تفسير سورة الماعون وما يستفاد من الآيات . حفظ
الشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع بعد المائة من لقاء الباب المفتوح، والذي يتم في كل يوم خميس من كل شهر، وهذا هو الخميس الثامن عشر من شهر جمادى الأولى، عام خمسة عشر وأربعمائة وألف.
نبتدئ هذا اللقاء بتفسير قول الله تبارك وتعالى: (( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ )) إلى آخر السورة إن شاء الله.
فيقول الله تبارك وتعالى: (( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ )): أرأيتَ: خطاب لكن لمن؟
هل هو للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأنه الذي أنزل عليه القرآن، أم هو عام لكل من يتوجه إليه الخطاب؟
العموم أولى، فنقول: (( أرأيتَ الذي )) عام لكل من يتوجه إليه الخطاب.
(( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ )) أي: بالجزاء، فهؤلاء الذين هم ينكرون البعث، ويقولون: (( أإذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ ))، ويقول القائل منهم: (( مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ )) هؤلاء يكذبون بيوم الدين، (( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ )) أي: بالجزاء.
(( فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ )) فجمع بين أمرين:
الأمر الأول: عدم الرحمة بالأيتام الذين هم محل الرحمة، لأن الأيتام هم الذين مات آباؤهم قبل أن يبلغوا، وهم محل الشفقة والرحمة، لأنه فاقد لأبيه، فقلبه منكسر يحتاج إلى جبر، ولهذا ورد في النصوص بفضل الإحسان إلى الأيتام، لكن هذا والعياذ بالله (( يدع اليتيم )) أي: يدفعه بعنف، لأن الدع هو: الدفع بعنف، كما قال الله تعالى: (( يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً )) أي: دفعاً شديداً، فتجد اليتيم إذا جاء إليه يستجديه شيئاً أو يكلمه في شيء يحتقره، ويدفعه بشدة، فلا يرحمه.
الأمر الثاني: أيضاً لا يحثون على رحمة الغير: (( وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ )) فالمسكين الفقير المحتاج إلى الطعام لا يحض هذا على إطعامه، لأن قلبه حجر والعياذ بالله قاسي، فقلوبهم (( كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً )) إذاً ليس فيه رحمة لا للأيتام ولا للمساكين، فهو قاسي القلب والعياذ بالله.
ثم قال الله عز وجل: (( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ )) وويل: هذه كلمة وعيد، وهي تتكرر في القرآن كثيراً، والمعنى: الوعيد الشديد على هؤلاء.
(( لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ )) هؤلاء مصلون يصلون مع الناس أو أفراداً لكنهم (( عن صلاتهم ساهون )) أي: غافلون عنها لا يقيمونها على ما ينبغي، يؤخرونها عن الوقت الفاضل، لا يقيمون ركوعها ولا سجودها ولا قيامها ولا قعودها، لا يقرءون ما يجب فيها من قراءة سواء كانت قرآناً أو ذكراً، إذا دخل في صلاته وإذا هو غافل، قلبه يتجول يميناً وشمالاً فهو ساهٍ عن صلاته.
وهذا مذموم، الذي يسهو عن الصلاة ويغفل عنها ويتهاون بها، لا شك أنه مذموم، أما الساهي في صلاته فهذا لا يلام، والفرق بينهما: أن الساهي في الصلاة معناه: أنه نسي شيئاً، نسي عدد الركعات، نسي شيئاَ من الواجبات وما أشبه ذلك، ولهذا وقع السهو من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أشد الناس إقبالاً على صلاته، بل إنه قال عليه الصلاة والسلام: ( جعلت قرة عيني في الصلاة ) ومع ذلك سها في صلاته، لأن السهو معناه: أنه ينسى شيئاً على وجه لا يلام عليه، أما الساهي عن صلاته فهو متعمد للتهاون في صلاته، ومن السهو عن الصلاة أولئك القوم الذين يدعون الصلاة مع الجماعة، فإنهم لا شك عن صلاتهم ساهون، فيدخلون في هذا الوعيد (( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ )).
(( الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ )) أيضاً إذا فعلوا الطاعة فإنما يقصدون بها التزلف إلى الناس، وأن يكون لهم قيمة في المجتمع، ليس قصدهم التقرب إلى الله عز وجل، فهذا المرائي والعياذ بالله يتصدق من أجل أن يقول الناس: ما أكرمه، هذا المصلي يحسن صلاته من أجل أن يقول الناس: ما أحسن صلاته، وما أشبه ذلك، هؤلاء يراءون، أصل العبادة لله لكن يريدون مع ذلك أن يحمدهم الناس عليها، ويتقربون إلى الناس بتقربهم إلى الله، هؤلاء المراءون والعياذ بالله.
أما من يصلي لأجل الناس بمعنى: أنه يصلي بين يدي الملك مثلاً أو غيره يخضع له ركوعاً أو سجوداً فهذا مشرك كافر قد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار، لكن هذا يصلي لله مع مراعاة أن يحمده الناس على عبادته على أنه عابد لله عز وجل، وهذا يقع كثيراً في المنافقين كما قال الله تعالى: (( وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً )): انظر لهذا الوصف: (( إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى )) إذاً هم عن صلاتهم ساهون.
هنا يقول: (( الذين هم يراءون )): فإن قال إنسان: وهل الذين يسمعون مثلهم؟
يعني إنسان مثلًا يقرأ القرآن يجهر في القراءة، يحسن القراءة، يحسن الأداء والصوت من أجل أن يقال: ما أقرأه، هل يكون مثل الذين يراءون؟
الجواب: نعم، كما جاء في الحديث: ( من سمّع سمّع الله به، ومن راءى راءى الله به ) المعنى: من سمع فضحه الله، وبيَّن للناس أن الرجل ليس مخلصاً، ولكنه يريد أن يسمعه الناس فيمدحوه على عبادته.
ومن راءى كذلك راءى الله به.
فالإنسان الذي يرائي الناس أو يسمِّع الناس سوف يفضحه الله، وسوف يتبين أمره إن عاجلاً أم آجلاً.
(( وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ )) أي: يمنعون ما يجب بذله مِن المواعين -وهي: الأواني- يعني: يأتي الإنسان إليه ليستعير منهم آنية، يقول: أنا محتاج إلى دلو، محتاج إلى إناء أشرب فيه، أحتاج إلى لمبة كهرباء وما أشبه ذلك ويمنع، هذا أيضاً مذموم، ومنع الماعون ينقسم إلى قسمين:
قسم: يأثم به الإنسان.
وقسم: لا يأثم به، ولكن يفوته الخير.
فما وجب بذله فإن الإنسان يأثم بمنعه، وما لم يجب بذله فإن الإنسان لا يأثم بمنعه لكن يفوته الخير، مثال ذلك: إنسان جاءه رجل مضطر فقال: أعطني إناءً أشرب به فإن لم أشرب مت، بذل الإناء له واجب، يأثم به الإنسان، حتى إن بعض العلماء يقول: لو مات هذا الإنسان فإنه يضمنه ذاك بالدية، لأنه هو سبب موته، ويجب عليه بذل ما طلبه.
جاء إنسان إلى آخر يقول: أعطني ثوباً أدفأ به عن البرد وإلا هلكت، هنا يجب عليه أن يبذل له ذلك الثوب وجوباً.
لكن اختلف العلماء في هذه المسألة: هل يجب على المستعير في هذه الحال أن يعطي المعير أُجرة أو لا يجب؟
أو يجب في المنافع دون الأعيان، كيف هذا؟
مثلاً: إنسان أتاك وهو مضطر إلى طعام فإن لم تطعمه هلك، هنا يجب عليك أن تطعمه لكن هل يجب عليه أن يعطيك قيمة الطعام؟
قال بعض أهل العلم: يجب عليه أن يعطيك قيمة الطعام، وقال آخرون: لا يجب، لأن إطعامه في هذه الحال واجب عليك من عند الله، وهذا القول هو الراجح، أنه ليس له عوض، لأن إنقاذ الواقع في هلكة واجب، ولا يمكن أن يأخذ الإنسان أجراً على ما أوجب الله عليه.
في المسألة الثانية: جاءك إنسان مضطر إلى ثوب خوفاً من البرد، فأعطيته الثوب فهل يجب عليه أجرة لهذا الثوب؟
بعض العلماء يقول: يجب عليه أجره، وبعضهم يقول: لا يجب، والصحيح: أنه لا يجب عليه الأجره، ولكن إذا أعطيته إياه على سبيل التملك فهو ملكه، وإن أعطيته إياه على سبيل العرية وجب عليه إذا وجد ثوباً غيره أن يرده عليك، هذا هو القول الصحيح، وبهذا ينتهي الكلام على هذه السورة.
فيجب على المرء أن ينظرَ في نفسه: هل هو ممن اتصف بهذه الصفات أو لا، إن كان ممن اتصف بهذه الصفات قد أضاع الصلاة وسها عنها، ومنع الخير عن الغير فليبشر بالويل والعياذ بالله، وإن كان قد تنزه عن ذلك فليبشر بالخير.
والقرآن الكريم ليس المقصود منه أن يتلوه الإنسان فقط ليتعبد لله بتلاوته، إنما المقصود أن يتأدب به، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: ( إن النبي صلى الله عليه وسلم كان خُلُقُه القرآن ) خُلُقُه يعني: أخلاقه التي يتخلق بها، يأخذها من القرآن، وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة.
والآن إلى الأسئلة.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع بعد المائة من لقاء الباب المفتوح، والذي يتم في كل يوم خميس من كل شهر، وهذا هو الخميس الثامن عشر من شهر جمادى الأولى، عام خمسة عشر وأربعمائة وألف.
نبتدئ هذا اللقاء بتفسير قول الله تبارك وتعالى: (( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ )) إلى آخر السورة إن شاء الله.
فيقول الله تبارك وتعالى: (( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ )): أرأيتَ: خطاب لكن لمن؟
هل هو للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأنه الذي أنزل عليه القرآن، أم هو عام لكل من يتوجه إليه الخطاب؟
العموم أولى، فنقول: (( أرأيتَ الذي )) عام لكل من يتوجه إليه الخطاب.
(( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ )) أي: بالجزاء، فهؤلاء الذين هم ينكرون البعث، ويقولون: (( أإذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ ))، ويقول القائل منهم: (( مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ )) هؤلاء يكذبون بيوم الدين، (( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ )) أي: بالجزاء.
(( فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ )) فجمع بين أمرين:
الأمر الأول: عدم الرحمة بالأيتام الذين هم محل الرحمة، لأن الأيتام هم الذين مات آباؤهم قبل أن يبلغوا، وهم محل الشفقة والرحمة، لأنه فاقد لأبيه، فقلبه منكسر يحتاج إلى جبر، ولهذا ورد في النصوص بفضل الإحسان إلى الأيتام، لكن هذا والعياذ بالله (( يدع اليتيم )) أي: يدفعه بعنف، لأن الدع هو: الدفع بعنف، كما قال الله تعالى: (( يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً )) أي: دفعاً شديداً، فتجد اليتيم إذا جاء إليه يستجديه شيئاً أو يكلمه في شيء يحتقره، ويدفعه بشدة، فلا يرحمه.
الأمر الثاني: أيضاً لا يحثون على رحمة الغير: (( وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ )) فالمسكين الفقير المحتاج إلى الطعام لا يحض هذا على إطعامه، لأن قلبه حجر والعياذ بالله قاسي، فقلوبهم (( كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً )) إذاً ليس فيه رحمة لا للأيتام ولا للمساكين، فهو قاسي القلب والعياذ بالله.
ثم قال الله عز وجل: (( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ )) وويل: هذه كلمة وعيد، وهي تتكرر في القرآن كثيراً، والمعنى: الوعيد الشديد على هؤلاء.
(( لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ )) هؤلاء مصلون يصلون مع الناس أو أفراداً لكنهم (( عن صلاتهم ساهون )) أي: غافلون عنها لا يقيمونها على ما ينبغي، يؤخرونها عن الوقت الفاضل، لا يقيمون ركوعها ولا سجودها ولا قيامها ولا قعودها، لا يقرءون ما يجب فيها من قراءة سواء كانت قرآناً أو ذكراً، إذا دخل في صلاته وإذا هو غافل، قلبه يتجول يميناً وشمالاً فهو ساهٍ عن صلاته.
وهذا مذموم، الذي يسهو عن الصلاة ويغفل عنها ويتهاون بها، لا شك أنه مذموم، أما الساهي في صلاته فهذا لا يلام، والفرق بينهما: أن الساهي في الصلاة معناه: أنه نسي شيئاً، نسي عدد الركعات، نسي شيئاَ من الواجبات وما أشبه ذلك، ولهذا وقع السهو من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أشد الناس إقبالاً على صلاته، بل إنه قال عليه الصلاة والسلام: ( جعلت قرة عيني في الصلاة ) ومع ذلك سها في صلاته، لأن السهو معناه: أنه ينسى شيئاً على وجه لا يلام عليه، أما الساهي عن صلاته فهو متعمد للتهاون في صلاته، ومن السهو عن الصلاة أولئك القوم الذين يدعون الصلاة مع الجماعة، فإنهم لا شك عن صلاتهم ساهون، فيدخلون في هذا الوعيد (( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ )).
(( الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ )) أيضاً إذا فعلوا الطاعة فإنما يقصدون بها التزلف إلى الناس، وأن يكون لهم قيمة في المجتمع، ليس قصدهم التقرب إلى الله عز وجل، فهذا المرائي والعياذ بالله يتصدق من أجل أن يقول الناس: ما أكرمه، هذا المصلي يحسن صلاته من أجل أن يقول الناس: ما أحسن صلاته، وما أشبه ذلك، هؤلاء يراءون، أصل العبادة لله لكن يريدون مع ذلك أن يحمدهم الناس عليها، ويتقربون إلى الناس بتقربهم إلى الله، هؤلاء المراءون والعياذ بالله.
أما من يصلي لأجل الناس بمعنى: أنه يصلي بين يدي الملك مثلاً أو غيره يخضع له ركوعاً أو سجوداً فهذا مشرك كافر قد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار، لكن هذا يصلي لله مع مراعاة أن يحمده الناس على عبادته على أنه عابد لله عز وجل، وهذا يقع كثيراً في المنافقين كما قال الله تعالى: (( وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً )): انظر لهذا الوصف: (( إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى )) إذاً هم عن صلاتهم ساهون.
هنا يقول: (( الذين هم يراءون )): فإن قال إنسان: وهل الذين يسمعون مثلهم؟
يعني إنسان مثلًا يقرأ القرآن يجهر في القراءة، يحسن القراءة، يحسن الأداء والصوت من أجل أن يقال: ما أقرأه، هل يكون مثل الذين يراءون؟
الجواب: نعم، كما جاء في الحديث: ( من سمّع سمّع الله به، ومن راءى راءى الله به ) المعنى: من سمع فضحه الله، وبيَّن للناس أن الرجل ليس مخلصاً، ولكنه يريد أن يسمعه الناس فيمدحوه على عبادته.
ومن راءى كذلك راءى الله به.
فالإنسان الذي يرائي الناس أو يسمِّع الناس سوف يفضحه الله، وسوف يتبين أمره إن عاجلاً أم آجلاً.
(( وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ )) أي: يمنعون ما يجب بذله مِن المواعين -وهي: الأواني- يعني: يأتي الإنسان إليه ليستعير منهم آنية، يقول: أنا محتاج إلى دلو، محتاج إلى إناء أشرب فيه، أحتاج إلى لمبة كهرباء وما أشبه ذلك ويمنع، هذا أيضاً مذموم، ومنع الماعون ينقسم إلى قسمين:
قسم: يأثم به الإنسان.
وقسم: لا يأثم به، ولكن يفوته الخير.
فما وجب بذله فإن الإنسان يأثم بمنعه، وما لم يجب بذله فإن الإنسان لا يأثم بمنعه لكن يفوته الخير، مثال ذلك: إنسان جاءه رجل مضطر فقال: أعطني إناءً أشرب به فإن لم أشرب مت، بذل الإناء له واجب، يأثم به الإنسان، حتى إن بعض العلماء يقول: لو مات هذا الإنسان فإنه يضمنه ذاك بالدية، لأنه هو سبب موته، ويجب عليه بذل ما طلبه.
جاء إنسان إلى آخر يقول: أعطني ثوباً أدفأ به عن البرد وإلا هلكت، هنا يجب عليه أن يبذل له ذلك الثوب وجوباً.
لكن اختلف العلماء في هذه المسألة: هل يجب على المستعير في هذه الحال أن يعطي المعير أُجرة أو لا يجب؟
أو يجب في المنافع دون الأعيان، كيف هذا؟
مثلاً: إنسان أتاك وهو مضطر إلى طعام فإن لم تطعمه هلك، هنا يجب عليك أن تطعمه لكن هل يجب عليه أن يعطيك قيمة الطعام؟
قال بعض أهل العلم: يجب عليه أن يعطيك قيمة الطعام، وقال آخرون: لا يجب، لأن إطعامه في هذه الحال واجب عليك من عند الله، وهذا القول هو الراجح، أنه ليس له عوض، لأن إنقاذ الواقع في هلكة واجب، ولا يمكن أن يأخذ الإنسان أجراً على ما أوجب الله عليه.
في المسألة الثانية: جاءك إنسان مضطر إلى ثوب خوفاً من البرد، فأعطيته الثوب فهل يجب عليه أجرة لهذا الثوب؟
بعض العلماء يقول: يجب عليه أجره، وبعضهم يقول: لا يجب، والصحيح: أنه لا يجب عليه الأجره، ولكن إذا أعطيته إياه على سبيل التملك فهو ملكه، وإن أعطيته إياه على سبيل العرية وجب عليه إذا وجد ثوباً غيره أن يرده عليك، هذا هو القول الصحيح، وبهذا ينتهي الكلام على هذه السورة.
فيجب على المرء أن ينظرَ في نفسه: هل هو ممن اتصف بهذه الصفات أو لا، إن كان ممن اتصف بهذه الصفات قد أضاع الصلاة وسها عنها، ومنع الخير عن الغير فليبشر بالويل والعياذ بالله، وإن كان قد تنزه عن ذلك فليبشر بالخير.
والقرآن الكريم ليس المقصود منه أن يتلوه الإنسان فقط ليتعبد لله بتلاوته، إنما المقصود أن يتأدب به، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: ( إن النبي صلى الله عليه وسلم كان خُلُقُه القرآن ) خُلُقُه يعني: أخلاقه التي يتخلق بها، يأخذها من القرآن، وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة.
والآن إلى الأسئلة.