تفسير الآيات ( 62 - 78 ) من سورة الرحمن . حفظ
الشيخ : بسم الله الرّحمن الرّحيم:
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين .
أمّا بعد:
فهذا هو اللّقاء الثالث والتّسعون بعد المائة من اللّقاءات المعروفة باسم لقاء الباب المفتوح التي تتمّ كلّ يوم خميس، وهذا هو يوم الخميس السّابع من شهر شعبان عام 1419 ه.
نبتدأ هذا اللّقاء بالكلام على ما تبقّى من سورة الرّحمن من قوله تبارك وتعالى: (( ومن دونهما جنّتان )) أي: من دون الجنّتين السّابقتين جنّتان من نوع آخر، وقد جاء ذلك مبيّناً في السّنّة حيث قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( جنّتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنّتان من فضّة آنيتهما وما فيهما )، والآية صريحة في أنّ الجنّتين دون الأوليان: (( ومن دونهما جنّتان * فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان * مدهامّتان )) أي: سودوان من كثرة الأشجار.
(( فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان * فيهما عينان نضّاختان )) أي: تنضخ بالماء أي تنبع، وفي الجنّتين السّابقتين قال: (( فيهما عينان تجريان )) والجري أكمل من النّبع، لأنّ النّبع لا يزال في مكانه لكنّه لا ينبع، أمّا الذي يجري فإنّه يسيح فهو أعلى وأكمل.
(( فيهما عينان نضّاختان * فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان * فيهما فاكهة ونخل ورمّان )) وهناك يقول: (( فيهما من كلّ فاكهة زوجان ))، أمّا هذا فقال: (( فيهما فاكهة ونخل ورمّان )) والنّخل والرّمّان معروفان في الدّنيا، ولكن يجب أن تعلموا أنّه لا يستوي هذا وهذا، الاسم واحد والمسمّى يختلف اختلافا كثيرا ودليل ذلك قوله تعالى: (( فلا تعلم نفس ما أُخفي لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعملون )) ولو كان النّخل والرّمّان في الجنّة كالنّخل والرّمّان في الدّنيا لكنّا نعلم لكنّنا لا نعلم، الاسم إذن؟
الاسم واحد ولكن الحقيقة مختلفة ولهذا قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: " ليس في الجنّة ممّا في الدّنيا إلاّ الأسماء فقط ".
(( فيهما فاكهة ونخل ورمّان * فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان * فيهنّ خيرات حسان )) فيهنّ في الأوّل قال: (( فيهما )) هل هناك فرق والسّؤال لطلاّب العلم، هل هناك فرق؟
السائل : نعم، هذا جمع .
الشيخ : نعم، الأوّل مثنّى فيهما، وهذا فيهنّ جمع، كيف قال فيهنّ وقبل ذلك قال فيهما؟ لأنّ هذا الجمع يعود على الجنان الأربع كلّها، ففي الجنان الأربع قاصرات الطّرف كما سبق، وفي الجنان الأربع خيرات حسان، فيهنّ أي في الجنان الأربع، خيرات حسان، خيرات في الأخلاق، الأخلاق طيّبة، حسان الوجوه والهيكل، فالأوّل حسن الباطن وهذا حسن الظّاهر.
(( فيهنّ خيرات حسان * فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان * حور مقصورات في الخيام )):
الحوراء هي الجميلة التي جملت في جميع خلقها، وبالأخصّ العين شديدة البياض شديدة السّواد، واسعة مستديرة مِن أحسن ما يكون.
(( حور مقصورات )) أي: مخبّآت.
(( في الخيام )) جمع خيمة، والخيمة معروفة، تعرفونها؟
الخيمة معروفة هي بناء له عمود وأروقة، لكن الخيمة في الآخرة ليست كالخيمة في الدنيا، خيمة من لؤلؤ طولها في السّماء مرتفع جدّا ويرى من في باطنها من ظاهرها ولا تسأل عن حسنها وجمالها، هؤلاء الحور مقصورات: مخبّآت في هذه الخيام على أكمل ما يكون من الدّلال والتّنعيم.
(( فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان * لم يطمثهنّ إنس قبلهم ولا جانّ )) يعني: لم يجماعهنّ أحد، بل هي باقية على بكارتها إلى أن يغشاها زوجها إذا دخل الجنّة جعلنا الله وإيّاكم منهم، لم يطمثهنّ إنس ولا جانّ: أي: ولا جن، وهذا يدلّ على أنّ الجنّ يدخلون الجنّة مع الإنس وهو كذلك، لأنّ الله لا يظلم أحدًا، والجنّ منهم صالحون ومنهم دون ذلك، منهم مسلمون ومنهم القاسطون أي: كافرون كالإنس تماما، كما أنّ الإنس فيهم مطيع وعاصٍ وفيهم كافر ومؤمن كذلك الجنّ، والجنّ المسلم فيه خير، يدلّ على الخير، وينبئ على الخير، ويساعد أهل الصّلاح من الإنس.
والجنّ الفاسق أو الكافر مثل الفاسق أو الكافر من بني آدم سواء بسواء، كافرهم يدخل النّار بالإجماع بإجماع المسلمين كما في القرآن: (( قال ادخلوا في أمم من قبلكم )) أكملوا الآية؟
السائل : (( من الجنّ والإنس )).
الشيخ : (( من الجنّ والإنس في النّار )) هذا نصّ القرآن وأجمع العلماء عليه أنّ الكافر من الجنّ يدخل النّار، مؤمن الجنّ يدخل الجنّة ولهذا سورة الرّحمن: (( فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان )) يعني الجنّ والإنس.
(( لم يطمثهنّ إنس قبلهم ولا جانّ )) يدلّ على أنّ الجنّ يدخلون الجنّة وهو كذلك.
(( لم يطمثهنّ إنس قبلهم ولا جانّ * فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان * متّكئين على رفرف خضر وعبقريّ حسان )):
متّكئين أي: معتمدين بأيديهم وظهورهم.
على رفرف أي: على مساند ترفرف فيها رفرفة مثل الشّلش، معروف هذا؟ الشّلش الذي يكون في المساند والأسرّة يرفرف.
(( متّكئين على رفرف خضر )) لأنّ اللّون الأخضر أنسب ما يكون للنّظر، وأشدّ ما يكون بهجة للقلب.
(( وعبقريّ حسان )) العبقريّ هو الفرش الجيّدة جدّا، ولهذا يسمّى الجيّد من كلّ شيء عبقريّ كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في الرّؤيا التي رآها حين نزع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: ( فما رأيت عبقريّا يفري فريه ) أي: ينزع نزعه من قوّته رضي الله عنه.
(( وعبقريّ حسان * فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان )) ومعنى: (( فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان )) التّقرير يعني: أنّ النّعم واضحة فبأيّ شيء تكذّبون؟
الجواب: لا نكذّب بشيء، نعترف بآلاء الله أي: بنعمه ونقرّ بها، ونعترف أنّنا مقصّرون لم نشكر الله تعالى حقّ شكره ولكنّنا نؤمن بأنّ عفو الله أوسع من ذنوبنا، وأنّ الله تبارك وتعالى عفوّ كريم يحبّ توبة عبده ويحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين، حتى قال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ( لله أشدّ فرحاً بتوبة عبده من أحدكم -وذكر- الرّجل في فلاة أضلّ راحلته وعليها طعامه وشرابه فطلبها ولم يجدها ): وهو في فلاة من الأرض وليس حوله أحد فأيس منها فاضطجع في ظلّ شجرة ينتظر ماذا؟
السائل : الموت.
الشيخ : ينتظر الموت، أيس من الحياة ( فإذا بخطام ناقته متعلّقا بالشّجرة فأخذه وقال: اللهمّ أنت عبدي وأنا ربّك ) ماذا يريد؟
السائل : أنت ربّي.
الشيخ : يريد أنت ربّي وأنا عبدك لكن من شدّة الفرح أخطأ فقال: اللهمّ أنت عبدي وأنا ربّك فالله أشدّ فرحاً بتوبة عبده من هذا الرّجل من هذا الرّجل بناقته اللهمّ تب علينا يا ربّ العالمين.
السائل : آمين.
الشيخ : (( تبارك اسم ربّك ذي الجلال والإكرام )): ختم هذه السّورة بهذه الجملة العظيمة يعني: ما أعظم بركة الله عزّ وجلّ، وما أعظم البركة باسمه حتى إنّ اسم الله يحلّل الذّبيحة أو يحرّمها، لو ذبح إنسان ذبيحة ولم يقل: بسم الله ماذا تكون؟
تكون ميتة حرامًا نجسة مضرّة بالبدن حتى لو نسي، ذبح ونسي أن يقول: بسم الله فهي حرام نجسة تفسد البدن، فيجب أن يسحبها للكلاب، لأنّها نجسة قال الله تعالى: (( ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم الله عليه وإنّه لفسق )) فانظر البركة، الإنسان إذا توضّأ ولم يسمّ فوضوؤه عند بعض العلماء إيش هو؟
السائل : فاسد.
الشيخ : وضوء فاسد لازم يعيده، لأنّ البسملة واجبة عند بعض أهل العلم، الصّيد يرى الإنسان الصّيد الزّاحف أو الطّائر فيرميه ولم يسمّ ماذا يكون هذا الصّيد؟
يكون حراماً، ميتة، نجسّا، مضرّا على البدن، فانظر إلى البركة.!
الإنسان إذا أتى أهله يعني جامع زوجته وقال: ( بسم الله اللهمّ جنّبنا الشّيطان وجنّب الشّيطان ما رزقتنا )، كان هذا حماية لهذا الولد الذي ينشأ من هذا الجماع حماية له من الشّيطان قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( لو أنّ أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله اللهمّ جنّبنا الشّيطان وجنّب الشّيطان ما رزقتنا، فإنّه إن يقدّر بينهما ولد لم يضرّه الشّيطان أبدًا )، الإنسان يسعى يمينا وشمالا لحماية ولده ويخسر الدّراهم الكثيرة وهنا هذا دواء من الرّسول عليه الصّلاة والسّلام غالي وإلاّ رخيص؟ نعم، رخيص من ناحية العمل سهل، هذا يحميه من الشّيطان أبدا، بسم الله اللهمّ جنّبنا الشّيطان وجنّب الشّيطان ما رزقتنا كلّ هذا دليل على إيش؟
على بركة اسم الله عزّ وجلّ ولهذا قال: (( تبارك اسم ربّك ذي الجلال والإكرام )) أي: ذي العظمة والإكرام، هل ذي الإكرام يعني هو يُكرَم ولاّ هو يُكرِم؟ كلّها فهو يُكرَم ويُحترم ويُعَظّم عزّ وجلّ، وهو أيضًا يُكرِم، قال الله تعالى لأصحاب الجنّة -اللهمّ اجعلنا منهم-، قال: (( أولئك في جنّات مكرمون )) فهو ذو الجلال والإكرام يكرم من يستحقّ الإكرام وهو يكرمه عزّ وجلّ عباده الصّالحين جعلنا الله وإيّاكم منهم بمنّه وكرمه.
وإلى هنا تنتهي قراءتنا في التّفسير وبه تنتهي سورة الرّحمن، فنبدأ الآن الأسئلة باليمين، السّؤال واحد.