تفسير الآيات ( 51 - 55) من سورة القمر . حفظ
الشيخ : الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين .
أمّا بعد:
فهذا هو اللّقاء السّابع والثّمانون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح الذي يتمّ كلّ يوم خميس، وهذا الخميس هو الرّابع من شهر جمادى الآخرة، عام 1419 ه.
نبتدأ هذا اللّقاء بما كنّا نبتدأ به عادةً بتفسير كلام الله عزّ وجلّ الذي هو أشرف الكلام وأحسنه وأصدقه، يقول الله تبارك وتعالى: (( ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدّكّر )):
الخطاب لكفّار قريش، وقوله: (( أشياعكم )) يعني أشباهكم من الكفّار السّابقين، وقد قصّ الله تعالى في هذه السّورة من نبإهم ما فيه عبرة، قصّ علينا ما حصل لقوم نوح، وما حصل لعاد، ولثمود، وللوط، ولآل فرعون، وفي هذا مدّكّر لمن أراد الإدّكار.
ولهذا قال (( فهل من مدّكّر )) يعني: هل من متّعظ ومعتبر بما جرى على السّابقين أن يجري على اللّاحقين، لأنّ الله تعالى ليس بينه وبين عباده محاباة أو نسب، بل أكرمُهم عند الله أتقاهم له من أيّ جنس كان، وفي أيّ مكان كان، وفي أيّ زمان كان، كما قال الله تبارك وتعالى: (( يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم )).
ثمّ قال عزّ وجلّ: (( وكلّ شيء فعلوه في الزّبر )):
كلّ: مبتدأ، وفي الزّبر: خبره، وليس هذا من باب الاشتغال، بل هو خبر محض، يعني: أن كلّ لا يمكن أن تكون مفعولاً لفعلوه، بل هي مبتدأ على كلّ حال، وفي الزّبر: خبره.
كلّ شيء فعلوه: أي فعلته الأمم السّابقة أو الأمم اللّاحقة فإنّه مكتوب.
في الزّبر أي: في الكتب، وكتابة الأعمال، كتابة سابقة وكتابة لاحقة:
الكتابة السّابقة كتابة على أن هذا سيفعل كذا، وهذه الكتابة لا يترتّب عليها ثواب ولا عقاب، لأنّ المرء لم يكلّف بها بعد، كتابة لاحقة هي كتابة أنّه فعل، فإذا فعل الإنسان حسنة كتبها الله، وإذا فعل سيّئة كتبها الله، وهذه الكتابة اللاّحقة هي التي يترتّب عليها الثّواب والعقاب، وبما قرّرناه يزول الإشكال عند بعض النّاس في قول الله تبارك وتعالى: (( ولنبلونّكم حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين )) فإنّ بعض النّاس قد يشكل عليه الآية، كيف يقول الله عزّ وجلّ (( حتّى نعلم )) وهو قد علم؟
فيقال: (( حتّى نعلم )) يعني العلم الذي يترتّب عليه الثّواب، وأمّا علم الله السّابق فإنّه لا يترتّب عليه الثّواب ولا العقاب، إذن كلّ شيء فعلوه في الزّبر أي: كلّ شيء فعلوه مكتوب، والكتابة قلنا: إنّها نوعان هاه؟
السائل : كتابة سابقة وكتابة لاحقة.
الشيخ : نعم، الكتابة السّابقة كتابة؟
السائل : أقدار كلّ شيء.
الشيخ : لا، كتابة إيش؟
عملي الآن مكتوب سابقا ولاحقا، الكتابة السّابقة كتابة أنّه؟
السائل : أنّ هذا الإنسان سيفعل كذا.
الشيخ : أنّه سيفعل كذا، والكتابة اللاّحقة الأخ؟
السائل : الكتابة اللاّحقة كتابة أنه فعل.
الشيخ : نعم، كتابة أنّه فعل.
طيب ما هي الكتابة التي تترتّب عليها العقوبة أو الثّواب؟
السائل : التي تكتب.
الشيخ : السّابقة أو اللاّحقة؟
السائل : اللاحقة.
الشيخ : اللاّحقة نعم، أمّا الكتابة السّابقة، فإنّ الله سبحانه كتب في اللّوح المحفوظ كلّ شيء كما جاء في الحديث الصّحيح ( أنّ الله لمّا خلق القلم قال له اكتب، قال: ربّي وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فجرى في تلك السّاعة بما هو كائن إلى يوم القيامة )، فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، نؤمن بهذا.
قال الله تعالى: (( ألم تعلم أنّ الله يعلم ما في السّماء والأرض إنّ ذلك في كتاب إنّ ذلك على الله يسير ))، وقال عزّ وجلّ: (( ولقد كتبنا في الزّبور من بعد الذّكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصّالحون )).
الكتابة اللاّحقة هو أنّ الله سبحانه وتعالى إذا عمل الإنسان عملًا كتب هذا، قال الله تعالى: (( كلاّ بل تكذّبون بالدّين * وإنّ عليكم لحافظين * كراماً كاتبين )) وهذه الكتابة هي التي يترتّب عليها الثّواب والعقاب.
(( وكلّ شيء فعلوه في الزّبر )) المهمّ الآية أنّ كلّ شيء يفعله الإنسان فإنّه مكتوب، فلا تظنّ أنّه يضيع عليك شيء أبداً، كما قال عز وجل: (( ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين ممّا فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً )) سبحان الله! بعد مئات السّنين التي لا يعلمها إلاّ الله يجدونه حاضرًا، (( ولا يظلم ربّك أحداً )).
(( وكلّ صغير وكبير مستطر )): كلّ صغير ممّا يحدث في هذا الكون من المخلوقات وأوصافها وأعمالها مستطر أي: مسطّر في الكتاب العزيز: اللّوح المحفوظ، كلّ صغير وكبير حتى الشّوكة يشاكها الإنسان تكتب، حتى ما يزن مثقال ذرّة مِن الأعمال يكتب، كلّ صغير وكبير، إذا آمنت يا أخي بذلك، ويجب عليك أن تؤمن به، فإنّه يجب عليك الحذر، الحذر من المخالفة، إيّاك أن تخالف بقولك، أو فعلك، أو تركك، إيّاك أن تخالف، لأنّ كلّ شيء مكتوب، قال الله عزّ وجلّ: (( ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد )) وما يفعل من فعل هاه؟
السائل : كذلك.
الشيخ : كذلك، لأنّه إذا كانت الأقوال تكتب وهي أكثر بآلاف المرّات من الأفعال، كم تنطق من حرف؟ أجيوا؟
السائل : كثيرة.
الشيخ : لا يحصى، وكم تفعل من فعل؟
أقلّ، لا يحصى لكن قليل بالنّسبة للقول، فإذا كانت الأقوال تُكتب فالأفعال من باب أولى، طيب.
عليك أن تتّقي الله عزّ وجلّ، اتّق ربّك لا تخالف الله، إذا سمعت الله يقول شيئًا خبراً فقل: آمنت به وصدّقت، وإذا سمعت الله يقول شيئاً أمراً فقل: آمنت به وسمعاً وطاعة، نهياً فقل: آمنت به وسمعاً وطاعة، فاترك المنهيّ عنه وافعل المأمور به، هذه نصيحة.
(( كلّ صغير وكبير مستطر )): الحركات مكتوبة، حروف الأقوال مكتوبة، كلّ شيء مكتوب.
(( إنّ المتّقين في جنّات ونهر )): هذا مقابل قوله: (( إنّ المجرمين في ضلال وسُعُر * يوم يسحبون في النّار على وجوههم )).
(( إنّ المتّقين في جنّات ونهر )): الجنّات جمع جنّة، وقد ذكر الله تعالى أصنافها في سورة الرّحمن أربعة قلها يا أخي؟
السائل : في سورة الرحمن : (( ولمن خاف مقام ربه جنتان )) .
الشيخ : (( ولمن خاف مقام ربّه جنّتان )) ثمّ قال: (( ومن دونهما )) كمّل؟
(( ومن دونهما جنّتان )) فهي إذن أربع، الذي ذكر الله في سورة الرّحمن، (( في جنّات )) يعني في هذه الجنّات الأربع هذه أصناف لكن أنواعها كثيرة، والجنّات نفسّرها بأنّها شرعًا هي: " دور المتّقين، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر "، فسّر الجنّات التي في الآخرة بهذا التّفسير: " هي التي أعدّ الله للمتّقين، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر "، لكن عندما تقرأ قول الله تعالى: (( إنّا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنّة )) كيف تفسّر الجنّة؟
بأنّها البستان الكثير الأشجار.
عندما تقرأ (( كلتا الجنّتين آتت أكلها )) تفسّر بأنّها إيش؟
بستان كثير الأشجار، لكن لا تفسّر جنّة النّعيم في الآخرة بهذا التّفسير، إنّك إن فسّرتها بهذا التّفسير قلّت الرّغبة فيها، وهبطت عظمتها في قلوب النّاس، لكن قل: " هي الدّار التي أعدّها الله لأوليائه، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، سكّانها خير البشر: النّبيّون والصّدّيقون والشّهداء والصّالحون "، حتى تحفز النّفوس على العمل لها، وحتّى لا يتصوّر الجاهل أنّ ما فيها كأمثال ما في الدّنيا.
وقوله: (( ونهر )) يعني بذلك: الأنهار، وذكر الله تعالى أصنافها أربعة في سورة القتال يذكرها أخونا؟
السائل : من ؟
الشيخ : أنت لست معي، لا تستحقّ سؤالاً، نعم، أربعة أصناف في سورة القتال، ما هي؟
السائل : أربعة أنهار.
الشيخ : ما تحتاج أن تذكر الدّليل حتى أطالبك به (( فيها أنهار ))؟
السائل : (( فيها أنهار من ماء غير آسن )).
الشيخ : (( من ماء )).
السائل : (( فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغيّر طعمه وأنهار من خمر لذّة للشّاربين وأنهار من عسل مصفّى )).
الشيخ : طيب، هذه أربعة أصناف: (( مثل الجنّة التي وعد المتّقون )) أي: وصفها، (( فيها أنهار )): هذا بيان للوصف، (( فيها أنهار من ماء غير آسن )) أي: لا يتغيّر أبدًا، لا بتكدّر، ولا بطعم، ولا بلون ولا بريح.
(( وأنهار لم يتغيّر طعمه )): اللّبن في الدّنيا إذا تأخّر تغيّر طعمه وفسد وانتقل إلى حموضةٍ لا يطاق.
(( وأنهارٌ من خمر لذّة للشّاربين )) وليس لذّته كلذّة خمر الدّنيا، وليس فيه شيء من عيوب الدّنيا: (( لا يصدّعون عنها ولا ينزفون )).
(( وأنهار من عسل مصفّى )): اللهمّ اجعلنا ممّن يشربون منها (( وأنهار من عسل مصفّى )) ليس فيه شمع النّحل ولا أذاه، مصفّى من كلّ كدر، هذا تفسير لقوله تعالى: (( في جنّات ونَهَر )).
يأتيك الآن المكان: (( في مقعد صدق )) نسأل الله من فضله، (( في مقعد صدق ))، يعني: في مقعد ليس فيه كذب، لا في الخبر عنه ولا في وصفه، كلّه حقّ، وعند من؟
(( عند مليك مقتدر )) وهو الله جلّ وعلا، اللهمّ اجعلنا منهم، عند مليك مقتدر يتنعّمون بلذّة النّظر إلى الله عزّ وجلّ، وهو أنعم ما يكون لأهل الجنّة قال الله تعالى: (( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة )):
الحسنى الجنّة، والزّيادة النّظر إلى وجه الله.
وقال تعالى: (( وجوه يومئذ ناضرة )) يعني: حسنة بهيّة.
(( إلى ربّها ناظرة )): يكسوها الله تعالى نضراً أي: حسناً وجمالاً وبهاءً لتكون مستعدّة للنّظر إلى الله عزّ وجلّ، ثمّ ينظرون إلى الله فيزدادون حسناً إلى حسنهم، ولهذا إذا رجعوا إلى أهلهم قال لهم أهلوهم: إنّكم ازددتم بعدنا حسناً، بالنّظر إلى وجه الله تبارك وتعالى.
اللهمّ إنّي أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تجعلنا من هؤلاء بمنّك وكرمك إنّك على كلّ شيء قدير.
وإلى الأسئلة ونبدأ بالضّيوف ومن الجانب الأيمن.
أمّا بعد:
فهذا هو اللّقاء السّابع والثّمانون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح الذي يتمّ كلّ يوم خميس، وهذا الخميس هو الرّابع من شهر جمادى الآخرة، عام 1419 ه.
نبتدأ هذا اللّقاء بما كنّا نبتدأ به عادةً بتفسير كلام الله عزّ وجلّ الذي هو أشرف الكلام وأحسنه وأصدقه، يقول الله تبارك وتعالى: (( ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدّكّر )):
الخطاب لكفّار قريش، وقوله: (( أشياعكم )) يعني أشباهكم من الكفّار السّابقين، وقد قصّ الله تعالى في هذه السّورة من نبإهم ما فيه عبرة، قصّ علينا ما حصل لقوم نوح، وما حصل لعاد، ولثمود، وللوط، ولآل فرعون، وفي هذا مدّكّر لمن أراد الإدّكار.
ولهذا قال (( فهل من مدّكّر )) يعني: هل من متّعظ ومعتبر بما جرى على السّابقين أن يجري على اللّاحقين، لأنّ الله تعالى ليس بينه وبين عباده محاباة أو نسب، بل أكرمُهم عند الله أتقاهم له من أيّ جنس كان، وفي أيّ مكان كان، وفي أيّ زمان كان، كما قال الله تبارك وتعالى: (( يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم )).
ثمّ قال عزّ وجلّ: (( وكلّ شيء فعلوه في الزّبر )):
كلّ: مبتدأ، وفي الزّبر: خبره، وليس هذا من باب الاشتغال، بل هو خبر محض، يعني: أن كلّ لا يمكن أن تكون مفعولاً لفعلوه، بل هي مبتدأ على كلّ حال، وفي الزّبر: خبره.
كلّ شيء فعلوه: أي فعلته الأمم السّابقة أو الأمم اللّاحقة فإنّه مكتوب.
في الزّبر أي: في الكتب، وكتابة الأعمال، كتابة سابقة وكتابة لاحقة:
الكتابة السّابقة كتابة على أن هذا سيفعل كذا، وهذه الكتابة لا يترتّب عليها ثواب ولا عقاب، لأنّ المرء لم يكلّف بها بعد، كتابة لاحقة هي كتابة أنّه فعل، فإذا فعل الإنسان حسنة كتبها الله، وإذا فعل سيّئة كتبها الله، وهذه الكتابة اللاّحقة هي التي يترتّب عليها الثّواب والعقاب، وبما قرّرناه يزول الإشكال عند بعض النّاس في قول الله تبارك وتعالى: (( ولنبلونّكم حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين )) فإنّ بعض النّاس قد يشكل عليه الآية، كيف يقول الله عزّ وجلّ (( حتّى نعلم )) وهو قد علم؟
فيقال: (( حتّى نعلم )) يعني العلم الذي يترتّب عليه الثّواب، وأمّا علم الله السّابق فإنّه لا يترتّب عليه الثّواب ولا العقاب، إذن كلّ شيء فعلوه في الزّبر أي: كلّ شيء فعلوه مكتوب، والكتابة قلنا: إنّها نوعان هاه؟
السائل : كتابة سابقة وكتابة لاحقة.
الشيخ : نعم، الكتابة السّابقة كتابة؟
السائل : أقدار كلّ شيء.
الشيخ : لا، كتابة إيش؟
عملي الآن مكتوب سابقا ولاحقا، الكتابة السّابقة كتابة أنّه؟
السائل : أنّ هذا الإنسان سيفعل كذا.
الشيخ : أنّه سيفعل كذا، والكتابة اللاّحقة الأخ؟
السائل : الكتابة اللاّحقة كتابة أنه فعل.
الشيخ : نعم، كتابة أنّه فعل.
طيب ما هي الكتابة التي تترتّب عليها العقوبة أو الثّواب؟
السائل : التي تكتب.
الشيخ : السّابقة أو اللاّحقة؟
السائل : اللاحقة.
الشيخ : اللاّحقة نعم، أمّا الكتابة السّابقة، فإنّ الله سبحانه كتب في اللّوح المحفوظ كلّ شيء كما جاء في الحديث الصّحيح ( أنّ الله لمّا خلق القلم قال له اكتب، قال: ربّي وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فجرى في تلك السّاعة بما هو كائن إلى يوم القيامة )، فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، نؤمن بهذا.
قال الله تعالى: (( ألم تعلم أنّ الله يعلم ما في السّماء والأرض إنّ ذلك في كتاب إنّ ذلك على الله يسير ))، وقال عزّ وجلّ: (( ولقد كتبنا في الزّبور من بعد الذّكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصّالحون )).
الكتابة اللاّحقة هو أنّ الله سبحانه وتعالى إذا عمل الإنسان عملًا كتب هذا، قال الله تعالى: (( كلاّ بل تكذّبون بالدّين * وإنّ عليكم لحافظين * كراماً كاتبين )) وهذه الكتابة هي التي يترتّب عليها الثّواب والعقاب.
(( وكلّ شيء فعلوه في الزّبر )) المهمّ الآية أنّ كلّ شيء يفعله الإنسان فإنّه مكتوب، فلا تظنّ أنّه يضيع عليك شيء أبداً، كما قال عز وجل: (( ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين ممّا فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً )) سبحان الله! بعد مئات السّنين التي لا يعلمها إلاّ الله يجدونه حاضرًا، (( ولا يظلم ربّك أحداً )).
(( وكلّ صغير وكبير مستطر )): كلّ صغير ممّا يحدث في هذا الكون من المخلوقات وأوصافها وأعمالها مستطر أي: مسطّر في الكتاب العزيز: اللّوح المحفوظ، كلّ صغير وكبير حتى الشّوكة يشاكها الإنسان تكتب، حتى ما يزن مثقال ذرّة مِن الأعمال يكتب، كلّ صغير وكبير، إذا آمنت يا أخي بذلك، ويجب عليك أن تؤمن به، فإنّه يجب عليك الحذر، الحذر من المخالفة، إيّاك أن تخالف بقولك، أو فعلك، أو تركك، إيّاك أن تخالف، لأنّ كلّ شيء مكتوب، قال الله عزّ وجلّ: (( ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد )) وما يفعل من فعل هاه؟
السائل : كذلك.
الشيخ : كذلك، لأنّه إذا كانت الأقوال تكتب وهي أكثر بآلاف المرّات من الأفعال، كم تنطق من حرف؟ أجيوا؟
السائل : كثيرة.
الشيخ : لا يحصى، وكم تفعل من فعل؟
أقلّ، لا يحصى لكن قليل بالنّسبة للقول، فإذا كانت الأقوال تُكتب فالأفعال من باب أولى، طيب.
عليك أن تتّقي الله عزّ وجلّ، اتّق ربّك لا تخالف الله، إذا سمعت الله يقول شيئًا خبراً فقل: آمنت به وصدّقت، وإذا سمعت الله يقول شيئاً أمراً فقل: آمنت به وسمعاً وطاعة، نهياً فقل: آمنت به وسمعاً وطاعة، فاترك المنهيّ عنه وافعل المأمور به، هذه نصيحة.
(( كلّ صغير وكبير مستطر )): الحركات مكتوبة، حروف الأقوال مكتوبة، كلّ شيء مكتوب.
(( إنّ المتّقين في جنّات ونهر )): هذا مقابل قوله: (( إنّ المجرمين في ضلال وسُعُر * يوم يسحبون في النّار على وجوههم )).
(( إنّ المتّقين في جنّات ونهر )): الجنّات جمع جنّة، وقد ذكر الله تعالى أصنافها في سورة الرّحمن أربعة قلها يا أخي؟
السائل : في سورة الرحمن : (( ولمن خاف مقام ربه جنتان )) .
الشيخ : (( ولمن خاف مقام ربّه جنّتان )) ثمّ قال: (( ومن دونهما )) كمّل؟
(( ومن دونهما جنّتان )) فهي إذن أربع، الذي ذكر الله في سورة الرّحمن، (( في جنّات )) يعني في هذه الجنّات الأربع هذه أصناف لكن أنواعها كثيرة، والجنّات نفسّرها بأنّها شرعًا هي: " دور المتّقين، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر "، فسّر الجنّات التي في الآخرة بهذا التّفسير: " هي التي أعدّ الله للمتّقين، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر "، لكن عندما تقرأ قول الله تعالى: (( إنّا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنّة )) كيف تفسّر الجنّة؟
بأنّها البستان الكثير الأشجار.
عندما تقرأ (( كلتا الجنّتين آتت أكلها )) تفسّر بأنّها إيش؟
بستان كثير الأشجار، لكن لا تفسّر جنّة النّعيم في الآخرة بهذا التّفسير، إنّك إن فسّرتها بهذا التّفسير قلّت الرّغبة فيها، وهبطت عظمتها في قلوب النّاس، لكن قل: " هي الدّار التي أعدّها الله لأوليائه، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، سكّانها خير البشر: النّبيّون والصّدّيقون والشّهداء والصّالحون "، حتى تحفز النّفوس على العمل لها، وحتّى لا يتصوّر الجاهل أنّ ما فيها كأمثال ما في الدّنيا.
وقوله: (( ونهر )) يعني بذلك: الأنهار، وذكر الله تعالى أصنافها أربعة في سورة القتال يذكرها أخونا؟
السائل : من ؟
الشيخ : أنت لست معي، لا تستحقّ سؤالاً، نعم، أربعة أصناف في سورة القتال، ما هي؟
السائل : أربعة أنهار.
الشيخ : ما تحتاج أن تذكر الدّليل حتى أطالبك به (( فيها أنهار ))؟
السائل : (( فيها أنهار من ماء غير آسن )).
الشيخ : (( من ماء )).
السائل : (( فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغيّر طعمه وأنهار من خمر لذّة للشّاربين وأنهار من عسل مصفّى )).
الشيخ : طيب، هذه أربعة أصناف: (( مثل الجنّة التي وعد المتّقون )) أي: وصفها، (( فيها أنهار )): هذا بيان للوصف، (( فيها أنهار من ماء غير آسن )) أي: لا يتغيّر أبدًا، لا بتكدّر، ولا بطعم، ولا بلون ولا بريح.
(( وأنهار لم يتغيّر طعمه )): اللّبن في الدّنيا إذا تأخّر تغيّر طعمه وفسد وانتقل إلى حموضةٍ لا يطاق.
(( وأنهارٌ من خمر لذّة للشّاربين )) وليس لذّته كلذّة خمر الدّنيا، وليس فيه شيء من عيوب الدّنيا: (( لا يصدّعون عنها ولا ينزفون )).
(( وأنهار من عسل مصفّى )): اللهمّ اجعلنا ممّن يشربون منها (( وأنهار من عسل مصفّى )) ليس فيه شمع النّحل ولا أذاه، مصفّى من كلّ كدر، هذا تفسير لقوله تعالى: (( في جنّات ونَهَر )).
يأتيك الآن المكان: (( في مقعد صدق )) نسأل الله من فضله، (( في مقعد صدق ))، يعني: في مقعد ليس فيه كذب، لا في الخبر عنه ولا في وصفه، كلّه حقّ، وعند من؟
(( عند مليك مقتدر )) وهو الله جلّ وعلا، اللهمّ اجعلنا منهم، عند مليك مقتدر يتنعّمون بلذّة النّظر إلى الله عزّ وجلّ، وهو أنعم ما يكون لأهل الجنّة قال الله تعالى: (( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة )):
الحسنى الجنّة، والزّيادة النّظر إلى وجه الله.
وقال تعالى: (( وجوه يومئذ ناضرة )) يعني: حسنة بهيّة.
(( إلى ربّها ناظرة )): يكسوها الله تعالى نضراً أي: حسناً وجمالاً وبهاءً لتكون مستعدّة للنّظر إلى الله عزّ وجلّ، ثمّ ينظرون إلى الله فيزدادون حسناً إلى حسنهم، ولهذا إذا رجعوا إلى أهلهم قال لهم أهلوهم: إنّكم ازددتم بعدنا حسناً، بالنّظر إلى وجه الله تبارك وتعالى.
اللهمّ إنّي أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تجعلنا من هؤلاء بمنّك وكرمك إنّك على كلّ شيء قدير.
وإلى الأسئلة ونبدأ بالضّيوف ومن الجانب الأيمن.