تفسير الآيات ( 39 - 62 ) من سورة الواقعة . حفظ
الشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فهذا هو اللقاء الثالث بعد المائتين من اللقاءات التي تعرف بلقاء الباب المفتوح التي تتم يوم كل خميس، وهذا الخميس هو العشرون من شهر محرم عام عشرين وأرعمائة وألف.
نبتدئ هذا اللقاء في العادة بالكلام على بعض الآيات الكريمة التي وصلنا فيها إلى قول الله تبارك وتعالى : (( ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ )) هؤلاء هم أصحاب اليمين الذين هم في المرتبة الثانية، والمرتبة الأولى السابقون الذين قال الله تعالى فيهم : (( ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ )) يعني: ثلة من الأولين من هذه الأمة وقليل من الآخرين، فإن خير هذه الأمة خير قرونها القرن الأول الذي هو قرن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم الثاني ثم الثالث ثم تتناقص، أما أصحاب اليمين فقال الله تعالى فيهم : (( ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ )) أي جماعة من هؤلاء وجماعة من هؤلاء.
ثم ذكر الله القسم الثالث فقال : (( وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ )) وهم الكفار والمنافقون (( فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ )) هذا الذي هم فيه، (( سموم )) أي: حرارة شديدة والعياذ بالله، وقد بين الله تبارك وتعالى في آيات كثيرة كيفيتها فقال الله تعالى : (( سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً )) وأخبر أنه (( يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ )) والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وقوله : (( حميم )) الحميم هو الماء الحار شديد الحرارة فهم والعياذ بالله محاطون بالحرارة من كل وجه من كل جانب.
(( وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ )) اليحموم هو ما يكون بين الضوء الشديد في اللهب وبين الدخان (( لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ )) يعني: ليس باردًا يقيهم الحر ولا كريمًا يتنعمون فيه ويستريحون فيه نسأل الله العافية لنا ولكم.
ثم بين حالهم من قبل فقال : (( إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ )) وذلك في الدنيا قد أترف الله أبدانهم وهيأ لهم من نعيم البدن ما وصلوا فيه إلى حد الترف، لكن هذا لم ينفعهم والعياذ بالله ولم ينجهم من النار.
(( وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ )) يصرون أي : يستمرون عليه والحنث العظيم هو الشرك، لأن الأصل في الحنث الإثم، والعظيم هو الشرك قال الله تعالى : (( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )) وكانوا أيضًا ينكرون البعث (( وَكَانُوا يَقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ )) يعني ينكرون هذا إنكارًا عظيمًا يقولون : أإذا بليت عظامنا وصارت رفاتًا هل نبعث وأيضًا هل يبعث آباءنا الأولون، ولهذا يحتجون يقولون : (( ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )) وهذه حجة باطلة، لأنه لا يقال لهم : إنكم ستبعثون اليوم وإنما تبعثون يوم القيامة، فكيف تتحدونا وتقولون هاتوا آبائنا؟ فاليوم الآخر ليس هو الحاضر اليوم حتى يتحدوا ويقولوا هاتوا آبائنا، نقول: إن هذا يكون يوم القيامة.
قال الله عز وجل : (( قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ )) الأولون من المخلوقين والآخرون كلهم سيبعثون في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، لا جبال ولا أشجار ولا كروية بل تمد الأرض مسطحة يرى أقصاهم كما يرى أدناهم، الآن لما كانت الأرض كروية فإن البعيد لا تراه لأنه منخفض، لكن إذا كان يوم القيامة سطحت الأرض صارت كالأديم أي كالجلد الممدود فيبعث الخلائق كلهم على هذا الصعيد.
وقوله : (( إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ )) عند من ؟ عند الله عز وجل لقول الله تعالى : (( يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي )) (( ثُمَّ إِنَّكُمْ )) أي: بعد البعث (( أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ )) الضالون في العمل فهم لا يعملون، المكذبون للخبر فهم لا يصدقون والعياذ بالله (( لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ )) آكلون من شجر هذا الشجر نوعه من زقوم كما تقول خاتم من حديد، باب من خشب، جدار من طين، فقوله : (( مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ )) من شجر متعلقة بأكل، من زقوم بيان للشجر، وسمي زقومًا لأن الإنسان والعياذ بالله إذا أكله يتزقمه تزقمًا لشدة بلعه لا يبتلعه بسهولة.
(( فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ )) أي : أنهم يملؤون البطون من هذا الشجر مع أن هذا الشجر مر خبيث الرائحة كريه المنظر، لكن لشدة جوعهم يأكلونه كما يأكل الجائع المضطر العذرة وكما يأكل قيئه فهم يأكلونه على تكره كما قال الله عز وجل : (( وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ )) هم يأكلون من هذا الشجر ويملؤون البطون منها يأتيهم شغف شغف عظيم جدًّا على الأكل حتى يملؤوا بطونهم مما يكرهونه وهذا أشد في العذاب نسأل الله العافية، مع ذلك إذا ملؤوا بطونهم من هذا اشتدت حاجتهم إلى الشرب، فكيف يشربون؟ قال الله تعالى : (( فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَمِيمِ )) الحميم الماء الحار، يشربون من ماء حار بعد أن يستغيثوا مدة طويلة، وقد وصف الله هذا الماء بقوله : (( يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً )) وقال عز وجل : (( وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ )) فتأمل يا أخي هذا! إن قربوه من الوجوه إيش يعمل ؟ يشويها ... إذا دخلت بطونهم قطع أمعاءهم، ومع ذلك يشربونه بشدة شدة شدة يقول : (( شُرْبَ الْهِيمِ )) يعني: شرب الإبل الهائمة إلى الماء التي لا يرويها الشيء القليل، فيملؤون بطونهم والعياذ بالله من الشجر الزقوم ويشربون من الحميم (( شُرْبَ الْهِيمِ )) أي : شرب الإبل الهيم جمع هائمة يعني أو جمع هيماء يعني أنها شديدة العطش فتملأ بطونها وبطونها، كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( معها سقائها ) وهو بطنها تملأ بطنها من الماء ( وحذاؤها ) أسأل الله أن يجيرني وإياكم من النار.
(( هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ )) يعني: هذه ضيافتهم بخلاف المؤمنين فإن ضيافتهم جنات الفردوس (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً )).
ثم قال عز وجل : (( نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ )) وهذا أمر لا أحد ينكره أن خالقنا هو الله حتى المشركون الذين يشركون مع الله إذا سئلوا من خلقهم ؟ قالوا : الله يعني (( نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ )) أول مرة (( فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ )) أي: في إعادتكم ثاني مرة ولولا هنا بمعنى هلا تصدقون، كان الواجب عليهم وهم يصدقون بأن خالقهم أول مرة هو الله أن إيش ؟ أن يصدقوا بالخلق الآخر، لأن القادر على الخلق الأول قادر على الخلق الآخر من باب أولى، كما قال عز وجل : (( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ )) وقال عز وجل : (( وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى )) إذًا نحن خلقناكم متى ؟ أجيبوا أول مرة (( فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ )) أي : فهلا تصدقون أننا نعيدكم نخلقكم ثاني مرة لأن القادر على الخلق أول مرة قادر على الخلق المرة الأخرى.
ثم ضرب الله تعالى مثلًا بل أمثالًا لما فيه وجودنا وما فيه بقاؤنا وما فيه استمتاعنا فقال : (( أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ )) يعني: أخبروني عن هذا المني الذي يخرج منكم هل أنتم تخلقونه أم الله ؟ الجواب : الله عز وجل هو الذي يخلقه فيخرج من بين الصلب والترائب هو الذي يخلقه في الرحم خلقًا من بعد خلق، فنحن لا نوجد هذا المني ولا نطوره في الرحم بل ذلك إلى الله عز وجل.
(( أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ )) الجواب : بل أنت يا رب (( نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمْ الْمَوْتَ )) أي : قضيناه بينكم فكل نفس ذائقة الموت اللهم اجعلها على الحق والعدل، كل نفس ذائقة الموت ولا بد حتى الأنبياء والرسل قال الله تعالى : (( وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ )).
(( نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمْ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ )) يعني: لا أحد يسبقنا فيمنعنا أن نبدل أمثالكم بل نحن قادرون على ذلك وسوف يبدل الله تعالى أمثالنا أي : ينشئنا خلقا آخر وذلك يوم القيامة (( وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ )) وذلك يوم القيامة.
(( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى )) علمتم النشأة الأولى وأنكم نشأتم في بطون أمهاتكم وأخرجكم الله عز وجل من العدم (( فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ )) أي : فهلا تتذكرون وتتعظون، وهذا دليل عقلي من الله عز وجل يعرضه على عباده يقول : إننا بدأناكم أول مرة وإذا بدأناكم أول مرة فلسنا بمسبوقين على أن نعيدكم ثاني مرة.
وإلى هنا نأتي إلى ما أردنا أن نتكلم عليه في التفسير لنتفرغ للأسئلة، نسأل الله أن يلهمنا الصواب وأن ينفعنا وإياكم بما علمنا .
أما بعد:
فهذا هو اللقاء الثالث بعد المائتين من اللقاءات التي تعرف بلقاء الباب المفتوح التي تتم يوم كل خميس، وهذا الخميس هو العشرون من شهر محرم عام عشرين وأرعمائة وألف.
نبتدئ هذا اللقاء في العادة بالكلام على بعض الآيات الكريمة التي وصلنا فيها إلى قول الله تبارك وتعالى : (( ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ )) هؤلاء هم أصحاب اليمين الذين هم في المرتبة الثانية، والمرتبة الأولى السابقون الذين قال الله تعالى فيهم : (( ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ )) يعني: ثلة من الأولين من هذه الأمة وقليل من الآخرين، فإن خير هذه الأمة خير قرونها القرن الأول الذي هو قرن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم الثاني ثم الثالث ثم تتناقص، أما أصحاب اليمين فقال الله تعالى فيهم : (( ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ )) أي جماعة من هؤلاء وجماعة من هؤلاء.
ثم ذكر الله القسم الثالث فقال : (( وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ )) وهم الكفار والمنافقون (( فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ )) هذا الذي هم فيه، (( سموم )) أي: حرارة شديدة والعياذ بالله، وقد بين الله تبارك وتعالى في آيات كثيرة كيفيتها فقال الله تعالى : (( سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً )) وأخبر أنه (( يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ )) والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وقوله : (( حميم )) الحميم هو الماء الحار شديد الحرارة فهم والعياذ بالله محاطون بالحرارة من كل وجه من كل جانب.
(( وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ )) اليحموم هو ما يكون بين الضوء الشديد في اللهب وبين الدخان (( لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ )) يعني: ليس باردًا يقيهم الحر ولا كريمًا يتنعمون فيه ويستريحون فيه نسأل الله العافية لنا ولكم.
ثم بين حالهم من قبل فقال : (( إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ )) وذلك في الدنيا قد أترف الله أبدانهم وهيأ لهم من نعيم البدن ما وصلوا فيه إلى حد الترف، لكن هذا لم ينفعهم والعياذ بالله ولم ينجهم من النار.
(( وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ )) يصرون أي : يستمرون عليه والحنث العظيم هو الشرك، لأن الأصل في الحنث الإثم، والعظيم هو الشرك قال الله تعالى : (( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )) وكانوا أيضًا ينكرون البعث (( وَكَانُوا يَقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ )) يعني ينكرون هذا إنكارًا عظيمًا يقولون : أإذا بليت عظامنا وصارت رفاتًا هل نبعث وأيضًا هل يبعث آباءنا الأولون، ولهذا يحتجون يقولون : (( ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )) وهذه حجة باطلة، لأنه لا يقال لهم : إنكم ستبعثون اليوم وإنما تبعثون يوم القيامة، فكيف تتحدونا وتقولون هاتوا آبائنا؟ فاليوم الآخر ليس هو الحاضر اليوم حتى يتحدوا ويقولوا هاتوا آبائنا، نقول: إن هذا يكون يوم القيامة.
قال الله عز وجل : (( قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ )) الأولون من المخلوقين والآخرون كلهم سيبعثون في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، لا جبال ولا أشجار ولا كروية بل تمد الأرض مسطحة يرى أقصاهم كما يرى أدناهم، الآن لما كانت الأرض كروية فإن البعيد لا تراه لأنه منخفض، لكن إذا كان يوم القيامة سطحت الأرض صارت كالأديم أي كالجلد الممدود فيبعث الخلائق كلهم على هذا الصعيد.
وقوله : (( إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ )) عند من ؟ عند الله عز وجل لقول الله تعالى : (( يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي )) (( ثُمَّ إِنَّكُمْ )) أي: بعد البعث (( أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ )) الضالون في العمل فهم لا يعملون، المكذبون للخبر فهم لا يصدقون والعياذ بالله (( لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ )) آكلون من شجر هذا الشجر نوعه من زقوم كما تقول خاتم من حديد، باب من خشب، جدار من طين، فقوله : (( مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ )) من شجر متعلقة بأكل، من زقوم بيان للشجر، وسمي زقومًا لأن الإنسان والعياذ بالله إذا أكله يتزقمه تزقمًا لشدة بلعه لا يبتلعه بسهولة.
(( فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ )) أي : أنهم يملؤون البطون من هذا الشجر مع أن هذا الشجر مر خبيث الرائحة كريه المنظر، لكن لشدة جوعهم يأكلونه كما يأكل الجائع المضطر العذرة وكما يأكل قيئه فهم يأكلونه على تكره كما قال الله عز وجل : (( وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ )) هم يأكلون من هذا الشجر ويملؤون البطون منها يأتيهم شغف شغف عظيم جدًّا على الأكل حتى يملؤوا بطونهم مما يكرهونه وهذا أشد في العذاب نسأل الله العافية، مع ذلك إذا ملؤوا بطونهم من هذا اشتدت حاجتهم إلى الشرب، فكيف يشربون؟ قال الله تعالى : (( فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَمِيمِ )) الحميم الماء الحار، يشربون من ماء حار بعد أن يستغيثوا مدة طويلة، وقد وصف الله هذا الماء بقوله : (( يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً )) وقال عز وجل : (( وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ )) فتأمل يا أخي هذا! إن قربوه من الوجوه إيش يعمل ؟ يشويها ... إذا دخلت بطونهم قطع أمعاءهم، ومع ذلك يشربونه بشدة شدة شدة يقول : (( شُرْبَ الْهِيمِ )) يعني: شرب الإبل الهائمة إلى الماء التي لا يرويها الشيء القليل، فيملؤون بطونهم والعياذ بالله من الشجر الزقوم ويشربون من الحميم (( شُرْبَ الْهِيمِ )) أي : شرب الإبل الهيم جمع هائمة يعني أو جمع هيماء يعني أنها شديدة العطش فتملأ بطونها وبطونها، كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( معها سقائها ) وهو بطنها تملأ بطنها من الماء ( وحذاؤها ) أسأل الله أن يجيرني وإياكم من النار.
(( هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ )) يعني: هذه ضيافتهم بخلاف المؤمنين فإن ضيافتهم جنات الفردوس (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً )).
ثم قال عز وجل : (( نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ )) وهذا أمر لا أحد ينكره أن خالقنا هو الله حتى المشركون الذين يشركون مع الله إذا سئلوا من خلقهم ؟ قالوا : الله يعني (( نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ )) أول مرة (( فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ )) أي: في إعادتكم ثاني مرة ولولا هنا بمعنى هلا تصدقون، كان الواجب عليهم وهم يصدقون بأن خالقهم أول مرة هو الله أن إيش ؟ أن يصدقوا بالخلق الآخر، لأن القادر على الخلق الأول قادر على الخلق الآخر من باب أولى، كما قال عز وجل : (( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ )) وقال عز وجل : (( وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى )) إذًا نحن خلقناكم متى ؟ أجيبوا أول مرة (( فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ )) أي : فهلا تصدقون أننا نعيدكم نخلقكم ثاني مرة لأن القادر على الخلق أول مرة قادر على الخلق المرة الأخرى.
ثم ضرب الله تعالى مثلًا بل أمثالًا لما فيه وجودنا وما فيه بقاؤنا وما فيه استمتاعنا فقال : (( أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ )) يعني: أخبروني عن هذا المني الذي يخرج منكم هل أنتم تخلقونه أم الله ؟ الجواب : الله عز وجل هو الذي يخلقه فيخرج من بين الصلب والترائب هو الذي يخلقه في الرحم خلقًا من بعد خلق، فنحن لا نوجد هذا المني ولا نطوره في الرحم بل ذلك إلى الله عز وجل.
(( أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ )) الجواب : بل أنت يا رب (( نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمْ الْمَوْتَ )) أي : قضيناه بينكم فكل نفس ذائقة الموت اللهم اجعلها على الحق والعدل، كل نفس ذائقة الموت ولا بد حتى الأنبياء والرسل قال الله تعالى : (( وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ )).
(( نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمْ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ )) يعني: لا أحد يسبقنا فيمنعنا أن نبدل أمثالكم بل نحن قادرون على ذلك وسوف يبدل الله تعالى أمثالنا أي : ينشئنا خلقا آخر وذلك يوم القيامة (( وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ )) وذلك يوم القيامة.
(( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى )) علمتم النشأة الأولى وأنكم نشأتم في بطون أمهاتكم وأخرجكم الله عز وجل من العدم (( فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ )) أي : فهلا تتذكرون وتتعظون، وهذا دليل عقلي من الله عز وجل يعرضه على عباده يقول : إننا بدأناكم أول مرة وإذا بدأناكم أول مرة فلسنا بمسبوقين على أن نعيدكم ثاني مرة.
وإلى هنا نأتي إلى ما أردنا أن نتكلم عليه في التفسير لنتفرغ للأسئلة، نسأل الله أن يلهمنا الصواب وأن ينفعنا وإياكم بما علمنا .