تكملة تفسير آيات من سورة النجم . حفظ
الشيخ : نبتدئ في هذا اللقاء بما كنا نبتدئ به من تفسير القرآن انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى : (( وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى )) هذا في سورة النجم (( وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ )) الآية تفيد أمرين :
الأمر الأول : عموم ملك الله سبحانه وتعالى للسماوات والأرض هذه الآية تفيد أمرين : الأمر الأول : عموم ملك الله سبحانه وتعالى لما في السماوات والأرض يؤخذ هذا العموم من قوله : (( مَا فِي السَّمَاوَاتِ )) لأن ما ايش هي ؟ العموم والأمر الثاني : اختصاص ملك السماوات والأرض لله في الله عز وجل تؤخذ من تقديم الخبر (( وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ )) والعلماء يقولون : إن تقديم ما حقه التأخير يفيد العموم وهذه قاعدة بلاغية لغوية ولها أمثلة كثيرة منها هذه الآية ومنها قوله تعالى : (( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )) (( إِيَّاكَ )) هذه مفعول مقدم في الجملتين : لنعبد ولنستعين وحق المفعول أن يكون مؤخراً لكنه قدم من أجل الاختصاص ونضرب مثلاً لهذا بما يجري بيننا فإذا قلت لشخص : إياك أردت فهي ليس كقولك : أردتك لأن إياك أردت يعني ولم أرد غيرك لكن أردتك قد تكون أردته وأردت غيره أيضاً المهم افهموا هذه القاعدة : تقديم ما حقه التأخير يفيد
الطالب : ...
الشيخ : لا، يفيد الحصر يعني اختصاص الشيء هذا بهذا الشيء إذًا هل أحد يملك ما في السماوات والأرض ؟ لا إلا الله عز وجل هو الذي يملك ما في السماوات والأرض ولما ذكر سبحانه وتعالى عموم الربوبية ذكر ما يترتب على هذا العموم في قوله : (( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى )) إذًا فمقتضى هذا الملك أن يأمر وينهى أن يأمر وينهى ثم يجازي بعد ذلك الذين أحسنوا يجازيهم بالحسنى والذين أساؤوا بما عملوا فسر لي الحسنى ما معنى الحسنى ؟ الحسنى أن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة أفهمتم طيب أساؤوا بما عملوا يعني السيئة بمثلها فقط لا تزيد قال الله تبارك وتعالى : (( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا )) وهذا في معاملة الخلق وأما الخالق فقال عز وجل : (( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ))
ثم قال تعالى : (( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ )) تقدم في الجلسة السابقة قوله : (( إِلَّا اللَّمَمَ )) أن لها معنيين من يحفظهما ؟ آه (( إِلَّا اللَّمَمَ )) يعني الصغائر هذه واحدة والثاني
الطالب : ...
الشيخ : لا القليل من الكبائر والفواحش نعم (( إِلَّا اللَّمَمَ )) يعني إلا القليل ذكرنا بناء على اختلاف القولين الاختلاف في إلا هل هي متصلة أو منقطعة ؟ (( إِلَّا اللَّمَمَ )) متى تكون منقطعة ؟ إذا فسرناها .
الطالب : إذا فسرناها صغائر .
الشيخ : إذا فسرنا اللمم بالصغائر صارت منقطعة والمنقطعة علامتها أن ما بعدها ليس من جنس ما قبلها علامة إلا المنقطعة أن ما بعدها ليس من جنس ما قبلها فمثلاً (( كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ )) إذا قلنا اللمم الصغائر فهل الصغائر من الكبائر والفواحش ؟ لا إذا قلنا : المراد باللمم القليل من الكبائر والفواحش صارت إلا متصلة لأن اللمم القليل مما سبق فهو من جنسه إذًا الاستثناء عندنا يكون منقطعا ويكون متصلاً فما هو المتصل ؟ إذا كان المستثنى من جنس المستثنى منه فهو متصل وإذا كان من غير جنسه فهو منقطع وإليك ما مثل به النحويون يقولون : إذا قلت : جاء القوم إلا أميرهم الاستثناء
الطالب : متصل
الشيخ : لماذا ؟ لأن الأمير من الجنس منهم وقالوا : إذا قلت : جاء القوم إلا حمارا فالاستثناء منقطع لأن الحمار ليس من جنس القوم طيب ثم قال عز وجل : (( إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ )) إشارة إلى أن الصغائر تغفر وقد ثبت في القرآن الكريم أن الصغائر تغفر وقد ثبت في القرآن الكريم أن الصغائر تغفر باجتناب الكبائر فقال جل وعلا : (( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً )) ولهذا قال : (( إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ )) أما إذا قلنا : اللمم القليل من الفواحش والكبائر فتكون الإشارة فيكون قوله : (( إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ )) إشارة إلى أن الكبائر إذا تاب الإنسان منها غفر الله له وكأنها لم تكن وإن لم يتب منها فهو تحت المشيئة إن شاء الله غفر له وإن شاء عاقبه بما تستحق هذه الكبيرة ،
في قوم من هذه الأمة يقولون : إن الكبيرة لا تغفر لا تغفر من هم؟ الخوارج والمعتزلة شوف الخوارج والمعتزلة يقولون : الإنسان إذا زنى خلاص من أهل النار وهو كافر وإذا سرق كذلك إذا شرب الخمر كذلك لكن قولهم باطل والصواب أن فاعل الكبيرة داخل تحت قوله تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )) لو قال قائل : أنت إذا قلت هذا فتحت الباب على مصراعيه لفعل الكبائر لأن أي إنسان يفعل كبيرة يقول : أنا يمكن يغفر الله لي أفهمتم وهذا فعلا يحتج به العوام يقول : إذا كان الله يقول : (( وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )) أي : ما دون الشرك لمن يشاء إذًا سيفعلون الكبائر ويقول : يغفر الله لي أفهمت؟ هذه حجة فكيف تجيبه ؟ أنت من طلاب العلم ولا من المستمعين؟
الطالب : المستمعين
الشيخ : طيب نجيبه بأن الله قال : (( يَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِك )) ما قال : لكل أحد قال : (( لِمَنْ يَشَاء )) فهل أنت تتيقن الآن أنك ممن شاء الله أن يغفر له ؟ أحد يتيقن هذا ؟ لا أحد يتيقن إذًا لا حجة فيها لأهل المعاصي ثم إن قوله تعالى : (( لِمَنْ يَشَاء )) نعلم أن الله حكيم لا يشاء أن يغفر للمذنب غير الشرك إلا إذا اقتضت الحكمة ذلك ومن منا يستطيع أن يقول : إن حكمة الله تقتضي أن يغفر لي ؟ لا أحد لا أحد يقول هذا بل لو قال هذا لقلنا : إن قولك هذا من أسباب المؤاخذة والمعاقبة لأنك تأليت على الله ثم قال عز وجل : (( هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ )) أعلم بنا منذ ذلك الوقت الطويل البعيد (( إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ )) بماذا ؟ بخلق أبينا آدم لأن آدم خلق من التراب تراب ثم صار طيناً ثم صار صلصالا ثم خلقه الله بيده جسما ونفخ فيه الروح فصار إيش ؟ فصار آدميا إنسانا هذا (( إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ )) أول النشء إذًا نحن من الأرض سبحان الله نحن من الأرض ؟ نعم نحن من الأرض (( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى )) الإخراج الذي ليس بعده وفاة يوم القيامة (( أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ )) ولذلك الآن بنو آدم كالأرض تماما فيهم الحزم الصلب الشديد وفيهم السهل وفيهم ما بين ذلك وفيهم الأبيض وفيهم الأحمر وفيهم الأسود لأن الأراضي إيش ؟ تختلف هكذا وقد ذُكر أن الله لما أراد أن يخلق آدم أخذ من كل الأرض كل الأرض سهلها وحزنها أسودها وأبيضها كلها قال تعالى : (( إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ )) وهذه النشأة الثانية أجنة جمع جنين وهو الحمل وسمي الحمل جنينا لأنه مستتر (( إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ )) يعني مستترين في بطون أمهاتكم من وإلى أسأل أي من منين ؟ من حين كان الإنسان نطفة ومن النطفة يخلق وهذا معنى قوله : (( ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ )) فمن حين ما يكون نطفة يكون جنيناً ثم يتطور كم طورا ؟ أربعة أطوار أولا : نطفة ثم علقة ثم مضغة مخلقة أو غير مخلقة ثم أنشأناه خلقا آخر الطور الأخير الذي فيه تحل فيه الروح
إذًا هو عالم بنا حين النشأة الأولى وحين النشأة الثانية في بطون أمهاتكم (( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ )) لا تزكوها وتقول : عملت كذا وكذا صليت زكيت صمت جاهدت حججت لا تقل هكذا تدل بعملك على ربك هذا لا يجوز فإن قال قائل : أليس الله يقول : (( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا )) فالجواب : بلى لكن معنى (( مَنْ زَكَّاهَا )) أي : من عمل عملا تزكو به نفسه وليس المعنى (( مَنْ زَكَّاهَا )) من أثنى عليها ومدحها بأنها عملت وعملت بل المراد عمل عملاً تزكو به نفسه فلا معارضة بين الآيتين ولهذا نقول : من زكى نفسه بذكر ما عمل من الصالحات فإنه لم يزك نفسه صح؟ إخوانا أين الجواب ؟ من زكى نفسه فإنه لم يزك نفسه فرق بينهما التزكية التي يحمد عليها الإنسان أن يعمل الإنسان عملا صالحا تزكو به نفسه والتزكية التي يذم عليها أن يدل بعمله على ربه ويمدح وكأنه يمن على الله يقول : صليت تصدقت صمت حججت جاهدت بررت والدي وما أشبه ذلك هذه لا يجوز للإنسان أن يزكي نفسه ويقول : أنا من أنا وفي هذا رد على أولئك الصوفية الذين يدعون أنهم أئمة ويزكون أنفسهم ويقول : وصلنا إلى حد لا تلزمنا الطاعات لأن فيه الآن ناس يقول : إنه وصل إلى عالم الملكوت ولا عليه صلاة ولا عليه صدقة ولا عليه صيام ولا يحرم عليه شيء هؤلاء منسلخون من الدين انسلاخاً تاما لذلك نقول : هؤلاء الذين يزكون أنفسهم هم أبعد الناس عن الزكاة لأنهم أعجبوا بأعمالهم وأدلوا بها على الله عز وجل وجعلوا لأنفسهم منصباً لم يجعله الله تعالى لهم (( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى )) كأنه يقول : لماذا تزكون أنفسكم ؟ أتريدون أن تعلموا الله بما أنتم عليه ؟ الجواب : لا ولهذا قال : (( هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى )) يعني إن كنت متقياً لله فالله أعلم بك ما حاجة أن تقول لله : إني فعلت وفعلت في هذا إشارة إلى أن النطق بالنية عند فعل العبادة قد يدخل في نوع من التزكية يعني إذا أردت توضأ هل تقول : اللهم إني نويت أن أتوضأ ؟ أجيبوا لا هل تقولها سرا ؟ لا بعض العلماء يقول : قلها سرا قلها سرا بينك وبين نفسك وعللوا هذا قالوا : من أجل أن يطابق اللسان القلب من أجل يطابق اللسان القلب القلب نوى لكن قل باللسان : اللهم إني نويت أن أتوضأ نويت أصلي أيضا تبي تصلي قل : اللهم إني نويت أن أصلي متى الظهر ولا العصر ؟ بيّن الظهر وهل تحتاج إلى عدد الركعات ولا ما تحتاج ؟ نعم لا لا تحتاج لا تحتاج لعدد ما دام عينت يكفي بعض العلماء يقول هكذا يا إخوان علماء أجلاء من الفقهاء التعليل ليش يعني ليش ننطق باللسان ؟ أجيبوا لتطابق القول القلبي واللساني فيقال : هذا غلط هذا قياس في مقابلة النص هل الرسول عليه الصلاة والسلام شرع لأمته أن ينطقوا بالنية ؟ أبداً لا في حديث صحيح ولا ضعيف أن الإنسان إذا أراد العمل نطق بالنية أبدا ما يوجد ومن الطرف الطريفة أن رجلاً في المسجد الحرام عامي سمع شخصاً يريد أن يصلي فقال بعد أن أقيمت الصلاة : اللهم إني نويت أن أصلي الظهر أربع ركعات في المسجد الحرام لما أراد أن يكبر قال له : باقي عليك قال : ويش الباقي ؟ باقي التاريخ باقي التاريخ قل في اليوم الفلاني أنت الآن ذكرت المكان وذكرت العمل باقي التاريخ قل : في اليوم الفلاني من الشهر الفلاني من السنة الفلانية
السائل : ... .
الشيخ : نعم ... ما أدري مأموم أو غير مأموم المهم أنه قال له الكلام هذا فانتبه الرجل وقال له : يا أخي أنت تعلم ربك بنيتك الله أعلم بنيتك (( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ )) ما حاجة طيب عند الصيام مثلا إذا تسحر الإنسان وأراد يصوم يقول : اللهم إني نويت الصيام إلى الليل ؟ نعم لا يقول هذا لا يقول ذلك كان ونحن صغارا يلقوننا هذا يقول : إذا تسحرت قل : اللهم إني نويت الصيام إلى الليل ونقوله لأننا ما ندري لكن في الواقع أن هذا من البدع
بقي أن يقال في الحج هل تقول : اللهم إني نويت العمرة أو نويت الحج أو نويت القران أو التمتع ؟ لا ما تقوله حتى في الحج عندما تغتسل وتلبس الإحرام لا تقل : اللهم إني نويت العمرة أو نويت الحج تكفي التلبية لأنك سوف تقول إيش؟ لبيك عمرة إن كنت في عمرة أو لبيك حجا إن كنت في حج أو لبيك عمرة وحجا إن كنت قارنا فلا حاجة فكل العبادات لا ينطق فيها بالنية ولهذا قال عز وجل : (( هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى )) ثم قال تعالى : (( أَفَرَأَيْتَ )) نقتصر على هذا ؟ نقتصر على هذا من أجل الأسئلة فنبدأ من اليمين للضيوف فقط .
الأمر الأول : عموم ملك الله سبحانه وتعالى للسماوات والأرض هذه الآية تفيد أمرين : الأمر الأول : عموم ملك الله سبحانه وتعالى لما في السماوات والأرض يؤخذ هذا العموم من قوله : (( مَا فِي السَّمَاوَاتِ )) لأن ما ايش هي ؟ العموم والأمر الثاني : اختصاص ملك السماوات والأرض لله في الله عز وجل تؤخذ من تقديم الخبر (( وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ )) والعلماء يقولون : إن تقديم ما حقه التأخير يفيد العموم وهذه قاعدة بلاغية لغوية ولها أمثلة كثيرة منها هذه الآية ومنها قوله تعالى : (( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )) (( إِيَّاكَ )) هذه مفعول مقدم في الجملتين : لنعبد ولنستعين وحق المفعول أن يكون مؤخراً لكنه قدم من أجل الاختصاص ونضرب مثلاً لهذا بما يجري بيننا فإذا قلت لشخص : إياك أردت فهي ليس كقولك : أردتك لأن إياك أردت يعني ولم أرد غيرك لكن أردتك قد تكون أردته وأردت غيره أيضاً المهم افهموا هذه القاعدة : تقديم ما حقه التأخير يفيد
الطالب : ...
الشيخ : لا، يفيد الحصر يعني اختصاص الشيء هذا بهذا الشيء إذًا هل أحد يملك ما في السماوات والأرض ؟ لا إلا الله عز وجل هو الذي يملك ما في السماوات والأرض ولما ذكر سبحانه وتعالى عموم الربوبية ذكر ما يترتب على هذا العموم في قوله : (( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى )) إذًا فمقتضى هذا الملك أن يأمر وينهى أن يأمر وينهى ثم يجازي بعد ذلك الذين أحسنوا يجازيهم بالحسنى والذين أساؤوا بما عملوا فسر لي الحسنى ما معنى الحسنى ؟ الحسنى أن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة أفهمتم طيب أساؤوا بما عملوا يعني السيئة بمثلها فقط لا تزيد قال الله تبارك وتعالى : (( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا )) وهذا في معاملة الخلق وأما الخالق فقال عز وجل : (( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ))
ثم قال تعالى : (( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ )) تقدم في الجلسة السابقة قوله : (( إِلَّا اللَّمَمَ )) أن لها معنيين من يحفظهما ؟ آه (( إِلَّا اللَّمَمَ )) يعني الصغائر هذه واحدة والثاني
الطالب : ...
الشيخ : لا القليل من الكبائر والفواحش نعم (( إِلَّا اللَّمَمَ )) يعني إلا القليل ذكرنا بناء على اختلاف القولين الاختلاف في إلا هل هي متصلة أو منقطعة ؟ (( إِلَّا اللَّمَمَ )) متى تكون منقطعة ؟ إذا فسرناها .
الطالب : إذا فسرناها صغائر .
الشيخ : إذا فسرنا اللمم بالصغائر صارت منقطعة والمنقطعة علامتها أن ما بعدها ليس من جنس ما قبلها علامة إلا المنقطعة أن ما بعدها ليس من جنس ما قبلها فمثلاً (( كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ )) إذا قلنا اللمم الصغائر فهل الصغائر من الكبائر والفواحش ؟ لا إذا قلنا : المراد باللمم القليل من الكبائر والفواحش صارت إلا متصلة لأن اللمم القليل مما سبق فهو من جنسه إذًا الاستثناء عندنا يكون منقطعا ويكون متصلاً فما هو المتصل ؟ إذا كان المستثنى من جنس المستثنى منه فهو متصل وإذا كان من غير جنسه فهو منقطع وإليك ما مثل به النحويون يقولون : إذا قلت : جاء القوم إلا أميرهم الاستثناء
الطالب : متصل
الشيخ : لماذا ؟ لأن الأمير من الجنس منهم وقالوا : إذا قلت : جاء القوم إلا حمارا فالاستثناء منقطع لأن الحمار ليس من جنس القوم طيب ثم قال عز وجل : (( إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ )) إشارة إلى أن الصغائر تغفر وقد ثبت في القرآن الكريم أن الصغائر تغفر وقد ثبت في القرآن الكريم أن الصغائر تغفر باجتناب الكبائر فقال جل وعلا : (( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً )) ولهذا قال : (( إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ )) أما إذا قلنا : اللمم القليل من الفواحش والكبائر فتكون الإشارة فيكون قوله : (( إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ )) إشارة إلى أن الكبائر إذا تاب الإنسان منها غفر الله له وكأنها لم تكن وإن لم يتب منها فهو تحت المشيئة إن شاء الله غفر له وإن شاء عاقبه بما تستحق هذه الكبيرة ،
في قوم من هذه الأمة يقولون : إن الكبيرة لا تغفر لا تغفر من هم؟ الخوارج والمعتزلة شوف الخوارج والمعتزلة يقولون : الإنسان إذا زنى خلاص من أهل النار وهو كافر وإذا سرق كذلك إذا شرب الخمر كذلك لكن قولهم باطل والصواب أن فاعل الكبيرة داخل تحت قوله تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )) لو قال قائل : أنت إذا قلت هذا فتحت الباب على مصراعيه لفعل الكبائر لأن أي إنسان يفعل كبيرة يقول : أنا يمكن يغفر الله لي أفهمتم وهذا فعلا يحتج به العوام يقول : إذا كان الله يقول : (( وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )) أي : ما دون الشرك لمن يشاء إذًا سيفعلون الكبائر ويقول : يغفر الله لي أفهمت؟ هذه حجة فكيف تجيبه ؟ أنت من طلاب العلم ولا من المستمعين؟
الطالب : المستمعين
الشيخ : طيب نجيبه بأن الله قال : (( يَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِك )) ما قال : لكل أحد قال : (( لِمَنْ يَشَاء )) فهل أنت تتيقن الآن أنك ممن شاء الله أن يغفر له ؟ أحد يتيقن هذا ؟ لا أحد يتيقن إذًا لا حجة فيها لأهل المعاصي ثم إن قوله تعالى : (( لِمَنْ يَشَاء )) نعلم أن الله حكيم لا يشاء أن يغفر للمذنب غير الشرك إلا إذا اقتضت الحكمة ذلك ومن منا يستطيع أن يقول : إن حكمة الله تقتضي أن يغفر لي ؟ لا أحد لا أحد يقول هذا بل لو قال هذا لقلنا : إن قولك هذا من أسباب المؤاخذة والمعاقبة لأنك تأليت على الله ثم قال عز وجل : (( هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ )) أعلم بنا منذ ذلك الوقت الطويل البعيد (( إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ )) بماذا ؟ بخلق أبينا آدم لأن آدم خلق من التراب تراب ثم صار طيناً ثم صار صلصالا ثم خلقه الله بيده جسما ونفخ فيه الروح فصار إيش ؟ فصار آدميا إنسانا هذا (( إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ )) أول النشء إذًا نحن من الأرض سبحان الله نحن من الأرض ؟ نعم نحن من الأرض (( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى )) الإخراج الذي ليس بعده وفاة يوم القيامة (( أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ )) ولذلك الآن بنو آدم كالأرض تماما فيهم الحزم الصلب الشديد وفيهم السهل وفيهم ما بين ذلك وفيهم الأبيض وفيهم الأحمر وفيهم الأسود لأن الأراضي إيش ؟ تختلف هكذا وقد ذُكر أن الله لما أراد أن يخلق آدم أخذ من كل الأرض كل الأرض سهلها وحزنها أسودها وأبيضها كلها قال تعالى : (( إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ )) وهذه النشأة الثانية أجنة جمع جنين وهو الحمل وسمي الحمل جنينا لأنه مستتر (( إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ )) يعني مستترين في بطون أمهاتكم من وإلى أسأل أي من منين ؟ من حين كان الإنسان نطفة ومن النطفة يخلق وهذا معنى قوله : (( ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ )) فمن حين ما يكون نطفة يكون جنيناً ثم يتطور كم طورا ؟ أربعة أطوار أولا : نطفة ثم علقة ثم مضغة مخلقة أو غير مخلقة ثم أنشأناه خلقا آخر الطور الأخير الذي فيه تحل فيه الروح
إذًا هو عالم بنا حين النشأة الأولى وحين النشأة الثانية في بطون أمهاتكم (( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ )) لا تزكوها وتقول : عملت كذا وكذا صليت زكيت صمت جاهدت حججت لا تقل هكذا تدل بعملك على ربك هذا لا يجوز فإن قال قائل : أليس الله يقول : (( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا )) فالجواب : بلى لكن معنى (( مَنْ زَكَّاهَا )) أي : من عمل عملا تزكو به نفسه وليس المعنى (( مَنْ زَكَّاهَا )) من أثنى عليها ومدحها بأنها عملت وعملت بل المراد عمل عملاً تزكو به نفسه فلا معارضة بين الآيتين ولهذا نقول : من زكى نفسه بذكر ما عمل من الصالحات فإنه لم يزك نفسه صح؟ إخوانا أين الجواب ؟ من زكى نفسه فإنه لم يزك نفسه فرق بينهما التزكية التي يحمد عليها الإنسان أن يعمل الإنسان عملا صالحا تزكو به نفسه والتزكية التي يذم عليها أن يدل بعمله على ربه ويمدح وكأنه يمن على الله يقول : صليت تصدقت صمت حججت جاهدت بررت والدي وما أشبه ذلك هذه لا يجوز للإنسان أن يزكي نفسه ويقول : أنا من أنا وفي هذا رد على أولئك الصوفية الذين يدعون أنهم أئمة ويزكون أنفسهم ويقول : وصلنا إلى حد لا تلزمنا الطاعات لأن فيه الآن ناس يقول : إنه وصل إلى عالم الملكوت ولا عليه صلاة ولا عليه صدقة ولا عليه صيام ولا يحرم عليه شيء هؤلاء منسلخون من الدين انسلاخاً تاما لذلك نقول : هؤلاء الذين يزكون أنفسهم هم أبعد الناس عن الزكاة لأنهم أعجبوا بأعمالهم وأدلوا بها على الله عز وجل وجعلوا لأنفسهم منصباً لم يجعله الله تعالى لهم (( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى )) كأنه يقول : لماذا تزكون أنفسكم ؟ أتريدون أن تعلموا الله بما أنتم عليه ؟ الجواب : لا ولهذا قال : (( هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى )) يعني إن كنت متقياً لله فالله أعلم بك ما حاجة أن تقول لله : إني فعلت وفعلت في هذا إشارة إلى أن النطق بالنية عند فعل العبادة قد يدخل في نوع من التزكية يعني إذا أردت توضأ هل تقول : اللهم إني نويت أن أتوضأ ؟ أجيبوا لا هل تقولها سرا ؟ لا بعض العلماء يقول : قلها سرا قلها سرا بينك وبين نفسك وعللوا هذا قالوا : من أجل أن يطابق اللسان القلب من أجل يطابق اللسان القلب القلب نوى لكن قل باللسان : اللهم إني نويت أن أتوضأ نويت أصلي أيضا تبي تصلي قل : اللهم إني نويت أن أصلي متى الظهر ولا العصر ؟ بيّن الظهر وهل تحتاج إلى عدد الركعات ولا ما تحتاج ؟ نعم لا لا تحتاج لا تحتاج لعدد ما دام عينت يكفي بعض العلماء يقول هكذا يا إخوان علماء أجلاء من الفقهاء التعليل ليش يعني ليش ننطق باللسان ؟ أجيبوا لتطابق القول القلبي واللساني فيقال : هذا غلط هذا قياس في مقابلة النص هل الرسول عليه الصلاة والسلام شرع لأمته أن ينطقوا بالنية ؟ أبداً لا في حديث صحيح ولا ضعيف أن الإنسان إذا أراد العمل نطق بالنية أبدا ما يوجد ومن الطرف الطريفة أن رجلاً في المسجد الحرام عامي سمع شخصاً يريد أن يصلي فقال بعد أن أقيمت الصلاة : اللهم إني نويت أن أصلي الظهر أربع ركعات في المسجد الحرام لما أراد أن يكبر قال له : باقي عليك قال : ويش الباقي ؟ باقي التاريخ باقي التاريخ قل في اليوم الفلاني أنت الآن ذكرت المكان وذكرت العمل باقي التاريخ قل : في اليوم الفلاني من الشهر الفلاني من السنة الفلانية
السائل : ... .
الشيخ : نعم ... ما أدري مأموم أو غير مأموم المهم أنه قال له الكلام هذا فانتبه الرجل وقال له : يا أخي أنت تعلم ربك بنيتك الله أعلم بنيتك (( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ )) ما حاجة طيب عند الصيام مثلا إذا تسحر الإنسان وأراد يصوم يقول : اللهم إني نويت الصيام إلى الليل ؟ نعم لا يقول هذا لا يقول ذلك كان ونحن صغارا يلقوننا هذا يقول : إذا تسحرت قل : اللهم إني نويت الصيام إلى الليل ونقوله لأننا ما ندري لكن في الواقع أن هذا من البدع
بقي أن يقال في الحج هل تقول : اللهم إني نويت العمرة أو نويت الحج أو نويت القران أو التمتع ؟ لا ما تقوله حتى في الحج عندما تغتسل وتلبس الإحرام لا تقل : اللهم إني نويت العمرة أو نويت الحج تكفي التلبية لأنك سوف تقول إيش؟ لبيك عمرة إن كنت في عمرة أو لبيك حجا إن كنت في حج أو لبيك عمرة وحجا إن كنت قارنا فلا حاجة فكل العبادات لا ينطق فيها بالنية ولهذا قال عز وجل : (( هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى )) ثم قال تعالى : (( أَفَرَأَيْتَ )) نقتصر على هذا ؟ نقتصر على هذا من أجل الأسئلة فنبدأ من اليمين للضيوف فقط .