كلمة حول مناسك الحج وشروطه وصفة العمرة . حفظ
السائل : فنقول : الحج إلى بيت الله الحرام هو أحد أركان الإسلام أوجبه الله تعالى على عباده في كتابه وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم منزلته في الدين فقال الله تعالى : (( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )) وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت الحرام ) وأجمع المسلمون على فرضيته فهو ثابت بالكتاب والسنة والإجماع فرضه الله تعالى على عباده في السنة التاسعة من الهجرة وقيل : في العاشرة وإنما تأخر فرضه والله أعلم لأن مكة كانت قبل ذلك أي : قبل السنة التاسعة كانت تحت سيطرة المشركين والمشركون يُدخلون من شاؤوا ويخرجون من شاؤوا ويردون من شاؤوا ولهذا منعوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من إتمام العمرة في غزوة الحديبية فلم يوجب الله الحج إلا بعد أن خلصت للمسلمين بعد الفتح ولم يحج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في السنة التاسعة لأن الوفود من العرب تكاثروا في هذه السنة بعد فتح مكة يفدون إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لتعلم أمور دينهم فكان بقاؤه هناك أي : في المدينة أيسر لكثير من العرب وأفرغ له عليه الصلاة والسلام ولأن المشركين في السنة التاسعة شاركوا المسلمين في الحج فاختار الله سبحانه وتعالى أن تكون حجة الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة الخالصة للمسلمين ولكن الحج لا يجب إلا بشروط
الشرط الأول : البلوغ وضده الصغر فالصغير لا يجب عليه الحج لكن لو حج نفعه وصار لوليه أجر ولو شرع فيه أي : في الحج وهو صغير ثم تحلل بدون عذر يبيح التحلل للبالغ فالصحيح أنه لا شيء عليه لأنه ليس من أهل الوجوب فإنه قد رفع عنه القلم فلو أحرم الصبي ثم وجد المضايقة وتحلل وقال : إنه لا يريد أن يتمم فله ذلك
الشرط الثاني : العقل فالمجنون لا حج عليه ولا يصح منه لأنه لا قصد له ولا يصح أن ينوي وليه عنه لأن ذلك لم يرد والأصل في العبادات الحظر حتى يقوم دليل على مشروعيتها ولكن كيف يتصور هذا أن يكون من أهل الوجوب وهو مجنون ؟ بمعنى كيف يجب عليه الحج في جنون ؟ نقول : هذا ممكن بأن يكون هذا المجنون بالغاً ثم يحصل له مال من إرث أو غيره فيكون بذلك قادراً على أن يأتي بالحج لكن جنونه يمنع وجوبه عليه فلا يجب عليه حتى لو مات وهو على جنونه وخلف مالا كثيرا فإنه لا يجب الحج له منه لأنه لم يجب عليه أصلا
الثالث : الإسلام وضده الكفر والإسلام شرط لجميع العبادات ومعنى اشتراط الإسلام أنه لا يجب على الكافر ولو حج لم يصح منه لأن من شرط صحة العبادات الإسلام ومعنى قولنا : إنه لا يجب على الكافر أنه لو أسلم بعد أن كان غنياً في حال الكفر ثم افتقر وأسلم بعد ذلك فإنه لا يلزمه الحج لأنه حين استطاعته لم يكن من أهل الوجوب لم يكن مسلما فلا يلزمه الحج إلا أنه يعاقب عليه في يوم القيامة لأن الكافر على القول الراجح مخاطب بفروع الإسلام بمعنى أنه يأثم بتضييعها ولكنه لا يلزم بقضائها لو وجبت في حال كفره لقول الله تعالى : (( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ))
الحرية وضدها الرق فالرقيق ليس عليه حج لأنه لا مال له لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( من باع عبدا له مال فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع ) أي : المشتري وهذا يدل على أن العبد ليس له مال وإنما ماله لسيده وحينئذ لا يكون مستطيعا
فإن قال قائل : لو أن سيده أعطاه مالا وقال : خذ هذا حج به فهل يلزمه ؟ فالجواب : ظاهر كلام العلماء أنه لا يلزمه لأنه لا يكون مستطيعا ببذل غيره له
الشرط الخامس: أعظمها الاستطاعة، بأن يكون الإنسان قادرا بماله وبدنه على أداء الحج فإن كان عاجزا بماله قادرا ببدنه لزمه الحج لأنه يستطيع أن يأتي به كرجل يستطيع أن يمشي إلى مكة وإلى المشاعر مثل أن يكون قريبا من مكة فيلزمه الحج لدخوله في قوله تعالى : (( مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )) وإن كان عاجزا ببدنه قادرا بماله لزمه أن ينيب من يحج عنه لأن هذا قادر بماله فيلزمه أن يقيم من يحج عنه، أما إذا كان عاجزا بماله وبدنه فلا حج عليه حتى لو مات لا يلزم القضاء عنه كرجل فقير عاجز لا يستطيع أن يحج بنفسه فهذا لا حج عليه فلو مات لم يجب قضاؤه لأنه لم يجب عليه أصلا فإن كان قادرا بماله عاجزا ببدنه عجزا طارئا يرجى زواله فلينتظر حتى يزول المانع ثم يحج كالصيام إذا كان مريضا مرضا لا يرجى برؤه أطعم وإن كان مريضا مرضا يرجى برؤه انتظر حتى يشفى
إذا تمت الشروط فإنه يجب على الإنسان أن يسعى إلى الحج فورا بدون تأخير، لأن الأصل في الأوامر المبادرة في تنفيذها إلا إذا وُقتت الوقت أو علقت بسبب فإنه ينتظر حتى يأتي الوقت ويوجد السبب وإلا فالأصل المبادرة ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أمر الصحابة أن يحلوا في الحديبية وتأخروا بعض الشيء غضب عليه الصلاة والسلام وهذا يدل على الفورية في الأوامر ولأنه جاء في الحديث ( من أراد الحج فليتعجل ) وفي آخره فإنه قد تضيع النفقة وتهلك الراحلة أو كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالإنسان لا يدري ما يعرض له ربما تتوفر له الشروط في هذا العام ولا تتوفر في الأعوام المقبلة وربما يموت قبل أن يدرك العام المقبل فيبقى الحج في ذمته ديناً قد يبادر الورثة بقضائه وقد يتأخرون هذه شروط وجوب الحج فإذا لم تتم هذه الشروط فلا حج كما ذكرنا
ثم اعلم أن الحج ينبغي للإنسان أن يأتي به على حسب ما فعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لقوله تعالى : (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ )) ولقوله تعالى : (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً )) ولأن من شرط صحة العبادة بل لأن شرط صحة العبادة الإخلاص والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( لتأخذوا عني مناسككم )
فلنبدأ الآن بذكر الصفة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهي التمتع أن يأتي بالعمرة أولا ثم بالحج ثانيا فإذا وصل إلى الميقات اغتسل وتجرد من الثياب المعروفة ليلبس ثيابا خاصة بالإحرام وهي الإزار والرداء ويتطيب بعد الاغتسال بأطيب ما يجد في رأسه ولحيته كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا يضره بقاء الطيب بعد الإحرام لأن هذا الطيب سابق على الإحرام وقالت عائشة رضي الله عنها : ( لقد كنت أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم ) ثم يلبي فإن كان وقت الفريضة قريبا فليجعل التلبية بعده بعد الفريضة وإن لم يكن قريبا فقال بعض العلماء : إنه يسن أن يصلي ركعتين من أجل الإحرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له : ( صل في هذا الوادي المبارك وقل : عمرة وحجة أو عمرة في حجة ) والشاهد قوله : ( صل في هذا الوادي المبارك ) وقال بعض أهل العلم : إنه ليس للإحرام صلاة خاصة وإنما يحرم الإنسان بمجرد ما ينتهي من الاغتسال والتطيب ولباس ثياب الإحرام بدون صلاة إلا إذا كان وقت صلاة مشروعة مثل أن يكون في الضحى فيصلي صلاة الضحى ويحرم عقبها أو يريد أن يصلي ركعتين سنة الوضوء فيحرم عقبها وهذا الذي قيل نقول : هو الصواب إذا كان من عادته أن يفعل يعني من عادته أن يصلي صلاة الضحى من عادته أن يصلي إذا توضأ أما إذا صلى وليس من عادته ذلك فمعروف أنه إنما أراد الصلاة للإحرام فالإنسان الذي يصلي لا ينكر عليه والذي لا يصلي لا ينكر عليه أهم شيء هو أن تعقد النية على أنك دخلت في النسك فتقول : لبيك اللهم لبيك، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وتنوي الدخول في النسك وتسمي نسكك، وماذا نسمي الآن ؟
الطالب : التمتع
الشيخ : نسمي العمرة نقول : لبيك اللهم عمرة ولا حاجة أن تقول : متمتعا إلى الحج ولا تزال تلبي إلى أن تصل إلى المسجد الحرام وتشرع في الطواف فإذا وصلت إلى المسجد الحرام فادخل المسجد الحرام كما تدخل المساجد الأخرى تقدم اليمنى وتقول الذكر المشروع ثم تعمد إلى الحجر الأسود لتستلمه وتقبله إن تيسر وإلا فتشير إليه إشارة وتقول عند الابتداء : ( باسم الله والله أكبر اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ) وتجعل الكعبة عن يسارك لتطوف طواف العمرة سبعة أشواط وفي هذا الطواف يسن للرجل أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع ويضطبع في جميع الطواف فالرمل الإسراع في المشي بدون أن تبسط الخطوة وهذا هو معنى قولهم : الإسراع مع مقاربة الخطا أي : أنك لا تمد الخطوة خطوة عادية لكن بإسراع ولا يسن أن يهز كتفيه كما نشاهد عند بعض العامة تجده يمشي مشياً رويدا رويدا ولكن يهز الكتفين هذا لا أصل له هذا ينبغي أن يقال : إنه بدعة لأن الذين يفعلونه يتعبدون لله بذلك وهو لم يشرع إذًا يسن سنتان : الأولى : الرمل والثاني : الاضطباع أما الرمل ففي الأشواط الثلاثة الأولى فقط
الاضطباع في جميع الطواف وكيفيته أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر حتى ينتهي من الطواف
في طوافه يقول ما شاء من ذكر وقراءة ودعاء إلا أنه بين الركن اليماني والحجر الأسود يقول : (( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )) ولا يزيد على ذلك، أما زيادة بعضهم : وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عزيز يا غفار فهذه لا أصل لها ولكن إذا كان المطاف زحاماً فستكون المسافة ما بين محاذاة الركن اليماني والحجر الأسود ستكون طويلة وسيكون المشي قليلاً فماذا يفعل إذا قالها مرة ؟ فالجواب : أنه يكرر يكررها ويلح على الله عز وجل بها ولكن لو دعا بغيرها معها فلا بأس إذا كان لأجل لهذه الحاجة لأنه فرغ من الدعاء قبل أن يحاذي الحجر الأسود فنقول : إذا كررها فهو أفضل وإذا دعا بشيء آخر فلا بأس كلما حاذى الحجر الأسود كبر واستلمه وقبله ومع المشقة تكفي الإشارة أما الركن اليماني فالسنة استلامه بدون تقبيل وإذا لم يتمكن فإنه لا يشير إليه لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا يصح قياسه على الحجر الأسود لأن القياس في العبادات ممنوع هذه من جهة من جهة أخرى أن استلام الحجر الأسود أوكد ولذلك يشرع فيه التقبيل ولا يشرع التقبيل في الركن اليماني فإذا اختلفا فإنه لا يمكن قياس أحدهما على الآخر وحينئذٍ نقول : إذا حاذيت الركن اليماني .
الشرط الأول : البلوغ وضده الصغر فالصغير لا يجب عليه الحج لكن لو حج نفعه وصار لوليه أجر ولو شرع فيه أي : في الحج وهو صغير ثم تحلل بدون عذر يبيح التحلل للبالغ فالصحيح أنه لا شيء عليه لأنه ليس من أهل الوجوب فإنه قد رفع عنه القلم فلو أحرم الصبي ثم وجد المضايقة وتحلل وقال : إنه لا يريد أن يتمم فله ذلك
الشرط الثاني : العقل فالمجنون لا حج عليه ولا يصح منه لأنه لا قصد له ولا يصح أن ينوي وليه عنه لأن ذلك لم يرد والأصل في العبادات الحظر حتى يقوم دليل على مشروعيتها ولكن كيف يتصور هذا أن يكون من أهل الوجوب وهو مجنون ؟ بمعنى كيف يجب عليه الحج في جنون ؟ نقول : هذا ممكن بأن يكون هذا المجنون بالغاً ثم يحصل له مال من إرث أو غيره فيكون بذلك قادراً على أن يأتي بالحج لكن جنونه يمنع وجوبه عليه فلا يجب عليه حتى لو مات وهو على جنونه وخلف مالا كثيرا فإنه لا يجب الحج له منه لأنه لم يجب عليه أصلا
الثالث : الإسلام وضده الكفر والإسلام شرط لجميع العبادات ومعنى اشتراط الإسلام أنه لا يجب على الكافر ولو حج لم يصح منه لأن من شرط صحة العبادات الإسلام ومعنى قولنا : إنه لا يجب على الكافر أنه لو أسلم بعد أن كان غنياً في حال الكفر ثم افتقر وأسلم بعد ذلك فإنه لا يلزمه الحج لأنه حين استطاعته لم يكن من أهل الوجوب لم يكن مسلما فلا يلزمه الحج إلا أنه يعاقب عليه في يوم القيامة لأن الكافر على القول الراجح مخاطب بفروع الإسلام بمعنى أنه يأثم بتضييعها ولكنه لا يلزم بقضائها لو وجبت في حال كفره لقول الله تعالى : (( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ))
الحرية وضدها الرق فالرقيق ليس عليه حج لأنه لا مال له لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( من باع عبدا له مال فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع ) أي : المشتري وهذا يدل على أن العبد ليس له مال وإنما ماله لسيده وحينئذ لا يكون مستطيعا
فإن قال قائل : لو أن سيده أعطاه مالا وقال : خذ هذا حج به فهل يلزمه ؟ فالجواب : ظاهر كلام العلماء أنه لا يلزمه لأنه لا يكون مستطيعا ببذل غيره له
الشرط الخامس: أعظمها الاستطاعة، بأن يكون الإنسان قادرا بماله وبدنه على أداء الحج فإن كان عاجزا بماله قادرا ببدنه لزمه الحج لأنه يستطيع أن يأتي به كرجل يستطيع أن يمشي إلى مكة وإلى المشاعر مثل أن يكون قريبا من مكة فيلزمه الحج لدخوله في قوله تعالى : (( مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )) وإن كان عاجزا ببدنه قادرا بماله لزمه أن ينيب من يحج عنه لأن هذا قادر بماله فيلزمه أن يقيم من يحج عنه، أما إذا كان عاجزا بماله وبدنه فلا حج عليه حتى لو مات لا يلزم القضاء عنه كرجل فقير عاجز لا يستطيع أن يحج بنفسه فهذا لا حج عليه فلو مات لم يجب قضاؤه لأنه لم يجب عليه أصلا فإن كان قادرا بماله عاجزا ببدنه عجزا طارئا يرجى زواله فلينتظر حتى يزول المانع ثم يحج كالصيام إذا كان مريضا مرضا لا يرجى برؤه أطعم وإن كان مريضا مرضا يرجى برؤه انتظر حتى يشفى
إذا تمت الشروط فإنه يجب على الإنسان أن يسعى إلى الحج فورا بدون تأخير، لأن الأصل في الأوامر المبادرة في تنفيذها إلا إذا وُقتت الوقت أو علقت بسبب فإنه ينتظر حتى يأتي الوقت ويوجد السبب وإلا فالأصل المبادرة ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أمر الصحابة أن يحلوا في الحديبية وتأخروا بعض الشيء غضب عليه الصلاة والسلام وهذا يدل على الفورية في الأوامر ولأنه جاء في الحديث ( من أراد الحج فليتعجل ) وفي آخره فإنه قد تضيع النفقة وتهلك الراحلة أو كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالإنسان لا يدري ما يعرض له ربما تتوفر له الشروط في هذا العام ولا تتوفر في الأعوام المقبلة وربما يموت قبل أن يدرك العام المقبل فيبقى الحج في ذمته ديناً قد يبادر الورثة بقضائه وقد يتأخرون هذه شروط وجوب الحج فإذا لم تتم هذه الشروط فلا حج كما ذكرنا
ثم اعلم أن الحج ينبغي للإنسان أن يأتي به على حسب ما فعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لقوله تعالى : (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ )) ولقوله تعالى : (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً )) ولأن من شرط صحة العبادة بل لأن شرط صحة العبادة الإخلاص والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( لتأخذوا عني مناسككم )
فلنبدأ الآن بذكر الصفة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهي التمتع أن يأتي بالعمرة أولا ثم بالحج ثانيا فإذا وصل إلى الميقات اغتسل وتجرد من الثياب المعروفة ليلبس ثيابا خاصة بالإحرام وهي الإزار والرداء ويتطيب بعد الاغتسال بأطيب ما يجد في رأسه ولحيته كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا يضره بقاء الطيب بعد الإحرام لأن هذا الطيب سابق على الإحرام وقالت عائشة رضي الله عنها : ( لقد كنت أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم ) ثم يلبي فإن كان وقت الفريضة قريبا فليجعل التلبية بعده بعد الفريضة وإن لم يكن قريبا فقال بعض العلماء : إنه يسن أن يصلي ركعتين من أجل الإحرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له : ( صل في هذا الوادي المبارك وقل : عمرة وحجة أو عمرة في حجة ) والشاهد قوله : ( صل في هذا الوادي المبارك ) وقال بعض أهل العلم : إنه ليس للإحرام صلاة خاصة وإنما يحرم الإنسان بمجرد ما ينتهي من الاغتسال والتطيب ولباس ثياب الإحرام بدون صلاة إلا إذا كان وقت صلاة مشروعة مثل أن يكون في الضحى فيصلي صلاة الضحى ويحرم عقبها أو يريد أن يصلي ركعتين سنة الوضوء فيحرم عقبها وهذا الذي قيل نقول : هو الصواب إذا كان من عادته أن يفعل يعني من عادته أن يصلي صلاة الضحى من عادته أن يصلي إذا توضأ أما إذا صلى وليس من عادته ذلك فمعروف أنه إنما أراد الصلاة للإحرام فالإنسان الذي يصلي لا ينكر عليه والذي لا يصلي لا ينكر عليه أهم شيء هو أن تعقد النية على أنك دخلت في النسك فتقول : لبيك اللهم لبيك، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وتنوي الدخول في النسك وتسمي نسكك، وماذا نسمي الآن ؟
الطالب : التمتع
الشيخ : نسمي العمرة نقول : لبيك اللهم عمرة ولا حاجة أن تقول : متمتعا إلى الحج ولا تزال تلبي إلى أن تصل إلى المسجد الحرام وتشرع في الطواف فإذا وصلت إلى المسجد الحرام فادخل المسجد الحرام كما تدخل المساجد الأخرى تقدم اليمنى وتقول الذكر المشروع ثم تعمد إلى الحجر الأسود لتستلمه وتقبله إن تيسر وإلا فتشير إليه إشارة وتقول عند الابتداء : ( باسم الله والله أكبر اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ) وتجعل الكعبة عن يسارك لتطوف طواف العمرة سبعة أشواط وفي هذا الطواف يسن للرجل أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع ويضطبع في جميع الطواف فالرمل الإسراع في المشي بدون أن تبسط الخطوة وهذا هو معنى قولهم : الإسراع مع مقاربة الخطا أي : أنك لا تمد الخطوة خطوة عادية لكن بإسراع ولا يسن أن يهز كتفيه كما نشاهد عند بعض العامة تجده يمشي مشياً رويدا رويدا ولكن يهز الكتفين هذا لا أصل له هذا ينبغي أن يقال : إنه بدعة لأن الذين يفعلونه يتعبدون لله بذلك وهو لم يشرع إذًا يسن سنتان : الأولى : الرمل والثاني : الاضطباع أما الرمل ففي الأشواط الثلاثة الأولى فقط
الاضطباع في جميع الطواف وكيفيته أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر حتى ينتهي من الطواف
في طوافه يقول ما شاء من ذكر وقراءة ودعاء إلا أنه بين الركن اليماني والحجر الأسود يقول : (( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )) ولا يزيد على ذلك، أما زيادة بعضهم : وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عزيز يا غفار فهذه لا أصل لها ولكن إذا كان المطاف زحاماً فستكون المسافة ما بين محاذاة الركن اليماني والحجر الأسود ستكون طويلة وسيكون المشي قليلاً فماذا يفعل إذا قالها مرة ؟ فالجواب : أنه يكرر يكررها ويلح على الله عز وجل بها ولكن لو دعا بغيرها معها فلا بأس إذا كان لأجل لهذه الحاجة لأنه فرغ من الدعاء قبل أن يحاذي الحجر الأسود فنقول : إذا كررها فهو أفضل وإذا دعا بشيء آخر فلا بأس كلما حاذى الحجر الأسود كبر واستلمه وقبله ومع المشقة تكفي الإشارة أما الركن اليماني فالسنة استلامه بدون تقبيل وإذا لم يتمكن فإنه لا يشير إليه لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا يصح قياسه على الحجر الأسود لأن القياس في العبادات ممنوع هذه من جهة من جهة أخرى أن استلام الحجر الأسود أوكد ولذلك يشرع فيه التقبيل ولا يشرع التقبيل في الركن اليماني فإذا اختلفا فإنه لا يمكن قياس أحدهما على الآخر وحينئذٍ نقول : إذا حاذيت الركن اليماني .