نصيحة الشيخ لطلبة العلم عند الدخول المدرسي . حفظ
الشيخ : وبما أن هذا هو وقت ابتداء تلقي المتعلمين علومهم فإنه ينبغي أن نتكلم عما يتعلق في هذا الموضوع.
فنقول: لا شك أن طلب العلم الشرعي من أفضل الأعمال الصالحة، بل هو معادلٌ للجهاد في سبيل الله، كما قال الله تبارك وتعالى: (( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ )) فبين الله عز وجل أن المؤمنين لا يمكن أن ينفروا جميعاً للجهاد في سبيل الله، لأن ذلك يؤدي إلى تعطل المنافع الأخرى التي لا بد للإسلام من القيام بها، وبهذا نعرف أن الجهاد لا يمكن أن يكون فرض عين على كل واحدٍ من المسلمين، كما ادعاه بعض المعاصرين الذين يقولون: إن الجهاد فرض عين على كل مسلم، وهذا خطأ مخالفٌ للقرآن، لأن الله قال: (( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً )) يعني: لا يمكن هذا، ثم أرشد أن ينفر بعضهم ويقعد بعضهم ليتفقه القاعدون في دين الله وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم، لكن الجهاد يكون فرض عين في مسائل معينة خاصة.
فطلب العلم الشرعي لا شك أنه معادل للجهاد في سبيل الله.
واختلف العلماء أيهما أفضل: العلم أو الجهاد؟ ولا شك أن منفعة العلم أعم من منفعة الجهاد، لأن منفعة الجهاد إذا تحققت فإنما هي في جزءٍ معين من الأرض، لكن العلم ينتفع به كل الناس، فالعلم من حيث هو أفضل من الجهاد، لكن مع ذلك قد نقول لبعض الناس: الجهاد في حقك أفضل، ولآخرين: العلم في حقهم أفضل، ويظهر هذا بالمثال: فإذا كان هناك رجل شجاع قوي عالمٌ بأساليب الحرب، ولكنه في طلب العلم رديء، الحفظ صعب عليه والفهم قليل، فهذا نقول: الجهاد في حقه أفضل لأنه أنفع.
وآخر ليس بذاك في الشجاعة ومعرفة أساليب الحرب، لكنه قوي في الحفظ، قوي في الفهم، قوي في الحجة، قوي في الإقناع، فهذا نقول: طلب العلم في حقه أفضل.
إذن الخطوط التي نفهمها الآن: طلب العلم معادل للجهاد في سبيل الله.
أيهما أفضل؟ يختلف هذا باختلاف الناس، بعض الناس نقول له: الجهاد في حقك أفضل، وبعض الناس نقول له: العلم في حقك أفضل، حسب ما تقتضيه الحال.
العلم يحتاج إلى تربية نفسية، وتربية خُلقية، وتربية بدنية.
التربية النفسية: هو أن يطلب العلم لله، لا للرياء، ولا للسمعة، ولا ليصرف وجوه الناس إليه، ولا لينال عَرَضاً من الدنيا، وإنما يطلب العلم لله عز وجل، لأن العلم عبادة من أفضل العبادات، فلا يجوز أن يُصرف لغير الله، ولهذا جاء في الحديث: ( من طلب علماً مما يبتغى به وجه الله لا يريد إلا أن ينال عَرَضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة ) أعوذ بالله فلا بد من الإخلاص لله عز وجل في طلب العلم.
ويتحقق الإخلاص بأمور: الأول: أن ينوي بذلك التقرب إلى الله، وأنه ما من سطرٍ يقرؤه حفظاً أو فهماً إلا وهو يقربه إلى الله عز وجل، حتى يكون مراجعته للكتب مباحثته مع أصحابه تأمله في نفسه، يكون عبادة يتقرب بها إلى الله عز وجل.
ثانياً: أن ينوي بطلب العلم حفظ شريعة الإسلام.
لأن حفظ الشريعة يكون إما بالكتب وإما بالرجال، لأن العلم إما مكتوب وإما محفوظ، فينوي بطلب العلم حفظ الشريعة، لأن الشريعة لا تحفظ إلا برجالها.
الأمر الثالث: أن ينوي حماية الشريعة والدفاع عنها.
لأن الشريعة لها أعداء، أعداء باسم الإسلام، وأعداء باسم الكفر، فمن أعدائها باسم الإسلام: أصحاب البدع، لأنهم يدعون إلى بدعهم باسم إيش؟ باسم الإسلام، ويرون أن ما هم عليه هو الإسلام، وربما يضللون غيرهم ويقولون: إن هؤلاء ضالون، إما فاسقون وإما كافرون، فيجب أن نحمي الشريعة من هؤلاء وبدعهم، وهذا لا يمكن إلا بإيش؟ إلا بالعلم: أولاً العلم بالسنة، وثانياً: العلم بهذه البدعة وشبهاتها، لا بد أن نعلم هذه البدع وشبهاتها وعلى أي شيء ركبت، حتى نتمكن من الرد عليها، إذ لا يمكن أن ترد على شيءٍ وأنت لا تدري ما هو.
ولهذا لو أن رجلاً أتى إلى مكتبة مملوءة بكتب أهل السنة، وصار يقرر البدعة في هذه المكتبة وليس عنده أحدٌ يعلم كيف يرد عليه، فهل تنفع هذه الكتب؟ أجيبوا يا جماعة ، ما تنفع، لا يمكن لأي كتاب أن يقفز ليرد عليه، لكن لو كان هناك عالم بالسنة أمكن أن يرد على هذا ويدحض حجته.
إذاً فهيء نفسك الآن هيئ نفسك أيها الطالب هيئ نفسك لتكون بطلاً في رد الباطل.
هناك أناس لا ينتسبون إلى الإسلام، أعداء للإسلام وليسوا ينتسبون إلى الإسلام.
أيضاً نحتاج إلى فهم ما هم عليه من الباطل والرد عليهم، كل هذا داخل في إخلاص النية لله عز وجل أن ينوي الإنسان الدفاع عن شريعة الله بهذه الأمور وبغيرها أيضاً من الأساليب الأخرى التي قد لا تحضرنا الآن.
ومما يجب على طالب العلم أن يظهر أثر العلم عليه في عبادته، وهو معاملته مع الله عز وجل، بحيث يخشى الله سبحانه وتعالى في السر والعلانية، ويكون قلبه دائماً معلقا بالله، لأن الله تعالى قال: (( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )) من العلماء ؟، فالعلماء حقيقة هم أهل الخشية لله، إذا رأيت أنه ليس عندك خشية من الله عز وجل ولا خوف منه فاتهم نفسك بأنك لست من أهل العلم، وإن حفظت ما حفظت من المتون، وإن فهمت ما فهمت من المعاني، لا بد أن يظهر أثر العلم على الإنسان في عبادته ومعاملته مع الله.
أيضاً: لا يفقدك الله حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك، لا بد من هذا، ومن لم يكن كذلك فإن علمه وبال عليه، أعاذنا الله وإياكم من هذا.
اللهم لا تجعل ما علمنا علينا وبالاً، انتبه أن عليك مسؤولية أمام الله عز وجل، الجاهل قد يعذر بجهله لكن العالم بأي شيء يُعذر؟ لا بد أن يظهر عليك أثر العلم في العبادة من خشية الله ومراقبته والتعلق به والاستعانة به والتعبد له بكثرة الطاعات.
العلماء الذين هم أئمة في العلم نسمع من أخبارهم أنهم أهل عبادة أهل تهجد في الليل أهل تسبيح دائماً أهل قراءة قرآن، ففتش عن نفسك هل أنت بهذه المثابة أو لا؟
لا بد أيضاً أن يكون للعلم أثر في خُلق الإنسان، بأن يخالق الناس بخُلق حسن.
سماحة بشاشة انشراح صدر معونة عفو إحسان، كل ما يتعلق بمعاملة الناس بالحسنة فإنه من آثار العلم.
إننا نرى الآن جحافل كثيرة تدخل الكليات والمعاهد والمدارس لا نرى عليهم أثراً في طلب العلم، إننا نرى الطلاب أنفسهم يتقابلون وهم في فصلٍ واحد لا يسلم بعضهم على بعض، نجدهم أيضاً مع العامة لا يسلمون على العامة، هل هذا من خلق المسلم فضلاً عن خلق طالب العلم؟
الجواب: لا، وإذا كنتم تقولون: لا، فاعلموا أنها ستشهد عليكم جوارحكم يوم القيامة إذا لم تطبقوا، الآن يمر الإنسان بأخيه لا يسلم عليه وليس بينه وبينه إلا متر أو أقل لماذا؟ أليس كل تسليمة فيها عشر حسنات؟ لو أن الإنسان يعطى درهماً واحداً على التسليمة لوجدته يسلم حتى في غير موضع التسليم لينال هذا الدرهم، فكيف لا يسلم في موضع التسليم لينال عشر حسنات تكون باقية ويزداد إيمانه ويحصل المحبة بينه وبين أخيه، ولقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، فلا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم ) .
أين نحن من هذه النصائح ونحن طلبة علم نعرفها؟! كيف لا ننفذها؟! سيكون هذا الحديث وغيره من أدلة الكتاب والسنة حجة علينا إذا لم نقم بما يدل عليه من التوجيه والإرشاد.
وكذلك يجب أن يكون أثر العلم ظاهراً عليه بمحبته لأخيه ما يحب لنفسه، تجد بعض الطلبة وربما العلماء الكبار إذا برز أخوه بشيء حاول أن يغمطه ويحقره ويتتبع عوراته حتى لا يتميز عليه، وهذا الخلق من خلق من ؟ من خلق من ؟ اليهود، من خلق اليهود، هم الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، وهذا من جهل الإنسان، لأن الإنسان إذا تأمل من الذي أعطاه هذا الفضل؟ الله عز وجل، طيب اسأل الله الذي أعطاه، ولهذا قال تعالى: (( وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ )) اسأل الذي أعطاه أن يعطيك، أما أن تتمنى زوال نعمة الله عليه، أو أن تكره ما أنعم الله به عليه، فهذا من سفهك، ومن تخلقك بأخلاق إخوان القردة والخنازير اليهود، أترضى بهذا؟ لا، إذن إذا رأيت أخاك قد منَّ الله عليه بتميز في الحفظ أو في الفهم أو في الحرص فقل: اللهم كما أنعمت عليه فأنعم عليَّ، ألسنا نقول في التشهد: ( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، ) كمل ( كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ) يعني: كما مننت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم بالصلاة عليهم فمنَّ على محمد وآله.
فهكذا خلق طالب العلم يجب أن يكون متخلياً عن الحسد قليله وكثيره.
وأظن أن الوقت انتهى وقت اللقاء ونؤجل إن شاء الله إلى اللقاء القادم حتى نكمل هذا البحث لأنه مهم ونتفرغ الآن إلى الأسئلة فنبدأ بأسئلة الضيوف فقط ، من اليمين ، اصبر يا أخي عندك سؤال أعطه الأخ