهب إلى الصّندوق فيعدّ، يعدّ الدّراهم في الصّندوق في الصّباح وفي آخر النّهار يعدّها، وهو يعرف أنّه لم يأخذ منه شيئاً ولم يضف إليه شيئاً، لكن لشدّة شغفه بالمال يتردّد عليه ويعدّده، ولهذا جاءت بصيغة المبالغة عدّده: يعني أكثر تعداده، لماذا؟
لشدّة شغفه ومحبّته له، يخشى أن يكون نقص، أو يريد زيادة اطمئنان على ما سبق، فهو دائما يعدّد المال.
وقيل معنى عدّده أي: جعله عدّة له يعني ادّخره لنوائب الدّهر، وهذا وإن كان اللّفظ يحتمله لكنّه بعيد، لأنّ إعداد المال لنوائب الدّهر مع القيام بالواجب بأداء ما يجب فيه من زكاة وحقوق ليس مذموما، المذموم أن يكون أكبر همّ الإنسان هو المال، يتردّد إليه ويعدّه وينظر هل زاد أو نقص، فالقول بأنّ المراد عدّده أي : أعدَّه للمستقبل قول ضعيف.
(( يحسب أنّ ماله أخلده )) يعني: يظنّ هذا الرّجل أنّ ماله سيُخلده ويبقيه إمّا بجسمه وإمّا بذكره، لأنّ عُمُر الإنسان ليس ما بقي في الدّنيا، بل عمر الإنسان حقيقة ما يخلّده بعد موته، وتكون ذكراه في قلوب النّاس وعلى ألسنتهم.
فيقول في هذه الآية: (( يحسبُ أنّ ماله أخلده )) أي: أخلد ذكره أو أطال عمره، والأمر ليس كذلك، فإنّ أهل الأموال إذا لم يعرفوا بالبذل والكرم فإنّهم يخلّدون لكن بالذّكر السّيّء، فيقال: أبخل من فلان وأبخل من فلان، ويذكر في المجالس ويُعاب.
ولهذا قال: (( كلاّ لينبذنّ في الحطمة )):
كلاّ : هنا يسمّيها العلماء حرف ردع، أي: تردع هذا القائل أو هذا الحاسب عن قوله أو عن حسبانه، ويحتمل أن تكون بمعنى: حقّا، يعني حقّا لينبذنّ وكلاهما صحيح.
هذا الرّجل لن يخلده ماله ولن يخلد ذكراه بل سينسى ويطوى ذكره وربّما يذكر بالسّوء لعدم قيامه بما أوجب الله عليه من البذل.
(( لينبذنّ في الحطمة )) اللّام هذه واقعة في جواب قسم مقدّر، والتّقدير: والله لينبذنّ في الحطمة، أي: يطرح طرحاً.
وإذا قلنا إنّ اللّام في جواب القسم صارت الجملة هذه مؤكّدة باللاّم ونون التّوكيد والقسم المحذوف، ومثل هذا كثير في القرآن الكريم، أي: تأكيد الشّيء باليمين واللاّم والنّون هذا شيء كثير في القرآن، والله تعالى يُقسم بالشّيء تأكيدًا له وتعظيمًا لشأنه.
وقوله: (( لينبذنّ )) ما الذي ينبذ هل هو صاحب المال أو المال؟
قد نقول كلاهما ينبذ، أمّا صاحب المال فإنّ الله يقول في آية أخرى: (( يوم يُدَعّون إلى نار جهنّم دعّا )) يدفعون ويدزون بالأيدي أو بما شاء الله، وهنا يقول: ينبذ أي: يطرح في الحطمة، والحطمة هي: التي تحطم الشّيء أي تفتّته وتكسّره، فما هي؟
قال الله تعالى: (( وما أدراك ما الحطمة )) وهذه الصّيغة للتّعظيم والتّفخيم.
(( نار الله الموقدة )) هذا الجواب، أي: هي نار الله الموقدة، وأضافها الله سبحانه إلى نفسه لأنّه يعذّب بها من يستحقّ العذاب، فهي عقوبة عدل وليس عقوبة ظلم، أي: نار يحرق بها من يستحقّ أن يعذّب بها، إذن هي نار عدل وليست نار ظلم، لأنّ الإحراق بالنار قد يكون ظلما وقد يكون عدلا، فتعذيب الكافرين بالنار لا شكّ أنّه عدل وأنّه يثنى به على الرّبّ عزّ وجلّ حيث عامل هؤلاء بما يستحقّون، وتأمّل قوله: (( حُطَمَة )) مع فعل هذا الفاعل: همزة، لمزة، حطمة، على وزن واحد، ليكون الجزاء مطابقا للعمل حتى في اللّفظ.
(( نار الله الموقدة )) أي : المسجّرة، المسعّرة.
(( التي تطّلع على الأفئدة )) : الأفئدة جمع فؤاد وهو القلب، والمعنى أنّها تصل إلى القلوب -والعياذ بالله- من شدّة حرارتها مع أنّ القلوب مكنونة في الصّدور وبينها وبين الجلد الظاهر ما بينها من الطّبقات لكن مع ذلك تصل هذه النّار إلى الأفئدة.
(( إنّها )) أي : الحطمة وهي نار الله الموقدة .
(( عليهم مؤصدة )) على مَن؟
على الهمّاز اللّمّاز الجمّاع للمال المنّاع للخير، ولم يقل: إنّها عليه، مع أنّ المرجع مفرد، (( ويل لكلّ همزة لمزة * الذي جمع ))، لكنه أعاد الضّمير بلفظ الجمع باعتبار المعنى لأنّ لكلّ همزة عامّ، يشمل جميع الهمّازين وجميع اللّمّازين.
(( إنّها على مؤصدة )) أي : مغلقة، مغلقة الأبواب لا يرجى لهم فرج والعياذ بالله.
(( كلّما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها )) يعني : يرفعون إلى أبوابها حتى يطمعوا في الخروج ثم بعد ذلك ينكسون فيها ويعادون فيها، كلّ هذا لشدّة التّعذيب لأنّ الإنسان إذا طمع في الفرج وأنّه سينجو ويخلّص يفرح، وإذا أعيد صارت انتكاسة جديدة والعياذ بالله فهكذا يعذّبون بضمائرهم وأبدانهم. وعذاب أهل النّار مذكور ومفصّل في القرآن الكريم والسّنّة النّبويّة.
(( إنّها عليهم مؤصدة )) أي: مغلقة، تأمّل الآن لو أنّ مثلا إنساناً كان في حجرة أو في سيّارة انتشرت النيران فيها وليس له مخرج، الأبواب مغلقة ماذا يكونون؟! في حسرة عظيمة! لا يمكن أن يماثلها حسرة هم والعياذ بالله هكذا في النّار مؤصدة.
(( في عمد ممدّدة )) أي : أنّ هذه النّار مؤصدة وعليها أعمدة ممدّدة يعني مثل ما نقول: شبوك عظيمة حتى لا يحاول أحد فتحها.
(( في عمد ممدّدة )) أي : ممدودة على جميع النّواحي والزّوايا حتى لا أحد يتمكّن من فتحها أو الخروج منها، حكى الله سبحانه وتعالى ذلك علينا وبيّنه لنا لا لمجرّد أن نتلوها بألسنتنا أو نعرف معناها بأفهامنا لكن المراد أن نحذر من ذلك، أن نحذر مِن هذه الأوصاف الذّميمة: عيب النّاس بالقول، عيب النّاس بالفعل، الحرص على المال حتى كأنّما الإنسان إنّما خلق للمال ليخلّد له أو يخلّد المال له، ونعلم أنّ من كانت هذه حاله فإنّ جزاءه هذه النّار التي هي كما وصفها الله: حطمة، تطّلع على الأفئدة، مؤصدة، في عمد ممدّدة، نسأل الله تعالى أن يجيرنا وإيّاكم منها، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل والإستقامة على دينه.
والآن أتى وقت الأسئلة ونبدأ باليمين.
أمّا بعد:
فهذا هو اللّقاء المتمّم للمائة من اللّقاءات التي تتمّ كلّ أسبوع والتي تعرف باسم: لقاء الباب المفتوح، وهذا يتمّ في يوم الخميس، الحادي والعشرين من شهر ربيع الأوّل عام ستة عشر وأربعمائة وألف، نبتدأ هذا اللّقاء بالكلام على تفسير هذه السّورة بما تيسّر، وهي قوله تبارك وتعالى:
(( ويل لكلّ همزة لمزة * الذي جمع مالا وعدّده * يحسب أنّ ماله أخلده * كلاّ لينبذنّ في الحطمة * وما أدراك ما الحطمة * نار الله الموقدة * التي تطّلع على الأفئدة * إنّها عليهم مؤصدة * في عَمَدٍ ممدّدة )) :
ففي هذه السّورة، يبتدأ الله سبحانه وتعالى بكلمة: (( ويل )): وهي كلمة وعيد، أي أنّها تدلّ على ثبوت وعيد من اتّصف بهذه الصّفات: همزة، لمزة إلى آخره، وقيل: إنّ ويل اسم لواد في جهنّم ولكنّ الأوّل أصحّ.
(( لكلّ همزة لمزة )) كلّ: من صيغ العموم، والهُمزة واللُّمزة وصفان لموصوف واحد، فهل هما بمعنى واحد؟
يعني أنّ همزة ولمزة معناهما واحد، أو يختلفان في المعنى؟
قال بعض العلماء إنّهما لفظان لمعنى واحد، يعني: أنّ الهمزة هو اللّمزة.
وقال بعضهم: بل لكلّ واحد منهما معنى غير معنى الآخر.
وثَمًّ قاعدة وأحبّ أن أنبه عليها في التّفسير وغير التّفسير، وهو: " أنّه إذا دار الأمر بين أن تكون الكلمة مع الأخرى بمعنى واحد، أو لكلّ كلمة معنى فإنّنا نتبّع الثاني " ، أي: نجعل لكلّ واحدة معنى، لأنّنا إذا جعلنا الكلمتين بمعنى واحد صار في هذا تكرار لا داعي له، لكن إذا جعلنا لكلّ واحدة معنى صار هذا تأسيساً وتفريقاً بين الكلمتين.
والصّحيح في هذه الآية (( لكلّ همزة لمزة )) أنّ بينهما فرقًا، فالهمز بالفعل، واللّمز باللّسان، كما قال الله تعالى: (( ومنهم من يلمزك في الصّدقات فإن أُعطوا منها رضوا وإن لم يُعطوا منها إذا هم يسخطون )).
الهمز بالفعل معناه: أنّه يسخر من النّاس بفعله إمّا أن يلوي وجهه، أو يعبّس بوجهه، أو ما أشبه ذلك، أو بالإشارة يعني: يشير إلى شخص بعينه، يقول انظروا إليه ليعيبه، أو ما أشبه ذلك، فالهمز يكون بالفعل، واللّمز باللّسان، يعني: أنّ بعض النّاس والعياذ بالله مشغوف بعيب البشر، إمّا بفعله وهو الهمّاز، وإمّا بقوله وهو اللّمّاز، وهذا كقوله تعالى: (( ولا تطع كلّ حلاّف مهين همّاز مشّاء بنميم )).
(( الذي جمع مالاً وعدّده )): هذه أيضًا من أوصافه القبيحة، جمّاع منّاع ، يجمع المال ويمنع العطاء فهو بخيل لا يُعطي، يجمع المال ويعدّده، قيل: معنى التّعديد يعني: الإحصاء، يعني: لشغفه بالمال كلّ مرّة يذهب إلى الصّندوق فيعدّ، يعدّ الدّراهم في الصّندوق في الصّباح وفي آخر النّهار يعدّها، وهو يعرف أنّه لم يأخذ منه شيئاً ولم يضف إليه شيئاً، لكن لشدّة شغفه بالمال يتردّد عليه ويعدّده، ولهذا جاءت بصيغة المبالغة عدّده: يعني أكثر تعداده، لماذا؟
لشدّة شغفه ومحبّته له، يخشى أن يكون نقص، أو يريد زيادة اطمئنان على ما سبق، فهو دائما يعدّد المال.
وقيل معنى عدّده أي: جعله عدّة له يعني ادّخره لنوائب الدّهر، وهذا وإن كان اللّفظ يحتمله لكنّه بعيد، لأنّ إعداد المال لنوائب الدّهر مع القيام بالواجب بأداء ما يجب فيه من زكاة وحقوق ليس مذموما، المذموم أن يكون أكبر همّ الإنسان هو المال، يتردّد إليه ويعدّه وينظر هل زاد أو نقص، فالقول بأنّ المراد عدّده أي : أعدَّه للمستقبل قول ضعيف.
(( يحسب أنّ ماله أخلده )) يعني: يظنّ هذا الرّجل أنّ ماله سيُخلده ويبقيه إمّا بجسمه وإمّا بذكره، لأنّ عُمُر الإنسان ليس ما بقي في الدّنيا، بل عمر الإنسان حقيقة ما يخلّده بعد موته، وتكون ذكراه في قلوب النّاس وعلى ألسنتهم.
فيقول في هذه الآية: (( يحسبُ أنّ ماله أخلده )) أي: أخلد ذكره أو أطال عمره، والأمر ليس كذلك، فإنّ أهل الأموال إذا لم يعرفوا بالبذل والكرم فإنّهم يخلّدون لكن بالذّكر السّيّء، فيقال: أبخل من فلان وأبخل من فلان، ويذكر في المجالس ويُعاب.
ولهذا قال: (( كلاّ لينبذنّ في الحطمة )):
كلاّ : هنا يسمّيها العلماء حرف ردع، أي: تردع هذا القائل أو هذا الحاسب عن قوله أو عن حسبانه، ويحتمل أن تكون بمعنى: حقّا، يعني حقّا لينبذنّ وكلاهما صحيح.
هذا الرّجل لن يخلده ماله ولن يخلد ذكراه بل سينسى ويطوى ذكره وربّما يذكر بالسّوء لعدم قيامه بما أوجب الله عليه من البذل.
(( لينبذنّ في الحطمة )) اللّام هذه واقعة في جواب قسم مقدّر، والتّقدير: والله لينبذنّ في الحطمة، أي: يطرح طرحاً.
وإذا قلنا إنّ اللّام في جواب القسم صارت الجملة هذه مؤكّدة باللاّم ونون التّوكيد والقسم المحذوف، ومثل هذا كثير في القرآن الكريم، أي: تأكيد الشّيء باليمين واللاّم والنّون هذا شيء كثير في القرآن، والله تعالى يُقسم بالشّيء تأكيدًا له وتعظيمًا لشأنه.
وقوله: (( لينبذنّ )) ما الذي ينبذ هل هو صاحب المال أو المال؟
قد نقول كلاهما ينبذ، أمّا صاحب المال فإنّ الله يقول في آية أخرى: (( يوم يُدَعّون إلى نار جهنّم دعّا )) يدفعون ويدزون بالأيدي أو بما شاء الله، وهنا يقول: ينبذ أي: يطرح في الحطمة، والحطمة هي: التي تحطم الشّيء أي تفتّته وتكسّره، فما هي؟
قال الله تعالى: (( وما أدراك ما الحطمة )) وهذه الصّيغة للتّعظيم والتّفخيم.
(( نار الله الموقدة )) هذا الجواب، أي: هي نار الله الموقدة، وأضافها الله سبحانه إلى نفسه لأنّه يعذّب بها من يستحقّ العذاب، فهي عقوبة عدل وليس عقوبة ظلم، أي: نار يحرق بها من يستحقّ أن يعذّب بها، إذن هي نار عدل وليست نار ظلم، لأنّ الإحراق بالنار قد يكون ظلما وقد يكون عدلا، فتعذيب الكافرين بالنار لا شكّ أنّه عدل وأنّه يثنى به على الرّبّ عزّ وجلّ حيث عامل هؤلاء بما يستحقّون، وتأمّل قوله: (( حُطَمَة )) مع فعل هذا الفاعل: همزة، لمزة، حطمة، على وزن واحد، ليكون الجزاء مطابقا للعمل حتى في اللّفظ.
(( نار الله الموقدة )) أي : المسجّرة، المسعّرة.
(( التي تطّلع على الأفئدة )) : الأفئدة جمع فؤاد وهو القلب، والمعنى أنّها تصل إلى القلوب -والعياذ بالله- من شدّة حرارتها مع أنّ القلوب مكنونة في الصّدور وبينها وبين الجلد الظاهر ما بينها من الطّبقات لكن مع ذلك تصل هذه النّار إلى الأفئدة.
(( إنّها )) أي : الحطمة وهي نار الله الموقدة .
(( عليهم مؤصدة )) على مَن؟
على الهمّاز اللّمّاز الجمّاع للمال المنّاع للخير، ولم يقل: إنّها عليه، مع أنّ المرجع مفرد، (( ويل لكلّ همزة لمزة * الذي جمع ))، لكنه أعاد الضّمير بلفظ الجمع باعتبار المعنى لأنّ لكلّ همزة عامّ، يشمل جميع الهمّازين وجميع اللّمّازين.
(( إنّها على مؤصدة )) أي : مغلقة، مغلقة الأبواب لا يرجى لهم فرج والعياذ بالله.
(( كلّما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها )) يعني : يرفعون إلى أبوابها حتى يطمعوا في الخروج ثم بعد ذلك ينكسون فيها ويعادون فيها، كلّ هذا لشدّة التّعذيب لأنّ الإنسان إذا طمع في الفرج وأنّه سينجو ويخلّص يفرح، وإذا أعيد صارت انتكاسة جديدة والعياذ بالله فهكذا يعذّبون بضمائرهم وأبدانهم. وعذاب أهل النّار مذكور ومفصّل في القرآن الكريم والسّنّة النّبويّة.
(( إنّها عليهم مؤصدة )) أي: مغلقة، تأمّل الآن لو أنّ مثلا إنساناً كان في حجرة أو في سيّارة انتشرت النيران فيها وليس له مخرج، الأبواب مغلقة ماذا يكونون؟! في حسرة عظيمة! لا يمكن أن يماثلها حسرة هم والعياذ بالله هكذا في النّار مؤصدة.
(( في عمد ممدّدة )) أي : أنّ هذه النّار مؤصدة وعليها أعمدة ممدّدة يعني مثل ما نقول: شبوك عظيمة حتى لا يحاول أحد فتحها.
(( في عمد ممدّدة )) أي : ممدودة على جميع النّواحي والزّوايا حتى لا أحد يتمكّن من فتحها أو الخروج منها، حكى الله سبحانه وتعالى ذلك علينا وبيّنه لنا لا لمجرّد أن نتلوها بألسنتنا أو نعرف معناها بأفهامنا لكن المراد أن نحذر من ذلك، أن نحذر مِن هذه الأوصاف الذّميمة: عيب النّاس بالقول، عيب النّاس بالفعل، الحرص على المال حتى كأنّما الإنسان إنّما خلق للمال ليخلّد له أو يخلّد المال له، ونعلم أنّ من كانت هذه حاله فإنّ جزاءه هذه النّار التي هي كما وصفها الله: حطمة، تطّلع على الأفئدة، مؤصدة، في عمد ممدّدة، نسأل الله تعالى أن يجيرنا وإيّاكم منها، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل والإستقامة على دينه.
والآن أتى وقت الأسئلة ونبدأ باليمين.