تفسير سورة الذاريات الآيات (1- 9) وآيات اخرى مختارة وما يستفاد منها . حفظ
الشيخ : الذاريات قال الله تبارك وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم (( والذاريات ذروا فالحاملات وقرا )) إلى آخره اعلم أولا أن البسملة آية من كتاب الله لكنها آية لا تحسب من السورة التي قبلها ولا من السورة التي بعدها ولذلك نقول إن الفاتحة أول آيتها (( الحمد لله رب العالمين )) كما جاء ذلك صريحا في الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الله قال: ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال (( الحمدلله رب العالمين )) قال الله: حمدني عبدي وإذا قال: (( الرحمن الرحيم )) قال أثنى عليّ عبدي وإذا قال: (( مالك يوم الدين )) قال مجدني عبدي وإذا قال: (( إياك نعبد وإياك نستعين )) قال هذا بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال: (( اهدنا الصراط المستقيم )) قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ) وبناء على ذلك لو قرأ الفاتحة بدون أن يقرأ البسملة فصلاته صحيحة لأن البسملة ليست آية من الفاتحة وتجدون في المصحف أنها معدودة من آياتها فهي رقم واحد لكن هذا مبني على قول ضعيف والصواب أن آياتها سبع (( الحمدلله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضالين )) سبع آيات
يقول الله عز وجل بسم الله الرحمن الرحيم (( والذاريات ذروا فالحاملات وقرا فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا )) أقسم الله تعالى بهذه المخلوقات لأنها دالة على عظمته تبارك وتعالى ولما فيها من المصالح والمنافع أما قوله: (( والذاريات )) فالذاريات هي الرياح، الرياح تذر التراب وغير التراب قال الله تبارك وتعالى: (( فأصبح هشيما تذروه الرياح )) أي تفرقه وفي أمكنة متعددة
وأقسم الله بالذاريات لما فيها من المصالح الكثيرة ففي تصريفها حكمة بالغة فمنها الرياح الدافئة ومنها الرياح الباردة على حسب ما تقتضيه حكمة الله عز وجل ولأنها أيضا أعني الرياح تثير سحابا فيسقي به الله الأرض ولأنها تسير السفن ففيما سبق كانت السفن تجري على الرياح قال الله تعالى: (( حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان )) وقوله: (( فالحاملات وقرا )) المراد بها السحاب تحمل المياه موقرة أي مثقلة محملة قال الله تبارك وتعالى: (( هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال )) فهي ثقيلة محملة بمياه عظيمة بحار ولذلك تمطر الأرض فتجري الأرض أنهارا بإذن الله عز وجل إذن الذاريات الرياح والحاملات السحب والارتباط بينهما ظاهر لأن الذي يثير السحاب هو يا محمد الذاريات الرياح والحاملات السحاب والارتباط بينهما ظاهر لأن الرياح هي التي تثير السحاب قال وأيضا هي التي تلقح السحاب بالماء قال الله تعالى: (( وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه )) (( فالجاريات يسرا )) الجاريات هن السفن يسرا أي بسهولة قال الله تبارك وتعالى: (( إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية )) أي في السفينة هذه السفن تجري ميسرة بإذن الله عز وجل بما يسره الله تعالى من الرياح الطيبة
- ... ما في مكان هناك تسمع الصوت هناك؟ طيب -
الجاريات يسرا هي السفن تجري بإذن الله عز وجل ميسرة مسهلة وكلما كانت الريح مناسبة كان سيرها أيسر جاءت السفن الآن النارية التي لا تحتاج إلى الرياح فصارت أيسر وأيسر تجدها قرى كاملة تمخر عباب الماء وتسير بسهولة الارتباط بين هذه الثلاثة أن السحب تحمل الأمطار فتنزل إلى الأرض ويكون فيها الرزق للمواشي والآدميين الجاريات يعني السفن هي أيضا تحمل الأرزاق من جهة إلى جهة لا يمكن أن تصل مثلاً الأرزاق من جهة إلى جهة أخرى بينها وبينها بحر إلا عن طريق السفن (( فالمقسمات أمراً )) وهم الملائكة وجمعهم لأنه يجوز جمع المؤنث باعتبار الجماعات يعني فالجماعات المقسمات أمراً التي تقسم الأمر أي شؤون الخلق ويحتمل أن يكون أمراً أي بأمر الله والمعنى صحيح على كلا التقديرين فإن هؤلاء الملائكة عليهم الصلاة والسلام يقسمون ما يريد الله عز وجل من أرزاق الخلق وغيرها بأمر الله عز وجل هذه أربع جمل الأولى
الطالب : والذاريات
الشيخ : الثانية
الطالب : الحاملات
الشيخ : الحاملات الثالثة
الطالب : الجاريات
الشيخ : الرابعة
الطالب : المقسمات
الشيخ : كل هذه مقْسمٌ بها المقسم عليه (( إنما توعدون لصادق )) يعني ما وعدكم الله تعالى فهو وعد صادق والصادق هو المطابق للواقع وذلك لأن الخبر نوعان نوع يخالف الواقع وهذا يسمى كذباً ونوع يطابق الواقع وهذا يسمى صدقاً سواء كان المخبر عنه ماضيا أو مستقبلا فأقسم الله عز وجل بهذه المخلوقات العظيمة على أن ما نوعد صادق فلابد أن يقع إذا وقع ما نوعد وهو البعث يوم القيامة يتلوه الجزاء ولهذا قال (( وإن الدين لواقع )) الدين يعني الجزاء وتعلمون أن الدين يطلق أحياناً بمعنى الجزاء وأحيانا بمعنى العمل ففي قوله تعالى: (( لكم دينكم ولي دين )) المراد به العمل وفي قوله تبارك وتعالى (( وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين )) المراد به الجزاء هنا (( وإن الدين لواقع )) أي الجزاء لابد أن يقع لأن الله على كل شيء قدير وقد مرّ في سورة ق أن الله تعالى قال (( ذلك حشر علينا يسير )) ثم قال تعالى: (( والسماء ذات الحبك )) السماء معروفة ذات بمعنى صاحبة الحبك يعني الطرق يعني أنها من حسنها كأنها ذات طرق محبوكة متقنة كما ترون ذلك في جبال الرمل، جبال الرمل تجدها يعني مضلعة الهواء مع كثرته عليها تكون مضلعة إذن السماء كذلك (( ذات الحبك إنكم لفي قول مختلف )) إنكم الخطاب للكافرين (( لفي قول مختلف )) يعني يختلف بعضه عن بعض كيف ذلك؟ بعض الكفار قالوا للرسول عليه الصلاة والسلام إنه مجنون هذا قول، وبعضهم قالوا إنه ساحر هذا قول وبعضهم قالوا إنه كاهن هذا قول وبعضهم قال إنه شاعر هذا قول وبعضهم قال إنه كذاب هذا قول، فهم مختلفون في النبي صلى الله عليه وسلم مختلفون واختلاف الأقوال يدل على كذبها وفسادها كلما رأيت قولا مختلفا متناقضا فاعلم أنه باطل وليس بصحيح لأن الحق لا يمكن أن يتناقض فهؤلاء المكذبون للرسول عليه الصلاة والسلام اختلفوا على ما سمعتم (( إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أفك )) يؤفك بمعنى يُصرف عنه قيل إن الضمير يعود على الرسول عليه الصلاة والسلام أي يصرف عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما انصرف من الناس وقيل إن الضمير يعود على القول وعلى هذا القول تكون عن بمعنى الباء أي يؤفك بهذا القول من أفك يصرف بهذا القول عن الحق من صُرف وهما أي المعنيان متلازمان والأقرب أن الضمير في قوله: (( عنه )) يعود على إيش؟ على القول لأنه أقرب مذكور (( إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه )) أي عن هذا القول أي بسببه (( من أفك )) أي من صرف عن الحق وذلك لأن من البيان سحرا إذا جاءك رجل بليغ فصيح وصار يورد عليك الشبهات والشكوك ألست تنخدع بقوله؟ بلى هؤلاء المكذبون للرسول عليه الصلاة والسلام عندهم فصاحة عندهم بلاغة عندهم تمويه دجل فيصرفون الناس
وقوله: (( من أفك )) هل المراد من قدر الله عليه أن يصرف أو المراد مَن أفك أي من صرفه هؤلاء المختلفون؟ هما متلازمان أيضاً فإن هؤلاء الذين يضلون الناس لا يمكن أن يضلوهم إلا بإذن الله عز وجل (( من يضلل الله فلا هادي له ومن يهديه فلا مضل له ))
فهم هم الذين يأفكون الناس أي يصرفونهم سببا هم السبب لكن المقدر للصرف هو الله عز وجل ولكن اعلم أخي المسلم أنه لا يمكن أن يصرف عن الحق إلا من علم الله منه أنه ليس أهلاً للحق نسأل الله لنا ولكم السلامة لا يمكن يصرف عن الحق إلا من علم الله أنه ليس أهلا للحق ولهذا قال الله تعالى: (( الله أعلم حيث يجعل رسالته )) وكذلك الله أعلم حيث يجعل رسالته في الذين يمتثلونها ويؤمنون بها ويدل على هذا الذي قلنا قول الله تبارك وتعالى: (( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم )) ولكن احذر إذا رأيت ضالا أن تقول هذا ليس أهلاً للهداية لأن هناك فرقاً بين القول بالعموم والقول بالتعيين القول بالتعيين حرام لأنك قد ترى شخصاً ضالاً تراه ضالاً وتقول هذا لا يهتدي وإذا به يهديه الله عز وجل والعكس بالعكس ربما ترى شخصاً مستقيماً تقول هذا لا يمكن أن يضل فإذا به يضله الله المهم إياك أن تشهد لمعين لكن حقيقةً أنك إذا رأيت ضالا متمردا مستكبرا عن الحق فإنك بقلبك تستبعد أن الله يهديه لكن لا تقل إن الله لا يهديه ألم يبلغكم أن رجلا كان مجتهدا في العبادة وهناك آخر مسرف على نفسه فكان يمر به هذا الرجل وينصحه ولكن ذاك يقول إنك لا تحول بيني وبين ربي دعني وربي فقال المجتهد في العبادة ذات يوم والله لا يغفر الله لك أو قال والله لا يدخلك الله الجنة فقال الله تعالى من ذا الذي يتألى عليّ ألا أغفر لفلان إني قد غفرت له وأحبطت عملك نسأل الله العافية لهذا لا تعجب بنفسك ولا تيأس من رحمة الله لا فيما يتعلق بك ولا فيما يتعلق بغيرك فإن الله على كل شيء قدير لكن نعلم يعني على سبيل العموم أن الإنسان إذا لم يكن أهلاً للهداية فإنه لن يهتدي فإذا رأينا هذا الشخص منحرفاً مستكبرا معاندا فلا شك أنه يغلب على ظننا أنه ليس أهلاً للهداية لكن ليس لنا أن ننطق بذلك يحرم علينا أن ننطق ويخشى أن يقال لنا كما قيل لهذا الرجل قد غفرت له وأحبطت عملك وهنا نقطة مهمة وهي الفرق بين التعيين والإطلاق مثلا نحن نشهد لكل مؤمن بأنه في الجنة صح ولا لا ؟ نعم لكن إذا رأينا شخصاً مستقيماً يصلي ويزكي ويصوم ويحج ويتصدق ويحسن ويبر والديه ويصل رحمه هل نشهد بأنه في الجنة؟ لا التعيين شيء والإجمال شيء آخر طيب رأينا رجلا كافرا ملحدا مسلطا على المسلمين يمزق كتاب الله ويدوسه برجليه ويستهزئ بالله ورسوله هل نقول هذا من أهل النار؟ لا بل نقول من فعل هذا فهو من أهل النار والتعيين لا تعين لأنه من الجائز في آخر لحظة أن الله يمن عليه ويهديه فأنت لا تدري لذلك يجب عليكم أن تفرقوا بين التعيين والإطلاق أو التعيين والإجمال مات رجل ونحن نعرف أنه مات على النصرانية حسب ما يبدو لنا من حاله هل نشهد به بالنار؟ لا نشهد لأن أولا إن كان من أهل الناس فسيدخل ولو لم نشهد وإن لم يكن من أهل النار فشهادتنا شهادة بغير علم فمثل هذه المسائل لا داعي لها يعني لو قال قائل مات رجل من الروس من الملحدين منهم مات رجل من الأمريكان من الملحدين منهم من اليهود من الملحدين العنه واشهد له بالنار نقول ما يمكن نحن نقول من مات على هذا فهو من أهل النار من مات على هذا لعنّاه أما الشخص المعين فلا ولهذا كان من عقيدة أهل السنة والجماعة قالوا لا نشهد لأحد بالجنة أو بالنار إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم ولكننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء هذه عقيدة أهل السنة والجماعة ثم قال الله عز وجل: (( قتل الخراصون )) ونؤخرها إلى اللقاء القادم إن شاء الله تعالى ونرجو من الأخ موسى إذا مر عشر دقائق من الكلمة أن ينبهنا عشان يكون يكون يتوفر وقت للأسئلة نعم