صفة شهر رمضان وما فيه من المزايا والبركات والثواب وحكم صيامه وقيامه كما قال الله تعالى:(( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفرٍ فعدةٌ من أيامٍ أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون )) (البقرة:185) حفظ
الشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن هذا اللقاء سيكون اللقاء الأخير في شهر شعبان، وهو اللقاء السادس عشر بعد المائة، يتم في يوم الخميس العشرين من شهر شعبان عام ستة عشر وأربعمائة وألف، وبما أن شهر رمضان على الأبواب فإنه يحسن أن نتكلم بكلمات يسيرة عما يتعلق بالشهر المبارك.
شهر رمضان له مزايا على غيره: منها: أن الله سبحانه وتعالى أنزل فيه القرآن، كما قال تعالى: (( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ )).
ومنها: أن الله جعل فيه ليلة القدر التي أنزل الله في شأنها سورة كاملة، فقال تعالى: (( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ )) وقال فيها: (( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ )) فوصفها الله تعالى بالبركة.
ومنها: أن الله سبحانه وتعالى رتب مغفرة الذنوب والآثام لمن صامه إيماناً واحتساباً، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) .
ومعنى قوله: ( إيماناً ) أي: إيماناً بفرضيته، وإيماناً بما رتب الله عليه من الأجر، ( واحتساباً ) لهذا الأجر، يعني: أنك تحتسب صومك على الله عز وجل بأن يثيبك على صيامه، فمن صامه إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه.
ومنها: أن من قامه إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ومنها: أن من قام ليله إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه.
ومنها: أنه شهر الجود والكرم، فقد ( كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ) - الأخ ... عشان توسع للجماعة وعشان ما تنظر للذي أمامك -
ومنها: أنه شهر الجود والكرم والعفو الإحسان فقد ( كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ) وقد سألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ( أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ) .
فينبغي للإنسان أن يغتنم هذه الفرصة في الشهر المبارك، وأن يكثر من الصلاة والذكر وقراءة القرآن، والصدقة والإحسان إلى الناس بالمعاونة والشفاعة الحسنة، وغير ذلك من أنواع البر والخيرات، لعل الله تعالى أن يعامله بالخير والبركة.
نتكلم أولاً عن الصيام :
الصيام لا شك أنه مفروض على الأمة الإسلامية، وأنه ركن من أركان الإسلام، وفرضه الله عز وجل في السنة الثانية من الهجرة، فبقي النبي عليه الصلاة والسلام أربع عشرة سنة بعد البعثة لم يفرض الصيام، حتى تروضت النفوس على الإسلام واطمأنت واستقرت وفرض في السنة الثانية من الهجرة، وكان أول ما فُرض: أن الإنسان مخير بين أن يصوم أو يطعم عن كل يوم مسكيناً، ولكن الله ندب إلى الصوم فقال: (( وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ )) فصار من شاء صام ومن شاء أفطر، ثم أوجب الله تعالى صومه عيناً فقال: (( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ )) ولكنه لا يجب صوم رمضان إلا على كل مسلم، بالغ، عاقل، قادر، مقيم، خال من الموانع، يعني: بستة شروط، فالكافر لا نلزمه بالصوم، ولا نقل: صم، لو وجدنا كافراً يأكل ويشرب في بيته في نهار رمضان لم نقل: أمسك، لأنه ليس من أهل الصيام، بل لو صام وهو لم يسلم لم يقبل الله منه، لأن الله تعالى قال: (( وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ )) فهو لا يؤمر بالصوم ولو صام لم يصح منه، ولا يؤدب على الفطر، لكنه يمنع من إظهار الفطر بين المسلمين.
والصغير لا يجب عليه الصوم، لكن قال العلماء: يجب على وليه أن يأمره بالصوم إذا أطاقه، ليعتاده ويتمرن عليه، ويستقبله بنشاط وعزم إذا بلغ.
والمجنون لا يجب عليه الصوم، لأنه ليس أهلاً للتكليف، قد رفع عنه القلم، ولا يجب على المجنون شيء من العبادات إلا الزكاة، فإن الزكاة تجب في مال المجنون، لأن الزكاة حق المال.
والعاجز لا يلزمه الصوم، لكن إن كان عجزاً مستمراً لا يرجى زواله، فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً، كالعجز من أجل الكبر، أو من أجل مرض لا يرجى برؤه، فهذا يطعم عن كل يوم مسكيناً ولا يلزمه الصوم، والعجز الذي يرجى زواله كالمريض مرضاً طارئاً يرجى برؤه نقول له: انتظر حتى يزول المرض ثم صم لقول الله تعالى: (( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ))
والمسافر لا يلزمه الصوم، له أن يأكل ويشرب سواء كان في البر لم يصل إلى المدينة التي قصدها أو كان في نفس المدينة، ولو كان يقيم أو يريد الإقامة الشهر كله، فإنه مسافر له أن يأكل ويشرب لقوله تعالى: ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) ولا فرق بين أن يكون سفره لطاعة، كالذي يسافر للعمرة مثلاً، أو لصلة رحم، أو لعيادة مريض، أو لغير طاعة كما لو سافر ليتجر
وأما السفر المحرم فهذا محل خلاف بين العلماء فمنهم من يقول: إن المسافر سفراً محرماً يترخص برخص السفر، ومنهم من يقول: إنه لا يترخص.
وكما قلنا: لا فرق بين أن يكون المسافر يمشي في البر في الخط أو مقيماً في بلد قصد إليها، ما دام عزمه أن يعود إلى بلده، فإنه لا زال مسافراً.
ومن به موانع لا يلزمه الصوم، وهذا إنما يكون في المرأة الحائض والنفساء، فإنه لا صيام عليهما، ولو صامتا لم يصح الصوم منهما، ولكن عليهما القضاء، هذه هي الشروط التي تشترط لوجوب الصوم وهي ستة: الأول: الإسلام ، والثاني: البلوغ ، والثالث: والرابع: القدرة ، والخامس: الإقامة ، والسادس: الخلو من الموانع .
أما ما الذي يجب عنه الصوم ؟ فلعلكم تستغربون إذا قلت: إن الذي يجب عنه الصوم هو: المعاصي، يجب أن يصوم الإنسان عن المعاصي، لأن هذا هو المقصود الأول في الصوم لقول الله تبارك وتعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) لم يقل: لعلكم تجوعون! لعلكم تعطشون، لعلكم تمسكون عن الأكل، لا، قال: (( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) ، هذا هو المقصود الأول من الصوم، وحقق النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وأكده بقوله: ( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) إذن الصوم حقيقة أن يصوم الإنسان عن معاصي الله عز وجل، هذا هو الصوم الحقيقي.
أما الصوم الظاهري فهو الصيام عن المفطرات، الإمساك عن المفطرات تعبداً لله عز وجل من طلوع الفجر إلى غروب الشمس لقوله تعالى: (( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ )) هذا صوم نسميه الصوم الظاهري صوم البدن فقط، أما صوم القلب الذي هو المقصود الأول، فهو الصوم عن معاصي الله عز وجل.
وعلى هذا: فمن صام صوماً ظاهرياً جسدياً، ولكنه لم يصم صوماً قلبياً فإن صومه ناقص جداً جداً، لا نقول: إنه باطل لكن نقول: إنه ناقص، كما نقول في الصلاة، المقصود من الصلاة هو الخشوع والتذلل لله عز وجل، وصلاة القلب قبل صلاة الجوارح، لكن لو أن الإنسان صلّى بجوارحه ولم يصلِ بقلبه، كأن يكون قلبه في كل وادٍ فصلاته ناقصة جداً، لكنها مجزئة حسب الرسم الظاهر مجزئة لكنها ناقصة جداً.
كذلك الصوم، الصوم ناقص جداً إذا لم يصم الإنسان عن معصية الله، لكنه مجزئ حسب الرسم الظاهري، لأن العبادات في الدنيا إنما تكون على الظاهر.
فنقول: إذا تناول الإنسان شيئاً من المفطرات، ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فإن صومه يكون فاسداً وعليه القضاء، وأعظم المفطرات هو الجماع، فمن جامع زوجته في نهار رمضان، وهو ممن يجب عليه الصوم فسد صومه، ولزمه إمساك بقية اليوم، ولزمه القضاء، ولزمته الكفارة، ولزمه الإثم، يعني: يترتب على جماعه في نهار رمضان إذا كان ممن يجب عليه الصوم خمسة أشياء: الإثم، فساد الصوم، لزوم الإمساك، القضاء، الكفارة، خمسة أشياء، هذا إذا كان ممن يجب عليه الصوم.
أما لو كان ممن لا يجب عليه الصوم كمسافر سافر مع أهله، وصام هو وأهله ولكنه بدا له أن يتمتع بأهله، فجامع فلا شيء عليه، إلا القضاء فقط، يعني: لا يترتب عليه لا إثم ولا إمساك ولا كفارة، ليس عليه إلا القضاء، لأنه لما جامع فسد صومه لكن أفسده بشيء مباح، إذ أن المسافر يجوز له أن يفطر ولو في أثناء النهار ولو بدون سبب، وعليه القضاء.
ثم الكفارة: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، ولا فرق بين أن يقول: أنا والله لم أعلم أن عليّ كفارة، لو علمت أن عليّ كفارة ما جامعت، أو أن يقول: أنا أعلم أن عليّ كفارة ولكنه عجز عن إمساك نفسه، فعلى كل حال الكفارة واجبة، إذا علم الإنسان أن الجماع حرام فالكفارة عليه واجبة بكل حال، دليل ذلك: ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال: يا رسول الله هلكت ) وفي رواية: ( هلكت وأهلكت قال: ما شأنك أو ما الذي أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم ) فسأله النبي عليه الصلاة والسلام عن خصال الكفارة، ( أعتق رقبة، قال: لا أجد، قال: صم شهرين متتابعين، قال: لا أستطيع، قال: أطعم ستين مسكيناً، قال: لا أجد )، كل خصال الكفارة لا يجدها ولا يستطيعها، ( فجلس الرجل فجيء بتمر إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: خذ هذا وتصدق به، قال: أعلى أفقر مني؟ والله يا رسول الله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، حتى بدت نواجذه ثم قال: أطعمه أهلك ) ، ولم يقل له: إذا أغناك الله فكفر، فدل هذا على أن الكفارة تسقط بالعجز عنها، وهذا هو مقتضى العموم، عموم قول الله تعالى: (( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا )) وعموم قوله: (( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )).
ثم اعلم: أن من رحمة الله عز وجل أن الله رفع عن هذه الأمة حكم الخطأ والنسيان.
بمعنى: أن الإنسان لو أخطأ وأكل أو شرب وهو صائم فلا شيء عليه، فلو أن الإنسان أكل وشرب يظن أن الفجر لم يطلع، ثم تبين أنه قد طلع، مثل أن سمع تكبيراً فظنه الأذان ظنه الأذان الأول فأكل وشرب، فإذا هو الإقامة إقامة الصلاة، نقول له: ليس عليك شيء، لأنك لم تتعمد الإثم وقد قال الله تعالى: (( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ )).
ولو ظن أن الشمس قد غربت فأكل وشرب، فإذا بها لم تغرب، وهذا يقع كثيراً في أيام الشتاء تكون السماء ملبدة بالغيوم، فيظن الناس أن الشمس قد غربت، فأكل أو شرب، ثم طلعت الشمس لا شيء عليه، لأن هذا الرجل لم يتعمد الإثم ولم يتعمد الأكل في النهار، وقد الله تعالى: (( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ )) ونحن متعبدون لله عز وجل، قال لنا: العبادة فاسدة، قلنا: سمعاً وطاعة نعيدها، قال لنا: العبادة صحيحة قلنا: الحمد لله، يعني: لسنا نحكم على الله بشرعه، وإنما الله هو الحاكم علينا، فإذا كان يقول لنا بكلامه: (( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ )) نقول: لا، لا نقبل؟! غلط ، نقول: الحمد لله على نعمه، وعلى عافيته ليس علينا شيء.
بل إن الرسول عليه الصلاة والسلام طبق هذا تماماً، ففي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أنهم أفطروا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم طلعت الشمس ولم يأمرهم بالقضاء.
ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به، لأن عليه بلاغ الشريعة، ولو أخبرهم به لنقل إلينا، لأن حفظ الشريعة مما تكفل الله به: (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) فالله حافظ لذكره وشرعه.
إذن نقول: لا شيء على الإنسان إذا وهم فأكل قبل أن تغيب الشمس، وهذا أيضاً يقع كثيراً حتى في غير أيام الشتاء، أحياناً يسمع الإنسان في المذياع أذاناً يظنه أذان بلده فيفطر، فإذا بالشمس لم تغرب نقول: لا شيء عليك، لأنك لم تتعمد إيش؟ الإثم، وقد قال الله تعالى: (( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ )).
بهذه النصوص يتبين بطلان جميع الأقيسة التي تقتضي خلاف النص، يعني: لو قال قائل: الإمساك بالصوم شرط والشرط لا يسقط بالجهل ولا بالنسيان، قلنا له: من قال هذا؟ هذا كلام الله وكلام رسوله وسنة رسوله، وفي الصحيحين أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه ) شوف فليتم ، يعني: ما نقض صومه ( فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه ) نكتفي بهذا القدر فيما يتعلق بالصيام.
أما ما يتعلق بالقيام فإنكم سمعتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه ) لكن من قام يعني كل الليل والنهار يصلي؟! أجيبوا؟
الطالب : لا .
الشيخ : لا، ولكن من قام القيام المشروع وذلك في الليل، فهل لهذا القيام من عدد معين أو لا؟ نقول: أما على سبيل الحتم فليس هناك عدد معين، لو صلّى الإنسان ثلاثين ركعة أو أربعين ركعة فلا حرج عليه، ولا يقال له: لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت عدداً في قيام الليل، بل سأله سائل قال: ( يا رسول الله كيف صلاة الليل؟ قال: مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلّى واحدة فأوترت ما صلى ).
إذن ما في عدد معين، لكن العدد الذي كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يواظب عليه إما إحدى عشرة، وإما ثلاث عشرة كما سئلت عائشة رضي الله عنها وهي من أعلم الناس بحاله، كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ قالت: ( كان لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة ) فهذا هو العدد الأفضل، لكن لا مانع من الزيادة.
ثم إن قيام الليل يحصل ثوابه لمن قام مع الإمام حتى ينصرف، ولو لم يستغرق إلا جزءاً يسيراً من الليل، دليل ذلك: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بأصحابه ولكنه انتهى قبل الفجر، قالوا: يا رسول الله لو نفلتنا بقية ليلتنا، قال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ) نعمة والحمد لله، إذا قمت مع الإمام حتى انصرف فأنت كأنك قمت الليل كله، مع أنك نائم على فراشك أو مستمتع بأهلك، لكن إذا قمت مع الإمام حتى انصرف كتب لك قيام ليلة، ولهذا ينبغي للإنسان ألا يكون في ليالي رمضان يقوم مع هذا الإمام بتسليمة، ومع الإمام الثاني بتسليمة ويتجول في المساجد، فيضيع عليه الوقت ويضيع عليه الثواب، نقول: إذا شرعت مع إمام فاستمر إلى أن ينتهي، من أجل أن يكتب لك قيام ليلة، ومن المعلوم أن كل واحد منا يريد الأجر، وينتهز الفرص، فنقول: هذه هي الفرصة، قم مع الإمام حتى ينصرف.
وينبغي بل يجب على الأئمة أئمة المساجد أن يتقوا الله تعالى فيمن ولاهم الله عليهم، الإمام إمام المسجد راع، والمأموم رعية، فيجب أن يسير بهم على مقتضى السنة، مقتضى السنة الطمأنينة في الصلاة، والطمأنينة هي: الاستقرار وعدم السرعة، ولهذا لو صلّى الإنسان بلا طمأنينة قلنا: صلاتك باطلة ولو صليت ألف مرة، لأن رجلاً جاء فصلى بدون طمأنينة ثم سلّم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( ارجع فصل فإنك لم تصلِ ) شوف لم تصل نفى الصلاة، مع أن الرجل صلّى أو لا ؟ صلى، لكن الرسول قال: ( لم تصلِ ) ، لأن صلاة لا تكون على الشريعة وجودها كالعدم، ثم علمه قال: ( إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تطمئن قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها ) .
وكثير من الأئمة نسأل الله لهم الهداية يسرع إسراعاً مخلاً بالطمأنينة، حتى لو فرضنا أنه هو يطمئن ويأتي بواجب الطمأنينة لكن الذين وراءه لا يتمكنون، لأن فيهم من لا يكون سريع الحركة، إما لمرض أو كبر أو غير ذلك، فتجدهم لا يتمكنون من الطمأنينة وهذا حرام عليه، يحرم على الإمام أن يسرع سرعة تمنع المأموم فعل ما يجب، لأن المأموم بين أمرين: إما أن يفارقه، وإما أن يتابعه على صلاة باطلة، وهذا مشكل.
لذلك نقول لإخواننا الأئمة: يجب عليكم أن تتقوا الله، وأن تراعوا حرمة المسلمين الذين وراءكم، وإذا قُدر أنكم قضيتم الركعات في ساعة مع العجلة، مع أني لا أظنها تبلغ الساعة لكن فرضاً فلتكن ساعة ونصف، لكن في ظني أن الذين يسرعون هذه السرعة يمكن يقضونها بثلثين ساعة، فنقول: ماذا يضيرك إذا زدت؟
ثانياً: بعض المأمومين يريد أن يحافظ على ثلاث وعشرين ركعة مع السرعة، وهذا غلط، لأنه يفوت بذلك شيئين: الشيء الأول: العدد الأفضل، لأن العدد الأفضل إحدى عشرة أو ثلاثة عشرة لا شك عندنا أنها أفضل من ثلاثة وعشرين.
ثانياً: الإسراع، دع الناس يطمئنون يدعون الله سبحانه وتعالى في سجودهم، يخبتون إلى الله، يخشعون بين يديه، حتى يكون قياماً حقيقياً.
نسأل الله تعالى أن يبلغنا وإياكم رمضان، وأن يجعلنا ممن يصوم ويقوم رمضان إيماناً واحتساباً إنه على كل شيء قدير.
والآن إلى الأسئلة، وقد بقي على أذان الظهر خمس وعشرين دقيقة وفيها بركة إن شاء الله.
أصلاً ما يقصر إلا المسافر .