تفسير سورة الطور الآيات ( 1- 8 ) وآيات اخرى مختارة وما يستفاد منها . حفظ
الشيخ : قال الله تبارك وتعالى: (( بسم الله الرحمن الرحيم )) البسملة آية من كتاب الله نزلت في ابتداء كل سورة إلا سورة براءة فإنها لم تنزل للفصل بينها وبين سورة الأنفال، ولهذا لم تُكتب في المصحف، وليست من السورة التي افتتحت بها، فهي ليست من الفاتحة خلافاً لما نشاهده في المصاحف أنه كتبت أو أنها حسبت من الفاتحة باعتبار التوقيت.
والصحيح أنها ليست من الفاتحة، وأن أول آية في سورة الفاتحة هي قول الله تعالى: (( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )) ويدل لهذا السنة القولية والعملية: أما القولية فما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قال: ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: فإذا قال: (( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )) قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: (( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )) قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: ((مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ )) قال: مجدني عبدي، وإذا قال: (( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )) قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: (( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ )) قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ) .
وأما السنة العملية: فهو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان في صلاة الليل لا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ويجهر بالفاتحة، وهذا يدل على أنها ليست من الفاتحة، وهذا هو القول الراجح.
يقول الله تبارك وتعالى: (( بسم الله الرحمن الرحيم وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ))
هذه أشياء أقسم الله بها
الأول: الطور، وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام، فإن الله تعالى كلمه أول ما كلمه على جبل الطور، فكان لهذا الجبل من الشرف والفضل ما سبق به غيره من الجبال، ولهذا أطلق كثير من العلماء أنه -أي: جبل الطور - أفضل الجبال وأشرفها، وعلى هذا يكون أشرف وأفضل من جبل حراء نعم من جبل غار حراء نعم يكون أفضل من جبل حراء الذي ابتدأ فيه الوحي لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذا ظاهر إطلاق كثير من العلماء، ولكن في هذا الظاهر نظر، لأن حراء كلم عليه منه الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن كلمه جبريل مرسلاً من عند الله، فمنه ابتدأت أفضل الرسالات على أفضل الرسل، وأيضاً حراء داخل الحرم المكي، لأنه من الحرم الذي لا يحل صيده، ولا قطع شجره، وبقعة الحرم أفضل البقاع، ويمكن أن يحمل إطلاق كثير من العلماء على هذا فيقال: إلا جبل حراء.
(( وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ )) الكتاب المسطور في الرَّق، اختلف فيه العلماء، وهذا الخلاف ينبني على كلمة رَق، هل الرَّق كل ما يُكتب فيه من جلد وورق وعظم وحجر وغير ذلك؟ أو هو خاص بما يكتب فيه من جلود ونحوها؟ إن قلنا بالأول صار المراد بالكتاب عدة أشياء منها: اللوح المحفوظ، ومنها: الكتب التي بأيدي الملائكة، ومنها: القرآن الكريم، ومنها: التوراة، فيشمل عدة كتب، إذا قلنا: أن الرَّق هو كل ما إيش ؟ كل يكتب فيه.
وإذا قلنا: أن الرَّق هو الورق وشبهه ما يكتب فيه عادة، فاللوح المحفوظ ليس معنا لا يدخل في هذا، وإنما المراد به إما التوراة وإما القرآن، فالذين قالوا: إنه التوراة رجحوا قولهم: بأنه قُرن بـ الطور، والطور هو الذي كُلّم منه موسى عليه الصلاة والسلام، فكان الكتاب المسطور هو التوراة الذي جاء بها موسى.
ومن قال: إن المراد به القرآن الكريم رجح ذلك بأن الله ذكر الطور الذي أوحي منه إلى موسى والكتاب الذي هو القرآن أوحي إلى من؟ إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فيكون الله تبارك وتعالى ذكر أشرف الرسالات في بني إسرائيل إيماءً إليها بذكر الطور وذكر أشرف الرسالات التي بُعث بها من بني إسماعيل محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فيتعين أن يكون المراد بالكتاب المسطور إيش؟ القرآن الكريم.
(( فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ )) الرَّق: هو ما يكتب فيه من جلد ونحوه، وقيل: كل ما يكتب عليه حتى الحجر، لأنهم كانوا بالأول يكتبون القرآن بالأحجار وعلى ظهور العظام وعلى عسب النخل، لأن الورق ليس موجوداً بكثرة.
وقوله: منشور صفة لكتاب، ويحتمل أن تكون صفة لرَقّ، والمعنى واحد، والمراد بالمنشور: يعني المفرق الذي يكون بأيدي كل قارئ، وهذا يصدق تماماً على إيش؟ القرآن الكريم، فإنه ولله الحمد بين يدي كل قارئ، حتى الصغار من المسلمين يقرؤونه.
(( وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ )) هذا هو ثالث ما أقسم الله به في هذه الآيات، وهو بيت في السماء السابعة يقال له: الطراح أو الصراح لعلوه، هذا البيت يدخله كل يوم سبعون ألف ملك كل يوم سبعون ألف ملك يتعبدون فيه ثم لا يعودون إليه، فأخبروني بناءً على هذا كم عدد الملائكة؟ إيش؟
لا يحصيهم إلا الله، من يحصي الأيام؟ ثم من يحصي سبعين ألفاً؟ كل يوم يدخلون هذا البيت المعمور ولا يعودون إليه.
وقيل: إن المراد بالبيت المعمور: بيت الله في الأرض، وهو الكعبة، لأنه معمور بالطائفين والعاكفين والقائمين والركع السجود، فهل يمكن أن تُحمل الآية على المعنيين جميعاً؟ نحن نحب أن نذكر قاعدة في التفسير وهي أن " الآية إذا احتملت معنيين على السواء وليس بينهما منافاة وجب أن تحمل على كلٍ منهما " لأن المتكلم بها وهو الله جل وعلا عالم بما تحتمله من المعاني، وإذا لم يبين أن المراد أحد المعاني فإنه يجب أن تُحمل على كل ما تحتمله من المعاني، يعني: المعاني الصحيحة ما هي المعاني الباطلة، فلننظر الآن هل هناك منافاة بين أن يكون المقسم به الكعبة أو البيت المعمور في السماء؟ الذي يظهر أن لا منافاة، لأن كلا البيتين معظم، ذاك معظم في أهل السماء، وهذا معظم في أهل الأرض، ولا مانع
فالصواب: أن الآية شاملة لهذا وهذا، إلا إذا وجدت قرينة ترجح أن المراد به البيت المعمور في السماء.
(( وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ )) أقسم الله بالسقف المرفوع وهو السماء، قال الله تعالى: (( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ )) وقال تعالى: (( وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً )) فالسماء سقف والسماء مرفوعة، إذن فالسقف المرفوع هو السماء، وسماه الله سقفاً لأنه قد غمر جميع الأرض من جميع الجوانب كما يغمر السقف الحجرة من جميع الجوانب، وإنما أقسم الله تعالى بالسماء لما فيها من الآيات العظيمة من نجوم وشمس وقمر وإحكام وإتقان، قال الله عز وجل: (( فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ )) يعني: مرة بعد مرة: (( يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ )) وأخبر أنه ليس في السماء من فروج، ليس فيها تشقق، ليس فيها عيب، ليس فيها تصدع، لا تبلى على طول المدة فهي جديرة بأن يقسم الله بها.
(( وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ )) كلمة البحر قيل: إن المراد به البحر الذي عليه عرش الرحمن عز وجل كما قال تعالى: (( وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ))
وقيل: المراد به البحر الذي في الأرض، لأنه المشاهَد، المعلوم الذي فيه من آيات الله ما يبهر العقول.
والصحيح: أن المراد به بحر الأرض، لأن أل في البحر للعهد العهد الذهني، يعني: البحر المعهود الذي تعرفونه، فأقسم الله به لما فيه من آياته العظيمة: من أسماك، وأمواج، وغير هذا مما نعلمه وما لا نعلمه
ومن أعظم ما فيه من آيات الله ما أشار إليه تعالى في قوله: (( المسجور )) يعني: الممنوع، ومنه سجر الكلب يعني: في اللغة ما هو المعنى هنا، في اللغة يقال: سجرت الكلب يعني: ربطته حتى لا يهرب، البحر المسجور: ممنوع بقدرة من ؟ بقدرة الله عز وجل.
إننا نعلم جميعاً أن الأرض كروية، هذا البحر لو نظرنا إليه بمقتضى الطبيعة لكان يفيض على الأرض، لأنه ما فيه جدران تمنعه ما في جدران ، والأرض كروية مثل الكرة، فلو نظرنا إلى هذا البحر بمقتضى الطبيعة لقلنا: لابد أن يفيض على الأرض فيغرقها، ولكن الله تبارك وتعالى أمسكه بقدرته سبحانه وتعالى، فهو مسجور أي: ممنوع من أن يفيض على الأرض فيغرق أهلها، وهذه آية من آيات الله، صب مثلاً فوق كرة من الكرات صب فوقها ماءً أين يذهب؟ يغمرها يميناً وشمالاً، لكن هذا البحر لا يمكن أن يفيض على الأرض بقدرة الله سبحانه وتعالى، وانظر إلى الحكمة أحياناً تأتي أيام المد والجزر نفس البحر يمتد امتداداً عظيماً لعدة أمتار وربما أميال، ثم ينحسر من الذي مده ولو شاء لبقي ممتداً حتى يغرق الأرض ومن الذي رده؟ هو الله، ولهذا كان هذا البحر جديراً بأن يقسم الله به.
في البحر آيات عظيمة يقال: إنه ما من شيء على البر من حيوان وأشجار إلا وله نظير في البحر، بل أزيد، لأن البحر بالنسبة لليابس يمثل حوالي سبعين في المئة، كبير جداً، ففيه من الأشياء ما ليس في البر، يعني: في إنسان سمكة على شكل إنسان، في على شكل ذئب، على شكل ضبع، على شكل حية، على شكل عقرب، وفيه أشياء يعني ما نرى لها نظيراً في البر، هذه من آيات الله عز وجل.
والبحر المسجور، إذن أعظم آية في البحر هو أنه مسجور أي إيش؟ أي ممنوع من أن يفيض على الأرض فيغرق أهلها.
وقيل المراد بالمسجور الذي سيسجر أي: يوقد كما قال الله وتعالى: (( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ )) أي: أوقدت، فهذان قولان، البحر المسجور يعني الأول القول الأول: الممنوع، والبحر المسجور الذي سيُسجر أي: يوقد، وهذا متى يكون؟ يوم القيامة، هذا الماء الذي نشاهده الآن والذي لو سقطت فيه جمرة أو مر على جمرة لأطفأها، يوم القيامة يكون ناراً، يسجر هذا الماء ويكون ناراً، هذا من آيات الله عز وجل، هذان قولان: القول الأول: المسجور الممنوع من أن يفيض على الأرض فيغرق أهلها.
المسجور الذي سيسجر أي: يوقد، وذلك يوم القيامة.
هل يمكن أن نقول: إن المراد به المعنيان جميعاً؟ نعم، لأنه لا منافاة بين هذا وهذا، فكلاهما من آيات الله عز وجل، يعني: أنه سواء قلنا: المسجور الممنوع من أن يفيض على الأرض، أو المسجور الذي سيسجر أي: يوقد، فكل ذلك من آيات الله.
والبحر المسجور ، بعدها؟ (( والطور * وكتاب مسطور * في رق منشور* والبيت المعمور *والسقف المرفوع* والبحر المسجور ))
(( إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ )) هذا هو جواب القسم، والجملة هنا مؤكدة بمؤكدين بل بثلاثة: القسم المتعدد، خمسة إقسامات واللام في قوله: لواقع، و إن في قوله: (( إن عذاب ربك )) هذه الجملة مؤكَّدة بثلاثة مؤكِّدات: بقسم بخمسة أشياء، وإذا كان قسماً بخمسة أشياء صار كأنه أقسم عليها خمس مرات. والثاني: بإن والثالث: باللام.
(( إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ )) يعني: لابد أن يقع عذاب الله الذي وعد به، هذه والله جملة عظيمة مؤثرة، لكنها لا تؤثر إلا على قلب لين كلين الزبد أو أشد.
أما القلب القاسي فلا يهتم بها، تمر عليه وكأنها ثلجة، كان عمر رضي الله عنه إذا قرأ هذه الآية يمرض حتى يعاد يمرض من شدة ما يقع على قلبه من التأثر حتى يعاد، إذا كان واقعاً وليس له دافع أليس الجدير بنا أن نخاف؟ بلى والله، هذا هو الجدير.
وقوله: (( إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ )) يعني: لابد أن يقع، ولكن هل هذا التأكيد بالنسبة لعذاب المؤمنين أو لعذاب الكافرين؟ لننظر، قال الله تعالى: (( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ )) ضُم الآية هذه إلى الآية التي في الطور تجد أن قوله: (( إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ )) على من ؟ على الكافرين، فعذاب الله على الكافرين ليس له دافع، لا أحد يدفعه، لا قبل وقوعه ولا بعد وقوعه، ولهذا لا تنفعهم الشفاعة فيرفع عنهم العذاب.
أما عذاب الله للمؤمن فإن الأصل أنه واقع، كل ذنب توعد الله عليه بالعذاب فالأصل أنه واقع، لكنه مع ذلك قد يُرفع بفضل من الله عز وجل، قد يُرفع بالشفاعة، قد يُرفع بأعمال صالحة تغمر الأعمال السيئة، ألم تر أن الله يقول: (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ))، ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه ) فيرتفع عنه العذاب.
وعلى هذا نقول: عذاب الله واقع على الكافرين لا محالة، ولا دافع له، أما على عصاة المؤمنين فإن الأصل أجيبوا يا جماعة ، الأصل الوقوع، ما الذي يمنع وقد أنذر الله العباد وخوفهم وبين لهم؟ لكن مع ذلك قد يرتفع بأسباب متعددة.
ثم (( إن عذاب ربك لواقع * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ )) ما نافية، ودافع مبتدأ مؤخر دخلت عليها من الزائدة للتوكيد، يعني: ما من أحد ولو عظمت منزلته وقوته يدفع عذاب الله عز وجل أبداً، لا يمنعه ولا يرفعه، لأن دافع هنا يا إخواننا دافع تشمل المنع والرفع، تشمل المنع قبل الوقوع والرفع بعد الوقوع، لا أحد يدفع عذاب الله، لا يمنعه أن ينزل ولا يرفعه إذا نزل، وإنما ذلك إلى الله وحده.
نسأل الله تعالى أن يعاملنا وإياكم بعفوه، وأن يغفر لنا ما سلف من ذنوبنا وما حضر إنه على كل شيء قدير، وإلى الأسئلة ونحن ... الساعة والظاهر أنها اليوم نائمة نعم وقد مضى عشرة دقائق تقريباً نبدأ من اليمين .