تفسير سورة الذاريات ( 31 - 37 ) . حفظ
الشيخ : نعم (( قال فما خطبكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين )) القائل ما خطبكم هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام أي: ما شأنكم أيها المرسلون (( قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين لنرسل عليهم حجارة من طين )) أرسلنا يعني أرسلنا الله عز وجل لأنه من المعلوم أنه لا يرسل أحدا من الملائكة إلا خالقهم تبارك وتعالى (( إلى قوم مجرمين )) أي ذوي جرم عظيم ألا وهو اللواط والعياذ بالله فإنهم كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء فيأتون ما لم يخلق لهم ويدعون ما خلق لهم كما قال لهم نبيهم لوط عليه الصلاة والسلام: (( وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم )) وهذه الفاحشة فاحشة نكراء لا يقرها عقل ولا فطرة ولا دين ولهذا كانت عقوبتها الإعدام للفاعل والمفعول به إذا كانا بالغين عاقلين سواء كانا محصنين أم غير محصنين بخلاف الزنا، الزنا أهون عقوبة لأن الزنا من لم يكن محصنا فعقوبته أن يجلد مئة جلدة ويسفّر عن البلد سنة كاملة وإن كان محصنا وهو الذي قد تزوج وجامع عقوبته أن يرجم بالحجارة حتى يموت أما هذا فعقوبته القتل بكل حال كما جاء في الحديث: ( من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ) ووقعت هذه الفاحشة في عهد أبي بكر رضي الله عنه فأمر أن يحرق كل من الفاعل والمفعول به لأن الإحراق أعظم عقوبة يعاقب بها بنو آدم وكذلك جاء عن بعض الخلفاء أنهم أمروا بإحراق اللوطي قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أجمع الصحابة على قتل اللوطي فاعلا كان أو مفعولا به لكنهم اختلفوا كيف يقتل منهم من أحرق ومنهم من قال يرمى بالحجارة حتى يموت كالزاني المحصن، ومنهم من قال يلقى من أعلى شاهق في البلد يعني من مكان مرتفع أعلى ما يكون في البلد ثم يتبع بالحجارة حتى يموت، فالمهم أنه متفقون على قتله ولا شك أن قتله هو الحكمة لأن هذه الفاحشة متى دبت في الرجال صار الرجال كالنساء وبدأ الذل والعار والخزي على وجه المفعول به لا ينساه حتى يموت ثم استغنى الرجال بالرجال وبقيت النساء لأن هذه الفاحشة والعياذ بالله إذا ابتلي بها الإنسان لا يلتفت إلى غيرها لأنها مرض مرض فتّاك ساري فإذا أعدم هؤلاء وهم في الحقيقة جرثومة فاسدة مفسدة للإنسان كان ذلك عين المصلحة ثم اللواط والعياذ بالله لا يمكن التحرز منه لأنه بين ذكرين يعني لا يمكن لأي إنسان يجد ذكرين يمشيان في السوق أن ينكر عليهما اجتماعهما لكن الزنا يمكن تشوف الرجل مع امرأة تستنكره أو تتهمه تتكلم معه لذلك كان عقوبة الإعدام في حق اللوطي أوفق ما يكون للحكمة وللرحمة أيضاً هي رحمة رحمة بمن رحمة بالفاعلين يعني باللائط والملوط به حتى لا يبقيا في حياتهما يكتسبان الإثم وتزداد العقوبة عليهما ورحمة بالمجتمع تكون عقوبتهما نكالا حتى لا يفسد المجتمع لهذا قالت الملائكة لإبراهيم: (( إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين )) وجرمهم والعياذ بالله ما سبقوا عليه كما قال لهم نبيهم: (( ما سبقكم بها من أحد من العالمين )) أرسلوا (( لنرسل عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك للمسرفين )) حجارة من طين لكنه ليس الطين الذي يتفتت بل الطين الصلب العظيم الذي إذا أصابت هذه الحجارة أحداً من الناس وضربته على رأسه خرجت من دبره لا يردها عظمه ولا لحمه لقوتها وشدتها وصلابتها والعياذ بالله وهي معلمة مسومة عند ربك للمسرفين المتجاوزين حدودهم ومعنى مسومة أي معلمة عند الله يعني عليها علامة لأن كل شيء عند الله بمقدار لا تظنوا أن الأمور التي يقدرها الله عز وجل تأتي هكذا صدفة بل هي بمقدار حتى تباعد ما بين النجوم الآن وتفاوت ما بينها من الكبر والإضاءة بمقدار ليس جاء هكذا فلتة أو جاء صدفة كل شيء مقدر بالشعرة أو أدق كل شيء عند الله بإيش بمقدار لابد هذه الحجارة معلمة عند الله وهل هي معلمة بمعنى أن هذه مكتوب عليها مثلاً حجارة عقوبة أو مسومة حتى بالنسبة لمن تقع عليه؟ الجواب الثاني لأن هذا أدق هذه الحجارة لفلان هذه الحجارة لفلان (( مسومة عند ربك للمسرفين )) أي: للمتجاوزين حدودهم ولا شك أن اللواط مجاوزة للحد وإسراف والعياذ بالله
قال الله تعالى: (( فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين )) أخرجناهم أي: أمرناهم أمرا قدريا فخرجوا خرجوا قال الله تعالى للوط: (( اسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك )) أخرج الله من كان فيها من المؤمنين قال تعالى: (( أخرجنا من كان فيها من المؤمنين )) من هم؟ لوط ومن؟ وأهله إلا امرأته ولهذا قال: (( فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين )) بيت واحد قرية كاملة يدعوهم نبيهم إلى توحيد الله وإلى ترك هذه الفاحشة ما اتبعه أحد حتى أهل بيته لم يخلصوا فيهم من لم يؤمن بلوط فانتبه يا أخي انتبه يا أخي الداعية انتبه يا أخي الداعية لا تجزع إذا دعوت فلم يستجب لك من المئة إلا عشرة هذه نعمة الرسل عليهم الصلاة والسلام يبقون في أممهم دهوراً كثيرة ولا يتبعهم إلا القليل لوط عليه الصلاة والسلام من اتبعه من القرية؟ لا أحد من اتبعه من أهله اتبعه من أهله من اتبعه وتخلف عن دعوته من تخلّف ولهذا قال: (( ما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ))
وهنا يتساءل الإنسان في نفسه كيف قال: (( أخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين )) هل المسلمون هنا بمعنى المؤمنين في الآية التي قبلها؟ ذهب بعض العلماء إلى ذلك وقالوا إن في هذا دليلا على أن الإيمان والإسلام شيء واحد
وذهب آخرون إلى الفرق وقالوا أما المؤمنون فقد نجوا وأما البيت فهو بيت إسلام لأن المظهر في هذا البيت بيت لوط أنه إيش؟ بيت إسلامي حتى امرأته ما تتظاهر بالكفر تتظاهر بأنها إيش مسلمة ولهذا قال الله تعالى في سورة التحريم: (( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما )) ليس المعنى خانتاهما بالفاحشة بل خانتاهما بالكفر لكنه كفر مستور وهو خيانة من جنس النفاق ولهذا يقال للمجتمع اللي فيه المنافقون يقال إنه مجتمع إيش؟ مسلم وإن كان به المنافقون لأن المظهر مظهر إسلامي
إذن نقول (( فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين )) إنما قال من المسلمين لأن امرأته ليست مؤمنة ولكنها إيش؟ مسلمة طيب (( فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم )) تركنا فيها آية أي علامة فما العلامة أهي علامة حسية أم علامة معنوية أم علامتان معنوية وحسية؟ أقول لكم قاعدة مفيدة في التفسير : " إذا احتملت الآية أكثر من معنى لا مرجح لأحدهما للآخر ولا منافاة بينهما وجب حملها على المعنيين جميعا " هذه الآية نقول آية نعم نقول الآية هذه حسية ومعنوية أما الحسية فما يشاهد من مكان قريته التي تسمى بحيرة لوط فإن هذا كان موضع القرية كل يمر به ويراه ويشاهده كما قال تعالى: (( وإنكم لتمرون عليهم مصبحين )) إيش؟ (( وبالليل أفلا تعقلون )) آية معنوية كل من قرأ قصتهم في جميع ما وردت فيه من السور الكريمة اعتبر واتعظ وخاف هذه آية إيش؟ معنوية لكن من الذي ينتفع بهذه الآيات؟ من يخافون العذاب الأليم للذين يخافون العذاب الأليم
أما المنكرون الذين قست قلوبهم فإنهم لن ينتفعوا بالآيات قال الله تعالى: (( وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون )) نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المنتفعين بالآيات هذا انتهى الكلام على قصة إبراهيم ولوط عليه الصلاة والسلام ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على آخر السورة أما الآن فإلى الأسئلة السلام إنما يكون للقادم أما اللي بيسأل يسأل بدون سلام